أصبح اللجوء إلى أخذ الحق عن طريق العرف دون اللجوء إلى القانون والجهات الأمنية أكثر انتشاراً بين الناس، وكم من قضايا دم ونصب وعرض وغيرها تم حلها عن طريق العرف. ويرجع ذلك لأسباب كثيرة، منها قصر الوقت وعدم التصعيد إضافة إلى الحفاظ على صلات الود والمعروف بين الناس.فالاحتكام إلى كبير السن أو كبير عائلة أو قبيلة من أجل فض نزاع معين، هي طبيعة في قاعدة عريضة من الناس للحصول على حقهم، سواء كان حق مسلوب أو تعد طرف على آخر دون وجه حق . وقد يختلف القضاء العرفي عن قضاء المنصة في بعض الأمور البسيطة ومنها أنه غير رسمي، إلا أنه يساهم بنسبة كبيرة في عملية الفصل بين الناس في المنازعات القائمة بينهم . وهناك الكثير لم يعرف بعض التفاصيل عن الجلسات العرفية، وكيفية عقدها، وشروطها، وطريقة إدارتها من قبل المحكمين، وكذلك عقوبة عدم تنفيذ قرارات المجلس العرفي، لذلك قامت "صوت البلد" بمناقشة هذا الملف لتوضيح أهمية الجلسات العرفية، ودورها الكبير في المساهمة في حل النزاعات بين الناس. يقول الشيخ محمد أبو عواد العصباني، أحد مشايخ قبيلة العمران، حتى يكون الفرد قاضيا عرفيا لابد وأن يتوافر لديه العلم والحكمة و الموهبة، وأن يكون ملما بأبسط مبادئ القوانين الجنائية والمدنية والشرعية، إضافة إلى كونه حسن السمعة، وله هيبته واحترامه من الناس، وأن يكون ذو عزم وحزم ، كما لابد وأن يكون بيته مفتوحاً للجميع، ولا يفاضل بين هذا وذلك، كي يستطيع أن يطبق العدل بين الناس. وأكد "العصباني"، على أن لجوء الناس إلى التحكيم العرفي يأتي رغبة في الحفاظ على الود والترابط بينهم، بعيداً عن اللجوء إلى أقسام الشرطة والمحاكم، التي قد تطول خلالها فترة الحصول على الحقوق ورد المظالم لأهلها. فهناك قضايا تستغرق شهوراً وقد تصل مدتها إلى أعوام، قد يفصل فيها القضاء العرفي في ساعات معدودة، ويخرج الطرفان منها راضين تماما عن حكم المجلس، محافظين على علاقات الود والتسامح بينهما. وأوضح بأنه في حال وجود شجار أو مشكلة أو نزاع بين طرفين أو أكثر يتحرك فيها أهل الخير من العقلاء والحكماء، ويتم التدخل بينهم، وإقناعهم بالامتثال أمام مجلس عرفي مكون من عدد من المحكمين العرفيين، بحيث يختار كل طرف عدد من المحكمين قد يكون ثلاثة أو أكثر بعد تحديد البيت الذي سوف يعقد فيه المجلس، ويتم اختيار ثلاث بيوت لعقد المجلس على أن يتفق الطرفان على بيت منهم، وذلك بعض توقيع إيصالات الأمانة من كلاهما، ويتم التواصل مع صاحب البيت وإعطائه إيصالات الأمانة، لتحديد موعد للجلسة، ويكون صاحب المنزل في الغالب المرجح – الفاصل في الحكم- بعد أن تنتهي اللجنة من التداول في غرفة مستقلة. وأشار "العصباني" إلى أن إيصالات الأمانة، تجبر الطرفان على الالتزام بحضور الجلسة وعدم تخلفهم عن موعد الجلسة إلا لأسباب مقنعة ، كذلك الالتزام بهيبة المجلس وعدم تعد أي طرف على الآخر، وتنفيذ حكم المجلس العرفي . سيناريو الجلسة العرفية ويضيف العمدة علاء شديد، عمدة عرب الحويطات بمصر، "ينعقد المجلس ويتم افتتاحه من قبل أكبر المحكمين سنا