لم يكد يمر شهر على تصدر جماعة الإخوان المسلمين ومرشد العام د. محمد بديع قائمة الأكثر معاداة للسامية في عام 2012، التي أصدرها مركز "سيمون فيزنتال" اليهودي، حتى ظهر فيديو مسجل للرئيس المصري "محمد مرسي" تجاه اليهود والذي يعود تاريخه لعام 2010، يتضمن تصريحات معادية لليهود وبأنهم أبناء "القردة والخنازير"، والذي أثار جدلًا دوليًا سياسيًا وحقوقيًا، وضع جماعة الإخوان المسلمين ورئيسها في أزمة حقيقية مع "أمريكا إسرائيل"، وبدورها اهتمت الصحف البريطانية بالفيديو ووصفته بأنه "مقزز"، وعلقت صحيفة "نيويورك تايمز" على الفيديو بعنوان "تصريحات بغيضة"، وتباينت ردود أفعال خبراء سياسيين مصريين حول تصريحات الرئيس قبل ثلاث سنوات ضد "الصهاينة واليهود" بأنها جاءت بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في شتاء 2009، فيما أكد البعض الآخر أن الرئيس لم يحترم ديانة "اليهود" السماوية، وتعكس أيديولوجية قادة الإخوان المسلمين ورؤيتهم الحقيقة في "أمريكا وإسرائيل"، وكشف الخبراء أن المنظمات الحقوقية اليهودية قد ترفع قضية ضد الرئيس مرسي بتهمة "معاداة السامية"، وقد تتدخل "الولاياتالمتحدة" لحل الأزمة بعد الحصول على ضمانات ووعود بتقديم بعض التنازلات المصرية لتجاوز هذه الأزمة مع يهود العالم. وقال أبراهام فوكسمان المدير الوطني لمنظمة "اتحاد رفض التشهير" الإسرائيلية في تصريحات سابقة: إن فيديو الرئيس المصري يعكس توجهًا خطرًا جدًا كانت إسرائيل تعرفه مسبقًا من جماعة الإخوان المسلمين، ولكن لم نعرف أن غضبهم الداخلي ارتفع لحد "معاداة السامية" متخوفًا من تزايد استخدام العديد من المسئولين المصريين والمقربين من الرئيس مرسي عبارات تحريضية ضد اليهود وإسرائيل. وفي رأي د. عبد الله الأشعل، نائب مساعد وزير الخارجية للعلاقات الدولية الأسبق، أن إسرائيل دولة ذات طابع ديني مختلف عن جميع دول العالم؛ نظرًا لأنها الدولة الوحيدة التي تأوي "اليهود" ويطلق عليها أحيانًا "الدولة اليهودية"، رافضًا اتهام الرئيس المصري بمعاداة السامية من قبل المؤسسات اليهودية والأمريكية حول العالم؛ نظرًا لأن هذه التصريحات كانت من مواطن مصري ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين يعبر عن رأيه في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في شتاء 2009، موضحًا أن فكرة معاداة السامية هي نغمة قديمة تستخدمها إسرائيل لاستفزاز العرب والمسلمين، وتريد استخدامها حاليًا لابتزاز الرئيس مرسي لتقديم تنازلات برعاية أمريكية بهدف تسوية النزاع مع المنظمات اليهودية حول العالم، وهو ما قد ينتج عنه إظهار مزيد من الفيديوهات للرئيس، مؤكدًا أن هؤلاء اليهود الغاضبين يطلقون على "العرب والمسلمين" أوصافًا مثل: "حشرات، وحيوانات، وإرهابيون"، بالإضافة إلى أن أفلام هوليود تصور المواطن العربي على أنه "حرامي وزير نساء"، وأرى أن تضخيم هذه التصريحات لا علاقة له بالسياسة وإنما لابتزاز مصر لتحقيق مكاسب بتعديل بعض الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة. وأضاف د. مصطفى علوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن معاداة السامية لفظ "مبهم" وغير واضح التفاصيل، وتستغله إسرائيل جيدًا في تحقيق مكاسب سياسية أو الضغط على رؤساء الدول لتمرير بعض الاتفاقيات والمعاهدات لدول الشرق الأوسط، موضحًا أن حرية التعبير لا يجب أن تكون "تهمًا"؛ لأن الرئيس مرسي استخدم حقه القانوني والطبيعي في إبداء رأيه حول "الصهاينة" المغتصبين للأرض الفلسطينية، وفي نفس الوقت كان عليه احترام "اليهودية" كرسالة ودين سماوي، وكان يجب عليه التفريق بين "الصهيونية واليهودية"، لكن أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين وأفكارهم لن تتغير تجاه اليهود ووجوب مقاومتهم عسكريًا، وما نراه الآن من الرئيس مجرد "ازدواجية" في التعبير والتلاعب بالألفاظ بعد الوصول لكرسي الحكم، لوجود معايير