كان الرئيس الفلسطيني السيد محمود عبّاس محقا عندما رفض رفضا قاطعا العرض الإسرائيلي القاضي بإقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة. في أساس المشكلة حدود الدولة الفلسطينية. هل هناك حدود واضحة لهذه الدولة تستند إلي مرجعية محددة هي قرارات الشرعية الدولية أم لا؟ بخلاف ذلك، لا استعداد فلسطينيا للتفاوض مع إسرائيل في غياب المرجعية الواضحة. لا استعداد فلسطينيا للدخول في لعبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بيبي نتانياهو القائمة علي التفاوض من أجل التفاوض. يعرف "أبو مازن" بيبي جيدا. بالنسبة إلي الجانب الفلسطيني، يتبين كل يوم أن نتانياهو أمين للمبادئ التي تقوم علي الفكرة القائلة إن الوقت يعمل لمصلحة الاحتلال وأن قبول إسرائيل بأي حل وسط سيعود عليها بالكوارث. باختصار شديد، أنه سياسي يؤمن بالحروب والعدوانية ويرفض أن يأخذ في الاعتبار أن منطق التاريخ يحتم علي إسرائيل الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني "غير القابلة للتصرف" حسب تعبير أحد القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. المشكلة ليست في بيبي وحده. المشكلة ان الإسرائيليين جربوه في الماضي وإذا بهم يعيدونه إلي رئاسة الحكومة في العام 2009 علما بأن الطفل الصغير يعرف أن نتانياهو لا يستطيع الإقدام علي أي خطوة في اتجاه السلام، بل يعتبر السلام عدوا لإسرائيل. في استطاعة كل من يحتاج إلي دليل علي ذلك، العودة إلي ما كان يقوله رئيس الوزراء الإسرائيلي في أثناء انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في أواخر تشرين الأول - أكتوبر ومطلع تشرين الثاني - نوفمبر من العام 1991 وقتذاك، كان بيبي ناطقا باسم الوفد الإسرائيلي المشارك في المؤتمر برئاسة رئيس الوزراء اسحق شامير، زعيم تكتل ليكود وأحد عتاة اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يؤمن بالعنف ويبرر ممارسة الإرهاب في حق الشعب الفلسطيني. كان شامير يفتخر بانتمائه إلي عصابة إرهابية نفذّت تفجيرات واغتيالات في مرحلة الانتداب البريطاني علي فلسطين. لم يكن لدي نتانياهو ما يقوله في مدريد باستثناء الكلام العام الذي يمثل في الواقع ترجمة لسياسة معينة رسمها شامير الذي جرته إدارة بوش الأب إلي مؤتمر مدريد جرّا. عمليا، أخذ بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر رئيس الوزراء الإسرائيلي الي مؤتمر مدريد من اذنه بعدما مارسا عليه ضغوطا شديدة. رد شامير علي الضغوط الأمريكية بقوله إنه "سيفاوض من أجل التفاوض طوال عشر سنوات". كان يريد كسب الوقت في انتظار التخلص من الإدارة الأمريكية القائمة وصولا إلي مرحلة لن يكون فيها من يطرح عليه من واشنطن أي سؤال في شأن الاحتلال. كان يؤمن بأن الوقت يعمل لمصلحة إسرائيل وأنه سيسمح له بخلق وقائع جديدة علي الأرض ستفرض نفسها علي الفلسطينيين والعرب. تبدو سياسة نتانياهو في السنة 2010 امتدادا لسياسة شامير في العام 1991 لم يتغير شيء في الرجل. يمكن القول إنه ازداد تطرفا في ضوء التحولات التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي من جهة والتمسك بنظرية آرييل شارون المرتكزة علي "عدم وجود شريك فلسطيني" من جهة أخري. يبدو نتانياهو اسوأ من شامير وشارون معا لأسباب مرتبطة بتشكيلة الحكومة الإسرائيلية الحالية وشخصية بيبي نفسه. قبل أيام، كتب مسئول أمريكي سابق مقالا عن عملية السلام. مما قاله هذا المسئول أنه كان مع الرئيس بيل كلينتون بعد لقاء بينه وبين نتانياهو الذي تولي رئاسة الحكومة بين 1996 و1998 بعد اللقاء، بدا الحنق علي الرئيس الأمريكي إلي درجة أنه قال بالحرف الواحد "باسم أي قوة عظمي (...) يتحدث إلي هذا الرجل". والنقاط الثلاث التي بين قوسين هي شتيمة لإسرائيل وجهها كلينتون لدي وصفه للدولة التي كان يتحدث نتانياهو باسمها أمام رئيس القوة العظمي الوحيدة في العالم! يحلق نتانياهو بجناحي حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه وزير الخارجية افيجدور ليبرمان وحزب "شاس" الديني الذي يعتبر نفسه معنيا بالاستيطان بشكل مباشر، خصوصا في القدس. ليس في وارد "إسرائيل بيتنا" التخلي عن الأراضي المحتلة، علي رأسها الضفة الغربية، وليس في وارد "شاس" التخلي عن الاستيطان... وليس في وارد نتانياهو نفسه التخلي عن حليفيه لمصلحة تشكيل حكومة مختلفة تضم أحزاب ليكود وكاديما (الحزب الذي لديه اكبر عدد من المقاعد في الكنيست) والعمل. والأحزاب الثلاثة تستطيع الاعتماد علي أكثرية مريحة في الكنيست تصل إلي ثمانية وستين نائبا من أصل مائة وعشرين، لكن مثل هذه الأكثرية ستحرم بيبي من حرية ممارسة سياسته المتطرفة القائمة علي كسب الوقت من أجل تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدسالشرقية، وتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين من أرضهم التاريخية، أرض الآباء والأجداد وأجداد الأجداد. من هذا المنطلق، تبدو الإدارة الأمريكية الحالية وكأنها تضيع وقتها. لا امل في إقدام نتانياهو علي خطوة تصب في مصلحة السلام ومصلحة تسوية معقولة ومقبولة توفر الحد الأدني من مطالب الشعب الفلسطيني من دون رئيس أمريكي علي استعداد لأن يفرض حلا وأن يسمي الأشياء بأسمائها. هل في وارد باراك أوباما الإقدام علي مثل هذه الخطوة، أم عليه في مرحلة معينة الاعتراف بأن حل الدولتين تجاوزه الزمن. عاجلا ام آجلا، سيكون علي الإدارة الأمريكية الإقدام علي خيارات معينة وواضحة. هل هي قادرة علي التزام وعودها للجانب الفلسطيني في مقدمها أن الدولة الفلسطينية المستقلة "مصلحة استراتيجية" للولايات المتحدة، أم تخضع لنتانياهو وحكومته؟ ما هو مطروح يتجاوز فلسطين نظرا إلي أن الخضوع للحكومة الإسرائيلية والإسرائيلية الحالية يعني السير خلفها في مغامرات معروف كيف تبدأ وليس معروفا كيف يمكن أن تنتهي وإلي اين يمكن أن تؤدي بالشرق الأوسط. هل يترك مصير المنطقة لحكومة لا تؤمن سوي بالتطرف وبالحلف غير المعلن بين اليمين الإسرائيلي وكل من يرفض فكرة التسوية في المنطقة من عرب وغير عرب؟