استهل منتدى الإعلام العربى اليوم أعمال دورته الثالثة عشرة المقامة تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس الوزراء حاكم دبى، بجلسة صباحية عبّرت بجدارة عن شعار المنتدى هذا العام "مستقبل الإعلام يبدأ اليوم" وتحدث فيها الخبير العالمى روس داوسون، والمعروف بتخصصه فى تقديم قراءات استشرافية للمستقبل فى مجالات عدة من بينها الإعلام، حيث قدم عرضًا توضيحيًا تناول فيه عددًا من المعطيات والأطر التى يرى أن مستقبل الإعلام العالمى والعربى سيتشكل فى سياقها خلال السنوات المقبلة. واستعرض داوسون فى بداية حديثه خلال الجلسة التى حملت عنوان "مستقبل الإعلام العربى" سبعة عوامل وصفها بأنها تشكل مجتمعة "القوة الدافعة" للإعلام العالمى حاليًا والتى حددها بكل من: "زيادة الاستهلاك الإعلامى، والتشرذم، والمشاركة، وزيادة الصبغة الشخصية، وتطور موارد العائدات، والتغيرات المرتبطة بالجيل، وزيادة سعة النطاق فى شبكات المعلومات"، حيث أكد بالأرقام عمق أثر تلك العناصر، ومنها على سبيل المثال زيادة الإقبال الجماهيرى على "المشاركة" والتى تتجسد فى تنامى إجمالى عدد المستخدمين النشطين على موقع "فيسبوك" من أقل من 200 مليون فى الربع الأول من 2009 إلى ما يناهز مليار و200 مليون فى الربع الأخير من 2013. ومع تطرقه إلى القنوات الإعلامية فى أطرها التقليدية والتوقعات حول قدرتها على الاستمرار فى المستقبل، توقع الخبير العالمى أن الصحافة الورقية على سبيل المثال سوف تنقرض، أو على أقل تقدير سوف تفقد قيمتها فى المستقبل وبنسب وأطر زمنية متفاوتة، حيث توقع أن تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية هى أول دول العالم التى تتحقق فيها هذه النبوءة بحلول العام 2017. أما عربيًا، فقد تكهّن روس داوسون بأن دولة الإمارات ستكون من أولى الدول العربية التى ستتخلى فيها الصحافة الورقية التقليدية عن مكانتها لصالح الإلكترونية بحلول العام 2028، وذلك نتيجة لمجموعة من العوامل من بينها النفاذية الكبيرة للإنترنت فى الدولة، وتزايد أعداد مستخدميها بالنسبة لعدد السكان فيها، تتبعها المملكة العربية السعودية بفارق ست سنوات، أى فى العام 2034، بينما تنبأ داوسون أن تفقد الصحافة المطبوعة قيمتها وتأخذ طريقها نحو الانقراض الكلى فى أغلب دول العالم اعتبارًا من العام 2040. وقال الخبير العالمى، الذى كان أول من تنبأ بفوران شبكات ومنصات التواصل الاجتماعى فى العالم، إن هناك عوامل عدة ستساهم فى تحقيق الانسحاب الحتمى للصحافة المطبوعة، ومن بين تلك العوامل على المستوى العالمى التطور التكنولوجى السريع وتناقص تكلفة الاتصال بشبكة الإنترنت عبر الهواتف النقالة والحواسب اللوحية، وزيادة سعة النطاق للشبكة، وتفاقم مشكلات الصحافة التقليدية لاسيما فى نواحى الطباعة وتكلفة الإنتاج. كما عدد مجموعة من العوامل المؤثرة على مستوى كل دولة على حدة، بما فى ذلك تنامية معدلات الثروات المحلية، وتغير أنماط الاستهلاك الإعلامى من حيث تفضيل الوسائل الرقمية، والأوضاع المالية للمؤسسات الصحفية الكبرى، والتراجع فى عائدات الدعاية، وهيكلية توزيع الصحف، وانتشار الهواتف الذكية وانخفاض تكلفتها، بين مجموعة متنوعة من العوامل المساعدة الأخرى. وذهب داوسون إلى استعراض زيادة نفاذ الإنترنت فى العالم العربى، وكذلك الانتشار الواسع للهواتف الذكية فى المنطقة لاسيما فى دولة الإمارات التى تصدرت القائمة، ليس فقط عربيًا ولكن أيضًا عالميًا بنسبة وصلت إلى حوالى 73.8 ٪، (وذلك بناء على اختيار عينات عشوائية فى الدراسة التى ضمت حوالى 500 شخص فى دولة الإمارات)، وتلتها كوريا الجنوبية بنسبة 73 ٪، فيما حلت السعودية الثالثة عالميًا والثانية عربيًا بنسبة نفاذ قدرها 72.8%. وأشار داوسون إلى تأثير التنوع الاقتصادى فى الدفع تجاه التحول إلى الإعلام الرقمى الجديد، حيث حلّت دولة الإمارات فى مرتبة متقدمة عالميًا وعربيًا فى ناحية تنوع اقتصادها المحلى، علاوة على اهتمامات الجمهور بالمحتوى، حيث أوضحت الدراسة التى قدمها الخبير العالمى