تراجع أسعار الذهب في مصر بقيمة 140 جنيه خلال أسبوع    النائب عمرو درويش يعترض على الصياغة الحكومية لقانون الإيجار القديم    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق ملتقى أهل مصر بدمياط ومصر جميلة يصل البحيرة    رئيس اتحاد الكرة الآسيوي: أرفض بشدة مقترح زيادة عدد المنتخبات بكأس العالم    انخفاض درجات الحرارة وسقوط للأمطار بمحافظة القليوبية    إنقاذ 2000 رأس ماشية من حريق في مركز أبو صوير بالإسماعيلية    حجز محاكمة متهم بحيازة مفرقعات ومقاطع تحريضية للنطق بالحكم    رمضان صبحي يقود كتيبة بيراميدز أمام فاركو    أحمد السقا يفقد الذاكرة وأحمد فهمي يتورط معه في مطاردة بالصحراء في فيلم "أحمد وأحمد"    مصر تستهدف إنهاء إجراءات وصول السائحين إلى المطارات إلكترونيا    «الإسكان»: مبيعات مبادرة «بيت الوطن» للمصريين بالخارج تسجل 10 مليارات دولار    الإسماعيلي: هل القانون يتيح استدعاء تقنية الفيديو للحكم من أجل بطاقة صفراء؟    رسمياً.. تحديد موعد ومكان نهائي كأس مصر    إعلام إسرائيلي: شركات طيران أمريكية تعلق رحلاتها إلى تل أبيب    مصر وجزر القُمر توقعان على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة    استشهاد معتقل فلسطيني في مستشفى سوروكا الإسرائيلي    مصرع شخص وإصابة آخر إثر حادث تصادم في القرين بالشرقية    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 17 متهمًا بضربة أمنية بالقاهرة    الإحصاء: 3.6 مليون دولار قيمة التبادل التجارى بين مصر وجزر القمر خلال 2024    وكيل مجلس "الشيوخ" يقترح سن قانون شامل للأمن السيبراني وإنشاء هيئة مستقلة لإدارته    «لوفتهانزا» و«إير يوروبا» تعلقان جميع رحلاتهما الجوية إلى مطار بن جوريون    فتاوي المصريين في نصف قرن.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب    معرض أبوظبي الدولي للكتاب يعبر الأزمنة على متن المقتنيات الأثرية    رئيس الوزراء: مواجهة مخالفات البناء والتعديات جزء من تقييم أداء أي محافظ    بلعيد يعود لحسابات الأهلي مجددا    الحكومة: مشروع قومي للصوامع يضاعف السعة التخزينية ويقلل فاقد القمح في مصر    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 956 ألفا و810 جنود منذ بداية الحرب    بدء الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تجديد الخطاب الدينى    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين بمحافظتي القاهرة والوادي الجديد    حماس تحذّر من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة بسبب استمرار إغلاق المعابر وتشديد الحصار الخانق منذ أكثر من 64 يومًا    ماجد الكدوانى ضيف شرف فيلم "المشروع إكس" مع كريم عبد العزيز    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    مستشفى سوهاج الجامعي تضم أحدث جهاز قسطرة مخية على مستوى الجمهورية    برلماني: كلمة السيسي باحتفالية عيد العمال تعكس تقديره ودعمه لدورهم في مسيرة التنمية    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    اليوم.. بدء تسليم قطع أراضي بيت الوطن المرحلة التاسعة للفائزين بمدينة دمياط الجديدة    13 شهيدا جراء قصف الاحتلال أنحاء متفرقة في قطاع غزة    دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    الرئيس السيسي يوافق على استخدام بنك التنمية الأفريقي «السوفر» كسعر فائدة مرجعي    دي بروين: لا أعلم موقفي من المشاركة مع مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    بيان - "سلوك الجماهير رد فعل على غياب العدالة".. الزمالك يرفض عقوبات الرابطة ويتهمها بالتحيز    ضبط 37.5 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    محمد صلاح يستهدف 3 أرقام قياسية أمام تشيلسي في الدوري الإنجليزي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 4-5-2025 في محافظة قنا    الرئيس السيسي يؤكد حرص مصر على نجاح القمة العربية المقبلة في بغداد    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي مستجدات التعاون الممتدة بين البلدين في القطاع الصحي    إحالة الفنانة رندا البحيري للمحاكمة بتهمة السب والتشهير ب طليقها    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    سر تصدر كندة علوش للتريند.. تفاصيل    بعد إخلاء المرضى.. اندلاع حريق محدود بمستشفى المطرية التعليمي    خبير تغذية روسي يكشف القاعدة الأساسية للأكل الصحي: التوازن والتنوع والاعتدال    الإكوادور: وفاة ثمانية أطفال وإصابة 46 شخصا بسبب داء البريميات البكتيري    اللهم اجعله اختطافًا (خالدًا) وخطفة (سعد) على النقابة (2-3)    أثارت الجدل.. فتاة ترفع الأذان من مسجد قلعة صلاح الدين    كلام ترامب    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    حقيقة خروج المتهم في قضية ياسين من السجن بسبب حالته الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاهد لعينة .. يا أرض انشقي وابلعينا !!
