عجيب أمر قادة فتح .. فقد طالبوا - أثناء انعقاد اللجنة المركزية للحركة - بحل السلطة الفلسطينية واستقالة رئيسها عرّاب أوسلو محمود عباس ، كما طالبوا بإعادة مسئولية إدارة الأراضي المحتلة للكيان العبري بدعوى أن قواته اجتاحت سجن أريحا واعتقلت أحمد سعدات وفؤاد الشوبكي ورفاقهما بالتواطؤ مع أمريكا وبريطانيا ، وأنهم لم يعودوا يثقون بالاتفاقات التي أبرمت وتبرم مع إسرائيل . وبدون الخوض فيما جرى والبحث عمن تواطأ مع من ، نقول : سبحان الله ، هل هذه هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير يا أرباب أوسلو ؟ .. ولماذا في هذا الوقت بالذات ؟. بالله عليكم .. هل تعتقدون أن الشعب الفلسطيني على هذه الدرجة من السذاجة حتى يصدق أن دعوتكم لحل السلطة جاءت نتيجة شعوركم بالذنوب والخطايا التي ارتكبتموها بحقه .. حين وقعتم على اتفاق أوسلو الموءود ، وحين راح عرّاب الاتفاق عباس وزعيمكم الروحي عرفات يصولان ويجولان في حديقة البيت الأبيض ، ويوقعان على شرعية سرقة الاسرائيليين للأراضي الفلسطينية التي أقاموا عليها دولتهم عام 1948 ؟. بالله عليكم .. هل هذه المرة الأولى التي يتنكر فيها الكيان العبري وأمريكا وبريطانيا بل والغرب كله ، للعهود والوعود التي قطعوها بشأن القضية الفلسطينية ؟ .. وهل كانت هذه المرة أكثر إيذاءً من اجتياح شارون لمخيم جنين أو إعادة احتلاله للمدن الفلسطينية في الضفة والقطاع ، أو إقامة الجدار العازل ، أو ممارسة أعمال الاستيطان والاغتيال والقتل والتدمير وتجريف الأراضي وتدمير الزراعات وهدم البيوت ؟ . ثم من الذي وافق على الصفقة التي عقدت بشأن اعتقال هؤلاء في أريحا تحت رعاية أمريكية بريطانية ولماذا ؟ .. أليس رمز نضالكم عرفات ؟ ، والشيء بالشيء يذكر .. بموافقة من جرى التعتيم دولياً وحتى عربياً على الجرائم والفظائع التي ارتكبها العدو الصهيوني في مخيم جنين .. أليس بموافقة عرفات أيضاً ؟. على من تضحكون ؟ .. على الشعب الفلسطيني الذي يعلم أنكم على استعداد أن تفعلوا كل شيء ، حتى تُفشّلوا موقف حماس الرافض للاعتراف بالاحتلال العبري لأرض فلسطين من البحر إلى النهر ، ولاتفاقاتكم مع هذا الكيان الذي يكفل لكم الاستيلاء على ملايين الدولارات التي تقدمها الدول المانحة لسلطتكم الفاسدة ؟. شعب فلسطين كله يعلم أن الحكومات الفلسطينية التي تُشكل في ظل الاحتلال ليست أكثر من مسكنات يريد بها الكيان العبري والدول الأوروبية وأمريكا تخدير الشعب الفلسطيني لغرض في نفس يعقوب ، وكلنا يعلم أن الأموال التي يقدمونها للسلطة باسم هذا الشعب ، ما كانت تقدم لولا خوفهم الشديد من غضبة الشعب الفلسطيني عليهم وعلى من كان السبب في المآسي التي عاشها ويعيشها الآن . شعب فلسطين يعلم هذا وأكثر ، لكنه أمام الظروف العربية البائسة والدولية الظالمة التي فرضت عليه مجيء هؤلاء ليتولوا أمره تحت ستار اتفاق أوسلو ، فضّل الصبر وتحمّل الأذى من الأقرباء قبل الأعداء ، أملاً في أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه أن يضرب بأعناق هؤلاء وهؤلاء ويتحرر من خطايا سدنة أوسلو وعرّابيها ومؤيديها . سيقول قائل منهم : وماذا عن حماس ؟ .. أليست مثل فتح تسعى لتشكيل حكومة في الوقت الذي ما زال فيه الاحتلال للضفة وحتى غزه قائماً ؟. هنا نقول : لو كانت حماس تسعى حقاً لتشكيل حكومة تقبل باتفاقات السلام التي تعطي لإسرائيل الشرعية في سرقة الأرض الفلسطينية وتلقي بسلاح المقاومة كما يريد عباس ومريدوه ، فسيكون الشعب الفلسطيني أول من يلفظ هذه الحكومة . وسنقول لقادة حماس حينئذٍ : إذا كنتم تسعون إلى السلطة لذاتها ، فلن تجدوا من الشعب الفلسطيني إلا الرفض والاحتقار .. وأنتم تعلمون أكثر من غيركم أنكم ما حققتم هذا الفوز الكاسح في الانتخابات التشريعية إلا لأنكم أعلنتم التزامكم باقتلاع الفساد والفاسدين وتمسككم بالثوابت الفلسطينية التي لا تعترف أبداً بسرقة الطاغوت الصهيوني لأرض فلسطين سواء قبل عام 48 أو بعده ، وأن هذه الأرض المقدسة التي اغتصبت في غفلة من