مع اقتراب الانتخابات العامة في إسرائيل والمقرر إجراؤها في 28 مارس الجاري، صعد ايهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت عدوانه علي الشعب الفلسطيني لتعزيز موقفه وتدعيم حزبه الجديد "كاديما" الذي أسسه رئيس الوزراء إرييل شارون قبل أن يصاب بجلطة دماغية حادة دخل علي إثرها في غيبوبة حتي الآن، واستغل أولمرت فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتخابات التشريعية وتشكيلها الحكومة الفلسطينيةالجديدة، إضافة إلي ضعف موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن"، وأطلق العنان لجيشه الذي اجتاح سجن أريحا واعتقل أحمد سعدات زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي كان مسجونا به مستعينا بتواطؤ المراقبين الأجانب. وأسفرت هذه العملية عن قتل وجرحي وإهدار للدم الفلسطيني، واتخذ المجتمع الدولي كعادته موقف المتفرج، وهو يري في الأفق شبح حكومة إسرائيلية جديدة متطرفة يقودها أولمرت، والذي ترجح استطلاعات الرأي فوزه في الانتخابات الإسرائيلية. ويري خبراء ومحللون أن إسرائيل تتصرف بمفردها في الوقت الذي تلتزم فيه الدول الغربية بالهدوء في حين أن الفلسطينيين يدينون الممارسات بغضب لا يملكون غيره. وأدت العملية التي قامت بها إسرائيل لاعتقال سعدات إلي ظهور دلائل قوية علي أحداث يحتمل وقوعها في منطقة الشرق الاوسط. وما من شك أن اعتقال سعدات الذي تتهمه إسرائيل بالتورط في اغتيال وزير إسرائيلي عام 2001 سيساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت ايهود أولمرت قبل الانتخابات. ولكن تلك العملية أشارت أيضا إلي التغيرات التي تحدث منذ فوز (حماس) في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير الماضي والتغيرات المتوقعة بعد الانتخابات الإسرائيلية. ويقول المحللون "فقد الجانب الفلسطيني الكثير من التأييد (الدولي) الذي كان يتمتع به". وأضافوا "بفوز حماس في الانتخابات وضعف (الرئيس) محمود عباس الواضح فان هذا يترجم إلي استعداد أكبر للسماح لإسرائيل بالتصرف بحرية". ومن المرجح أن تكون الخطوات من جانب واحد هي الاسلوب الرئيسي في خطة اولمرت الرامية إلي ترسيم الحدود من خلال التنازل عن بعض المستوطنات اليهودية المعزولة ولكن مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبري في الضفة الغربيةالمحتلة. ولن تترك هذه الخطوة للفلسطينيين كثيرا من مساحة الارض التي يرغبون في اقامة دولتهم عليها مما سيكون مثارا للاضطرابات والعمليات التي يقوم بها النشطاء الفلسطينيون أكثر مما هو الحال الان. ويقول مسئول إسرائيلي معني بصنع السياسات "لن تكون هناك مفاوضات مع الفلسطينيين...هناك اختياران بعد الانتخابات.. عدم اتخاذ أي خطوات وفك ارتباط ثان من أجزاء من الضفة الغربية". وستكون تلك الخطوة أكبر وأوسع نطاقا من عملية الانسحاب من غزة في العام الماضي بعد 38 عاما من الاحتلال ولكن اجلاء المستوطنين من القطاع أظهر أن هذه العملية ممكنة. والخطوات من جانب واحد تروق للكثير من الإسرائيليين المتشككين ازاء امكانية التوصل إلي سلام من خلال التفاوض مع الفلسطينيين وهم يرغبون في تثبيت الحدود بالشروط الإسرائيلية لضمان وجود أغلبية يهودية علي الاراضي المحتلة وتشديد الامن والاحتفاظ بكل القدس. وينظر الفلسطينيون لهذه الخطوة علي أنها استيلاء اخر علي الاراضي يحول دون قيام أي دولة فلسطينية جنبا إلي جنب الدولة اليهودية استنادا إلي القانون الدولي ومبدأ الارض مقابل السلام الذي تنص عليه قرارات الاممالمتحدة. وفي حين أن أولمرت يؤكد علي أن هدفه هو وضع حدود دائمة فانها أصبحت أمرا واقعا شأنه علي مسار الجدار العازل المقام في الضفة الغربية الذي من المتوقع أن يتم استكماله هذا العام. وتؤكد المعابر الحدودية الجديدة التي أقيمت علي