سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ذات يوم 31 ديسمبر 1915.. السلطان حسين كامل يستقبل الطالب طه حسين.. اتهامات لخطيب الجمعة بالكفر لإساءة استخدامه سورة "عبس وتولى" نفاقا للسلطان الذى قابل "الأعمى"
كان طلاب أول بعثة للجامعة المصرية ومن بينهم الطالب طه حسين يستعدون للسفر إلى فرنسا في شهر ديسمبر من عام 1915، وأثناء ذلك أبلغتهم إدارة الجامعة بأنهم سيتشرفون بلقاء مع السلطان حسين كامل، حسبما يذكر طه حسين في سيرته "الأيام" أنه في ضحي يوم من الأيام ذهبوا إلى قصر السلطان يقودهم علوي باشا "مراقب عام الجامعة"، ولقيهم السلطان لقاء حسنا وألقى عليه سؤال: من أول من رفع شأن التعليم في مصر؟، فوجم طه ولم يلق جوابا، فقال السلطان وهو يضرب على كتفه وينطق في لهجة تركية: "جنة مكان إسماعيل باشا" (يقصد الخديوى إسماعيل). وفيما لا يذكر طه حسين في سيرته "الأيام" باقي ما جرى في اللقاء، يذكر الكاتب والبحث محمد سيد كيلاني القصة بكاملها وما حدث من توابع لها، قائلا في كتابه "السلطان حسين كامل فترة مظلمة في تاريخ مصر"، أنه بعد أن زود السلطان الطلاب بنصائحه، رد عليه طه حسين بخطبة قال فيها: "أعز الله نصر مولانا وأعلى كلمته، نحن أبناء العلم، نهضنا فيه صغارا، وسنمضي فيه كبارا، وقفنا عليه ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ولم نشتغل إلا به، ولم نفكر إلا فيه، ليس لنا في حياتنا غاية إلا أن نخدم وطننا العزيز وسلطاننا المحبوب خدمة علمية صادقة، فباسم الجامعة المصرية نرفع إلى عرشك الكريم تحية العلم طاهرة صادقة تمثل شكره لك، ورجاء فيك، لقد أحسنت يا مولاي إلى العلم، ورفعت قدره، فليزد الله قدرك رفعة، وليحسن جزاءك عن العلم والمتعلمين". انتهت المقابلة، ويكشف طه في سيرته "الأيام" أنهم لم يكادوا يخرجون حتى أنبأهم منبئ بأن السلطان تفضل وأجاز كل واحد منهم خمسين جنيها، وانصرف الطلاب، لكن لم ينته الحدث، حيث كان له توابع مثيرة يذكرها محمد سيد كيلاني، قائلا: "في يوم 31 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1915 كان السلطان حسين كامل يؤدي صلاة الجمعة في مسجد عابدين، وكان الخطيب الشيخ محمد المهدي إمام جامع عزبان، وقال في خطبته "جاءه الأعمي فأكرمه وبفضله عليه تجلى، وما عبس في وجهه وما تولى". كانت كلمة الشيخ المهدي تشير إلى حسن مقابلة السلطان لطه حسين (الكفيف) وزملائه، وأراد بها التعريض للسلطان، لكنها أدت إلى عاصفة غضب من حيث لا يحتسب، ويذكر "كيلاني" : "لم يكد المصلون يستمعون هذه العبارات حتي خيمت عليهم الكآبة، واستبد بهم الألم، واشتد عليهم الحزن للتعريض برسول الله صلي الله عليه وسلم على منبر في خطبة جامعة وإهانة ذاته الكريمة". يضيف كيلاني: "ظل القوم علي ما هم عليه من الاحتفاظ بهيبة المسجد، وكظموا غيظهم إلي أن انتهت الصلاة، فشرع أغلبهم في صلاة الظهر بعد أن اتضح لهم بطلان صلاة الجمعة، وقام الشيخ محمد المهدي يصافح الناس حتي وصل إلي الشيخ محمد شاكر وكيل مشيخة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء في ذلك الوقت، فرفض أن يمد إليه يده، وقال له بصوت مرتفع أمام الحاضرين: "لا أصافحك، ولا أضع يدي في يدك، فأخرج من هنا فإنك مرتد لتعريضك بالنبي صلي الله عليه وسلم"، ثم توجه الشيخ شاكر إلي قصر عابدين وقابل كبير الأمناء وأبلغه ما حدث، وأفهمه أن ما وقع من الشيخ المهدي تعريض بالنبي وهو ردة وكفر، وطال بينهم النقاش علي غير فائدة". لم ينته الأمر عند هذا الحد، وإنما سئل الشيخ المهدي عما حدث، فأجاب: "إن هذا النص لم يرد في الخطبة الشرعية التي تنتهي بالحديث الصحيح، وإنما ورد في ذكري لمناقب خطبة السلطان علي سبيل الاقتباس فقط"، وتلقفت الصحافة القضية، وقالت صحيفة "الأهالي" عنها :"تسرب إلي ذهن الشيخ شاكر أن ذكر الخطيب للآية الكريمة "عبس وتولي أن جاءه الأعمي وما يدريك لعله يزكي"، مسبوقة بكلمة النفي، يريد التعريض بالمقام النبوي الكريم، وأنه يريد أن يذكر خبر ابن مكتوم الأعمي الذي جاء للنبي عليه السلام يريد الإسلام، فقطب النبي وجهه ولم يحسن مقابلته لأنه كان مشغولا باستقبال وفود العرب، فنزلت الآية عتابا من الله لنبيه، وقد حسن اسلام ابن مكتوم وكان من كبار الصحابة، وأدي فهم الشيخ محمد شاكر إلي ذلك المعني فرفض السلام علي الشيخ محمد المهدي وأهانه أمام الحاضرين". تضيف الأهالي: "الصحيح أن الشيخ محمد المهدي قد أخطأ لأن إيراده للآية الكريمة مسبوقة بكلمة النفي يجر السامع إلي الموازنة بين موقفين، موقف النبي عليه السلام من ابن مكتوم، وموقف السلطان حسين كامل من طه حسين، ويمكن أن يقال أنه كفر وارتد بهذه العبارات سواء كان في الخطبة الأصلية أو الإضافية، وسواء قالها في خطبة الجمعة أو في أي كلام آخر ، لأن التعريض فيها بمقام النبي عليه السلام ظاهر وواضح، فالنبي عبس وتولي أن جاءه الأعمي، والسلطان ما عبس وما تولي أن جاءه الأعمي".