دخل اتفاق "التهدئة" الذي وقعته إسرائيل مع حركة "حماس" قبل عشرة أيام في غياهب نفق مسدود، ويبدو أنه سيكون من الصعب إكمال المدة المفترَضة لسريان العمل بهذا الاتفاق لمدة ستة أشهر قادمة. وقد جاء خرْق اتفاق التهدئة قبل مرور أسبوع واحد فقط على دخوله حيز النفاذ عبر إطلاق بعض فصائل المقاومة الفلسطينية للصواريخ على جنوب إسرائيل من قطاع غزة ، وذلك رداً على اغتيال إسرائيل لبعض قادة وكوادر هذه الفصائل فى الضفة الغربية. وهنا يثار التساؤل: هل اتفاق التهدئة كان مقصوداً به قطاع غزة فقط أم أنه يشمل الضفة الغربية أيضا؟ لسوء الحظ فإن كل ما نُشر عن هذا الاتفاق يشي بأن قطاع غزة فقط هو المستهَدف الأساسي من التهدئة مع الجانب الإسرائيلي ، وذلك باعتبار أن الضفة الغربية لا تقع نفس وطأة الحصار غير الإنساني علي غرار الحال في غزة. يدعم ذلك أن اتفاق التهدئة ما هو إلا خطوة فى إطار عملية تفاوضية أوسع تستهدف فى النهاية إطلاق الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط المحتجز لدى بعض الفصائل الفلسطينية منذ ثلاثة أعوام. لذا يبدو منطقياً أن عدم النص صراحة على اشتمال اتفاق الهدنة للضفة الغربية، أن يتعرض الاتفاق لمخاطر حقيقية قد تؤدي فى النهاية إلى إفشاله، خاصة فى ظل الخلاف المعروف بين حركتي فتح وحماس، ومحاولة كل طرف التأثير على حجم إنجاز الطرف الأخر فى العلاقة مع إسرائيل. باعتقادي أن مكمن الخلل الرئيسي فى اتفاق "التهدئة"، أنه لم يلق قبولاً جدياً من مختلف القوى والفصائل الفلسطينية، وهو ما يجعله عرضة للخرق فى أي لحظة، أي أنه وُلد ومعه أسباب "وفاته"، وهذا ما حدث بالفعل إبان جولات "الحوار الفلسطيني - الفلسطيني" الذي استضافته القاهرة علي مدار الشهرين الماضيين، وكان واضحاً عدم التزام حركة الجهاد الإسلامي بما تمخض عنه من مقررات اهمها الالتزام الجماعي بالتهدئة مع إسرائيل. وهو ما تُرجم عملياً حين أطلقت "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد عدة صواريخ على جنوب إسرائيل رداً على اغتيال هذه الأخيرة لبعض كوادرالحركة فى الضفة الغربية. وما فعلته أيضا "كتائب شهداء الأقصي" الجناح العسكري لحركة فتح التي أطلقت صاروخين على جنوب إسرائيل فى رسالة واضحة لا تخطئها العين على قدرة "فتح" على إفساد اتفاق التهدئة. قطعاً لن تنتظر إسرائيل تبريراً أو تفسيراً من حماس حول أسباب خرق اتفاق التهدئة، وهو ما حدث بالفعل حيث اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك الجانب الفلسطيني بخرق الاتفاق وأصدر تعليماته بعدم فتح المعابر الفلسطينية أمام حركة البضائع والأشخاص والوقود والكهرباء، وأعاد الجميع إلى نقطة الصفر. لذا فإن السؤال الملّح هو: لماذا قامت الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية خاصة الجهاد الإسلامي وفتح بإطلاق صواريخها على إسرائيل؟ وهل هذه رسالة اعتراض صريحة على اتفاق التهدئة؟ باعتقادي أن أحد الأسباب الرئيسية وراء إطلاق الصواريخ على إسرائيل فى ظل اتفاق التهدئة هو محاولة البعض إحراج حماس وحرمانها من استثمار الاتفاق لمصلحتها ضمن ديناميات التجاذب الفلسطيني الداخلي، وهو ما قاله صراحة أحد قادة "كتائب شهداء الأقصي" فى تعليق لقناة بي بي سي العربية، حيث صرح بأن حركته لن تسمح لأي طرف فلسطيني باستثمار اتفاق التهدئة لمصلحته على حساب بقية الفصائل فى إشارة واضحة لحركة حماس. ولسوء الحظ، بدلاً من أن يصبح اتفاق "التهدئة" خطوة باتجاه لمّ الشمل الفلسطيني وإعادة توحيد الجهود الوطنية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فإن ثمة مواقف غير مفهومة يمارسها البعض من أجل التأثير سلباً على هذا الاتفاق، والمأساة أن من يدفع ثمن هذه الخلافات هم أهالي غزة الذين يعانون منذ أكثر من عام تحت وطأة الحصار الإسرائيلي من جهة، والانقسام السياسي الفلسطيني من جهة أخرى. وقد كان حرّياً بالجهاد وفتح أن يدعما حماس فى اتفاقها مع إسرائيل، لأن المستفيد الرئيسي من هذا الاتفاق هو عشرات الآلاف من الفلسطينيين فى قطاع غزة، فضلاً عن عشرات العالقين على الحدود مع مصر. ويبقى السيناريو الكارثي، إذا ما قامت حركة حماس، والتي تعتبر نفسها مسؤولة عن قطاع غزة، باتخاذ إجراءات ضد الأجنحة العسكرية التابعة لفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، وهنا قد نجد أنفسنا أمام نزاع فلسطيني - فلسطيني على غرار ما حدث بين فتح وحماس قبل سيطرة هذه الأخيرة على قطاع غزة قبل عام. وفي كل الأحوال تظل إسرائيل الطرف الحقيقي الرابح من اتفاق التهدئة، وذلك سواء من خلال الظهور بمظهر "الحمل الوديع" وأنها ملتزمة بالاتفاق واتهام الطرف الفلسطيني بخرقه وبالتالي الاستمرار في مواصلة الحصار علي الفلسطينيين، أو من خلال إثارة توتر أهلي فى قطاغ غزة يدفع بالقضية الفلسطينية نحو مجاهيل جديدة.