النسق الدولي الوجود الدائم للجدار العازل الذي تقول إسرائيل انها في حاجة اليه لمنع التفجيرات الانتحارية في حين يعتبره الفلسطينيون مجرد استيلاء علي المزيد من الاراضي. والصعوبة المحتملة الوحيدة لإسرائيل لدي اتباعها الاسلوب الاحادي الجانب هي تسويق ذلك الامر لادارة بوش التي ما زالت ملتزمة رسميا برعاية خطة سلام "خارطة الطريق". يتعهد المسئولون الإسرائيليون في العلن بدعم خارطة الطريق ولكنهم بشكل غير معلن يقولون انه لم يعد لها وجود حتي قبل فوز حماس في الانتخابات. وكان فوز حماس أفضل مبرر لإسرائيل كي تمضي في خطوات الجانب الواحد لان الدول الغربية ليست متأكدة من الطريقة التي يمكن التعامل بها مع السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة تعتبرها تلك الدول ارهابية. ويقول دبلوماسيون غربيون انهم لا يرون أي دلالة علي أن عباس مستعد أو قادر علي التصدي لحماس بطريقة تمكنهم من مواصلة التعامل معه فحسب دون غيره. واتضح ذلك من الطريقة التي ترك بها المراقبون الامريكيون والبريطانيون الذين كانوا في سجن أريحا بموجب اتفاقية منذ عام 2002 مواقعهم قبل دقائق من اقتحام القوات الإسرائيلية للسجن. وحذرت بريطانيا والولاياتالمتحدة عباس قبل أسبوع من أن المراقبين سيرحلون ما لم يتعامل مع مخاوف أمنية. ولم يدن أي من البلدين الهجوم الذي شنته القوات الإسرائيلية. وقال مسئولون من حماس أن اعتقال سعدات عزز من رأيهم وهو أن الاستجابة لمطلب عباس بالتزام حكومة تقودها حماس باتفاقيات سلام الوضع المؤقت مع إسرائيل لن تكون مجدية. وكتب بن كاسبيت في صحيفة معاريف الإسرائيلية يقول "صعود حماس للسلطة قلب الموازين وكسر كل القواعد." وكشف رد الفعل الفلسطيني علي العملية الإسرائيلية صعوبة مواجهة الاجراءات التي تتخذها إسرائيل من جانب واحد. فليس بوسع عباس او حماس علي حد سواء القيام بأي شيء أكثر من مجرد ادانة الهجوم أو التحذير من المخاطر المقبلة أو تحميل بريطانيا والولاياتالمتحدة مسئولية ما حدث. وتحدثت حركات للنشطاء عن عمليات انتقام محتملة ولكن الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل وموجة الاعتقالات والاغتيالات ساهمت كثيرا في التخفيف من حدة الانتفاضة الفلسطينية حتي قبل الاتفاق علي هدنة قبل عام. وكان رد الفعل في الشارع الفلسطيني تجاه اعتقال سعدات أكثر تفجرا فقد اندلعت احتجاجات غاضبة في كل الضفة الغربية وقطاع غزة وخطف عدد من الاجانب لفترات قصيرة. ولكن في حين أن المظاهرات كشفت عن غضب واحباط مكبوتين فان عمليات خطف الرهائن ومهاجمة المباني التي لها صلة ببريطانيا والاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة لن تؤدي سوي إلي المزيد من استياء الدول الغربية التي ربما تكون قادرة علي الضغط علي إسرائيل. وفي الوقت الذي اكتفت فيه الولاياتالمتحدة بالدعوة إلي الهدوء وضبط النفس، وهدد الاتحاد الأوروبي بخوض المساعدات للفلسطينيين رغم إدانة للعملية ما لم تتوقف الهجمات التي تستهدف ممتلكات أوروبية وعمليات خطف الغربيين في الأراضي الفلسطينية. نشرت صحيفة الاندبندنت تقريرا يقول ان الحكومة البريطانية قد تواجه المحاكمة بسبب قرارها سحب مراقبيها من سجن اريحا الذي اجتاحتها القوات الاسرائيلية منذ ايام. واوضح التقرير ان محامين بريطانيين يمثلون احمد سعدات قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والذي اعتقلته اسرائيل من السجن يبحثون مقاضاة بريطانيا بسبب انسحابها من السجن مما اتاح الفرصة للقوات الاسرائيلية باقتحامه واعتقال سعدات. وقالت الصحيفة ان المحامين يسعون لتوجيه اتهامات تتعلق بانتهاك حقوق الانسان في تلك القضية. واضافت ان المحامين اخبروا وزارة الخارجية البريطانية ان سعدات سيتخذ اجراء قانونيا ضد الوزارة بسبب احداث سجن اريحا.