وأكثرهم خبرة، ويتم عرض الصلح والتراضي في البداية بين الأطراف وهذا ما يسمى بالصلح الأبيض، ويكون ذلك باعتراف الطرف المخطئ بخطئه وبهذا ترفع حجته، ويتم إعفاؤه من نصف تقديرات الجلسة الأدبية، أما التقديرات المادية فلابد وأن تؤدى إلى ذويها، فلا يعقل أن يغتصب أحدهم أرضا يملكها شخص آخر ويتم إعفاؤه ورد نصفها فقط ، أو أن يقوم أحدهم بإحداث عاهة أو جرح بشخص آخر ويتم إعفاؤه ماديا ، فيتم السماع لحجة الآخر وبعدها يتم التداول بين المحكمين بعيدا عن الجلسة، ويتم التوصل إلى الحكم . وفي حال تنازل الطرف المجني عليه عن حقه فهذا يرجع إليه، ويتم تحرير أقوال الأطراف في مشارطة تحكيم عرفية ويوقع عليه المحكمين، ويوقع كل طرف على أقواله وحكم المجلس ". ويتابع شديد : يبدأ الطرفان في سرد سبب المشكلة على حضور، ويستدعي الشهود للتأكد من صحة الواقعة، وبعدها ينتقل المحكمين إلى غرفة منفصلة للتشاور والتداول فيما بينهما. وبعد التوصل إلى حكم يتفق عليه محكمي الطرفين يخرج أكبر الأعضاء سناً ويتلو الحكم على الحضور،و غالبا ما يكون صاحب المنزل.مؤكداً على أن الحكم يستند إلى الشريعة الإسلامية والأعراف المتفق عليها. تأمين صاحب المنزل من دعوى خيانة الأمانة وأضاف : أثناء انعقاد المجلس يتم التوقيع من جديد على إيصالات أمانة جديدة أمام جميع الحضور، ويتم تحرير أقوال طرفي النزاع في محضر جلسة عرفية، يوقع عليها أعضاء الجلسة . ويتم تأمين راعي البيت أو الشخص الذي يؤتمن على محضر الجلسة وإيصالات الأمانة، عن طريق توقيع طرفي النزاع على إقرار منهم يفيد بأنهم قد تسلموا إيصالات الأمانة التي تم التوقيع عليها أمام الحضور، حتى لا يقوم أحد طرفي النزاع بتحرير شكوى ضد أمين المجلس (الشخص المؤتمن على محضر الجلسة وإيصالات الأمانة)، فقد لا يلتزم أحد الأطراف بحكم المجلس، وعلى ذلك يقوم الطرف المتضرر بدعوة المجلس للانعقاد مرة أخرى، ويتم تسليمه إيصالات الأمانة وكذلك تطبيق الشرط الجزائي المتفق عليه لعدم العودة إلى النزاع مرة أخرى". أنواع القضايا العرفية ومن ناحيته يقول الشيخ حسين أحمد عين، أحد المحكمين العرفيين بالقليوبية "إن القضايا العرفية ثلاثة أنواع، قضايا هم وقضايا غم وقضايا دم. .. فقضايا الهم : هي تلك المشاكل التي تحدث بين الأهل وبعضهم والتي تمس النسب والشرف، ويتولاها أكثر القضاة حكمة، كي يصل بطرفي النزاع والوصول إلى الحل الأمثل الذي يرضي جميع طرفي النزاع ، لأنها مشكلات في غاية الصعوبة أما قضايا الغم: فهي الأعراض عموما، ويأتي من ورائها هم ودم، وتلك أيضا تحتاج إلى قاض لديه فراسة وحكمة، وله ما يؤهله للحكم في تلك القضايا الشائكة والخطيرة. وقضايا الدم : منها القتل ومنها الشقاق " الجروح". أما القتل فمنه قتل العمد وقتل شبه العمد وقتل الخطأ . وفيما يخص قضايا قتل العمد وشبه العمد، فإن قدر الله واستطاع المجلس العرفي بإقناع المجني عليهم بالعفو وقبول الدية والكفن، فهذا توفيق من الله، أما في حال الإصرار على الأخذ بالثأر فلا يفصل فيها إلا قاضي المنصة . وفيما يخص قضايا القتل