تحقيق: محمد فرغل الإعلام والجمعيات الخيرية والعقارات والتحالفات.. أسلحة الجماعة للتمدد دولياً! لم تعد جماعة الإخوان مجرد حركة دعوية، بل تحولت إلى شبكة دولية تُجيد فن التمويه، وتُتقن إدارة المال والعمل السرى، حتى صارت كيانًا لا يعترف بالقوانين إلا بمقدار ما يتيح له استخدامها لمصلحته، التنظيم الدولى لجماعة الإخوان؛ «أخطبوط» هائل تتشابك أذرعه فى المال والسياسة والإعلام والدعوة والمجتمع المدني، لم يعد الحديث عن الجماعة محصورًا فى مصر، بلد النشأة والميلاد، بل صار الحديث عن شبكة ممتدة عبر القارات، تتحرك بمرونة كأنها دولة ظلّ عابرة للحدود.. هذا الكيان يتغذى على موارد مالية ضخمة، ويستند إلى ملاذات سياسية آمنة فى عواصم بعينها، ويستثمر شعارات الحرية والديمقراطية لتسويق مشروعٍ يستبطن السيطرة والتغلغل فى المؤسسات. منذ أن أسس حسن البنا الجماعة عام 1928، أدرك أن المال هو العمود الفقرى لبقاء التنظيم. لم يعتمد على التبرعات وحدها، بل أسس شركات ومؤسسات خيرية ومدارس، وربط الأعضاء بالتنظيم عبر «الاشتراكات الشهرية». ومع مرور الوقت، تشكلت منظومة مالية معقدة، وبعد سقوط حكمهم فى مصر عام 2013، صادرت الدولة ممتلكات الجماعة وجمّدت حساباتها؛ اللجنة المصرية لحصر وإدارة أموال الإخوان أعلنت آنذاك مصادرة أصول تقارب 300 شركة و1200 جمعية، فضلاً عن عقارات ومدارس ومستشفيات. تقديرات بحثية أشارت إلى أن قيمة الأصول والممتلكات التى فقدتها الجماعة داخل مصر تراوحت بين 16 و20 مليار دولار. لكن التنظيم لم يتوقف؛ فقد أعاد توجيه أمواله إلى الخارج عبر واجهات خيرية، مثل «الإغاثة الإسلامية» التى تأسست فى برمنجهام عام 1984، والتى خضعت لتحقيقات فى بريطانياوألمانيا بشأن شبهات تمويل متطرفين. هيكل تنظيمى رغم الضبابية التى تكتنفه، فإن للتنظيم الدولى هيكلاً هرمياً حقيقياً يربط الفروع المحلية بالمركز العالمي؛ تقارير عدة كشفت وجود مكتب إرشاد عالمي، ومجلس شورى دولى يضم ممثلين عن فروع أوروبا والشرق الأوسط.. هذا الهيكل أدار الجماعة بعد الضربة الكبرى فى مصر 2013، برز من خلاله اسم إبراهيم منير، الذى عاش فى لندن منذ السبعينيات، كأحد أبرز قادة التنظيم الدولي، وكان يشغل منصب «القائم بأعمال المرشد» حتى وفاته فى نوفمبر 2022. ومن قبل، لعب يوسف ندا – رجل الأعمال المقيم فى لوغانو بسويسرا – دور «وزير خارجية الإخوان»، إذ أدار بنك التقوى الذى أدرجته واشنطن عام 2001 على قوائم تمويل الإرهاب. هذه الأسماء تعكس أن التنظيم ليس عشوائيًا، بل شبكة تدار بمنطق حكومة ظلّ عابرة للدول، لها قيادات ودبلوماسية مالية وسياسية. عواصم نفوذ وإذا كانت القاهرة هى ذاكرة الجماعة ومركزها التاريخي، فإن أذرعها امتدت إلى عواصم متعددة؛ فبعد 2013 صارت احدى دول المنطقة الملاذ الأهم للقيادات الهاربة، حيث سمحت لهم بإنشاء قنوات فضائية مثل «مكملين» و«الشرق»، فضلاً عن تأسيس مدارس ومراكز بحثية. كما منحتهم دولاً فى المنطقة منصة إعلامية وفكرية كبرى، بالإضافة إلى الدور التاريخى للشيخ يوسف القرضاوى فى منح شرعية دينية لمشروعهم حتى وفاته عام 2022. وفى أوروبا، تحولت لندن إلى مقر استضافة لقيادات مثل محمود حسين وإبراهيم منير. كما صارت جنيف وبروكسل ساحتين خلفيتين يتحرك فيهما التنظيم عبر جمعيات ك «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا»، الذى أُنشئ عام 1989 