لا شيء غريب في العدوان الإسرائيلي على سجن أريحا والمعتقلين فيه, فعمليات القتل والاغتيال والتجريف والاعتقال والإرهاب الإسرائيلية لم تتراجع منذ إقامة هذا الكيان الغاصب على أرض فلسطين. لكنّ السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ماذا تريد إسرائيل من اقتحام سجن, لا حول ولا قوة للمعتقلين فيه؟! وما الهدف من تعبئة الجيش والدبابات والمروحيات والقادة العسكريين؟ ولماذا انسحب المراقبون الأمريكيون والأوروبيون من سجن أريحا دون التنسيق مع أحد؟ في الحقيقة، إن هذا الاقتحام الإسرائيلي يأتي في إطار استعراض أوراق القوّة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا وأوروبيا، والتي يرافقها موقف عربي عاجز ووضع عربي منهار ومتشتت. ويأتي العدوان في سياق الحملات الانتخابية التي يتم الاستعداد لها في إسرائيل, إذ إن الديمقراطية الإسرائيلية التي يتبجّح الغرب بها لا تكتمل إلا مع المراهنة على قدر الدم الفلسطيني، الذي يستطيع هذا الإسرائيلي سفكه قربانا لديمقراطيته. ويبدو أن إسرائيل تريد أيضا أن تبعث برسالة واضحة إلى الفلسطينيين, إنهم مع وصول حماس إلى السلطة أصبحوا في وضع أضعف، ذلك أنهم خسروا عرَاب الاتّصال اللازم مع الإسرائيليين عند وقوع المشاكل، وخسروا في نفس الوقت الفريق المقاوم الذي كان يرد على الانتهاكات الإسرائيلية (وهذا هو العنصر الأهم). حيث إن وصول حماس إلى السلطة، ترتبت عنه التزامات جديدة ما كانت لتلتزم بها لو كانت خارجها, ومن هذا المنطلق, فقد يكون اشتراك حماس في الانتخابات الأخيرة التي جرت، أكبر خطأ في حساباتها، سيما إذا كانت بالفعل قد قيّدت قدراتها على الرد على أي اعتداء إسرائيلي على الفلسطينيين. وعلى الرغم من قناعتنا بأن هذا الهراء السياسي لا يحّل المشكلة الفلسطينية حتى لو تخلّى الفلسطينيون عن كل شيء, فإن منح حماس فرصة هو أمر جيّد, لكنّ الموقف العربي المتهرئ والفاشل في حالة الحرب والسلم (الاستسلام)، يحول دون دور ايجابي لحماس، بحيث لا يصّب ذلك إلا في خانة إسرائيل كالعادة. المطلوب من العرب الذين يتبجّحون منذ أكثر من عقدين بعلاقاتهم الإيجابية مع إسرائيل، وبمدى جدوى علاقاتهم الإستراتيجية مع أمريكا، العمل في هذه الظروف ليثبتوا صحة توجهاتهم, فمن غير المقبول أن يقولوا أنّهم يدعمون خيار الشعب الفلسطيني المتمثّل بحماس، وفي الوقت نفسه ينتظرون الأوامر الأمريكية والإسرائيلية بضرورة قطع الأموال وفرض الشروط على حماس، فضلا عن تحديد ما إذا كان بالإمكان استقبالها في أراضيهم، وهو ما بدا واضحا حين تحددت الزيارة الأولى لحركة حماس من موقعها الرسمي في التوجه إلى تركيا وإيران وروسيا! حماس في وضع لا تحسد عليه أيضا, فهي إن خضعت للمعايير الغربية بضرورة ترك العمل المسلح نهائيا، تكون قد انتحرت وبشكل أكيد هذه المرّة, فهي غير قادرة من موقعها هذا على الرد بشكل قوي على الاعتداءات الإسرائيلية، وهي أيضا غير قادرة على فتح حوار رسمي مع الإسرائيليين نظرا للنتائج المعروفة سلفا لمثل هذا العمل, ويمكن المقارنة بمسيرة ياسر عرفات, أين بدأ وكيف انتهى به الأمر. على صعيد ردود الأفعال الدولية, من الواضح أن إسرائيل هي فوق كل اعتبار, فحتى لو قبلت الشعوب العربية جدلا وجود إسرائيل، فكيف يمكنها قبول عدم التزامها بأي مواثيق إقليمية أو دولية, مع وجود دعم غربي واسع لها و انتهاكاتها الصارخة في جميع الميادين!! الدول الغربية وعلى رأسها تلك التي كان لها اليد الطولى في إنشاء وإحياء إسرائيل، وهي الولاياتالمتحدة وبريطانيا ومن ثمّ فرنسا وروسيا بدرجة أقل, تتحمل مسؤولية كبرى تجاه ما يحصل, وعليه فمن غير المستبعد في حال فشلت حماس في تجربتها السياسية المثيرة والحسّاسة، أن تندلع شرارة الفوضى الشعبية الحارقة لدى الشعوب العربية، حين ترى أن جميع الوسائل المطروحة لا تنفع مع إسرائيل، وأن الحال الوحيد يكمن في إطلاق حملات مقاومة شعبية لا تلتزم بأي هراء سياسي مع ما يلحق ذلك من فوضى عارمة تحرق جميع الأنظمة السياسية العربية معها المصدر : العصر