نشر في الجمهورية يوم 16 - 12 - 2012

* عندما اندلعت الحرب بين الإمام علي بن أبي طالب كرَّم اللَّه وجهه ومعاوبة بن أبي سفيان رضي اللَّه عنه انقسم المسلمون إلي أربع فرق.. فرقة مع عليّ. وفرقة مع معاوية. وفرقة عملت بقول رسول الله "صلي اللَّه عليه وسلم": ستكون فتن كقطع الليل المظلم.. القاعد فيها في بيته. خير من الساعي".. وكان سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه أبرز مَن اعتزلوا الفتنة. وقرر أن يسعه بيته.. أما الفرقة الرابعة فقد أرجأت قرارها وموقفها حتي يحدد سيدنا عمار بن ياسر رضي اللَّه عنه موقفه. وإلي أي فريق أو فئة سينضم. لأن رسول اللَّه "صلي اللَّه عليه وسلم" قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية.. فإذا انضم عمار إلي فئة تكون الأخري هي الباغية.. وقد انضم سيدنا عمار إلي فئة الإمام عليّ كرَّم الله وجهه فعلم الناس أن فئة معاوية هي الباغية. وحسموا موقفهم وانضموا لعلي.. وفي قول رسول اللَّه "صلي اللَّه عليه وسلم" لعمار: تقتلك الفئة الباغية. قال عبدالله بن أبي الهذيل: اشتكي عمار.. فقال الناس: ليموتن عمار اليوم.. فأسرع إليه رسول اللَّه "صلي اللَّه عليه وسلم" وقال له: ويحك يا ابن سمية.. تقتلك الفئة الباغية.. ومعني هذا أن المرض الذي ألم بعمار لم يكن مرض الموت.. لأنه سيموت مقتولاً بيد الفئة الباغية.
ويُروَي أن الفرقة التي كانت مع معاوية زلزلت زلزالاً شديداً عند انضمام عمار إلي فئة عليّ.. فخرج عليهم عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه وقال: ويحكم: الفئة الباغية هي التي دفعته إلي الحرب. وساقته إلي القتل.. وقيل أيضاً إن الذي قتل عمار بن ياسر هو أبو غادية المزني.. طعنه برمح فسقط. فأكب عليه رجل آخر واحتز رأسه.. وأسرع الرجلان إلي معاوية وعمرو بن العاص واختصما في عمار.. كل منهما يقول: أنا قاتله.. فقال عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه : والله إن يختصمان إلا في النار.. فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو: ما رأيت مثلما صنعت.. قوم بذلوا أنفسهم دوننا ونقول للرجلين: إنكما تختصمان في النار؟!.. فقال عمرو: هو واللَّه ذاك.. وإنك لتعلمه.. وإني لوددت لو مت قبل هذه بعشرين سنة.
وقال عليّ بن أبي طالب كرَّم اللَّه وجهه حين قتل عمار: إن عماراً مع الحق والحق معه.. يدور عمار مع الحق أينما دار.. وقاتل عمار في النار..
