مات الوالد وفوجئت الابنة بأن شقيقها الوحيد قد استولى على كل شىء تركه الوالد، ولم يعطها شيئًا، وعندما ذكرت ذلك لأصدقائها قالوا لها «ليس من حقه أن يفعل ذلك، هل هو يصرف عليك الآن؟»، قالت لهم إنه لا يعطيها مليمًا واحدًا، فقالوا لها «ارفعى عليه قضية، فحقك مضمون إذا ما أقمت دعوى عليه»، قالت لهم «هل أقف فى المحكمة أمام شقيقى الوحيد؟»، لم تجد فى نفسها القدرة على أن تقاضى أخيها فى المحاكم، رغم أنه وجد القدرة على أن يحرمها من حقها الشرعى.. ليست هذه هى القصة الوحيدة، بل هناك آلاف من القصص الشبيهة من أبناء حرموا شقيقاتهم من الميراث الذى هو حقهن الشرعى.. هناك حالات كثيرة بالذات فى صعيد مصر لا تقوى النساء حتى على مطالبة الأشقاء بحقهن الشرعى، ويستولى الأشقاء على كل شىء، بل ويعتبر من العيب أن تطالب النساء بحقهن، فتصمت النساء وترضين بما يتم إعطاؤهن، أحيانًا ما يكون مصاغ الأم فقط، أما الأرض فتبقى من حق الأشقاء الرجال، بصرف النظر عما تنص عليه الشريعة وما يقره القانون، وإذا ما طالبت النساء بحقهن فإنهن يعتبرن قد خرجن عن العادات والتقاليد، وأن الأرض من حق الرجال وحدهم، لتبقى الأرض باسم العائلة. وينظر للنساء نظرة سيئة لمجرد المطالبة بحقهن ويقاطعهن الأشقاء الرجال.. المشكلة هذه تتنامى فى الصعيد والريف، أما فى المدن فإن الأب إذا ما كان من أصل صعيدى- حتى لو كان مسيحيًا- فإنه يكتب نصف الميراث للابن والنصف الآخر للبنات، وعندما يتوفى الأب تدب المشاكل بين الشقيق والشقيقات، وتفسد العلاقة بينهم تمامًا، وتدب المشاكل وتتفرق العائلة، ولا يبقى بينهم سوى الدعاوى والقضايا، وتتفسخ العائلة تمامًا، وتدب الخلافات. لقد سمعنا عن إعلامى شهير توفى أخيرًا وترك ابنة وحيدة، ورغم أنه ترك جزءًا ليس بهين لأشقائه، إلا أن الشقيقة وجدت أن من حقها أن ترث فى المنزل الذى تقيم به الزوجة والابنة الوحيدة، رغم أن الإعلامى كان قد كتبه باسم ابنته ليضمن لها مقرًا تعيش فيه، وقد حكمت المحكمة لصالح الابنة فى النهاية، لكن ذلك يكشف مدى الطمع الذى يحدث فى كثير من الأسر بعد الوفاة، مشكلة الميراث مشكلة معقدة، فقد أعطى الشرع فى الأصل الابن مثل حظ الانثيين، على أساس أن الابن سوف يقوم بالإنفاق على النساء، ولكن هذا كان يحدث فيما مضى، عندما كانت النساء لا يعملن ويحتجن إلى من يعولهن، أما الآن فالنساء يعملن فى شتى المجالات ويقمن بالإنفاق على أنفسهن وعائلاتهن أيضًا، فلماذا يحصل الابن على الضعف؟، فالقانون ينص على أنه لا حق بدون واجب، فإذا ما كان الابن يقوم بالصرف على شقيقته، فمن حقه أن يحصل على الضعف من الميراث، أما إذا ما امتنع فليس من حقه هذا. أعرف عائلات كثيرة دمرت تمامًا بعد وفاة الأب بسبب الميراث، سواء قد ترك وصية أو لم يترك، فهذا يولد الشقاق والخلافات وتتفسخ العلاقات وترفع القضايا أمام المحاكم ويتحول الأشقاء إلى أعداء وتنتهى علاقة الأخوة تمامًا، كل ذلك من أجل الميراث، سواء فى وسط القاهرة، أو فى الريف، أو صعيد مصر.. مرة أخرى على الأبناء الرجال أن يدركوا أنه لا حق بدون واجب وعليهم أن يعوا أن الشرع أو الأب قد ترك للرجال الضعف من أجل أن ينفقوا على النساء وأن يعطوهن حقهن لا أن يستولوا هم على كل شىء، وعليهم أن يدركوا أن هذا يولد الضغينة.