في أكذوبة لم تكن مفاجأة للأوساط الشعبية والسياسية أعلنت اللجنة المصرية العليا للانتخابات أن نسبة المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية بلغت 27.1% من الناخبين المصريين . وزعم رئيس اللجنة العليا للانتخابات وزير العدل ممدوح مرعي أن نسبة الذين قالوا "نعم" من المشاركين وصلت إلى 75.9%. وفي تعليق خاص للشعب على نتيجة الاستفتاء قال عبد الحميد بركات الأمين العام المفوض لحزب العمل إن النظام يحاول أن يتحلى بالمنطقية والعقلانية حيث جاءت نسبة المشاركة المزعومة هذه المرة 27 % بينما بلغت في الاستفتاء الخاص بتعديل المادة 76 ما يقرب من 52 % وهو ما كان أمرا مكشوفا ومفضوحا . وأضاف بركات أن النظام حرص هذه المرة أيضا على عدم رئاسة القضاء لأية لجنة فرعية ذلك لأنهم أظهروا أن الإقبال لم يزدعلى 3% خلال الاستفتاء على المادة 76 عام 2005 . وأشار بركات إلى انه وبحسب الأرقام التي أعلنتها الحكومة للمشاركة فإن أعضاء الحزب الوطني قد فشلوا في إقناع الناخبين بالمشاركة حيث يبلغ عدد أعضاء الحزب حسب تقديراته مليونين من المواطنيين. أجهزة الأمن تلقي بالمعتقلين في صحراء القاهرة وتحتجز قيادات حزب العمل بنقابة الصحفيين منظمات المجتمع المدني تفضح انتهاكات النظام ومحاولاته لتزوير إرادة الشعب وكانت صناديق الاستفتاء على التعديلات الدستورية قد أغلقت مساء أمس الاثنين في الوقت الذي لم يشارك فيه إلا نسبة ضئيلة جدا من الناخبين المصريين تحت ضغوط وممارسات غير قانونية مارستها الأجهزة الأمنية وقيادات الحزب الوطني الحاكم على الموظفين والعمال للإدلاء بأصواتهم . وفي تقارير بثتها أغلب منظمات ومؤسسات المجتمع المدني خلال مراقبتها لعملية التصويت أكدت هذه التقارير أن نسبة المشاركة لم تكن تتعدى أكثر من 3 % من أصل الناخبين المصريين على أقصى تقدير فيما توقع الحزب الوطني الحاكم أن تتراوح المشاركة بين 24% و27% . وأشارت التقارير إلى أن الإقبال كان ضعيفا على الرغم من الإغراءات التي واجه بها رجال أعمال ينتمون إلي الحزب الوطني ضعف الإقبال علي الاستفتاء حيث دعوا المواطنين للتصويت مقابل مبالغ مالية أو وجبات غذائية حيث بلغ ثمن التصويت في عزبة الهجانة بمدينة نصر جنيهين وكيس أرز فيما بلغ 10 جنيهات في عزبة عزيز عزت في إمبابة. وجرى الاستفتاء في ظل غياب القضاة عن معظم اللجان فيما قال عضو مجلس إدارة نادي قضاة مصر أحمد صابر إن الاستفتاء تم دون إشراف قضائي وإن القضاة يتبرؤون منه تماما. وفي محاولة استباقية من أجهزة الأمن لإجهاض محاولات المعارضة المصرية دعوة المصريين إلى مقاطعة الاستفتاء قامت الشرطة باعتقال العشرات من نشطاء حركة كفاية والأحزاب السياسية الذين كانوا يتظاهرون في وسط القاهرة ليلة الاستفتاء. وقد قامت الشرطة بحمل المعتقلين في عربات مصفحة حيث اتجهت بهم ناحية مدينة نصر ثم قامت بإنزال فردي لكل معتقل في صحراء شمال القاهرة طالبة منهم الاعتماد على النفس في الوصول إلى مكان سكنه . كما قامت أجهزة الأمن بمحاصرة نقابة الصحفيين التي كان يعتصم بها قيادات حزب العمل وحركة كفاية ومنعتهم من الخروج إلا بعد انتهاء عملية الاستفتاء وكان من بينهم مجدي أحمد حسين الأمين العام للحزب والدكتور مجدي قرقر الأمين العام المساعد . كما كان من بين محاولات التأثير على الناخبين المصريين ما قامت به إدارات الجامعات المختلفة التي حرصت مساء أمس الأول وصباح أمس علي لقاء الطلاب خاصة المغتربين منهم، لحثهم علي الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء وتسهيل انتقالاتهم بواسطة الأتوبيسات الجامعية. فقد التقي الدكتور عبدالحي عبيد رئيس جامعة حلوان طلاب المدن الجامعية للحديث عن تعديل الدستور مشيراً إلي أن الخلاف في المادتين «179 و88» تركز حول نقاط فرعية. وكانت الجامعة علقت منشورات خلال الأيام الماضية تحث الطلاب بالمدن الجامعية علي تسليم بطاقاتهم