أترون يا أصدقائي محمد جودت بعيص من قبائل أولاد علي بالبحيرة. وأحمد عبدالفتاح أحمد من الجيزة. وحمادة بدران أبودوح من الأقصر. والمهندس إسماعيل العوضي أن هناك مناسبة لاستذكار قصة عمار بن ياسر قتيل الفئة الباغية؟!
أما أنا فأري أن الأمر يتعلق بقول اللَّه تعالي لرسوله الكريم "صلي اللَّه عليه وسلم": "فذكِّر.. إنما أنت مُذكِّر.. لست عليهم بمسيطر".. يتعلق بأن قضاء اللَّه في الناس نافذ لا محالة.. فإذا كان الرسول "صلي اللَّه عليه وسلم" وهو من هو لا يملك سوي التذكير. ولا يملك أن يهدي مَن أحب. لأن اللَّه تعالي يهدي من يشاء.. فما شأننا نحن.. وما قيمة ما نقول؟!.. فالأمر صائر إلي ما يريد اللَّه وما يشاء.. و"من يُرد اللَّه فتنته فلن نملك له من اللَّه شيئاً.. أولئك الذين لم يرد اللَّه أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" "صدق اللَّه العظيم".. مَن هؤلاء الذين يريد اللَّه فتنتهم؟! لا أعلم.. اللَّه وحده يعلم.. قد أكون منهم. وأسأل اللَّه ألا أكون.. وويل لمن يظن أنه علي الحق وحده. وأن سواه علي الباطل.. ويل لمن يأمن مكر اللَّه واستدراجه له من حيث لا يعلم.
في عز الإسلام وأوج قوته وفَجْره وفَلَق صبحه. كان الأمر ملتبساً.. لم يكن الناس يعلمون ما الفئة الباغية وما الفئة التي علي الحق.. وعندما حزموا وحسموا أمرهم بأن فئة معاوية هي الباغية بانضمام عمار بن ياسر إلي فئة عليّ. عاد الالتباس والغموض مرة أخري بتفسير عمرو بن العاص لمعني الفئة الباغية التي تقتل عماراً.. فما بالنا اليوم ونحن في آخر الزمان؟!.. كيف لنا أن نتبين الفئة الباغية والفئة التي علي الحق؟!.. لا سبيل إلي ذلك.. كان الأمر بيِّنًا وواضحاً علي عهد رسول اللَّه "صلي اللَّه عليه وسلم".. فئة تقاتل في سبيل اللَّه وأخري كافرة.. ثم بدأت الأمور في الالتباس أواخر خلافة عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه ثم ازداد الغموض في حرب عليّ ومعاوية.. وكلما مر الزمان اختلط الحابل بالنابل.. وغُمَّ علينا. ولم نعد نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.. زمان كان الناس بين فئتين إحداهما باغية. والأخري علي الحق. أو حتي علي بعض الحق.. اليوم نحن لا نختار بين فئة باغية وأخري علي الحق.. ولكننا نختار بين فئة باغية. وفئة أكثر بغياً.. بين فئة ظالمة طاغية.. وفئة أظلم وأطغَي.. زمان كان الناس بين ثلاث فئات.. فئة المؤمنين. وفئة الكافرين. وفئة المنافقين.. والآن نحن بين فئة الكافرين. وفئة المنافقين.. وقد انقرضت فئة المؤمنين أو اعتزلت.. وكل متحيز إلي فئة أو متحرق لقتال اليوم.. إما أن يكون مع الكفرة. أو مع المنافقين.. ولا ثالث لهما.. وإذا كان لابد من الاختيار ولا مفر من التحيز إلي فئة. فإنني وحدي ولا أفرض رأيي علي أحد.. أفضل الكفرة علي المنافقين.. الكافر واضح وصريح ولن يستدرجني إلي كُفره.. لكن المنافق قادر علي استدراجي إلي الدرك الأسفل من النار.. المنافق معدي.. لكن الكافر لا يعدي.. وفي النهاية فإن المنافقين هم الكافرون.. لكن الكافر واضح والمنافق كافر مستتر.. سنرتاح جميعاً إذا اقتنعنا بأن الصراع في مصر بين معسكر الكفر ومعسكر النفاق.. بأن الاختيار بين الْمُر والأمر منه.. "بين الخوخ وشرابه.. بين الكف والنبوت".
