"ذهب قبل أن نحاسبه".. هكذا قال أحد الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا، وكأنه قد تنبأ بعدم عودة شارون مرة أخرى، فللمرة الثانية دخل رئيس الوزراء الصهيوني إلى غرفة الإنعاش يصارع الموت؛ إذ يبدو أنه لن يخرج منها ليرى النور ثانية، عقب رحلة دموية مليئة بجرائم ارتكبها ضد الإنسانية، لُقّب خلالها بأكثر القادة الإسرائيليين تشددًا، كما لُقّب ب"البلدوزر" و"السفّاح" نظراً لولعه بتوسيع المستوطنات الصهيونية؛ فهو يرفض تقسيم القدس، ويصر على بقائها العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل المزعومة، كما يرفض مبدأ حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ولعل قراءة تاريخ شارون تبرز وحشيته وطغيانه، ففي قرية ميلان الفلسطينية، شمال تل أبيب ولد أرائيل شارون في عام 1928م، لأبوين تمتد أصولهما إلى روسياالبيضاء، فرّوا إلى الأراضي الفلسطينية خوفًا من بطش النازيين. ونظرا لطبيعته الدمويّة، انضم منذ نعومة أظفاره إلى منظمة "الهاجاناه" السريّة اليهوديّة لتنظيم الاغتيالات ضد الشعب الفلسطيني، ولم تُشبِعْ هذه الجماعة غرائزه وميوله الدموية، فسارع إلى تأسيس مجموعات أطلق عليها (الكوماندوز101) القوات الخاصة لتنظيم الهجمات لتصفية الفلسطينيين، وتخصصت تلك الوحدة في الإغارة على مخيمات اللاجئين، ومن أشهر عملياتها مجزرة "قبية" شرق القدس، عام 1953م، والتي سقط فيها (67) شهيدًا من الرجال والنساء والأطفال، وجُرِح مئات آخرون، كما دُمّر (56) منزلاً ومسجد القرية ومدرستها وخزان المياه الذي يغذيها. ولشارون العديد من الأعمال الدامية التي تتحدث عن نفسها، لعل أبرزها تلك التي ارتكبها في مخيم جنين في ربيع عام 2002م، حين اجتاحت قواته المخيم، وقتلت أكثر من (70) فلسطينياً من سكان المخيم، ودمرت مئات المنازل بشكل كامل، كما أعطى شارون أوامره باغتيال قادة المقاومة الفلسطينية، وأبرزهم أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والشيخ أحمد ياسين زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وخليفته الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ويُعدّ شارون صاحب قرار تشييد الجدار العازل، الذي اقتطع مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية. ومن أشهر المجازر وأبشعها، التي ارتكبها رئيس الوزراء الصهيوني، والتي ثبتت مسؤوليته عنها في حين لم يجد من يحاسبه، مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين (سبتمبر 1982 م) ، والتي راح ضحيتها (3500) قتيل معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، كما تعرّضت النساء للاغتصاب المتكرر؛ إذ صادق شارون على دخول "الكتائب اللبنانية" إلى مخيمات اللاجئين، لاغتيال رئيس لبنان وقتها بشير الجميل، لترتكب الميلشيات المسيحية الموالية لإسرائيل مذبحة مروّعة على مدى أكثر من يوم كامل، وكانت القوات الإسرائيلية، التي تحيط بالمخيم، تعمل على توفير إمدادات الذخيرة والغذاء للمسلحين الذين نفّذوا المذبحة. وما يثبت تورّطه هو ما توصلت إليه لجنة تحقيق إسرائيلية رسمية في تقرير لها قالت فيه: إن أرائيل شارون الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك، "مسؤول شخصياً" عن المجزرة. وفي حرب يونيو 1967م، شارك أرائيل شارون كقائد فرقة دبابات مدرعة، وأعطى الأوامر بقتل الأسرى المصريين، بما يتنافى مع معاهدة جنيف الخاصة بأسرى الحرب، كما عمل على تحصين خط بارليف، الذي شيدته إسرائيل، على طول الخط الشرقي لقناة السويس؛ لمنع تقدم الجيش المصري من العبور إلى شبه جزيرة سيناء. وفي حين يشير تاريخ شارون إلى حبه لسفك الدماء، فإنه يؤكد أيضاً ولعه بجني المال سواء كان بطريق مشروع أو غير مشروع، فقد أكدت الشرطة الإسرائيلية مؤخراً امتلاكها أدلة تثبت أن أسرة رئيس الوزراء تلقت رشًا قيمتها ثلاثة ملايين دولار من رجل أعمال نمساوي، مرتبطة بقضية تمويل سري لإحدى حملات شارون