ذهلت وتوقفت كثيراً؛ عندما سمعت أحد المعارضين الليبيين وهو يقول أن نظام الطاغية الليبي قد استعمل قسماً جهنمياً اسمه (قسم مكافحة النجوم)!؟. وذلك ليقوم بعملية منهجية ومخططة لمنع ظهور أي شخصيات ذات قبول اجتماعي أو ظهور جماهيري (كاريزمي)؛ سوى هو وأبنائه وأسرته!؟. واستغربت أن طاغية مصر المخلوع كان يمارس نفس هذه المنهجية الطاغوتية؛ لمحاربة كل من تسول نفسه الاقتراب من الكرسي وأرجل الكرسي، والأرض التي يقف عليها الكرسي؛ سوى ولده المبجل. وكيف كان نظامه يستغل كل فرصة أو مناسبة قومية؛ خاصة المواسم والحفلات الكروية والرياضية بل والفنية؛ لممارسة عملية التسويق السياسي؛ لتلميع وريثه المدلل!؟. تواصي وتكرار لا يختلف: ثم وجدت أن هؤلاء الطغاة لم يختلفوا كثيراً عن سيرة أسيادهم الطغاة ومعلميه الدكتاتوريين على مر التاريخ؛ كما حدثنا القرآن الكريم: "أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ". [الذاريات53] فكأن الطغاة يتواصون فيما بينهم، ويتناصحون باستخدام نفس الأفكار ويطبقون نفس الرؤى ويتوارثون نفس السلوكيات الشاذة؛ خاصة تجاه معارضيهم ومناؤيهم. وتكاد تجد أن طرق تفكيرهم وسلوكياتهم تطبق وكأنها نسخ كربونية جيلاً بعد جيل وقبيلاً بعد قبيل!؟. وراجعوا سير طغاتنا العتاة ولا تتعجبوا. فهل يختلف طغاة مصر؛ وفي كل العصور، عن طغاة تونس أو اليمن أو سوريا؛ الذين لم يتعلموا من دروس التاريخ ولا من مصير سابقيهم؛ خاصة طاغية العراق السفاح صدام وكيف كان يسوق لنجليه وأسرته وحزبه فقط!؟. دستور فرعون ... وحرب النجوم: وكان فرعون هو المعلم العظيم لتلاميذه الطغاة في فنون الطغيان السلطوي والاستبداد السياسي؛ وكأنه كان يقدم لهم دستور الطغيان ومنهج الاستئصال للآخر، وسياسة الإقصاء للأفكار المغايرة!؟. وكانت أخطر مادتين في دستور الطغيان الفرعوني؛ هي المادة الخاصة بإقصاء الفكر الآخر، والتعمية على أي فكر يخرج عن منظومة فكره الإحادي وحزبه الأوحد: "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ". [غافر29] والمادة الثانية؛ وهي التي تختص باستئصال الآخر، وتصفية البدلاء؛ أي محاربة النجوم؛ كما تحدث عنه القرآن الكريم: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ". [القصص4] لقد كانت حربه الشاملة الساحقة الماحقة؛ والتي تقوم على أساس العلو والفساد في البلاد والعباد؛ وجعل أهلها شيعاً وفرقاً في خدمته، ويلعب على وتر الطائفية، وتمزيق المجتمع، ليشغلهم ببعضهم البعض؛ فينسون مظالمه، ويذبح أبناءهم المولودين، ويستحيي نساءهم؛ فيستبقيهن أحياء؛ لقول بعض الكهنة له إن مولوداً يولد في بني إسرائيل يكون سبب زوال ملكه. والغريب ان فرعون كان يقتل المواليد قتلاً مادياً؛ أما طغاتنا؛ فكانوا يمارسون القتل المادجي بالتصفية الجسدية، والقتل المعنوي؛ وهو القتل البطيء للأجيال الشابة سواء بتمييع هويتهم وإشغالهم باللهو الرياضي والفني، ثم تقيدهم بالبطالة، والشعور بالظلم الاجتماعي وعدم الانتماء؛ فيهربون خارج بلاده× خاصة أصحاب العقول المميزة، فتكون نتيجة هذه السياسة الطاردة للكفاءات؛ أو محاربة النجوم؛ هي الأسلوب الأمثل لتفريغ البلاد من كل منافس أو معارض لحكمه ووكل ناقد لسياساته التوريثية. نجوم ... حول الحبيب: ولو تأملنا كيف كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يتعامل مع النجوم والمبدعين حوله؟. وكيف كان يثني عليهم؛ فيقر بتميزهم وتخصصاتهم، ويقربهم على أساس صلاحهم ونظافتهم وسبقهم وخبرتهم: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ". [رواه الترمذي والإمام أحمد] فكانوا الرجال الذين نشروا إرثه، وأكملو سيرته، وتترسوا عليه لحمايته خاصة يوم محنة أحد. فئران سفينة الطغاة: ولكننا نعاني تحت حكم طغاتنا من منهجية تقريب وتلميع أهل الثقة، وإبعاد وتعتيم أهل الخبرة!؟. فيكون نفاق الحاكم هو مفتاح أبواب الترقي والشهرة. ويكون نفاق ابن الحاكم؛ هو مفتاح السلطة والثروة. فإذا تعرضت سفينة الزعيم للغرق؛ يكونوا أول من يقفز منها. وإذا استمروا بعد زواله؛ يتحولون إلى كتائب من المحاربين لفكره، والناقدين لسياساته. وكأن حصاد الطغاة من الأتباع؛ هما إما مجموعة المتحولين المنافقين، ورجال كل العصور. أو مجموعة من فئران السفينة الذين يجمعهم سمات النذالة والخسة وعدم المروءة. ضحايا ... الضحايا: وإذا كان جيلنا قد عاني من سياسة حرب النجوم؛ التي مارسها ضدنا طغاتنا وحاكمينا، وأبناء طغاتنا وأبناء حاكمينا؛ وقد آلمنا أن الرئيس الأمريكي (رونالد ريجان) قد بدأ حرب الكواكب في عصره في القرن الماضي، ولكن حكامنا طوروها إلى حرب نجوم ولكن على الأرض؛ وضد ابناء جلدتهم؛ فلنتعلم هذه الرسالة التربوية؛ والتي تهيب بنا ألا نكون من المشاركين في حرب النجوم ضد كل من يعارضنا أو ينافسنا أو لا يسير على هوانا؛ سواء داخل أسرنا ومع أبنائنا، أو داخل مؤسساتنا مع أتباعنا ومنافسينا وزملائنا. فيكون الحصاد المر لحياتنا؛ إما فئراناً لسفن أسرنا ومؤسساتنا. أو مجموعة من المتحولين المنافقين حولنا. فمن العيب أن تكون سلوكياتنا؛ هي عملية تكون ثمارها ضحايا لضحايا حرب النجوم!؟. د. حمدي شعيب E-Mail: [email protected]