* * * *
* ويبدو أن المصريين علي مر تاريخهم أهل فتنة ولا يقر لهم قرار. ولا يرسون علي بر.. وتصدمك روايات التاريخ حين تعلم أن المصريين هم أبطال ومشعلو فتنة عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وأنهم قاتلوه.. والمصريون في تلك الفتنة هم الصحابة والتابعون الذين استقروا في مصر بعد الفتح. ويبدو أنهم تعلموا من أهلها اللجاج وكثرة التأويل. والقيل والقال. فكان ما كان.. فقد أقبل المصريون من مصر يريدون عثمان بن عفان. وحاصروه في داره. وعن ابن عمر قال: لما أرادوا أن يقتلوا عثمان أشرف عليهم فقال: علام تقتلونني؟!.. فإني سمعت رسول اللَّه "صلي اللَّه عليه وسلم" يقول: لا يحل قتل رجل إلا بإحدي ثلاث.. رجُل كَفر بعد إسلامه فإنه يُقتل.. ورجل زني بعد إحصانه فإنه يرجم.. ورجل قتل رجلاً متعمداً فإنه يُقتل.. فما اكترث المصريون لذلك ووثبوا عليه وقتلوه.. ودخلت الغوغاء وحثالة القوم الذين تبعوا المصريين وصاح واحد منهم: أيحل دم عثمان. ولا يحل ماله؟!.. فانتهبوا متاعه.. فقالت نائلة زوج عثمان: لصوص ورب الكعبة.. يا أعداء اللَّه ما ركبتم من دم عثمان أعظم.. أما واللَّه فقد قتلتموه صواماً قواماً يقرأ القرآن في ركعة.. ومن يومها سُميت وفود المصريين التي تقدم إلي دمشق والعراق وفود الملاعين أو الملعونين.. ولم ينزع منهم هذا الاسم أو هذا اللقب إلا بعد زوال دولة بني أمية وبدء حكم العباسيين.
وكأنها عادة لا تنقطع منذ قتل المصريون عثمان بن عفان.. كل فتنة وكل ثورة وكل مظاهرة لابد أن يكون أبطالها بلطجية ولصوصاً. ونهابين ومخربين.. يسفكون الدماء ثم ينهبون المتاع والدور والمؤسسات والمتاحف والمولات التجارية والبنوك.. وكل هذا باسم اللَّه أو باسم الثورة. أو باسم الديمقراطية.. إنها لعنة دم عثمان وعار قتله الذي لحق بالمصريين إلي يومنا هذا.. وإذا كان الشيعة يخمشون وجوههم ويضربون أجسادهم بالعصي والحديد يوم العاشر من محرم في ذكري مقتل الحسين بن عليّ رضي اللَّه عنه لأن أهل العراق تخلوا عنه وتركوه يواجه جيش يزيد بن معاوية حتي قتل.. فإن علي المصريين أن يفعلوا أكثر من ذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة في ذكري مقتل عثمان.. فالذي تخلي ولم ينصر الحسين يبكي دماً في ذكراه. فما بالنا بمن قتل عثمان واستباح حرمة بيته. ونهب ماله ومارس البلطجة بعد قتله؟!.. هذا يجب أن يقتل نفسه حزناً وندماً.. ونحن فعلاً نقتل أنفسنا كل ساعة في مصر.. إنها لعنة دم عثمان.. نحن شعب ينتحر وهو يظن أنه ينتصر.. اختيارنا لحكامنا ومسئولينا انتحار.. السلطة عندنا لا يتولاها إلا ظالم جبار.. والمسئولية لا يقوم بها إلا مفسد.. لقد ضل سعينا في الحياة الدنيا ونحن نحسب أننا نحسن صنعاً.. إنها دعوة عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وهو يجود بنفسه حين جثم المصريون علي صدره وراحوا يكيلون له الطعنات. فقد قال: أستنصر اللَّه عليكم. وأستعين به.. وهكذا يسلط اللَّه علينا بذنبنا العظيم مَن لا يخافه فينا ولا يرحمنا. ومَن يسومنا سوء العذاب إلي يوم القيامة.. حتي إذا اخترناه بأيدينا وبانتخابات حرة ونزيهة.. حتي إذا جاء بثورة عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.. حتي إذا جاء بانتخابات مزورة.. نحن نهتف دوماً: يسقط يسقط حكم "أي حد".. وعندما يسقط يأتي الأسوأ.. إنها دعوة عثمان رضي اللَّه عنه : أستنصر اللَّه