ليكون مظلة لعشرات الكيانات الإسلامية المرتبطة بالفكر الإخوانى.. هذه العواصم لم تُوفر فقط ملاذًا سياسيًا، بل وفرت أدوات ضغط قانونية وإعلامية على الحكومات الغربية. أدوات الإخوان للتأثير متعددة؛ السلاح الأول فيها هو الإعلام، إذ لعبت قناة «الجزيرة» دورًا بارزًا فى إعادة إنتاج خطاب الجماعة بعد 2013، بينما قنوات مثل «مكملين» و«الشرق» تحولت إلى منصات للهجوم على الدولة المصرية. الجمعيات الخيرية تمثل الأداة الثانية، مثل «المجلس الإسلامى البريطاني» (MCB)، و»الإغاثة الإسلامية»، التى شكّلت واجهة اجتماعية وإنسانية، لكن تقارير أمنية غربية ربطتها بتحويلات مالية مشبوهة. السياسة تمثل الأداة الثالثة؛ إذ دخل الإخوان فى تحالفات حزبية فى دول مثل المغرب (حزب العدالة والتنمية)، وتونس (حركة النهضة)، مستخدمين الديمقراطية كجسر لشرعية سياسية تُخفى مشروعًا أيديولوجيًا صارمًا. أما الاقتصاد، فهو الأداة الرابعة: استثمارات فى العقارات والشركات فى لندن، سمحت لهم بتأمين شبكة دعم مالى مستقرة.. هذه الأدوات تعمل بتناغم يشبه أوركسترا تُديرها قيادة تدرك أن البقاء يتطلب أقنعة متعددة، من الإعلام إلى الاقتصاد. تحديات وضغوط لكن هذا الأخطبوط لم يعد بلا مقاومة؛ فبعد 2013، صنفت مصر الجماعة تنظيمًا إرهابيًا، وتبعتها السعودية والإمارات والبحرين فى 2014. بريطانيا فتحت مراجعة حكومية فى 2015 حول أنشطة الإخوان، بينما وضعت ألمانيا «الإخوان» تحت رقابة جهاز حماية الدستور بسبب صلاتهم بجمعيات محلية. فى الولاياتالمتحدة، ناقش الكونجرس عدة مشاريع قوانين لإدراج الجماعة على قوائم الإرهاب. داخليًا، يعانى التنظيم من انقسامات حادة بين جناح لندن بقيادة إبراهيم منير (سابقًا)، وجناح احدى الدول بقيادة محمود حسين، وهو صراع علنى منذ 2020 كشف عن انشقاقات عميقة. الضغوط القانونية على الجمعيات الخيرية، إلى جانب تجفيف منابع التمويل فى الخليج وأوروبا، جعلت التنظيم فى مأزق وجودي. ومع أن الجماعة عُرفت بقدرتها على التكيف، إلا أن اللحظة الراهنة تختلف: الأذرع متكسرة، والعواصم التى احتضنتهم لم تعد تمنحهم الحماية المطلقة. هكذا، يظهر التنظيم الدولى للإخوان كأخطبوط عالمى يمتلك مالية سرية، ويستند إلى هيكل تنظيمى صارم، ويمتد إلى عواصم نفوذ متعددة، ويستخدم أدوات تأثير دقيقة، لكنه يواجه اليوم تحديات وضغوطاً تهدد بقاءه. بداية مفتوحة من جانبه، قال هشام النجار، الباحث فى شئون الإسلام السياسي، إن لحظة النهاية بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين لم تحن بعد، فهذه الجماعة التى قاربت على مئوية تأسيسها لا تزال – للأسف – قادرة على امتصاص هزائمها وتعويض خسائرها، بل وإعادة إنتاج نفسها فى مشهد الأحداث الدولية والإقليمية. وأوضح أن الجماعة، وإن فقدت حضورها الأهم ونفوذها المركزى فى مصر والمنطقة عقب ثورة يونيو المجيدة، فإنها نجحت فى إعادة التموضع فى مناطق أخرى من العالم، حيث وجدت فى أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض دول أمريكا اللاتينية وشرق آسيا وإفريقيا مساحات جديدة للحركة، وما يزال لها حضور تنظيمى ونشاط إعلامى مؤثر فى بريطانيا. إعادة تموضع وشدد النجار على أنه بعد سقوط الجماعة فى الحكم بمصر عام 2013، وعدم قدرتها على استكمال أهداف رعاتها وداعميها الإقليميين والدوليين، اتجهت مباشرة إلى التحالف مع قوى إقليمية غير