ليست مصر هي البلد الوحيد الذي يعاني من شريحة الأطفال التي تعرف بأطفال الشوارع، فقد عانت قبلها بلاد كبيرة من نفس هذه المشكلة وكانت انجلترا واحدة منها والتي استطاعت أن تتغلب علي هذه الظاهرة مع مرور الزمن. ولأن الكاتب الحقيقي هو ضمير المجتمع فقد كتب تشارلز ديكنز في القرن الثامن عشر أثناء تفاقم ظاهرة أطفال الشوارع روايته الشهيرة "أوليفر تويست" التي قدمت في أكثر من إنتاج مسرحي وسينمائي حول العالم، وآخرها كانت مصر بعد أن أعلن قطاع الفنون الشعبية عن إنتاج هذه الرواية بعد تمصيرها علي يد الشاعر بهاء چاهين بعنوان "قطط الشارع"، والتي تعرض الآن علي خشبة مسرح البالون، ولكن بعد مشاهدتها لم أجد من أوليفر تويست الأصلية سوي قشور فقط، بعد أن تحول أبطالها من مجموعة من الأطفال الي مجموعة من نجوم السينما والفيديو، وتهميش دور الأطفال الذي بنيت عليه حدوتة الرواية. يفتتح العرض باستعراض الشارع أبو اليتامي الذي يقدمه مجموعة من الأطفال، ثم تجد نفسك أمام مشهد آخر في مطبخ ملجأ للأطفال وهو المشهد الذي يظهر فيه الطفل "كريم" الذي تدور حوله قصة العرض ويبرز هذا المشهد مدي معاناة الأطفال وسوء معاملتهم وذلك عند طلب "كريم" لغَرفة طعام زائدة عن المخصصة لكل طفل في الوجبة الوحيدة لهم، وبناء عليه يقرر مديرالملجأ بيع الطفل كريم بعد معاقبته باعتباره مشاغباً، ولكنه يفشل في بيعه فيعطيه للحانوتي "شمعة" الذي يحاول أن يعيده للملجأ مرة أخري فيقرر "كريم" في هذه المرة الفرار الي المجهول. أشعار بهاء چاهين كانت أعمق كثيرا من حوار الشخصيات الذي بدي الي حد كبير سطحياً ومألوفاً للأذن، ومناطق اختيار بعض المونولوجات كان في غير سابق علي آوانه كمونولوجي حافظ وسمسمة. شخصيات العرض قدم عرض قطط الشارع مجموعة كبيرة من الفنانين علي رأسهم الفنان الكبير سمير صبري في دور "حافظ حافظ أو حتة" الذي يلتقط الأطفال المشردين ويعلمهم السرقة ليتكسب من ورائهم، والحقيقة أنه أدي الشخصية بوعي شديد فقد امتلك مفاتيحها منذ اللحظة الأولي باستخدامه طبقة صوتية مصطنعة متحشرجة في حواره لازمته طوال العرض، الي جانب أن آداءه الحركي علي الخشبة اتسم بالمرونة، وينقصه أن يفكر في ملابس تبدو أكثر فقرا من تلك التي ظهر بها لتعبرعن بخله وتقشفه كما في النص الأصلي والذي لم يبرزه نص جاهين. ويأتي الفنان القدير جمال اسماعيل في دور الجد "عزيز بيه" وبالرغم من المساحة الصغيرة للدور الا أن جمال اسماعيل أكسبه ثقلا حتي وان ضاعت منه بعض "كيوهات" الحوار لتسليم الممثل الذي يشاركه المشهد. دوللي شاهين في دور"سمسمة" أجد أن بعض النقاد تحامل عليها بكونها غير موفقة علي خشبة المسرح، وهذا علي عكس ماشاهدته فقد كانت ممثلة خفيفة الظل أدت دورها بشكل رائع الي جانب أن حجم قامتها تتناسب مع طبيعة العرض، ولكن يمكنها تعميق بعض مونولوجاتها بالبطئ في الآداء وإعطاء الكلمة حقها من المشاعر خاصة في أولي هذه المونولوجات التي أشرت له سلفا، ولكن في المجمل كنت رائعة يادوللي. الطفلان كريم ومروان كانا رائعين خاصة الأول لأنه الأصغر سنا فعمره قرابة السبع سنوات وكان لديه حضور وجرأة علي خشبة المسرح وكذلك جميع الأطفال المشاركين في العرض كانوا موفقين في أدوارهم حتي وان كانت جماعية. ممدوح درويش في دور "حداية" الذي يمثل الشر في العرض كان أداؤه مقنعا ومتميزاً. بين الإخراج والاستعراض مخرج العرض عادل عبده وهو في المقام الأول راقص سابق ومصمم استعراضات ولذلك كان للاستعراضات دور رئيسي مواز لدور النص الحواري. استخدم عبده خشبة مسطحة للعرض بالرغم من تواجد مستوي ثاني في ديكور منظر الورشة ولكنه لم يستغل الا في