العرب والمسلمين ، لا بد أن تعود لأصحابها الفلسطينيين عربية خالصة . ونقول لحماس وقادتها أيضاً : عليكم أن تكونوا على يقين لا يهتز ، بأن المؤسسات التي ظهرت بموجب اتفاق أوسلو المشئوم .. من قبيل السماح بقيام سلطة فلسطينية في ظل الاحتلال ، وتشكيل حكومات فلسطينية ، وتكوين مؤسسات أمنية ، وغير ذلك الكثير .. نقول إن كل هذه المؤسسات سوف تسحق ما بين يوم وليلة ، إذا ما اعتقد الكيان العبري ومن يساندونه أنها لن تؤدي إلى تحقيق أهدافهم في تدجين الشعب الفلسطيني وتيئيسه ، ودفعه للقبول بالفتات الذي عادة ما يقدمه الأسياد للعبيد .. وهذا ما لن يقبله الشعب الفلسطيني أبداً . وهنا نقول لقادة حماس : عليكم أن تعوا جيداً ، إذا كنتم صادقين في تمسككم بالثوابت الفلسطينية وهي : عدم الاعتراف بالكيان العبري ، والتمسك بحق العودة ، والقبول بانسحاب قوات الاحتلال إلى حدود ما قبل الخامس من حزيران/يونيو 67 فقط كخطوة مرحلية دون الاعتراف بإسرائيل ، وقبل هذا وذاك قيامكم بتنظيف الساحة الفلسطينية من الفساد الذي استشرى بين قادة السلطة الفلسطينية بشكل وبائي .. فإذا لم تلتزموا بهذه الثوابت قولاً وعملاً ، فسيكون مصيركم أبشع من مصير "الأوسلووين" الذين باعوا القضية الفلسطينية في أوسلو وحديقة البيت الأبيض بأبخس الأثمان .. هذه واحدة . أما الثانية : فأنتم تعلمون أن الشعب الفلسطيني حتى وإن صلح حال قادته ، لن يستطيع وحده مقاومة الطاغوت الصهيوني وأعوانه من المحافظين الجدد والدول الأوروبية. لذا فإن عليكم أن تعيدوا للشعوب العربية والإسلامية والأنظمة الحاكمة فيها اليقين بأنها مسئولة شرعاً وواقعاً عما حدث ويحدث في فلسطين ، وإن على الأنظمة التي تخلت عن واجباتها وباتت ترى أن الصراع مع الصهاينة لم يعد صراعاً بين العرب والصهيانة وإنما هو صراع فلسطيني إسرائيلي ، عليها أن تتقي الله وتعود إلى جادة الصواب وتفهم أن القضية الفلسطينية هي بداية حرب ضارية ضد الإسلام والعرب والمسلمين بدأها المحافظون الجدد في العراق ومن قبل في أفغانستان وسيواصلونها غداً في إيران وسوريا والسودان وباقي بلدان أمة الإسلام . إن مقولة أن منظمة التحرير الفلسطينية باتت المسئول الوحيد عن القضية الفلسطينية التي تبناها عرفات في قمة الجزائر في السبعينات من القرن الماضي ، كانت نقمة على فلسطين وقضيتها وشعبها ، ذلك أنها تركتهم يصارعون الطاغوت الصهيوني الصليبي وحدهم ، وكانت النتيجة التي نراها الآن : احتلال صهيوني استيطاني .. وسلطة فلسطينية فاسدة .. وأجهزة أمنية قمعية تعمل لصالح المفسدين من أرباب أوسلو .. واعتراف بشرعية الكيان العبري الذي قام على أنقاض قرى ومدن فلسطين التي اغتصبت عام 48 .. وتنازلات متوالية للعدو حتى كادت مخططات إسرائيل الاستيطانية تأتي على 48% من أراضي الضفة الغربية .. هذا فضلاً عما يلاقيه الإنسان الفلسطيني داخل وطنه وخارجه من اضطهاد وإذلال ، حتى بات ينظر إليه حتى من الأنظمة العربية قبل الأجنبية على أنه إرهابي يجب التصدي له والقضاء عليه . وفي النهاية نقول لقادة حماس : لا تعتقدوا ولو للحظة واحدة أنكم تشكلون حكومة بالمفهوم العملي للكلمة .. فالحكومات الفاعلة لا تقوم في ظل الاحتلال ، ولا تعتقدوا أن لكم مجلساً تشريعياً حقيقياً .. فمآل هاتين المؤسستين ومثيلاتهما على أرض الواقع إلى زوال ، طالما بقيتم على الثوابت الفلسطينية التي التزمتم بها . وحتى تأتون ثمار تأييد شعبكم لكم ، عليكم أن تبذلوا - وبأقصى سرعة - جهداً مضاعفاً لإنجاز أمرين : أولهما القضاء على الفساد الذي استشرى في عهد أرباب أوسلو بشكل مرضي ، والذين حاولوا أن يجعلوا من الشعب الفلسطيني الذي أدهش العالم بنضاله شعباً متسولا ، وثانيهما إرجاع القضية الفلسطينية لأصولها بتمسككم برفض الاعتراف بالكيان العبري ، وبأن القضية الفلسطينية لا تخص الفلسطينيين وحدهم وإنما تخص العرب والمسلمين جميعهم ، وأن أرض فلسطين المقدسة التي سرقها الصهاينة لا بد أن تعود ثانية عربية إسلامية مهما طال الزمن . *كاتب وباحث فلسطيني