في السينما كما في الحياة، يصيح المخرج و"كلاكيت" وعلي الفور ينتظم كل في مكانه، البطل والبطلة.. والكومبارس في الخلفية لاداء المشهد.. ومشهد الي جانب مشهد تكتمل الرواية وتنعقد الحبكة الدرامية وفق سيناريو يكون الامثل اذا جاءت الحبكة منطقية حتمية ويقل قليلا اذا كانت احداثها محتملة.. ويكون مبتذلا لو قامت الاحداث علي الصدفة كما في الزمن الذهبي للسينما الهندية. وبالأمس، صاح المخرج و"كلاكيت"، ودارت عجلة التاريخ تسجل المشهد.. تتذكر افغانستان.. بل العراق.. بل هو لبنان.. لا يبدو المشهد مختلفا.. تغير البطل والبطلة.. ولكن الكومبارس علي حالهم.. في اماكنهم يحفظون ادوارهم عن ظهر قلب.. بل وكذلك ادوار البطولة وعندما ينفض الجمع ويختلون بالديكور يتناوبون ارتداء ملابس البطولة.. وقد يلومون علي المخرج تجاهله لهم. وفي السينما كما في الحياة، امتازت السينما الغربية.. أوروبية كانت أو أمريكية، بتوظيفها فن الخداع وحيل المؤثرات تجسد من خلالها ابعادا افتراضية مقنعة ومبررة.. تخفي معايير مزدوجة ومبررات مقنعة.. وفي الحياة كما في السينما، بدأ السودان مشواره الي الانزلاق قبل سنوات.. واستعد المخرج بمشهده الأخير قبل أيام.. وعندما دارت عجلة التاريخ تصور المشهد كانت الحبكة حتمية منطقية فرضتها الظروف والمستجدات.. ولكننا ادمنا التشاغل والانشغال حتي ينتهي المشهد ويصيح مساعد المخرج "فركش". بالامس لم يقو علي ملاحقة مجرمي حرب البوسنة رغم توافر كل الادلة علي جرمهم المشهود.. لم يقود علي اتهام قادة روسيا جراء ما اقترفوه في الشيشان.. لم يقو علي اعتراض بوش وهو يغادر البيت الابيض بعدما جلبه علي شعبه وشعوب أخري من خراب ودمار.. وهو الغرب الذي لن يجرؤ بالتأكيد علي اتهام ساسة تل أبيب بالابادة المنظمة بانتهاك حقوق شعب محتلة أرضه.. ولكنه جرؤ علي اتهام البشير.. ومن قبله صدام.. وتستمر لعنة الكراسي الموسيقية. ثم عمد الي الحيل والمؤثرات.. فكان البحث عن اعمار غزة، وانشغلنا وتشاغلنا ويتناوب ادوار الضيف والمضيف حتي فاتنا ان اسرائيل مستمرة في الاستيطان وان واشنطن مستمرة في دعمها وان رياح التغيير التي وضعت أوباما في المكتب البيضاوي لم تحرك ساكنا.. ولم تغير متحركا.. وان كل شيء فيما عدا ذلك يبقي علي حاله. عندما انشغلنا وتشاغلنا باعمار غزة فاتنا ان شعباً آخر في الجوار يحتاج الي اعمار للنفوس قبل المباني.. للروابط قبل المؤسسات.. فاتنا ان الدفع به الي نفس المشهد مستمر.. وان عدالة أوكامبو الدولية لن تجلب عليه الا الضياع والهلاك والتبديد.. نختلف أو نتفق ان البشير شأنه شأن من سبقوه ومن سيلحق به من حكام العرب ويستحق قرار اوكامبو.. يستحق بطولته للمشهد.. نتفق أو نختلف ان شعب السودان جلب علي نفسه.. بصمته علي استبداد الحاكم وفساد الحاشية ما يترصده اليوم من مخاطر.. نتفق أو نختلف اننا شعوب العرب قبل حكامهم نحتاج درس اوكامبو نحتاج مشاهدة البشير مرات ومرات وهو يستنهض شعبا لم يعره بالامس اهتماما.. يستنهضه الحماية من قبضة اوكامبو وعدالته الدولية.. اليوم يستحث البشير جيرانه العرب قبل الافارقة علي التحرك ضد اوكامبو.. انشغل البشير.. شئننا جميعا.. بحاله.. وفاته ان التحرك لا يكون للخارج.. بل للداخل.. لا يكون ضد.. بل مع.. مع شعبه مع احتياجه وتطلعاته.. مع احلامه وآماله.. مع حقوقه وامتيازاته.. مع اقرار عدالته والمساواة بين ابنائه .. فالسودان استحق من بشيره ما فاته واليوم يستحق من جيرانه من اشقائه.. من نفسه ان يتحرك لتجديد الاواصر وتوطيد الروابط.. للاتفاق علي الصالح لا المصالح.. للتراحم للتكافل.. لتأكيد القواسم لا الفوارق.. للبحث عن حبكة جديدة.. اخراج جديد لقصة شعب يحلم بعيش كريم.. بنهاية سعيدة لاوجاعه.. وحماية لحقوقه.. لعدالة يستحقها.. لا علاقة لها بعدالة اوكامبو.