منذ تأسيسه عام 1928، لم يكن تنظيم الإخوان الإرهابى مجرد جماعة دعوية، كما حاول أن يُصدِّر نفسه فى البداية، بل كان مشروعًا سياسيًا عابرًا للحدود، سعى مبكرًا إلى التمدد فى العالمين« العربى والإسلامي»، تحت غطاء الدين والعمل الخيري، وبحلول سبعينيات القرن الماضي، تأسس ما يُعرف اليوم ب «التنظيم الدولى للإخوان»، تتوزع فروعها فى عشرات الدول، وتعمل بتناغم لتحقيق أهداف سياسية أيدولوجية تضع «التمكين» فوق الاستقرار الوطني، و«الخلافة» فوق الدولة.. وقد استغل هذا التنظيم الإرهابى، الحريات السياسية والديمقراطية فى عدد من الدول العربية، وسرعان ما تحول إلى تهديد مباشر للمؤسسات، وقد كشفت السنوات الأخيرة. وتتعدد الجرائم المنسوبة للتنظيم بين التحريض على العنف، وتأسيس ميليشيات مسلحة، وتخريب المنشآت العامة، والتعاون مع جهات استخباراتية أجنبية بجانب تمويل الإرهاب، وفى مصر، قادت الجماعة عمليات عنف واسعة بعد عزل محمد مرسى عام 2013، وتورطت فى تفجيرات استهدفت الجيش والشرطة، وفى ليبيا شَكَّلت واجهة سياسية وميليشيوية مهدت لانقسام البلاد ودمار مؤسساتها. أما فى تونس، فقد استخدم فرع التنظيم أدوات الحكم لتعزيز الفساد وتمكين شبكة التنظيم من مفاصل الدولة، وفى السودان، تحالفت مع نظام البشير لثلاثة عقود، تاركة إرثًا من الفساد والانقسام الأهلي، وفى هذا التقرير سنرصد لكم أبرز جرائم التنظيم فى عدد من الدول العربية، حيث لا تسقط جرائم الإخوان بالنسيان، ولا بمرور الزمان. ارتكب تنظيم الإخوان، سلسلة من الجرائم التى شكلت تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار الدولة المصرية، بدءًا من الاغتيالات السياسية، مرورًا بتكوين تنظيمات مسلحة، وصولًا إلى أعمال العنف والإرهاب بعد ثورة 30 يونيو 2013. ومن أبرز الجرائم التاريخية للجماعة، اغتيال القاضى أحمد الخازندار عام 1948، واغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشي، فى نفس العام بأوامر، «الجهاز الخاص»، الذراع المسلحة للجماعة، كما حاول التنظيم اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر فى حادثة «المنشية» الشهيرة عام 1954، ما أدى إلى حل الجماعة ومحاكمة قيادتها. استمر التنظيم فى التخطيط للعودة إلى الحكم عبر التسلل إلى مؤسسات الدولة، إلى أن وصل إلى السلطة فى 2012 خلال فترة حكم محمد مرسى، سعت الجماعة إلى أخونة الدولة، وأطلقت خطابًا طائفيًا وتحريضيًا ضد معارضيها. وبعد ثورة 30 يونيو 2013، وتحديدًا عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة، دخلت الجماعة مرحلة العنف المسلح، وتبنت ودعمت جماعات ارتكبت عمليات إرهابية واسعة النِطاق، منها تفجير مديرية أمن الدقهلية، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، واغتيال النائب العام هشام بركات، كما قامت بسلسلة اعتداءات على الأقباط من خلال تفجير 72 كنيسة، ثم عمليات استهداف نقاط أمنية فى سيناء، بجانب دعم التنظيمات التكفيرية مثل «حسم» و»لواء الثورة» وغيرها. نشر الفوضى استفاد تنظيم الإخوان ليبيا من حالة الفوضى التى أعقبت سقوط نظام معمر القذافى فى 2011، وشارك فى تأسيس مؤسسات شكلية هدفها السيطرة على القرار السياسي، حيث برز الدور الإخوانى فى السيطرة على المؤتمر الوطنى العام بعد 2012 وتحويله إلى منصة لتمرير أجندات الجماعة، ومن ثم الدخول فى صراع مع الحكومة الشرعية. وقام