الخطأ ، فهي واجبة الدية في حال اقتناع الطرف الآخر بتسلمها والعفو عن القاتل. ويضيف الشيخ حسين : وفيما يخص "الدية"، يستند المجلس فيها إلى الفدية التي فدى بها جد النبي والده عبد الله، والتي قدرت آنذاك ب 100 ناقة. وبخصوص قضايا الشقاق "الجروح"، تتفاوت قيمتها كلما اقتربت من مواقع الخطورة أو أحدثت تشوهات للوجه، فجرح الوجه تقدير قيمته لا تتساوى مع جرح اليد أو الذراع . فهناك جرح تصل قيمته إلى 50 ألف جنيه وآخر تصل قيمته إلى 5 آلاف جنيه . وعن أكبر دية تم تقديرها خلال مشواره في القضاء العرفي، قال "عين" : كنت أحد أعضاء المجلس فيما يقرب من 130 قضية دم حتى الآن، وأكبر دية تم الحكم بها خلال تلك الجلسات كانت خمسة ملايين جنيهاً.وفي حالة عدم قدرة أحد الأطراف على دفع مبلغ الحكم، وأصر الطرف الآخر ولم يتنازل عن حقه، يتم إحالة القضية إلى الجهات الأمنية ويتم الفصل فيها من قبل قاضي المنصة سواء بالإدانة أو البراءة . الرعاية الأمنية للجلسات العرفية وعن الدور الأمني في الجلسات العرفية وموقف الأمن منها، قال الشيخ حين عين : يتم إخطار الجهات الأمنية قبل عقد المجلس العرفي في جلسات الدم – الدية وتسليم الكفن- أو المشكلات الكبيرة التي قد تخرج الأمور فيها عن السيطرة، ويحضر مندوبون عن مديرية الأمن أو مركز الشرطة الذي يقع مكان عقد المجلس في زمامه، من أجل تأمين المجلس من حدوث أي نزاع بين الأطراف، وأغلب الجلسات العرفية تنجح بسبب الرعاية الأمنية لها . وأشار إلى أنه غالبا ما يؤخذ بقرارات المجالس العرفية لدى الجهات الأمنية، رحمة بالناس حفاظا على أحوالهم الاجتماعية، شريطة رضا الطرفين. وعن انتشار العرف في الريف أكثر منها في المدن، قال حسين عين : العرف ليس له مكان معين، لأن العرف هو عادات وتقاليد موروثة ومعترف بها من قبل الجميع، ولا يوجد من ينكر ذلك. مطالب بتنظيم القضاء العرفي وأشيع في الآونة الأخيرة عن وجود قلة مندسة بين قضاة العرف قيل أنهم مأجورين، من أجل تحييد المجلس لطرف دون الآخر، مقابل مبلغ من المال. وفي هذا الصدد يقول عين " ذلك يشير إلى غياب العدالة في الجلسة العرفية،وحياد الحكم لصالح طرف معين حتى وإن كان الجاني، يفقد الناس الثقة في العدالة قبل القاضي العرفي، والعدالة في الحكم بين طرفي النزاع هي الشرط الرئيسي للتحكيم العرفي. كما أن هذا النوع من قضاة العرف –المأجورين- يتم اكتشافهم أثناء الجلسة من طريقة انحيازه لطرف معين عن باقي المجلس، وبعدها لا يتم الأخذ برأيه في قرار المجلس، وإن آجلا أم عاجلا يتم كشفهم بين الجميع ". وطالب قضاة العرف السالف ذكرهم بضرورة تنظيم القضاء العرفي تحت مظلة وزارة الداخلية أو وزارة العدل، وتكوين لجان تسمي لجان التصالح وفض المنازعات، بالقرى والمراكز والمدن، وأن تكون مكونة من لجنة يتم اختيارها على أساس الخبرة والسمعة الطيبة، ضماناَ لتطبيق العدالة بين الناس، وحماية القضاء العرفي من الدخلاء والمتطفلين عليه، إضافة إلى مساعدة الجهات الأمنية في فض الكثير من المشكلات، وكذلك للتخفيف على المحاكم، وتسريع العدالة.