وكان شارون (77 عاما) الذي غاب عن المسرح السياسي الاسرائيلي إثر اصابته بجلطة شديدة هو اوثق حليف لبوش في الشرق الاوسط. وكانت سياسة الرئيس الامريكي تتبع بصفة عامة تحركات الزعيم الاسرائيلي التي يقول الفلسطينيون انها خطوات منفردة. ويرجح ان تركز سياسة واشنطن الان علي محاولة الحفاظ علي واحدة من اكثر مباردات شارون جرأة وهي سحب المستوطنات اليهودية من قطاع غزة وذلك من خلال احتواء العنف الذي تصاعد منذ استكمال الانسحاب الاسرائيلي في سبتمبر . وقال الترمان "من الناحية الواقعية فمن المرجح ان تنحصر السياسة الامريكية بمجملها الان في ضمان عدم اتساع نطاق العنف في غزة." ووضع بوش خطة "خارطة الطريق" للسلام التي تهدف الي اقامة دولة فلسطينية وانهاء الصراع خلال سنوات. لكن بوش لم تكن له مشاركة تذكر في صنع السلام خشية تكرار الفشل الذي منيت به ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون في مشاركتها في عملية السلام. ثم شارك بوش بدرجة اكبر في اعقاب وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في اواخر عام 2004 وكان الرئيس الامريكي يصف عرفات بانه عقبة في طريق السلام. ومنذ ذلك الحين ساند بوش الذي ينتقد كثيرون في العالم العربي موقفه الذي يعتبرونه مؤيدا لاسرائيل خطة شارون للانسحاب من قطاع غزة دون ان يحاول تقريب الطرفين من السلام باي مبادرة من جانبه. ولا يرتبط بوش بعلاقات قوية مع مسئولين اسرائيليين آخرين. ومع غياب الرجل الذي شكل السياسة الاسرائيلية في السنوات الاخيرة فلم يعد له حليف يتمتع بنفس خبرة شارون وشعبيته يستطيع ان يسير وراءه. وكانت حملة شارون للانتخابات العامة المقرر اجراؤها في اسرائيل في 28 مارس تقوم علي الاستعداد للتخلي عن بعض الاراضي المحتلة في الضفة الغربية كوسيلة لانهاء الصراع المستمر منذ عقود مع التعهد بالاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الرئيسية. وقال لورانس ايجلبرجر الذي كان وزيرا للخارجية في عهد الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش للصحفيين ان غياب شارون "يعرض كل شيء للضياع. ما كان يمكن ان يحدث في توقيت أسوأ." واضاف "انه يجعل كل شيء حاول شارون ان يفعله موضع شك." وفي الوقت نفسه فليس واضحا ما اذا كانت انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي ستجري في وقت لاحق هذا الشهر ستسفر عن بروز زعيم فلسطيني قوي. واعربت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس عن تفاؤلها مؤكدة "وجود رغبة عميقة وواسعة النطاق في المجتمع الاسرائيلي في علاقة مستقرة بين اسرائيل والفلسطينيين." لكن محاولة اعادة الاستقرار في العراق تأتي حاليا علي رأس اولويات سياسة بوش الخارجية مع تراجع التأييد للحرب في بلاده. ولذا فمن غير المحتمل ان يكون مستعدا للاضطلاع بالدور الامريكي التقليدي في الوساطة في عملية السلام في الشرق الاوسط ولطرح مبادرات جديدة. ويقول منتقدوه ان ذلك يعني انه لن يحقق تقدما يذكر نحو تحقيق هدفه المعلن قيام دولة فلسطينية مع احتمال تحول قطاع غزة الي سجن فعلي اذا شرعت اسرائيل في بناء حاجز حوله. وقالت فيليس بنيس من معهد الدراسات السياسية "كان شارون افضل صديق واقرب حليف لبوش في الشرق الاوسط ولذلك قبلت الادارة وجهات نظره بشأن شكل اي تسوية." واضافت "الان ستتوقف الامور علي الصعيد الدبلوماسي. لكن الولاياتالمتحدة ستعود الي موقفها قبول ما يحدث علي ارض الواقع دون تحد لاسرائيل وهذا يعني السماح بوضع الفلسطينيين في سجن كبير." وعلي الرغم من ان الاسرائيليين تعودوا علي الاحداث والمفاجأت، الا ان رحيل شارون من الحياة السياسية، قد يمثل لحظة شديدة الأهمية في تاريخ اسرائيل. فهذا الرحيل يضع الدولة العبرية علي مفترق طرق، يشبه الي حد كبير الازمة التي حدثت عقب اغتيال رئيس الوزراء اسحاق رابين قبل عشر سنوات. فعلي الرغم من ان الظروف كانت مختلفة الي حد كبير، الا ان اسرائيل وجدت نفسها آنذاك امام ازمة مماثلة لما تشهده اليوم. ففي ذلك الوقت ألجمت المفاجأة الاسرائيليين ليس لأنهم حرموا من رئيس وزراء فحسب، ولكن من الرجل الذي كان سجله العسكري يشعرهم الامان. وكان رابين، علي غرار شارون، مكروها من جانب قطاع من الاسرائيليين، لكن سلطته السياسية كانت تكمن في ثقة الاسرائيليين به عندما تسوء الامور. وخلال الذكري العاشرة لاغتيال رابين التي جاءت في شهر نوفمبر جرت نقاشات حول ما يمكن ان يحدث لو ان رابين استمر علي قيد الحياة. وقد ساد ما يشبه الاجماع بأن الامور قد تكون مختلفة وافضل حالا، لو كان رابين حيا حتي الآن، لأنه كان سيكون قويا كفاية لابرام اتفاق تسوية معقولة مع الفلسطينيين. وبعد عشر سنوات من الآن، هل سيكون هناك نقاش مماثل بشأن ارييل شارون؟ ربما، لكن هذا يتوقف الي حد كبير علي ما يحدث في الساحة السياسية الآن وحتي اجراء الانتخابات الاسرائيلية في نهاية مارس المقبل. ويتقدم شارون وحزبه الجديد "كاديما" استطلاعات الرأي في اسرائيل، الامر الذي يرجح فوزه بتشكيل الحكومة الجديدة في الدولة العبرية. وقد اتجه شارون الي الوسط ليس فقط بسبب انقلاب معظم اعضاء حزبه القديم، الليكود عليه عقب بعد الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، بل ايضا لادراكه لرغبة الاسرائيلين لتحقيق تقدم مع الفلسطينيين. وقد حصل شارون بالفعل علي فرصة مهمة في قلب اللعبة السياسية. وهذه الفرصة ما تزال قائمة، وبامكان رئيس الوزراء المكلف ايهود اولمرت ان يقتنصها. لكنه يتعين عليه القيام بالكثير، بدءا من اقناع حزبه وكذلك زعماء حزب الليكود النافذين وايضا رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز بدعمه كمرشح بديل. واذا نجح اولمرت في ذلك، فان امامه فرصة عظيمة في امتلاك ميراث شارون.