تقاربًا كبيرًا بين اهتمامات المتلقين بالأخبار الداخلية والإقليمية والعالمية فى كل من دولة الإمارات والسعودية وقطر، بينما تزايد الاهتمام بالأخبار المحلية على حساب الدولية فى دول مثل مصر والأردن ولبنان وتونس. أما من ناحية أهمية الوسيلة الإعلامية فى الحصول على الأخبار والمعلومات حول الأحداث الجارية، فقد أظهرت الدراسة التى قدمها روس داوسون أن العالم العربى يركن بصفة أساسية إلى التليفزيون كوسيلة للتعرف على الأخبار، وبنسبة تزيد على 80٪، لتصل مثلاً إلى 96 ٪ فى الأردن، فى حين تصل نسبة الاعتماد على الإنترنت للحصول على الأخبار فى البحرين إلى حوالى 85٪ مقابل 84٪ للتليفزيون، بينما يتقارب الاعتماد على التلفزيون مع الإنترنت للغرض ذاته فى الإمارات بنسبة 87٪ للأول و82٪ للثانية، مع تمتع الصحف أيضًا بنسبة كبيرة من ثقة المتلقين فى الإمارات كمصدر للأخبار وبنسبة تصل إلى 72 ٪. وعن تصوراته لمستقبل الإعلام العربى قال داوسون إن الصحافة الرقمية ستكون هى السائدة خلال السنوات الخمسة المقبلة، رغم أن الصحف الورقية ستحاول البقاء من خلال عمليات التطوير المستمرة. وأضاف داوسون أن العالم العربى شهدت مؤخرًا تطورًا كبيرًا فى استخدام الإعلام الرقمى، مشيرًا إلى أن عمليات استخدام الصحافة الإلكترونية شهدت استخدامًا مكثفًا خلال السنوات الأخيرة، وخصوصًا فى قطروالبحرينوالإمارات والكويت وسلطنة عمان، فى حين تأتى اليمن والعراق والسودان كأقل الدول العربية استخدامًا للإنترنت فى الحصول على الأخبار، وهذا يشير إلى أهمية الثروة والثراء فى انتشار الإعلام الرقمى وتسيده وتفوقه على الإعلام التقليدى والورقى. وأشار داوسون إلى أن السعودية والإمارات وسلطنة عمانوالبحرين والكويت وليبيا تأتى فى صدارة الدول العربية بالنسبة لحصة الفرد من الهواتف المتحركة، والتى تصل فى بعض الدول مثل السعودية إلى 100 هاتف للفرد الواحد، مقابل انخفاض حصة الفرد من الهاتف فى دول أخرى مثل السودان واليمن وسوريا. وأشار داوسون إلى أن هذا يؤكد أهمية الثروة ومردودها فى نشر الإعلام الرقمى. وعن تنوع اهتمامات الأشخاص فى العالم العربى بالأخبار، قال داوسون إن القراء فى الإمارات على سبيل المثال يهتمون بالأخبار الدولية والإقليمية، فى حين تأتى الأخبار المحلية فى صدارة الاهتمام بالنسبة لدول أخرى. وعن وسائل التواصل الاجتماعى قال داوسون إن استخدام وسائل التواصل الاجتماعى فى الإمارات والسعودية هى من بين الأعلى عالميًا، وبالتالى أصبحت هى الوسيلة الأولى للحصول على الأخبار. وعلى مستوى العالم، قال داوسون إن مبيعات وتوزيعات الصحف الورقية بدأت بالفعل فى التراجع بشكل كبير، غير أنه أشار إلى مجلة "الأيكونوميست" مثلاً كانت هى الاستثناء من ذلك؛ وذلك نظرًا لأن محتواها لا يتعلق بالأخبار، ولكنه يهتم بالدرجة الأولى بالتحليل والتعليق والتقارير. وقد نال العرض الذى قدمه داوسون اهتمام الحضور الذين حرصوا على مناقشته فيما قدم من أفكار وطرح مستقبلى لمستقبل الإعلام فى المنطقة والعالم. يُشار إلى أن الباحث روس داوسون كان قد تنبّأ فى وقت مبكر، وتحديدًا فى العام 2002، بحدوث فوران عالم شبكات ومنصات التواصل الاجتماعى من خلال كتابه الذى حمل عنوان "الشبكات الحية"، وهو من المحاضرين العالميين المرموقين فى مجال استشراف المستقبل استنادًا إلى دراسة الواقع، واختارته مجلة "ديجيتال ميديا" كواحد من أهم أربعين خبيرًا مؤثرًا فى العصر الرقمى فى أستراليا. يُذكر أن منتدى الإعلام العربى الثالث عشر يقام فى مدينة جميرا بإمارة دبى خلال الفترة من 20-21 مايو الجارى، ويحظى بمشاركة ما يزيد على 2000 من القيادات والخبراء والمتخصصين فى مجال الإعلام من داخل المنطقة وخارجها، لمناقشة باقة من الموضوعات المتنوعة التى تتعرض لواقع الإعلام فى محاولة للتعرف بدقة على استحقاقات التطوير القائمة، واستقراء مستقبل الصناعة وما يحمله من فرص للاستعداد لتوظيفها فى خدمة الإعلام العربى وتعزيز فرصه فى تحقيق قفزات نوعية فى التطوير سواء على مستوى الشكل أو المضمون.