عليكم. وأستعين به.. واللَّه تعالي ناصره ومعينه علينا إلي يوم القيامة.. ولعلها أيضاً دعوة موسي عليه السلام : بأن يطمس اللَّه علي أموالنا. ويشدُد علي قلوبنا. فلا نؤمن حتي نري العذاب الأليم.. مكتوب علينا عمي القلوب.. مكتوب علينا الطمس علي المال لنظل من فقر إلي أفقر.. مكتوب علينا ألا نكون علي كلمة سواء.. مكتوب علينا قول سعد زغلول رحمه اللَّه : لقد اتفق المصريون علي ألا يتفقوا.. مكتوب علينا ما قيل لي إنه ورد في إنجيل برنابة في دعوة علي لسان أحد القديسين: لن يحكمك حاكم عادل يا مصر.. مكتوب علينا أن تكون مظاهرات أهل التدين مظاهرات قُطعان. واعتصامات قُطعان.. وأن تكون مظاهرات أهل الديمقراطية أيضاً مظاهرات قُطعان.. مكتوب علينا أن نظل نتفرج علي وطن تتداعي أركانه باسم الدين. أو باسم الديمقراطية. ولا نملك له شيئاً.. مكتوب علينا أن نكون بين الظالم والأظلم.. وبين الكافر والمنافق.. مكتوب ألا يصلح لنا أي منهج وأن نفسد كل منهج. وكل نظرية.. كل نبات يزرع في أرضنا يخرج نكداً.. المتدينون منافقون يخادعون اللَّه ورسوله. ويرفعون عقيرتهم بكلمات حق يُراد بها باطل. ويلوثون البيئة. ويتهمون غيرهم بالكفر والضلال والفسق والفجور.. حتي أهل الدين عندنا ليسوا علي بصيرة.. وهم مجرد شعراء يتبعهم الغاوون. ويقولون ما لا يفعلون. وفي كل واد وميدان يهيمون.
* * * *
* وأسوأ ما ابتلينا به أن يكون أهل الدين عندنا مفلسين.. فهم يصفون غيرهم بالكلاب والحشرات والكَفَرة والخونة.. وهذا هو الإفلاس الذي حذرنا منه رسول اللَّه "صلي اللَّه عليه وسلم": "المفلس يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج. ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا. فيأخذ هذا من حسناته. ويأخذ هذا من حسناته فإذا فَنيَت حسناته طُرح عليه من سيئاتهم فطُرح في النار".. وإذا اختلفت في الرأي مع شخص ما وتطور النقاش إلي أن سَبَّك قائلاً: "أنت غبي.. أنت حمار.. أنت مش فاهم أي حاجة".. فاعلم أنه أفلس.. والمصريون جميعاً مفلسون الآن. فهم يتحاورون حوار طُرشان. ولا أحد يسمع أحداً.. هناك قافلة شر وظلم وحماقة تسير.. وكلاب تنبح وتعوي ولا تستطيع إيقاف قافلة الشر.. هناك كبر وعناد يؤديان في نهاية المطاف إلي الخسف.. هناك عزة بالإثم.. وكل فريق يقول: الحق أبلج. والباطل لجلج. لكنه يتوهم أن الحق معه.. وأنا وحدي أعلم أن أحداً في مصر حتي أنا ليس عنده الحق.. كل المصريين الآن علي باطل.. لقد خرج الحق من بلدنا ولن يعود.. "الحق زهق مننا".. في مصر الآن.. جاء وساد الباطل وزهق الحق.. والباطل لا ينتج إلا باطلاً.. ولا يلد إلا باطلاً.. كانت الثورة وضوءنا. لكن الوضوء انتُقض عندما أحدثنا من أفواهنا. وأقمنا دورات المياه أمام مدينة الإنتاج الإعلامي.. وحفرنا مقابر في الميادين.. وصارت صلاتنا في كل ميدان مُكاء وتصدية.. "خلي بالك" أن قارون كان مصرياً.. وغرَّه ماله وقوته وقال: إنما أوتيته علي علم عندي.. "إنها فشخرة المصريين" التي تنتهي بالخسف.. والذين حسدوا قارون و"قرُّوا عليه" مصريون أيضاً يُعجَبون بالظالمين والجبابرة. ويُفتَنون بالطُغاة ويقولون كما قالوا عن قارون: "يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون.. إنه لذو حظ عظيم".. أي أنهم "قَرُّوا علي الراجل" حتي خسف اللَّه به الأرض.. "قَرُّوا علي الراجل وقالوا: جَتْنَا نيلة في حظنا الهباب"!!