عربية، ووجدت نفسها منخرطة فى ترتيبات عابرة للحدود ساهمت فيما جرى لاحقًا من أحداث أكتوبر 2023، وما تبعها من تحولات خطيرة. وأكد أن الهدف لم يتغير؛ إذ ظل يتمثل فى تقليص الحضور العربى إلى أدنى حد، وضرب المكتسبات العربية، والعصف بالثوابت التاريخية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فضلًا عن إضعاف الدولة الوطنية العربية وخاصة مصر وجيشها، حتى تضمن الجماعة نصيبها الملوث من الصفقة عبر دعم وجودها فى المشهد، وإضفاء الشرعية عليه من القوى المستفيدة منها.. وأشار إلى أن الجماعة ما زالت تجد الدعم فى تمكينها من التمدد عبر القارات، وتغذية شبكاتها السرية، وتشكيل إمبراطوريات مالية ضخمة تنفق منها على أنشطتها التخريبية والتحريضية ضد الدول والمجتمعات. ازدواجية قاتلة وصرح النجار بأن أخطر ما يبقى على الجماعة هو تلك الازدواجية التى تعيش عليها وتتنفس منها؛ فهى من جهة تعمل على تشكيل دول دينية متأسلمة وفق برامج الإسلام السياسى المبنى على مرويات تراثية وأساطير بشرية مزورة، تم دسها على مدى قرون فى كتب الفقه والتفسير والحديث، بعيدًا عن المنهج القرآنى الأصيل الذى جاء بتشريعات الرحمة والمحبة والتعايش. ومن جهة أخرى، هناك ما يسميه ب«اليهودية السياسية» التى أسست دولة دينية على منهج مشابه، قائم على آراء بشرية وضعها الحاخامات بعد إقصاء الأصل التوراتى الذى أثنى الله عليه فى كتابه. ولفت إلى أن المشروعين – الإخوانى والإسرائيلى – يتغذيان من معين واحد يقوم على الأساطير والتراث المزور، وكلاهما يؤسس لمشروعات إقصاء وعدوان وإفساد فى الأرض. وخلص إلى أن نهاية الإخوان الحقيقية لن تتحقق إلا بالعودة إلى الإسلام القرآنى كما أنزله الله على نبيه، كما أن نهاية إسرائيل لن تكون إلا بالعودة إلى شريعة موسى الأصلية التى دعت، مثل القرآن، إلى الرحمة والسلام والتعاون ونبذ العدوان. من جانبه، قال منير أديب الباحث المتخصص فى شئون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، إن الحديث عن جماعة الإخوان لا يمكن أن يتم دون الفصل بين مستويين مختلفين، أولهما التنظيم، وثانيهما الفكرة. وأوضح أن التنظيم نفسه مرّ عبر سنواته الأخيرة بمراحل ضعف متتالية، حتى بات يواجه وضعًا هو الأسوأ منذ عقود طويلة. وأكد أن المواجهة الأمنية والعسكرية التى لحقت به فى مصر بعد ثورة 30 يونيو، ثم فى دول عربية أخرى، أضعفت بنيانه، وأفقدته كثيرًا من صلابته، إلى درجة أنه أصبح اليوم جسدًا ضخمًا لكنه بلا قلب، عاجز عن الحياة والحركة. انقسام فى العواصم وأضاف أديب أن هذا الضعف تجلى فى انقسامات التنظيم الدولى بين عواصمه؛ فاحدى الدول، التى كانت منذ 2013 مركزًا لقيادات الصف الثاني، تحولت إلى ساحة صراع بين جبهتين؛ إحداهما بقيادة محمود حسين، والأخرى بزعامة صلاح عبدالحق، بينما وقفت مجموعة ثالثة فى موقع الحياد، مجمّدة عضويتها من دون أن تغادر التنظيم أو تنحاز لأى طرف. وشدد على أن لندن، التى طالما اعتُبرت القلب النابض للتنظيم الدولى منذ خمسينيات القرن الماضي، أصبحت مسرحًا لخلافات قانونية وإعلامية، وواجهت الجماعة فيها تضييقات متزايدة نتيجة تقارير الاستخبارات البريطانية، وتحقيقات الصحافة المحلية مثل التايمز والجارديان حول نشاط الإخوان وتمويلاتهم. أما فى احدى دول المنطقة، فقد حافظت على تمويلها ودعمها الإعلامى للجماعة عبر منصات كبرى، ومؤسسات خيرية ذات