الانتخابية لمديري المباني مقابل مكافأة لكل طالب كما عرضت الجامعة توفير أتوبيسات لنقل الطلاب إلي مقار التصويت لكنها تراجعت عن ذلك بعد أن أدركت أن معظمهم يرفض التعديلات. كما قرَّرت الجامعة إعفاء الطلاب والطالبات من مصاريف المدينة الجامعية لمدة شهر وتقديم وجبات مجانية لهم لمدة أسبوع ومشاركتهم في رحلة مجانية لأحد شواطئ الجمهورية مقابل مشاركتهم في الاستفتاء بقول (نعم). وفي جامعة القاهرة قطعت الدكتورة ماجي الحلواني عميد كلية الإعلام، محاضرة بالكلية للدكتور نبيل عشوش عن «الإتيكيت والبروتوكول»، لتحث الطلاب المغتربين علي الإدلاء بأصواتهم، واتفقت معهم علي مقابلتها بلجنة المدرسة السعدية القريبة من الجامعة. وقام الدكتور علي العبد، رئيس جامعة عين شمس، والدكتور أحمد زكي بدر، نائب شؤون الطلاب، بتنظيم مسيرة طلابية لتأييد الاستفتاء علي التعديلات الدستورية. وفي محافظة بورسعيد قام الحزب الوطني باستخدام وسيلة مكشوفة لإظهار إقبال الناس على لجان الاستفتاء عن طريق حشد مَن هم دون سن التصويت في الاستفتاء وهم "طلبة المدارس الثانوية" وتم تجمعيهم أمام المحافظة ثم التوجه بهم إلى مدرسة أشتوم الجميل ليتم تصوير هذه المشاهد وليخدع بها الرأي العام على أن هناك إقبالاً جماهيريا على اللجان. وقد رصدت عدسات وكاميرات الصحفيين والمراسلين الكثير من الانتهاكات حيث شوهدت سياراتِ النقل الجماعي التي خصَّصها الحزب لحاكم ومسئولي الحكومة في المحافظات لحشْد الجمهور للتصويت ب"نعم" مع رصد عدة عمليات لإجبار المواطنين على التصويت حتى بدون بطاقة انتخابية أو إثبات شخصية. كما تم الاستفتاء وسط غيابٍ شبهٍ كاملٍ للإشراف القضائي على مراقبة عملية التصويت في العديد من محافظات الدلتا بجانب محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية في حين تم منْع منظمات حقوق الإنسان وعددٍ من المراقبين من دخول اللجان في العريش للاطِّلاع على سَير عملية الاستفتاء بدعوى عدم وجود تصاريح معهم. أيضا فقد قام الحزب الوطني مساء أمس الأحد بتوزيع نماذج الاستفتاء على التعديلات الدستورية على بعض أعضاء الوحدة الحزبية بقرية بسنديلة التابعة لمركز بلقاس بمحافظة الدقهلية وذلك للقيام بتسويدها ب(نعم)؛ تمهيدًا لوضعها اليوم الاثنين 26 مارس في الصناديق الانتخابية لتمرير التعديلات الدستورية!! وكانت أوامر قد صدَرَت من مباحث أمن الدولة لكل قرية بأن تقوم بكتابةِ لافتةٍ باسم الحزب الوطني وتعليقِها في الطُّرُقاتِ وعليها نفسُ الشعارات، وقد امتلأت مدينة المنصورة بمثل هذه اللافتاتِ الداعيةِ إلى المشاركة في الاستفتاء. وأصدر الحزب الحاكم تعليماتٍ مشدَّدةً لجميع قيادات الحزب وكوادره في مختلف الدوائر الانتخابية بإعداد مجموعاتٍ من الشباب أطلق عليها (مجموعة المائة)، تتولى التصدِّي للمعارضين والرافضين والمقاطعين للتعديلات الدستورية ونزْع أيِّ لافتاتٍ تقوم المعارضة بوضعها في الدوائر الانتخابية بعد أن تلقَّى الحزبُ معلوماتٍ عن إعداد لافتاتٍ تحمل شعار (قاطعوا الاستفتاء من أجل مصر). وطلب الحزب من الدكتور صفي الدين خربوش رئيس المجلس القومي للشباب، وحسن صقر رئيس المجلس القومي للرياضة عقْدَ اجتماعاتٍ عاجلةٍ مع مجالس إدارات مراكز الشباب والأندية على مستوى الجمهورية للمشاركة في حشْد المواطنين للتوجُّه إلى لجان الاستفتاء، وأن يتم اعتماد ميزانية إضافية لمراكز الشباب والمدن لإعاشة وإعالة لجان الاستفتاء، وأيضًا المواطنين الذين يشاركون فيه، وتوزيع هدايا تذكارية ووجبات غذائية وإعداد كرتونة بها حلوى المولد النبوي لتسليمها للمواطنين بواقع 10 آلاف كرتونة لكل دائرة انتخابية، كما صدرت تعليماتٌ لجميع المحافظين بخروج جميع موظَّفي الإدارة المحلية على مستوى الجمهورية يوم الاستفتاء!! وقالت المصادر: إن هناك تحذيراتٍ وُجِّهت للمحافظين بأنه سيتم محاسبة كل محافظ على النتيجة التي ستحقِّقها