تقوم أي ثورة لتغيير واقع سيئ ولصنع حياة أجمل وأفضل.. وتتناقض الثورة مع سوء الأدب؛ لارتباطه بالقبح في القول والفعل..
فالثورة قامت لتحطم الخوف، وليس للتخلص من الأدب.. ومن المستفِز إسراف الفضائيات في منح لقب "الثوار" لكل من يعلو صوته.. وينطبق على الإعلام القول: "أعطى ما لا يملك مَن لا يستحق"..
فليس كل من تظاهر أو اعتصم ثائرا، وليس كل من شكّل ائتلافا من الثوار؛ فللثائر مواصفات عديدة يخلو منها بالتأكيد سوء الأدب..
وقد انتشر سوء الأدب عند أدعياء الثورة؛ وهو ما جعل صحيفة الليبراسيون تتحدث عن سوق الثورة بمصر..
ونرى سوء الأدب دليلا على ضعف المنطق والشعور بالهزيمة، والمبادرة بالهجوم غير المهذب لإرباك الخصوم؛ فالثائر الحق يحترم مخالفيه، ولا يتعامل معهم بمنطق: "عركة في خمّارة ينتصر فيها من يخيف خصمه"..
ومن أسباب سوء الأدب: انعدام التربية أو تملّك شهوة الظهور، أو خوفه من زوال شهرة يظن أنه امتلكها؛ فضلا عن رؤية البعض أن الكثيرين نالوا الشهرة والتواجد الإعلامي المكثف بسبب ألسنتهم الطويلة؛ وهو ما يجعل البعض يستخدمهم كشتّامين تحت الطلب لمن يريدون النيل منهم.. ويختار البعض سوء الأدب عند الغضب لإنهاء الموقف لصالحه، كما يفضله الجاهل ليتغلب على شعوره بالنقص لإدراكه لجهله بما يراه نيلا من خصمه..
ومن سوء الأدب ما نراه بالتليفزيون الحكومي والصحف القومية من السخرية من المصريين، وكما قيل: "بندفع لهم مرتباتهم ويشتمونا".
فيشتركون مع إعلام رجال الأعمال باتهام الشعب بالجهل والتعالي عليهم، والادعاء أن المصريين خرجوا للانتخابات؛ خوفا من الغرامة؛ بينما أصغر مصري يعرف سهولة الحصول على شهادة طبية للتهرب منها؛ فضلا عن أن الكثيرين يثقون أنها غير واقعية لصعوبة تحصيلها من الملايين..
ومن سوء الأدب الاستهزاء بالمصريين، والقول بأنهم خرجوا للانتخابات؛ لأنهم فجأة أصبحوا مُغرمين بالخروج وعاجباهم الحكاية..
ومن سوء الأدب والكذب أيضا الادعاء بأن الديمقراطية لا تأتي من الصناديق، وأنهم وحدهم الذين يمتلكون الحقائق، وهو ما يخالف جميع النظريات السياسية ويرسّخ لنظرية جديدة: "يا إما الديمقراطية تجيب اللي في بالي، يا أرميك يا شعب في الأسفل ولا أبالي؛ لأنك غبي وجاهل وأنا وحدي الفهّيم الليبرالي، وهادوسك وأهرسك حتى تحقق لي خيالي، وأتتريق عليك وأهزأك وأرميك بكل اللي قبالي"..
ومن سوء الأدب أيضا قيام كل من: إبراهيم عيسى ودينا عبد الرحمن -كل على حدة- باستضافة طبيب نفسي ليقوم بتحليل نفسية المصريين الذين انتخبوا الإسلاميين؛ وكأنهم يعانون أمراضا نفسية..
ومن سوء الأدب قيام الطبيبيْن النفسييْن بالرد عليها..
ومن سوء الأدب إهالة ال...... على عبد المنعم الشحات لكلامه -الذي أرفضه تماما- عن تغطية التماثيل بالشمع، وتجاهل ساويرس الذي تتوالى تصريحاته المهينة للمصريين، وأحدثها أن: المصريين شعب غبي وقذر.. وسخريته من غباء المصري الذي يأكل الفول، ويرتدي الملابس المزيتة والقذرة، ومديحه للبائع اللبناني، ومن المؤكد أن هذه التصريحات تضر السياحة؛ فضلا عن إهانتها لكل مصري..
ومن سوء الأدب أن يقول مذيع: إذا لم يعجبك كلامي فبإمكانك تغيير المحطة، وأن يقول كاتب: إذا لم يعجبك رأيي فتوقف عن القراءة وانصرف ولست آسفا عليك..
ومن سوء الأدب أن يفرض علينا الإعلام شبابا لا نعرفهم، ويمنح كلا منهم لقب ناشط سياسي، وغالبا ما يصيح ويسبّ ويلعن كل من يختلف معه، ثم يقول للمذيع أو للمذيعة حينما تقاطعه: "حضرتك" و"يا فندم"، وهو ما يعني أنه يستطيع الحديث بأدب؛ ولكنه يطبق شعار المرحلة: "ليه أكون مؤدب لما ممكن أكون قليل الأدب".. ونسمع أقوالا مثل: "الثورة تأمر وتطاع".
