ينحاز مجدي عطية في ديوانه "مشاهد من دنيا صغيرة" إلي عالم السينما بشكل كبير ولافت، فالديوان حافل بالعديد من مفردات هذا العالم الثري، وباعتبار السينما هي الفن السابع الذي يجسد واقعنا المعيش بكل ما فيه ويحوله لصور متحركة ومعبرة بصدق عن معظم القضايا المجتمعية السياسية والاقتصادية بل والأخلاقية أحيانا والتي تزداد في أوقات الأزمات، باعتبارها قضايا مسكوت عنها لأنها شائكة، وتأتي السينما لتفجر تلك القضايا وتناقشها بجرأة، باحثة عن حلول شافية لها في أحيان كثيرة، وفي أحيان أخري تطرح القضية وتترك المجتمع يناقشها ويبحث لها عن حلول، هذا الدور تقوم به السينما منذ عقود مضت. العتبة الأولي يأتي عنوان الديوان - باعتباره العتبة الأولي- دالا علي محتواه وعالمه، فالمشهد هو المفردة التي يستخدمها كاتب السيناريو السينمائي، والسيناريو يتكون من عدة مشاهد متتالية تمثل في النهاية وجهة نظره وتحمل أفكاره ورؤاه، وهي التي يترجمها مخرج العمل في النهاية إلي صور سينمائية أي ما يسمي بالفيلم السينمائي. ونلاحظ من خلال قراءتنا للديوان أن العديد من عناوين الديوان تحمل مفردات سينمائية أو تنتمي إلي عالم السينما، مثل: "ريجسير/ سمعة الأقرع/ سهرة متعادة/ بليياتشو/ عرض ساذج لأبطال كومباس ومخرج تافه/ مشهد قديم/ كاراكتر/ كلاكيت" وهذا دليل واضح علي أن الشاعر مفتون بعالم السينما، بل إن القارئ للديوان يشعر وكأنه داخل فيلم سينمائي، لمقدرة الشاعر علي تصوير هذا العالم بفنية عالية، وتحويل قصائده إلي مشاهد درامية تتحرك أمامك وكأنها من لحم ودم. هنا تتجلي مقدرة الشاعر المهموم برصد دقائق الأشياء وتحويلها لمشاهد حميمية تمس الروح لقربها من واقعنا المعيش، وتحويل اليومي، والعادي، والمتداول، إلي صور شعرية كلية تحتفي بالمشهدية، تنم عن أن وراءها موهبة كبيرة لشاعر يبحث عن التفرد بين أقران جيله ممن يكتبون قصيدة نثر العامية، لامتلاكه مفردات وعالم خاص مشتبك مع الواقع المحلي وتحويل الهم الخاص إلي عام، والمفرد إلي جمع، بتمكن وبساطة وعمق، ولشدة ولعه بعالم السينما لا تخلو قصيدة من قصائد الديوان من مفردة من مفردات السينما أو دالة عليه، حيث يقوم بسرد الحالة (القصيدة) والتي هي أقرب لسيناريو فيلم أو (قصة درامية). يقول في قصيدة (ريجسير): واد مكلف بتوزيع الأوردر سقطت منه العناوين في قطر السويس اللي ما بيقفش في أي محطة وبيوصل متأخر زيه وزع علي صحابه كل الأدوار باستثناء دور حجزه لنفسه إدا لمثله الأعلي دور البطولة مع إنه ما يستحقهاش". وفي قصيدة "سمعة الأقرع" نجد أن هذا العالم واضح بشكل كبير فيقول: "شايل علي كتفه أبطال الفيلم بيضحي بسمعته ما بين الفتوات ما لهوش غير إنه ينضرب وبس وغيره ياخد تسقيف جاد لحد ما زهق من متفرجين فاكرين إنه يقدر يشيل الجبل يرميه البحر" أشهر الكومبارسات سمعه الأقرع الذي عنونت القصيدة بإسمه، أحد أشهر كومبارسات السينما علي الإطلاق، وقد أشتهر بضخامة جسمه وقوة عضلاته