محافظتُه في ضَوءِ ما تردَّد عن توقع حدوث تغييرات وزارية وحركة المحافظين عقب الاستفتاء. وما حدث مع الطلاب تكرَّر مع عمال المصانع الحربية حيث قرَّر سيد مشعل- وزير الإنتاج الحربي- منحَهم نصف يوم ووجبة غذائية ومبلغ 25 جنيهًا مقابل ذهابهم لصناديق الاستفتاء إلا أنه اشترط أن يكون الذهاب والعودة في سيارات الوزارة وأن يكونوا في صحبة مندوب يتأكد من مشاركتهم في الاستفتاء. وفي خطوةٍ مشابهةٍ قامت الإدارات المحلية بتوجيه رسائل مختومة بختم النسر لكي تجبِر الوحدات المحلية العاملين فيها بالذهاب إلى صناديق الاستفتاء، وألا يعتمد حضوره وانصرافه إلا بعد قيامه بالإدلاء بصوته (نعم). هذا وقد أشاد العديد من الخبراء والمراقبين بموقف الشعب المصري الإيجابي في الاستجابة لقرار مقاطعة الاستفتاء حيث أشارت أكثر التقارير تفاؤلاً إلى أن نسبة المشاركة لم تتجاوز ال3% كإجابة صريحةٍ وواضحةٍ تبين رفْضَ الشعب لتلك التعديلات. وقال محمد زارع- رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة إن الإقبال على عملية الاستفتاء كان أضعف مما كان يتصوَّره المراقبون مشيرًا إلى أنهم كانوا يتوقَّعون نسبة حضور ما بين 5% إلى 7% إلا أنها لم تتعدَّ 3% فقط. وأضاف أن موقف الشعب المصري من المقاطعة يثبت أنه لا يستطيع أحدٌ أن يخرجه للاستفتاء؛ لأنه يعاني من مشاكل كثيرة تثقل كاهله كالبطالة والزواج وغيرها من المشاكل التي تُظهر التعديلات الدستورية والكلام عنها بجوارها كرفاهية . ولفت زارع الانتباه إلى أنه في الوقت الذي وصلت فيه نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الموريتانية أكثر من 60% لم تتعدَّ عندنا في مصر 3%. وكشف زارع عن أن زملاءه الذين راقبوا الاستفتاء رصدوا بعض الأوضاع التي تدخل في إطار التزوير مؤكدًا أنه رصد واقعة تزوير وسيحرِّك بها دعوى قضائية اليوم الثلاثاء حيث ذهب أحد زملائه المحامين إلى أحد الذين يُدلون بأصواتهم فاكتشف أنه قد انتخَب وأن ورقته قد تم تسويدها، فذهبوا لعمل محضر في قسم الشرطة، إلا أن الضباط بالقسم رفضوا تحرير محضر بالواقعة، كما رفض المستشار رئيس اللجنة التوقيع على الشكوى. وكشف زارع أيضًا العديد من عمليات التزوير الأخرى، والتي دارت حول الصناديق الانتخابية التي لا يوجد عليها شمع ولا أقفال؛ مما يسهل تغيير إرادة الناخبين الذين يصوِّتون ب (لا). وأكد بهي الدين حسن- مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان- فشل كل جهود حشد المصريين للذهاب إلى صناديق الاقتراع والمشاركة في الاستفتاء موضحًا أنه كانت هناك مقاطعة تلقائية من المصريين، مشيرًا إلى أن هذه المقاطعة لم تكن فقط مجرد استجابة لنداءات المعارضة ولكن أيضًا لأن المصريين لم يكترثوا بالتعديلات الدستورية. من جانبه قال الدكتور محمد السيد حبيب- نائب مرشد الإخوان المسلمين- إنه لا شكَّ أن الشعب المصري كان أعقل من أن ينزلق إلى استفتاء يصادر حريته ويهدر حقوقه ويزيِّف إرادته ويجعل من الدولة التي يعيش فيها دولةً بوليسيةً يُمسك فيها الأمن برقبة الشعب والوطن. وأكد حبيب أنه على مستوى معظم اللجان فإن متوسط عدد من أدلَوا بأصواتهم- بصرف النظر عما إذا كان بالإيجاب أو السلب- لا يزيد على 3% تمامًا كما كان في الاستفتاء على تعديل نص المادة 76، معتبرًا أن موقف الشعب كان مشاركةً سياسيةً باهرةً. فيما أكد الدكتور عصام العريان أن ضعف نسبة المشاركة في الاستفتاء دليل على عزلة النظام. وأضاف العريان أن النظام هو المسئول عن ضعف نسبة المشاركة بسبب ممارساته المتعارضة مع مبادئ الديمقراطية. وقال العريان إن الجديد في التعديلات هو تكريس اعتماد النظام على الأجهزة الأمنية في البلاد للتعامل مع المواطنين من خلال قانون "مكافحة الإرهاب" الذي يمنح السلطات الأمنية صلاحيات واسعة لاعتقال المواطنين إلى جانب تمكينه رئيس الدولة من إحالة المواطنين إلى المحاكم العسكرية.