سألوا أحد أولياء الله الصالحين: من قبر هذا؟ أجاب: هذا قبر سيدنا حجر بن عدى «رضى الله عنه» ومن الذي قتله؟ أجاب: قتله سيدنا معاوية بن أبى سفيان «رضى الله عنه» ولماذا قتله؟ أجاب: لأنه رفض البراءة من سيدنا على بن أبى طالب «رضى الله عنه» وكلهم رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين. ولسنا نعرف عن أسرار الرضا الإلهى وخفايا خزائنه شيئا، ولا ندرك متى يصيب من العباد ومتى يخطئه؟ ولا نفهم من يستحق من العباد ومن يعجزه؟ وليس من المعقول أن يتقاسمها القاتل والمقتول معا!! أو تكون من سهم أحدهما إن لم يقتتلا أو يقتلا!! الرضا سر من أسرار صاحبه لا يطلع عليه أحد، والقبول والإجابة ليسا بدعاء ورجاء المريدين والمحبين لمن يحبون أو يعشقون، وكذلك السخط والغضب ليسا عن دعوات وزفرات الكارهين والمبغضين لمن يمقتوا أو يستهجنوا، فلا قرب من الرضا الإلهى، ولا جوار لخزائن أسراره إلا بصالح الأعمال، ولا علاقة له بمقام صاحبه خليفة أو أميرا أو طبيبا أو خفيرا أو عاملا بسيطا، فربما يسبق الخفير كل هؤلاء بعمله، ويكون الأقرب من كل الخلفاء والعظماء. ومن الغريب أن كل الفقهاء والفرق والمذاهب الإسلامية، يقرون أن من مناقب وفضائل الإسلام قول الحق، وتوافق الفعل مع ألقول، واستقامة ضمير الراوى والناقل، والبعد عن التفسير المغلوط، وعدم إلباس الباطل لباس الحق، وليس من تضليل على الناس أكثر من إقصاء الإنسان عن الحقيقة ومعرفة من المخطئ ومن المصيب، ومن الظالم ومن المظلوم، فلا عرفنا من الذين رضى الله عنهم في موقعة الجمل ومن المغضوب عليهم، ولا سمعنا استنكارا واستهجانا لمن أشعلوا الحرب وأوقدوا نارها في موقعة صفين من الصحابة وقتل الآلاف في حروب ليس هدفها إعلاء كلمة الدين بل السياسة والحكم، حتى يخرج كل من قتل ومن قتل رضى الله عنهم جميعا. يقول أحد الصحابة، إنه قد شد رحاله إلى الجهاد كفريضة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل (هكذا زعموا وكذبوا)، فشد الرحال وأعد رباط خيله وسن رمحه وسيفه واتجه إلى الشمال حيث لقاء الفريقين المتقاتلين على دين واحد «على ومعاوية» في معركة صفين، فلما وصل إلى أرض الوغى وجد صفوفا متراصة من المتقاتلين الأشداء، هذا يكبر وذاك يكبر، وهذا يدعو. وذاك يدعو وهذا يرفع المصاحف وذاك يرفع المصاحف، وهذا يصلى وذاك يصلى، فأنسحب عائدا وتجنب الفتنة، إلا أن كل المتقاتلين لم ينسحبوا تجنبا للفتنة وتقاتلوا وقتلوا وكانوا جميعا ممن رضى الله عنهم. الغريب أن الفريقين المتقاتلين كانا أحرص الناس على إقامة الصلاة في أغلب أوقاتها، فقد صلى الفريقان فجر الجمعة «إيماء» في ساحة القتال من شدة المعركة، ولم تكن المعركة في بداياتها متصلة ومتلاحمة بين جيشين كاملين، بل كل جيش كان يدفع بسرية لقتال سرية من الجيش الآخر، وتصلى بقية سرايا الجيشين الصلاة في مواقيتها، حتى التحم الجيشان في نهاية المعركة ومات من المسلمين الألوف، ومن النوادر أن أحد الصحابة كان يأكل على مائدة معاوية «ألذ أنواع الطعام»، ويصلى خلف الإمام على «أطيب أنواع المناجاة»، وأثناء المعركة يتجنب الفريقين ويقف على الجبل يرقب المعركة «أأمن أنواع النجاة»، ولما سألوه لماذا؟ قال (الصلاة خلف على أتم، والغذاء عند معاوية أدسم، والوقوف على الجبل أسلم). هكذا كان تاريخنا المفدى، نصلى الصلاة في مواقيتها، ونأكل عند من كان طعامه أغذى، ونصلى خلف من كانت صلاته أتقى، ثم نقف ننتظر القتلى من الفريقين ونحسبهم جميعا من الشهداء، ثم نقف مع المنتصر نؤازره وندعو له بطول العمر على المنابر ظالما كان أو مظلوما!!. ولم تسلم رواية عمار بن ياسر من التدليس الذي اعتدناه، فقد تلاعبوا بها وأولوها في صالح المنتصر الذي كتب التاريخ عند حافة قدميه وكذلك يفعلون، فلا عرفنا الفئة الباغية، ولا علمنا فيما قتل، والحديث أن الرسول قال عن عمار «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» وقد كان عمار في صفوف ابن أبى طالب في «معركة صفين»، وقتل في نفس الموقعة، فلما وصل خبر مقتله إلى «معاوية» على لسان «عمرو بن العاص»، تحرّج معاوية أشد ما يكون الحرج، فقد كان الحديث شائعًا بين المسلمين، وخشى معاوية على معنويات جنوده، فإن كانوا هم القتلة فهم الفئة الباغية الظالمة، إلا أن البعض قد أسعفوه ورفعوا عنه الحرج، وأفتوا: «قتله من جاء به لقتال»، يقصدون عليًّا. التاريخ قديما وحديثا ليس صادقا أو أمينًا، فقد نسخه المنتصرون وزيفوه، وتلاعبت السياسة بالدين والتاريخ، ولم تسلم الروايات والإخباريات والأحاديث من التدليس والكذب والتأويل، حتى الحقيقة ناصعة البياض لم تبرأ من الكذب والتضليل، وسيقفون جميعا يوما ما يقولون: (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا). الدولة المدنية هي الحل.