الانتخابية، مما دفع عومري شارون أحد نجلي رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الاستقالة من الكنيست، بعد مواجهة تهم بالاختلاس والرشوة. ولعل ما يدعو كل مسلم إلى البغض الشديد لهذا الصهيوني هو استهانته بالمقدسات الإسلامية؛ فزيارته للحرم القدسي الشريف في 28 سبتمبر(2000م) كانت السبب الأساسي في اندلاع الانتفاضة التي راح ضحيتها آلاف الشهداء، بل والأكثر سخرية من ذلك قوله: إن "لكل يهودي الحق في أن يقوم بزيارة الحرم الشريف"! وبعد هذه الرحلة الطويلة من التقطيع في الأراضي الفلسطينية المعطرة بدماء الشهداء، يرقد شارون على سريره مصاباً بجلطة في الدماغ أدت إلى نزيف، أجمع الكثيرون على إصابته بالشلل؛ إذ خضع لأكثر من عملية جراحية للسيطرة على النزيف، فيما أكّدت مصادر طبية بمستشفى "هداسا" التي يرقد بها رئيس الوزراء الصهيوني أنه لن يستطيع العودة لممارسة مهامه مرة أخرى، كما أشارت بعض التقارير إلى أن حالته قد تدهورت بشكل حادّ، ولا يزال الغموض يحيط بحالته الصحية الحرجة جدًا، وقد تحدثت بعض الأنباء عن وفاته سريريًّا، وقالت: إنه في حاجة إلى معجزة لينجو، وإنه يصارع الموت حاليًا. وفي إشارة هامة إلى الكره الذي يواجهه شارون في العالم الإسلامي، والفرح الغامر لدى كل ضحية اكتوت بنار ذلك "السفاح" الإسرائيلي، فإنه على المستوى الشعبي يقيم سكان المخيمات في لبنان الأفراح احتفالاً بهذا الحدث، وعلى المستوى السياسي اعتبرت حركة المقاومة الفلسطينية حماس أن الشرق الأوسط سيكون أفضل في غياب شارون، وقال المتحدث باسم حماس مشير المصري: إن "شارون نفّذ العديد من العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين، ويمتلك عقلية لا تعرف سوى القتل". وفي إيران، تمنى الرئيس محمود أحمدي نجاد موت شارون صراحة، بقوله: إنه "يأمل أن يكون خبر التحاق مجرم صبرا وشتيلا بسابقيه صحيحاً"، وهي تصريحات دفعت بالإدارة الأمريكية إلى انتقادها. وعلى المستوى السياسي الإسرائيلي ، يُعدّ حزب (كاديما) الذي أسسه شارون قريباً هو الخاسر الأول من الأزمة التي يتعرض لها شارون، فقد أكد مراقبون صهاينة أن حزب (كاديما) دخل هو الآخر حالة صراع مع الموت، هذا الحزب الذي لم يمض على تأسيسه أكثر من شهرين، من الواضح أنه لن يُكتب له الحياة أكثر من ذلك، وبات مصير بقائه أو اندثاره مرتبطاً بشكل أساس بحياة شارون، لكن في جميع الأحوال -حسب ما يقول مراقبون- إذا حدثت معجزة ونجا شارون من الموت فإن هذا الحزب سيكون مصاباً بحالة شلل نصفي مثل شارون تماماً، ولن يكون له قيمة بين الأحزاب الإسرائيلية، بل توقّع البعض أن يكون أحد الأحزاب التي ستحصل على أقل المقاعد في الانتخابات القادمة في الثامن والعشرين من شهر مارس القادم. و يضيف أحد المحللين الصهاينة أنه حتى في حال شفائه، سيكون من الصعب إقناع الجمهور بمقدرته على إشغال منصب رئيس الحكومة لمدة أربع سنوات أخرى، بعد أن أُصيب بجلطتين في الدماغ خلال أقل من ثلاثة أسابيع، وبذلك يكون عصر شارون قد وصل إلى نهايته التراجيدية. واعتبر الكاتب الصهيوني في صحيفة (هآرتس) أن الانهيار في صحة شارون يجعل إسرائيل في وضع سلطوي غريب ومهتز. كما ينضم لقائمة المستفيدين من أزمة شارون مجموعة كبيرة من السياسيين الإسرائيليين، أوّلهم إيهود أولمرت الذي وجد نفسه بين عشية وضحاها رئيساً فعلياً للحكومة، وأبرز المرشحين للفوز بالمنصب في الانتخابات المقبلة، إلى جانب قادة الأحزاب الثلاثة الأساسية، بنيامين نتنياهو زعيم الليكود وعمير بيرتس زعيم العمل، ويوسف لبيد زعيم شنوي. ورغم تباين الموقف السياسي على كل المستويات العربية والدولية، حتى على المستوى الإسرائيلي الداخلي، يظل الوضع معلقاً إلى حين البت في أمر حياة شارون، ففي حين أكد البعض موته سريرياً، وأن إعلان الوفاة لن يستغرق سوى أيام، أشار آخرون إلى إصابته بالشلل فقط، ولكن يظل الجميع متفقون على موت شارون سياسياً. المصدر : الاسلام اليوم