وقدرته علي تحمل الضرب، في هذه القصيدة استطاع الشاعر بتمكن تصوير المشاعر الإنسانية الداخلية لأحد كومبارسات السينما، رغم علمه بأن دوره ينحصر في تلقي الضرب عن بطل الفيلم، أو يكون مساعدا له أو ضده حسب دوره المرسوم له في السيناريو، كما أن أقصي طموح له بنحصر في حلمه با لاشتراك بعدد أكبر من مشاهد الفيلم، هذا الكومبارس الذي يحلم بأن يصير في شهرة "سمعة الأقرع" ويقوم بنفس أدواره السينمائية المؤثرة والتي تجعله يخوض العديد من المعارك الوهمية أمام أبطال الفيلم .. يقول في موضع آخر من القصيدة: "ونفسه يبقي زي "سمعة الأقرع" يحلق حواجبه، وينفخ عضلاته يهدد الأبطال بمعارك وهمية لما تبدأ حركات عنيفة تسيطر عليه تغير مشاعره من ديكور حاسس بتقله علي عينيه" في هذه القصيدة استخدم تقنية المونولوج الداخلي، ليعري من خلالها ما يدور داخل نفس هذا الكومبارس، الذي يحلم في نهاية القصيدة بأن يكتب مذكراته معلنا عن الأدوار المركبة التي قام بها، وأيضا عن الدور الذي لم يضرب فيه كويس، وأقصي أمانيه أن يكتب اسمه تحت الافيش. وفي قصيدة "عرض ساذج لأبطال كومبارس ومخرج تافه" تتجلي أيضا فيها مقدرة الشاعر علي استيعاب هذا العالم بكل متناقضاته.. فيقول فيها: "اعلان عن مخرج مساعد بطاقته تثبت إنه إتعدي سن المراهقة عمره الافتراضي منتهاش مشواره أقصر من كل تجاربي السابقة علشان يحس إنه الوحيد اللي قدر يبدأ م النقطة اللي ماتوا عندها أعدائي من غير ما أعرف إنهم اكتشفوا مدارس جديدة للعبث وشهادة تطعيم ضد جنوني اللي حا مارسه في أول بروفة" وفي آخر قصائد الديوان التي تحمل عنوان: "كلاكيت" يقول: "كل المناظر مستعدة لمواجهة الكاميرا في عرض خاص لمخرج كرتون خايف من جمهور الترسو اللي باتكك علي عيني ما ينحرجوش في مشهد ملطوش بإضائته مني لدرجه تعمي الجمهور يطفش مني ومن نفسه" من العرض السابق لبعض قصائد الديوان يتضح أن الشاعر مغموس في هذا العالم حتي أذنيه فتنساب مفرداته داخل القصائد دون أن يدري، ليشكل من خلالها رؤيته للعالم وللأشياء من حوله. الديوان في مجمله محمل بالهم العام من خلال شخوصه بإعتبار أن قصائد الديوان مشاهد متتابعة لفيلم سينمائي، لذا نجد مفردات هذا العالم منتشرة في الديوان بشكل لافت،مثل: "مشاهد/ الأضواء/ المكياج/ الأوردر/ دور/ البطولة/ ريجسير /الزوايا / الكادر/العنصر النسائي/ التصوير/ العرض القادم/ الأبطال/ الكومبارس/الفيلم/ تسقيف حاد/ متفرجين/ نجوم/ كاميرا/ زووم/ سمعه الأقرع/ ديكور/ الأفيش..إلخ. إذن هذا العالم مسيطر علي تجربة هذا الديوان الذي يرسم في طياتها خبرات شعرية واعية، ومدركة للعالم وبكل ما يمر به من متغيرات، فمجدي عطية شاعر يمتلك ثقافة واعية ومتنوعة وثرية أثرت قصائد الديوان الذي بين أيدينا والذي يحتاج إلي قراءات أخري تضيء جوانبه المختلفة، فقد عمدت من خلال هذه القراءة أن ألقي الضوءعلي عالم السينما لما رأيت الديوان محتشدا به، فهو ديوان متميز لشاعر أكثر تميزا.