ويتناسى أنه لا يمثل الثورة، وأن من حقه إبداء رأيه بأدب؛ ولكن ليس من حقه فرضه واتهام من يخالفه بأنه من العبيد أو من المتخلفين أو من لاعقي بيادة العساكر..
ومن سوء الأدب قيام المكلومين والمستبدين من المذيعات والمذيعين بتوجيه التحذيرات للشعب، وإعطاء النصائح وجمل مثل: "لم يعد مقبولا أن"، و"انتهى زمن كذا"..
وعليهم أن يعرفوا أننا نرفض أحاديثهم ونتابعهم -فقط- لنعرف الرسائل التي يريدون تضليلنا بها..
ومن سوء الأدب أن يظهر إعلامي كبير بالسن ليقول: يجب أن يكون عند الناس إحساس ودم ليأخذوا بدم الشهيد، ويكررها مرات.. وعليهم التذكر رفض المتاجرة بدماء الشهداء؛ فالشهيد لم يقم بإهداء حياته للوطن كي يتقافر هؤلاء على دمائه للفوز بمصالحهم الضيقة..
ومن سوء الأدب السخرية من الشعب والحديث عن حزب الكنبة؛ فليس من حق أي مخلوق التهكم على أي مواطن من شعبنا إذا لم يفعل ما يريده، وإذا لم يقبل بوصايته عليه؛ لأنهم يريدون ديمقراطية تناسب مقاساتهم وطموحاتهم الشخصية؛ وإلا فإن الرد يكون بتوجيه الشتائم للشعب، أو كما قال عصام سلطان -نائب رئيس حزب الوسط- علينا تحمّل شعبنا؛ حتى نصل بهم لما نريد.
ومن سوء الأدب: لجوء الكثيرين للسخرية من الأميين، ومنهم عضو بائتلاف الثورة "عمرو عز" الذي سخر بسخف غير مسبوق من الناخبين الذين لا يعرفون القراءة، ودخلوا لينتخبوا وفقا للرموز، وطالب بمنعهم من الانتخابات مستقبلا، وكرر الدعوة السخيفة لمنع غير المتعلمين من الانتخاب.. وتعجبت لأنه ذكر أنه من سكان إمبابة؛ فكيف يسخر من جيرانه ورشّح نفسه ليمثلهم في مجلس الشعب، وهل كان سيخدمهم إذا نجح؟ وذكّرنا بسخافة القائلين: "إن صوت من قال لا على الاستفتاء يعادل ألف صوت ممن قالوا نعم".
ومن سوء الأدب إغلاق الطرق عند الاعتصام؛ ففي العالم كله للاعتصام قوانين لا يمكن خرقها، ومن يخرقها يتعرض للعقاب؛ ففي الغرب -الذين ينبهرون به- يعاقبون من ينزل عن الرصيف أثناء الاعتصام..
وأؤيد وأحترم وأطالب بحق الاعتصام، وأدافع عنه بقوة؛ بعيدا عن البلطجة السياسية، واتضحت في قول أحد المعتصمين: عندما تتعطل مصالح الناس سيضطرون للانضمام إلينا.
ومن سوء الأدب أن يرفع شاب يديه بعلامة النصر أمام المجمع العلمي وهو يحترق، وأتذكر عندما كنا بالتحرير كيف كان الشباب -من الجنسين- يحرصون على تنظيف الميدان ليس من المخلفات فقط؛ ولكن من أي كلمة سيئة، وكان الجميع -من كل الطبقات الاجتماعية والتعليمية- يتعاملون برقي، ونسمع كلمات: "لو سمحت"، و"شكرا"، و"من فضلك".
ومن سوء الأدب السماح بتجاوزات أخلاقية بين الجنسين، أو قبول بشاب يدخّن سيجارة الحشيش وسط المعتصمين، ولا مجال هنا للحديث عن الحرية الشخصية؛ فالثائر يحتفظ بعقله يقظا، ولا يرميه بغيبوبة المخدرات أبدا، ويحترم فتاته، ولا يحتضنها أمام المارة..
ومن سوء الأدب مطالبة الجنزوري بالدخول من الباب الخلفي لمجلس الوزراء لمزاولة عمله، وتناسي أنه رئيس وزراء لمصر ولا يمثل نفسه.
ويتعمد الكثيرون سوء الأدب لترويع الخصوم؛ فيخسرون في الدين والدنيا؛ ففي الأولى ثبت أن حسن الخلق أثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة..
وقال الإمام مالك: "إذا رأيت الرجل يدافع عن الحق فيشتم ويسبّ ويغضب؛ فاعلم أنه معلول النية؛ لأن الحق لا يحتاج إلى هذا". ويخسرون في الدنيا؛ فقد رفض الناس الوقوف بإشارة المرور مؤخرا حتى تمر سيارة مسئول وهتفوا: كان زمان، لن نقبل بأي إهانة..
وهو ما يصر الكثير على عدم فهمه، وسينالون ما يستحقون بأقرب وأقسى مما يتوقعون..