المصريون يفتنهم ويستخفهم كل فرعون. وكل قارون.. المصريون ملوكهم فراعين.. وأغنياؤهم "قوارين". جمع قارون.. من السهل استخفافهم. والضحك عليهم وخداعهم خصوصاً من قِبَل المنافقين الذين يدعون أنهم أهل اللَّه و"بتوع ربنا".. لا قيمة للدستور في مصر. ولا قيمة للقانون.. والذين يدعون التدين لا يؤمنون بالدساتير ولا بالقوانين. ويرون أن كل هذه بدع وضلالات. لأن القرآن هو دستورنا كما يقولون.. فالمعركة في مصر الآن بين فريق يريدنا أن نقول: "نعم" لشيء لا يؤمن به هو نفسه.. فالدستور عند "بتوع ربنا".. "زي قِلِّته".. وفريق آخر يؤمن بالدستور والقانون. لكنه يري أن الدستور الحالي باطل.. ويجب أن نقول له: "لا".. الذين لا يؤمنون بالدستور يريدون: "نعم".. والذين يؤمنون بالدستور يريدون "لا".. ومعظم المصريين الذين لا يجدون قوت يومهم لا يعرفون "نعم علي إيه.. ولا علي إيه".. المصريون الذين يتهاوي الوطن علي رءوسهم ولا يجدون مفراً منه. ولا ملاذاً غيره. لا يعرفون الفرق بين "الدستور والكستور".. وفريق النفاق وفريق الكفر يتقاتلان إلي آخر قطرة دم لمعدم لا يجد مأوي.. نحن وقود حربهم.. ولا أحد يخاف اللَّه فينا ولا يرحمنا.. لقد أصابتنا لعنة عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه استنصر اللَّه علينا فنصره. واستعان باللَّه علينا فأعانه إلي يوم القيامة.. مصر أفلت عيارها.. و"أصبحت دايرة علي حل شعرها".. لا أحد يحكمها. أو يشكمها. أو له كلمة عليها.. لا أحد يستطيع أن يعيدها سيرتها الأولي.. فالوضع السييء يستفيد منه ملايين ويتكسبون منه. ولن يفرطوا فيه أبداً.. إنها مشاهد لعينة تجعلنا نقول: يا أرض انشقي وابلعينا!!
* * * *
نظرة
اتفقنا.. أو قلت لكم من قبل دون أن نتفق.. لأن المصريين إذا اتفقوا ماتوا.. قلت لكم: إن الفرقة الناجية لم يعد لها وجود. وإن كل الفرق هالكة.. قلت
لكم: إن الفرقة الناجية هي التي ليست فرقة.. هي التي لا تتحزب. ولا تنتمي. ولا تتآطر.. الفرقة الناجية أحسبها إن شاء اللَّه. أنا وأنت.. لأننا لسنا "ولاد حد".. لسنا "ولاد أبوإسماعيل.. ولا أولاد الإخوان.. ولا أولاد السلفيين.. ولا ولاد الإنقاذ.. ولسنا أيضاً ولاد شوارع".. ولا ندعي أننا وحدنا "ولاد مصر" الوطنيون وغيرنا خونة.. ولا ندعي أننا المؤمنون وغيرنا كفرة.. نحن الجماعة.. وإذا سمينا أنفسنا "الجماعة" أصبحنا فرقة هالكة.. فمن أهم شروط الفرقة الناجية.. بل ربما الشرط الوحيد أنها "الفرقة اللي ما تتسماش"!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.