بالتحالف مع ميليشيات فجر ليبيا، وهى جماعات مسلحة سيطرت على طرابلس فى 2014 بالقوة، وهى متهمَة بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، ثم دعم الجماعة لمليشيات الإسلام السياسى فى بنغازى ومصراتة، ما تسبب فى مقتل الآلاف، وتدمير مدن بالكامل، وتهجير سكان، بالإضافة إلى تمويل جماعات متطرفة، ودعم تهريب السلاح عبر الحدود إلى دول الجوار. اغتيالات سياسية استغلّ حزب النهضة فى تونس «الذراع السياسية للإخوان» الانفتاح السياسى بعد الثورة، وتمكن من فرض نفوذه داخل مؤسسات الدولة، حيث تورّط الحزب فى قضايا الاغتيالات السياسية، مثل اغتيال شكرى بلعيد ومحمد البراهمى فى 2013 والتى اتُّهِمت بها جماعات متطرفة على علاقة وثيقة بالنهضة. كما كشفت تقارير أمنية ووثائق مُسرّبة عن وجود جهاز أمنى موازٍ داخل الحزب، يتجسس على خصومه ويتدخل فى عمل القضاء والأمن، علاوة على توظيف القضاء والمحاكم لإغلاق ملفات فساد تورّط فيها قيادات نهضاوية، واستغلال أجهزة الدولة فى تكميم الإعلام والمجتمع المدني. واعتبر الرئيس قيس سعيّد، أن النهضة كانت تحكم من خلف الستار، واتّخذ قرارات استثنائية فى يوليو 2021 لحل البرلمان الذى كانت تسيطر عليه، متهمًا الجماعة بمحاولة قلب نظام الحكم. قتل ونهب ظَلَّ تنظيم الإخوان فى السودان ممثلًا فى «الجبهة الإسلامية القومية» ثم حزب «المؤتمر الوطني»، يسيطر على البلاد من خلال انقلاب 1989بقيادة عمر البشير خلال حكمه الذى استمر 30 عامًا، و ارتكب التنظيم العديد من الجرائم، حيث تم تطهير الخدمة المدنية والعسكرية والقضائية من غير المنتمين للتنظيم، وزُرعت عناصر الجماعة فى مفاصل الدولة. وأنشأ النظام الأمنى سجونًا سرية، وارتكب انتهاكات بحق المعارضين، بما فى ذلك التعذيب والقتل، كما تورّطت الجماعة فى قضايا فساد ضخمة، منها تهريب الذهب، وغسيل الأموال، وإنشاء شركات وهمية لنهب الموارد. عمليات مسلحة تعود جذور التنظيم فى سوريا إلى الخمسينيات، إلا أن نشاطه المسلح بلغ ذروته فى أواخر السبعينيات حين دخل فى صدام دموى مع الدولة السورية. ومن أبرز جرائم التنظيم الدولى للإخوان فى سوريا تعود إلى الفترة بين 1979 و 1982 حين قاد «الطليعة المقاتلة»، الذراع المسلحة للإخوان، سلسلة عمليات إرهابية فى المدن السورية، شملت اغتيالات لقادة عسكريين، وهجمات على مؤسسات حكومية، وتفجيرات فى الأماكن العامة، أبرزها مجزرة مدرسة المدفعية فى حلب عام 1979 التى راح ضحيتها أكثر من 80 طالبًا عسكريًا. مع بداية الأزمة السورية عام 2011 أعاد التنظيم الدولى إحياء وجوده بالداخل السورى من خلال واجهات سياسية وإعلامية، ودعم فصائل مسلحة تحمل فكرًا متطرفًا، حيث تشير تقارير إلى تورطه فى تمويل وتسليح مجموعات جهادية تحت غطاء الثورة، وتوجيهها لخدمة أجندات إقليمية، بالتنسيق مع عدة دول، كما ساهم التنظيم فى إفشال مبادرات الحل السياسي، وعرقلة وحدة صف المعارضة من خلال سيطرته على المجلس الوطنى السورى ثم الائتلاف السوري، مما أفقد المعارضة الكثير من الزخم الدولي. الهيكل الدولى للجماعة مستمر أكد الباحث فى شئون الحركات الإسلامية والقيادى الإخوانى المنشق إسلام الكتاتني، أن مَن يظن أن تنظيم الإخوان قد انتهى أو تراجع تأثيره فهو لا يرى الصورة كاملة، وأشار إلى أن التنظيم الدولى مازال يحتفظ بفاعليته وتنظيمه وهيكله القيادي، ويتخذ من لندن مقرًا رئيسيًا له. وأوضح