واجهات إنسانية، لكنها فشلت فى وقف الانقسام الداخلى أو إعادة التنظيم إلى حالة التماسك. ولفت أديب إلى أن التنظيم لم يعد وحدة واحدة كما كان فى السابق، بل صار عدة تنظيمات متفرقة، مجموعات تتناحر فى الخارج بينما تفقد تدريجيًا قواعدها فى الداخل. وأوضح أن ذلك الانقسام أضعف حضور الجماعة على المستويات السياسية والشعبية، وأن الأعضاء الذين كانوا يشكّلون عصب التنظيم فضّلوا تجميد نشاطهم بدلاً من الدخول فى صراع داخلى وصفوه ب«الفتنة». فكرة باقية وفى المقابل، شدد أديب على أن الفكرة شيء آخر، فهى ما تزال قائمة وتتمتع بقدرة على البقاء رغم ضعف التنظيم. وقال إن الفكرة تحتاج إلى مواجهة من نوع خاص، لا تعتمد على الحلول الأمنية أو العسكرية وحدها، بل تتطلب تفكيك البنية الفكرية التى قامت عليها. وأوضح أن هذا التفكيك لا يتحقق إلا عبر تجديد الخطاب الديني، وإعادة صياغة المناهج التعليمية، وتفعيل دور الفنون والثقافة والإعلام فى نشر الوعي، لأن مواجهة الفكر لا تكون إلا بالفكر. أموال بلا تأثير وأكد أديب أن مليارات الدولارات التى أنفقها التنظيم الدولى عبر مؤسساته فى لندن لم تعد ذات أثر، إذ تحولت القنوات والمنصات التى تبث من الخارج إلى أبواق مكرورة فقدت المصداقية، وأصبحت الأموال مجرد تمويل بلا نتيجة. وأضاف أن محاولات التنظيم فى أمريكا اللاتينية وشرق آسيا وإفريقيا لتوسيع نفوذه لم تحقق نجاحًا يذكر، لأن الفكرة ذاتها لم تعد قادرة على اجتذاب الأجيال الجديدة. نهاية محتومة وأكد أديب أن الإخوان، رغم جسدهم الضخم المنتشر عبر القارات، يظلون جسدًا بلا قلب، وأن النهاية الحقيقية للجماعة لن تأتى عبر قتل الجسد، وإنما عبر القضاء على القلب المتمثل فى الفكرة. وأوضح أن تفكيك الفكرة المؤسسة يعنى تحويل الجماعة إلى مجرد صفحة فى كتب التاريخ، تمامًا كما لفظت المجتمعات العربية والإسلامية خوارج القرون الأولى، بحيث يُذكر الإخوان فى المستقبل كنسخة معاصرة من «خوارج العصر» الذين لفظهم وعى الأمة وأسقطهم الزمن. إمبراطورية مالية ومن جانبه، أكد عمرو فاروق الباحث فى شئون الجماعات الأصولية وقضايا الأمن الإقليمي، أن جماعة الإخوان عملت منذ نشأتها على يد البنا، على إيجاد مسارات مالية متنوعة تمنحها القدرة على الاستمرار والبقاء، من خلال جمع أموال التبرعات والصدقات، وإقامة المشاريع والمؤسسات الاقتصادية، حتى أصبحت ميزانيتها تقترب من ميزانية الدول الكبرى نتيجة حجم الأموال الضخمة التى تمكنت من حصدها عبر عشرات السنين. وأشار فاروق إلى أن الإمبراطورية المالية والاقتصادية للإخوان مرت بالكثير من المراحل على مستوى الجماعة الأم بالقاهرة، وعلى مستوى التنظيم الدولى الذى أعلن تشكيله رسميًا عام 1982 على يد مصطفى مشهور، وكان بداية لتدشين مؤسسات خيرية واجتماعية أصبحت بابًا لجلب الأموال وتدويرها من خلال مشاريع اقتصادية تدر أرباحًا مستمرة تدعم توجهات التنظيم وأنشطتها المختلفة فى الداخل الغربي. مؤسسات الظل وأكد فاروق أن الشبكة المالية للإخوان من الشركات القابضة والتابعة، والمصارف الصورية، وغيرها من المؤسسات المالية، تنتشر فى بنما وليبيريا، وجزر فيرجن البريطانية، وجزر كايمان، وسويسرا وقبرص ونيجيريا، والبرازيل والأرجنتين وباراجواي، وهناك الكثير من التقارير الاستخباراتية الأوروبية حذرت من تنامى نفوذ الإخوان فى أوروبا، بسبب توسعهم فى إنشاء المشروعات الاقتصادية