الكورسال... الزيتون.. سينما فؤاد.. ميدان الجيزة.. عبدالعزيز.. وميدان العتبة.. ديانا.. روكسي.. والعديد من دور العرض التي اختفت ولم يبق منها إلا القليل من دور العرض التي يمكن لك أن تشاهد فيها أفلام عرضها التليفزيون مئات المرات ويغلب عليها طابع الإثارة والمناظر في عرض مستمر بستة أو ثمانية جنيهات لأربعة أفلام.. تلك هي سينمات الترسو أو سينمات الدرجة الثالثة. ملك الترسو ملك الترسو.. هكذا كانوا يلقبون القدير فريد شوقي بعد أن أستطاع أن يحيي دور سينما الدرجة الثالثة ويعيد الدفيء إلي مقاعدها التي ظلت شاغرة لوقت طويل بتقديمه أفلاما من نوعية رصيف نمرة5 وجعلوني مجرما وهذه القصص السينمائية التي كانت تمس أبناء الطبقة الدنيا بشكل مباشر.. تتحدث عنهم وإليهم, ثم جاء زعيم الكوميديا عادل إمام ليقدم لفترة ليست بوجيزة سلسة من الأفلام السينمائية الخاصة بطبقة الترسو ليعيد مرة أخري الصنايعي والسواق والحرفي إلي دور السينما بعد أن هجروها... ليؤكدوا للجميع أن الدرجة الثالثة تتشوق لرؤية سينما درجة ثالثة بريمو وليست سينما نخبوية من بتاعة المهرجانات. قادتني قدماي لسينما الكورسال أو علي بابا كما أسماها روادها, اقتربت من دور السينما الواقعة بقلب حي بولاق أبو العلا الشعبي, ومع أول نظرة عن كثب بدأت معالم الألوان المائية المرسومة علي الورق الأبيضالرخيص جدا تظهر.. إنه أفيش الأفلام الثلاثة رسم يدويا بنفس شكل الأفيش الأصلي, ولكنك لن تتمكن من معرفة نجوم الفيلم إما لأن الرسام الذي قام برسم الأفيش لم يبذل جهدا كبيرا في ذلك وإما لأنه لم يهتم أساسا لفعل ذلك, ربما لأنك إذا كنت من رواد هذه السينمات سوف تتدخل في كل الحالات, سواء عرفت أسماءالنجوم أو لم تعرف. اقتربنا أكثر من بوابات السينما الحديدية المهترئة فأوقفني عصام شعيب أسطي دوكو سيارات مفاجئا إياي بسؤاله إنت جاية هنا ليه؟! أجبته بكل تلقائية أريد دخول السينما فاستطرد إنتي بنت لوحدك مينفعش تدخلي مكان زي ده... ثم ابتسم ابتسامة ساخرة وقال ولاتدخلي حتي لو مع والدك, استفزتني تحذيراته فسألته عن السبب فأشار إلي الواقفين في الطابور قائلا أنظر لرواد السينما صنايعية ونجارين وعواطلية وماسحي أحذية... وأضاف ومش داخلين يتفرجوا... من الآخر دي سينمل مشبوهة والفتيات من روادها أيضا كذلك. الكورسال تعرض4 أفلاك ساقطة سينمائيا وماجبتش إيرادات رغم أن معظمها مناظر مثل بنات وموتوسيكلات وعايشين اللحظة ونمس بوند.. بالطبع لم توقفني تحذيرات عصام التي قالها بنوايا طيبة أشكره عليها طبعا, فقمت بحجز تذكرة لم تكلفني أكثر من8 جنيهات... يابلاش.. الفيلم ب2 جنيه والعرض مستمر. ومع أولي خطواتنا إلي داخل القاعة الوحيدة بالسينما استقبلتنا رائحة كريهة لنكتشف بعد لحظت إنها رائحة دورة المياه المفتوحة بقلب القاعة بلا حاجز أو مانع.. واستغللت فترة الاستراحة10 دقائق في البحث عن مقعد واحدسليم بين مقاعد القاعة المحطمة عن بكرة أبيها وكأن عراكا ما دار هنا بين فريد شوقي وغريمه محمود المليجي!. لحظات أخري وكانت المقاعد السليمة التي لاتتجاوز العشرين كرسيا قد امتلأت بالعجائز وعدد من الشباب.. بعضهم يلتهم الوقت بالتدخين والآخر بالنوم والثالث بمداعبة القطط المنتشرة بالقاعة.. حتي بدأت مراسم الفيلم كما أعلنت مكبرات الصوت الأقرب لكونها مصغرات صوت وما أن بدأ الفيلم حتي انطلق صوت بائع الكشري.. كشري كشري. أصابتني رائحة الكشري المختلطة برائحة دورة المياه بدوخة كان الملاذ الوحيد منها هو الخروج من قاعة الترسو... ومع أول شهيق خارج البوابات كانت نظرات العجوز الذي يصاحبنا بالكشاف تدعونا لسؤاله ماذا يحدث هنا وهل حقا هناك ممارسات غير أخلاقية بالفعل؟ فأجابني بهدوء ودون أي تعبير علي وجهه.. يابنتي دايما الحلو موجود والرضي موجود.. اللي ناوي يعمل حاجة غلط بيعملها في أي مكان وكانت هذه الإجابة بمثابة تتر النهاية لمغامرتنا داخل سينما الترسو التي رفعت شعارالفيلم ده مناظر.