أن التنظيم يُدار عبر مجلس شورى عالمى يضم 33 عضوًا يمثلون الفروع المختلفة للإخوان حول العالم، ويتفرع منه «مكتب الإرشاد العالمي» المُكوّن من 13 عضوًا، بينهم 8 من مصر، ما يمنح القيادة المصرية نفوذًا كبيرًا داخل الكيان الدولي، ووفقًا للائحة التنظيمية، فإن المرشد العام فى مصر يتولى تلقائيًا قيادة التنظيم الدولي. ولفت إلى أن التنظيم شهد انقسامات داخلية خلال السنوات الأخيرة، نتج عنها ظهور ثلاث كتل رئيسية: مكتب لندن بقيادة صلاح عبد الحق، مكتب إسطنبول بقيادة محمود حسين، والمجموعة المعروفة باسم «الكماليين» المحسوبة على محمد كمال، ويتمتع صلاح عبد الحق بتأثير بارز داخل التنظيم، خاصة بعد انضمام شخصيات مثل البيارى والبحيرى إليه. وأضاف أن التنظيم لا يتدخل مباشرة فى شئون الدول، لكنه يعمل على تنسيق السياسات العامة، كالدفع بخوض الانتخابات أو تأسيس الأحزاب السياسية، مشيرًا إلى وجود فروع نشطة فى أكثر من 90 دولة، وشبّه آلية عمل التنظيم الدولى بالإطار العالمى الذى يتبعه الشيوعيون. وشدد على أن الجهاد يمثل جزءًا أساسيًا من عقيدة الجماعة منذ نشأتها، ما يثبت أنها ليست فقط حركة دعوية، بل تنظيم حركى وقتالى منذ البداية، وقال إن كشف نوايا الجماعة حدث صدفةً، حين تم العثور على مستندات وأسلحة تؤكد وجود تنظيم سرى مسلح، ما دفع الدولة لحل الجماعة، ورد التنظيم باغتيال رئيس الوزراء حينها. واستعرض الكتاتني، وقائع تاريخية مثل محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954، وخلية 1965 بقيادة سيد قطب، التى خططت لأعمال تخريبية، مؤكدًا أن التنظيم دائمًا ما ينكر تورطه، رغم وجود اعترافات واضحة من أفراده. وبَيَّن أن التنظيم لايزال نشطًا إعلاميًا عبر قنوات تبث من الخارج، وتستخدم وسائل التواصل لنشر الأكاذيب والتحريض، فى محاولة مستمرة لضرب استقرار الدولة وتشكيل وعى موازٍ، عبر «الحرب الإعلامية المنظمة». هدم الدولة الوطنية أكد ماهر فرغلى، الباحث فى شئون حركات الإسلام السياسى، أن التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين، يُشكِّل كيانًا معقدًا يمتد عبر عدة دول، ويضم فروعًا وهيئات بدول المغرب العربي، ومصر، والجزائر، وغيرها، تحت إدارة مركزية يتولاها ما يُعرف ب»مجلس شورى التنظيم الدولى»، هذا التنظيم لا يعمل فقط ككيان دينى أو دعوى، بل كجهاز سياسى وأمنى له أهداف استراتيجية أبرزها السيطرة على الحكم، ولو على حساب استقرار الدول. وأضاف أن أبرز جرائم هذا التنظيم تكمن فى محاولاته المستمرة لاختراق الدول من الداخل، عبر إنشاء تنظيمات موازية، وتسخير أدوات اقتصادية ودعوية وعسكرية تهدف إلى إضعاف الدولة الوطنية، يبدأ هذا الاختراق عبر تمكين اقتصاد الجماعة، وتشكيل أذرع مالية مستقلة عن الدولة، ثم الانتقال إلى إنشاء أجهزة سرية وجناح عسكري، وكل ذلك تحت غطاء «الدعوة». وفى مصر، على سبيل المثال، أنشأ التنظيم جهازًا سريًا مسئولًا عن تنفيذ عمليات اغتيال، إضافة إلى مشروعات اقتصادية موازية تُستخدم لتمويل أنشطته، كما انخرط فى التعاون مع أجهزة استخبارات أجنبية، بما يهدد الأمن القومي. أما القيادة المركزية، فتلعب دورًا فى توجيه الفروع عبر خطط لإقامة بنوك وشبكات دعوية وسياسية للتأثير فى المجتمعات المختلفة، ولتفكيك هذه المنظومة، لابد أولًا من تصنيف الجماعة كتنظيم إرهابى عالميًا، وحتى الآن، لاتزال بعض الدول