أغنية "رايح علي فين" من الفصل الثاني بصورة عابرة. وقد قدم عبده عددا كبيرا من الاستعراضات كانت جيدة فقد حاول التنوع في الحركات من ناحية ومن ناحية أخري اختياره الجيد لعناصر فرقته والتدريب المتقن لهم، أما تشكيلات الأطفال فيبدو أن عبده بذل فيها مجهوداً كبيراً خاصة أن عددهم كبير فقد جاءت حركاتهم متوحدة لا يشوبها الخطأ فأعطت جمالا للعرض. ولكن كان هناك العديد من الاقحامات في العرض التي لم تكن الا بمثابة تطويل "لنجرة" لزمن العرض مثل مشهد السوق في الفصل الأول والذي تبعه استعراض بنفس معني الآداء التمثيلي، مشهد الورشة في الفصل الأول والذي أستحوذ عليه سمير صبري ودوللي شاهين وأخذا يتباريان في تقليد الفنانين والغناء لهم مثل سعاد حسني وفريد الأطرش، واستعراض الشارع بالليل. ديكور وملابس محمد الغرباوي كانت لعشرة أو لتسعة مناظر ولم تكن مبهرة بالشكل الكافي فقد غلب عليها الألوان الترابية كالأصفرات والبنيات، والمحايدة كالرمادي، عدا أول منظر الذي يمثل الشارع فقد استخدمت فيه ألوان مبهجة لرسم العمارات في خلفية وجوانب المنظر ربما لابراز عشوائية البنايات من حيث الألوان والأحجام في مصر، وفي رأيي أن أفضل تصور للديكور كان في مشهد استعراض القطط ، وعموما فالديكور بدي أفقر مما تصورت. أما عن الملابس فكانت للراقصين والراقصات أفضل من ملابس الممثلين وأجد أن معظمهم استعان بملابس خاصة به باستثناء بعض ملابس دوللي شاهين. ملحنان وموزع ستة عشر لحنا هي مااحتوي عليه العرض، قدمها ملحنان هما حسن دنيا، ويحيي غانم فكل منهما وضع ثمانية ألحان، كان لحسن دنيا منها استعراض "قطط الشارع" في مقام النهاوند علي ايقاع غربي ثنائي الميزان، استعراض "هية طأة واحدة" يغنيها الأطفال في الملجأ جاءت في مقام العجم وايقاع غربي في ميزان ثنائي. استعراض "السوق" في مقام البياتي وقد استخدم فيه عدة ايقاعات منهاالأيوب، والمقسوم، وايقاع غربي. أغنية "جايلك ياأم الدنيا" التي غناها الطفل كريم أو جسدها فقط علي المسرح بغناء طفل آخر كانت في مقام الصبا المصاحب بأحد الايقاعات الغربية. أغنية "حافظ محافظ" وهي لا تزيد عن المذهب في مقام العجم . "عيب علي شيبتك" في مقام النهاوند وايقاع غربي ذي ميزان رباعي . "قلبي الفضة" والتي غناها الفنان جمال اسماعيل . ودويتو"حتة مني" بين سمير صبري ودوللي شاهين والذي كان في مقام الكرد وعلي ايقاع التشاتشا الكاريبي. وتأتي ألحان يحيي غانم وأولها أغنية واستعراض الافتتاح "الشارع أبو اليتامي" في مقام الكرد وعلي ايقاعات المصمودي السريع والوحدة السائرة . "تعالالي أنا شايفك وانت شايفني" والتي غناها الطفل كريم في مقام النهاوند وعلي ايقاع الوحدة الكبيرة. وأغنية "ورشتنا حلوة محندقة" وأعتقد أنها كانت في مقام الحجاز وعلي ايقاع الفلاحي أو البمب . وأغنية "تصبح علي خير" والتي غناها جمال اسماعيل في مقام النهاوند علي ايقاع غربي. "انتباه انتظام" علي ايقاع المارش . "راح اللي راح" وهي أغنية درامية غنتها دوللي في مقام الكرد ودون ايقاع صريح. "الشارع بالليل وهي أغنية أداها ممدوح درويش بطريقة الريستاتيف "الإلقاء الحواري المنغم" . أغنية "رايح علي فين" بين سمير صبري والأطفال في مقام النهاوند وعلي ايقاع المصمودي الصغير . وهناك أغنيتان لم يذكر ملحنهما في كتيب العرض وهما "أوعي تبلم" والتي غناها سمير للطفل كريم في مقام العجم وعلي ايقاع المقسوم، وأغنية واستعراض الختام "لجل ماتروق الشوارع" غناء دوللي في مقام الكرد وعلي ايقاع غربي ثنائي. ولو لاحطنا نجد أن المخرج لم يترك أحداً من أبطال العرض الا وجعله يغني وأعتقد أن هذا شكل عبئا علي العرض.