والاجتماعية، بهدف التغلغل فى دول الاتحاد الأوروبى والتأثير فيه. وقال فاروق إن جماعة الإخوان أنفقت ملايين الدولارات على الأنشطة الإرهابية، وعلى قنواتها ولجانها الإلكترونية والنوعية، بهدف إسقاط الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو 2013، فضلاً عن عشرات الملايين التى أنفقتها من قبل للوصول إلى السلطة، ومساعيها فى تنفيذ مشروع التمكين، والوصول لأستاذية العالم التى طرحها حسن البنا، واستكمال مخطط التنظيم الدولى اختراق المنطقة العربية وأوروبا. تجفيف المنابع وأوضح فاروق أن الأجهزة الأمنية المصرية تمكنت من فك ثغرات هذا المكون السرى الذى تكون على مدار 90 عاماً تحت الأرض، وتجفيف منبع ومصادر التمويلات والتحويلات المالية الواردة من الخارج، مثل ضبط خلية الكويت والشبكات الموازية لها، أو عن طريق كشف الشبكات المتواجدة بالداخل المصري. ولفت إلى إخفاء قيادات الإخوان سجلات بعض الكيانات الاقتصادية، من شركات ومدارس ومستشفيات وجمعيات ومؤسسات ذات أنشطة اقتصادية مختلفة، عبر نقل ملكيتها إلى أشخاص آخرين من رجال الأعمال، بشرط أن يمتلك تنظيم الإخوان النصيب الأكبر من أسهمها، وحصولهم على نسبة كبيرة من الأرباح لتمويل أنشطتهم. تفكيك فكرى وأشار فاروق إلى أنه لا يمكن قصر عملية المواجهة الأمنية والسياسية، ولابد من المواجهة الفكرية، لتفكيك المفردات الأدبية للجماعة ومشروعها، لاسيما أن الشارع المصرى منذ منتصف السبعينيات تعرض لمحاولة تغيير فى الهوية، إضافة إلى ضرورة التركيز على حماية الأجيال الجديدة، ومن ثم الدولة المصرية مازالت فى حاجة إلى مشروع فكرى قومي، يصحح المفاهيم، ويحمى حاضرها ومستقبلها، ويعلى من قيمة ومفردات الدولة الوطنية، وأنه لا بد أن تتكاتف مؤسسات الدولة الوطنية لإجهاض صناعة ما يسمى ب «الدوائر التعاطفية»، و«دوائر الربط الفكري»، لوقف حالة التأثير الوجدانى والعاطفى التى تسرى كالسرطان مع الجماعات الأصولية المتطرفة، التى تتخذ من الفكر «القطبي» مرجعًا تنهل منه نفسيًا وسلوكيًا، وتشبع به رغباتها الشعورية والدينية. وأكد فاروق أن الشارع المصرى أدرك على مدار السنوات الأخيرة حجم المخاطرة التى تحيط بالمنطقة العربية والدولة المصرية جراء مشاريع التقسيم وإعادة هيكلة الشرق الأوسط، بما يخدم مصالح اللوبى الصهيوني، والدول الغربية الكبرى، والتى استخدم فيها جماعات الإسلام السياسى كأداة فى تدمير الدولة الوطنية وتغيير هويتها الفكرية والثقافية. حرب نفسية كما لفت إلى الأكاذيب التى يتم الترويج لها لتحقيق ما يعرف باستراتيجية «التدمير النفسي»، التى تدور فى إطار بث حالة الاكتئاب والإحباط واليأس كإحدى أدوات الحرب النفسية لإسقاط الدولة من الداخل معنوياً قبل السقوط السياسى والعسكري.. وأوضح فاروق أن «الأيديولوجية النفسية»، والتى تمثل ركيزة أساسية فى مفاهيم حروب الجيل الرابع والخامس، وتعتمد فى المقام الأول على نظرية «خرطوم الأباطيل»، و»التشكيك» فى نوايا القائمين على مقدرات الدولة، وتعميم حالة الإحساس ب «التشاؤم» و«الإحباط» و«الاكتئاب» و»اليأس»، بهدف تدمير الجوانب المعنوية للجبهة الداخلية، وتفكيك النسيج الوطني، وفقدان القدرة على تحقيق أى إنجاز حضاري، فضلًا عن أنها تعزز الصراعات الفكرية والايديولوجية والانحياز الأعمى والتعصب، وزيادة الاستقطاب والانقسام، وتدمر التعايش السلمى والاستقرار المجتمعي.