دولية تلزمه باحترام شعوب العالم حتى وإن كانت على عكس قناعاته الشخصية. بينما يرى د. حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن قوانين معاداة السامية منذ ظهورها كانت رغبة يهودية لوقايتهم من شرور العنصرية، ومنع التمييز ضد أقليات دينية أو طائفية حول العالم، إلا أنه بمرور السنوات تبين أنها لتحصين السياسات الإسرائيلية ومنع أي شخص في العالم الإساءة لليهود، وربما ينتاب الرئيس مرسي شعور بالذنب تجاه تصريحاته ويعلن استعداده للتضحية لإرضاء "أمريكا وإسرائيل"، رافضًا تبريرات مؤسسة الرئاسة وإعلان أن تصريحات الرئيس تم "تجزئتها" من سياقها، وكان يجب على الرئيس أمام "جون ماكين" والوفد الأمريكي أن يعلن بصراحة مناسبة هذه التصريحات وبكل شجاعة، متسائلًا على أي شيء يخاف الرئيس من غضب أمريكا أم من اتهامات اليهود؟ موضحًا أن أقصى رد فعل هو مطالبة البعض بقطع المعونات السياسية والاقتصادية عن المصريين، ولكنهم لن يستطيعوا حرصًا على العلاقات المصرية الأمريكية الإسرائيلية. ومن جانبه أوضح د. عمرو الشوبكي، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الغرب يناقض نفسه من خلال قانون "معاداة السامية"، ويبرر تصريحات المسئولين تجاه اليهود أو "المحرقة" وفق تصوره الخاص، كما أن "أمريكا" التي انتفضت بسبب تصريحات الرئيس مرسي لم نشهدها "تدين أو ترفض" ممارسات بعض الصحف الغربية من خلال الرسوم المسيئة "للقرآن والنبي محمد"، لكنها تبرر ذلك تحت مصطلح "حرية التعبير"، مطالبًا الرئيس مرسي استغلال هذه الأزمة جيدًا لتحقيق مكسب عالمي من خلال مطالبته للأمم المتحدة بإصدار قوانين تجرم ازدراء الأديان السماوية مثلما يفعل "اليهود"؛ نظراً لأن العرب والمسلمين هما أكثر المتضررين من قوانين "معاداة السامية"، بينما على النقيض نجد إسرائيل تستخدم هذا القانون لانتهاك حقوق الفلسطينيين، محذرًا من وجود "صفقة" بين الرئيس المصري وأمريكا لتسوية الأمر مقابل السماح باجتياح "غزة"، أو توجيه ضربة عسكرية أمريكية "لإيران"، أو تدخل عسكري في "سوريا". ويرى د. عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بمشيخة الأزهر السابق، أنه لا غرابة في أن يدعو مواطن على أعداء الإسلام والمسلمين، ولكن لا يلعن ديانتهم السماوية، والرسول "صلى الله عليه وسلم" يقول: "إني لم أُبعث لعانًا"، عندما سُئل عن سبب عدم دعائه على المشركين ومن يضطهدونه، مؤكدًا أن العداوة بين المسلمين واليهود تاريخية ولن تنتهي طالما استمرت الحياة، إلا بقيام معركة بين "اليهود والمسلمين" حسبما ذكر الرسول "صلى الله عليه وسلم" والكتب السماوية الثلاثة، وإذا كان اليهود يتحدثون عن معاداة السامية بسبب تصريحات الرئيس مرسي فإنهم يحاولون استفزاز المصريين ليس أكثر، بالإضافة إلى أن المسلمين هم أكثر من تأذوا من "الصهيونية" من خلال حرق المصحف والإساءة للرسول، ولذلك الغرب لم يواجه فكرًا بفكر، وإنما تعدى على مقدسات دينية استفزت مشاعر المسلمين في العالم. وطالب د. فوزي الزفزاف، رئيس لجنة حوار الأديان السابق بالأزهر، توافر الإرادة السياسية لدى مصر ودول العالم العربي للضغط على المجتمع الدولي لإصدار قانون يمنع ازدراء الأديان ويحترم المقدسات الدينية، وهو ما يطالب به الأزهر والكثير من علماء الإسلام منذ سنوات، إلا أنه لم يجد صدى على المستوى السياسي، إلا أن تعرض رئيس مصر لتهمة "ازدراء الأديان ومعاداة السامية" يفتح الباب مجددًا لعرض هذا المطلب الحيوي، مشيرًا إلى أن إصدار قانون بذلك ليس بصعب على المجتمع الدولي، ويكون موازيًا لما يعرف بقانون "معاداة السامية" الذي يضطهد كل من ينكر ما يعرف بالمحرقة اليهودية ولديهم الآليات التي تمكنهم من ذلك وتمنع الحديث في هذه القضية بشكل يسيء لها، موضحًا أنه إذا كانت حرية الرأي والتعبير في هذه المجتمعات كاملة فليسمحوا بحرية آراء المسئولين العرب دون مواجهة اضطهاد أو اتهام بمعادة السامية.