الغربية، مثل الولاياتالمتحدة ودول أوروبية، تتردد فى اتخاذ هذا القرار، ما يمنح التنظيم مساحة للعمل العلني. وشدد على ضرورة تحصين المجتمعات فكريًا من أيديولوجيا الإخوان، عبر فضح مفاهيمهم المتطرفة فى الحاكمية وتكفير المجتمع، ونزع القدسية عن شعاراتهم الدينية الزائفة، من خلال برامج توعوية واستراتيجيات متكاملة تؤسس لوعى شعبى قادر على مقاومة هذا الخطر. وأشار إلى أنه لطالما ارتبط تنظيم الإخوان بالعمل السرى، حيث اعتادت الجماعة على إنشاء تنظيم موازٍ وهيكل خاص، غالبًا ما يتضمن جناحًا عسكريًا يظهر فى فترات معينة ويختفى فى أوقات أخرى تبعًا للظروف والحاجة، فالعنف ليس سلوكًا طارئًا على الجماعة، بل هو نابع من بنيتها الفكرية والأيديولوجية التى تتسم بطابع صدامى منذ نشأتها، كما أن الوصول إلى السلطة يمثل هدفًا استراتيجيًا محوريًا لدى الجماعة، وعند تعذّر تحقيق هذا الهدف عبر المسارات السياسية المفتوحة، تلجأ إلى العمل السرى والتنظيم الموازى تحت مُسمى «مصلحة الدعوة»، كغطاء لتحركاتها نحو السيطرة، وفى حال فشل النهج السلمي، لا تتردد الجماعة فى الانتقال إلى استخدام العنف كأداة ضغط. وأوضح أن المفاجأة الكبرى فى تاريخ الجماعة كانت وصولها إلى الحكم فى مصر، وهو ما لم يكن متوقعًا حتى من قِبلهم، وقد حدث نتيجة للفراغ السياسى أعقاب ثورة يناير، وبفضل تنظيمهم العالى مقارنة بباقى القوى السياسية، قفزوا إلى السلطة، ولكن بعد أن فقدوها، عادوا إلى خيارهم الأساسى هو العنف المسلح، سعيًا إما للعودة إلى الحكم أو للضغط بهدف إعادة فتح قنوات تفاوض مع الدولة، كما صَرَّح أحد قياداتهم، حمزة زوبع، بعد فض اعتصام رابعة. نشر الفوضى والدمار أكد د.ثروت الخرباوي، الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية، أن تنظيم الإخوان تسبب فى موجات عنف وفوضى بعد سقوطه فى مصر عقب ثورة 30 يونيو، مشيرًا إلى تورطه المباشر فى عمليات اغتيال وتفجير، أبرزها اغتيال النائب العام هشام بركات، ومحاولات استهداف وزير الداخلية الأسبق، إضافة إلى عمليات نوعية استهدفت قوات الجيش والشرطة فى سيناء والجيزة والقاهرة. وأوضح أن الجماعة أسست أذرعًا مسلحة مثل «حسم» و»لواء الثورة»، نفذت عدة هجمات إرهابية، ضمن استراتيجية ممنهجة لضرب مؤسسات الدولة وإرباك الأمن القومى المصري. أما فى تونس، فقد أشار إلى الروابط الوثيقة بين حركة النهضة الإخوانية وجماعات متطرفة، خاصة عقب اغتيال المعارضين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى عام 2013، إضافة إلى دورها فى تسهيل تسفير مئات الشباب إلى ساحات القتال فى سوريا وليبيا. وفى الأخيرة، تحالف الإخوان مع ميليشيات متطرفة سيطرت على العاصمة طرابلس، ونفذت عمليات اغتيال وتفجير استهدفت قيادات بالجيش والشرطة، كما تورطوا فى تهريب الأسلحة، مما أسهم فى إشعال الحرب الأهلية وتفكيك الدولة. وفى سوريا، امتلك التنظيم أذرعًا داخل فصائل المعارضة، واستغل الثورة لبسط النفوذ عبر جماعات مسلحة نفذت اغتيالات وهجمات، وأسهمت فى انقسامات داخلية زادت من تعقيد المشهد. وأضاف أن نتائج نشاط الإخوان كانت كارثية بالدول الأربع من تفكيك الدولة فى ليبيا، وإشعال حرب أهلية، إلى زعزعة الاستقرار بمصر، وتآكل الثقة بالديمقراطية، وتعميق النزاع، مشددًا على أن التنظيم الدولى للإخوان لم يُنتج إلا الفوضى، والانقسام، وصعود الإرهاب على أنقاض الأوطان.