الطبيب الشرعي من أكثر المهن حساسية وخطورة نظرا لما يترتب علي تقديره من نتائج في حل ألغاز القضايا واصدار الأحكام, ونفس الأهمية تنطبق علي عمل الخبير في إدارة التزوير و التزييف, الضمير وحده هو هو الضمانة الحقيقية في مصلحة الطب الشرعي لان الظروف التي يعمل فيها الأطباء الشرعيون غاية في الصعوبة وبالتالي ليس مستغربا أن نجد ستة فقط هم من يعملون في التشريح بالمشرحة. الأجور هزيلة والإمكانات المتاحة ضعيفة لضعف الميزانية المخصصة وفي المقابل المخاطر المحيطة بالأطباء والعمال تهدد باصابتهم بالعدوي, ما اقساها من مهنة مكروهة لدي الرأي العام ومع ذلك هي ركن أساسي من أركان العدالة. ما هي مشكلة الطب الشرعي؟ وكيف نرتقي بهذه المهنة ونجعلها من المهن الجاذبة لأصحابها؟ { الدكتور عماد عبدالله مساعد كبير الأطباء الشرعيين لشئون التشريح وهو يمارس هذا العمل منذ52 عاما ويتحدث عنه قائلا: الطب الشرعي ليس دوره التشريح فقط بل مهمته التحقيق, فالنيابة تحقق في الشق الجنائي وطبيب التشريح يحقق في الشق الفني للقضية, يناقش كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة بما يخدم القضية, حيث يضع التصور القضائي للجناية أو ان شئنا الدقة كيفية تصنيفها قضائيا بناء علي التقرير الفني. هل هناك نسبة خطأ واردة في التقرير سهو ا أو ربما في بعض الحالات عمدا؟ { يجيب قائلا: نسبة الخطأ في التقرير تكاد تكون منعدمة ولكنه عمل بشري والخطأ و ارد لكن الطب الشرعي يصحح نفسه من خلال قنوات ومراحل قانونية, ولو هناك خطأ بشري محتمل فسوف يكون سهوا وليس عمدا أو نتيجة لتعرض الطبيب لضغوط أو انحياز لسلطة. ومن حق المتضرر رفض التقرير والاعتراض عليه في المحكمة و طلب تقرير طب شرعي آخر من خلال لجنة ثلاثية من ثلاثة أطباء شرعيين ومن حقه أيضا الاستعانة بطبيب شرعي استشاري يستخلص أي ثغرات في التقرير ويناقشها في المحكمة ولا يجوز مناقشة ذلك إعلاميا أو أمام الرأي العام, فالقانون حدد مناقشة اخطاء التقارير في ساحة المحكمة فقط. لماذا يهرب الطبيب الشرعي من العمل في المشرحة والعدد الموجود قليل جدا ستة فقط؟ { يجيب الدكتور عماد قائلا: معظمهم يسافر إلي الدول العربية لأن الراتب الشهري هناك07 ألف جنيه وفي مصر5 آلاف جنيه فقط ولو تضاعف هذا الراتب في مصر ربما يفكرون في العودة إلي الوطن. بالنسبة لي لا أحب الغربة وفضلت البقاء في وطني وبفضل الله هناك حالة تطوير في مصلحة الطب الشرعي والأمور في تحسن, وعن ظروف العمل في الطب الشرعي بعد ثورة52 يناير يقول: أصبح المناخ الذي نعمل فيه أكثر صعوبة, أحيانا نفاجأ بأهل متوفي يهجمون علي المشرحة وقد حدث بالفعل منذ أيام عندما اشتبهت النيابة في حالة وفاة وطلب تشريح الجثة و هجم علينا أصدقاء المتوفي وسرقوا الجثة وهربوا بها وبعد ساعتين اعادوها للمشرحة. ومن المواقف التي اتذكرها بمناسبة المظاهرات وصلت لنا ثلاث جثث للشهيد محمد الجندي وعمر سعيد ومعهما جثة ثالثة لبائع بطاطا اسمه عمر عمران لم يكن في المظاهرة كان يبيع بطاطا وجاءته رصاصة خطأ لقي حتفه ومع ذلك لم يذكره الإعلام اطلاقا. هذا يذكرنا بما قيل عن لصوص وبلطجية ماتوا أيام الثورة وتم احتسابهم شهداء وحصل ذووهم علي تعويضات؟ { الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق اصدر قرارا وقتها باعتبار كل متوفي في الأحداث من52 يناير و ما بعدها من الشهداء وبالتالي كانت تصدر من المصلحة تقارير بذلك. هل هناك ضغوط تمارس عليكم عند كتابة تقارير الشهداء في الفترة الأخيرة؟ { بالطبع أحيانا نتعرض لضغوط الرأي العام الذي يتعجل التقرير لكن لا نستجيب لها ولا لضغوط السلطة التنفيذية ولا أي جهة. ويصف سامح فهمي( يعمل في مشرحة زينهم) ظروف العمل بعد ثورة52 يناير فيقول: لا يوجد أمن وكثيرا ما نتعرض لهجوم وبلطجة وتهديد لكتابة التقرير لصالحهم, أما عن ظروف العمل الداخلية فاهمها الدخول الهزيلة, الطييب يحصل علي9 جنيهات عن كل جثة يقوم بتشريحها والفني الذي يساعد الطبيب ونطلق عليه حرفي التشريح يحصل علي521 قرشا مقابل الحالة. وطبعا هناك مخاطر أهمها أن بعض الجثث تكون صعبة, وقد يتعرض الطبيب والفني لخطر العدوي وبدل هذه العدوي15 جنيها شهريا للطبيب و8 جنيهات للفني, والعمل في المشرحة يستمر24 ساعة, ولذلك لابد من وجود نوبتجي فترة الليل إذ ربما تحضر حالات يستقبلها وبدل السهر لليلة130 قرشا قبل الدمغة والضرائب. وبسبب هذه الأجور الهزيلة يهرب الأطباء من العمل في مشرحة زينهم وهي تخدم القاهرةوالجيزة ومع ذلك يوجد6 أطباء و5 فنيين مساعدين ولأن هذا العدد لا يكفي والمفروض أن ساعات العمل الرسمية تنتهي في الرابعة عصرا نضطر للبقاء حتي العاشرة مساء دون احتساب ذلك إضافي بأجر. هناك أطباء بمجرد تعيينهم حصلوا علي اجازة وسافروا للعمل في الخارج أو تقدموا باستقالاتهم ويستكمل سامح كلامهم قائلا: لي18 سنة أعمل في مشرحة زينهم وفي رأيي من يعمل فيها فدائيا وخاصة بعد الثورة لأن العمل أصبحت أكثر قسوة وصعوبة بسبب الانفلات الأمني والفوضي, وقد نتعرض للضرب ولا نجد من يحمينا, ونفس الكلام ينطبق علي الأطباء الذين كما يقول المثل الشائع يغزل برجل حمار فالامكانات الفنية المستخدمة في التشريح علي قدر الميزانية. رأي آخر رفض صاحبه ذكر اسمه داخل المشرحة يقول: في رأيي مأساة الطب الشرعي الحقيقية ليست فقط في كل ما قيل بل في أن الطبيب الشرعي يتحمل جميع المسئوليات ومع ذلك ليس لديه أي صلاحيات في الوقت الذي يتمتع فيه مساعد وزير العدل بجميع الصلاحيات وليس عليه في المقابل أي مسئوليات. كبير الأطباء الشرعيين لا يستطيع أن يعين أحدا ولا أن يتصرف في الميزانية إلا في حدود مبلغ مائة جنيه فقط فإذا احتاجت المشرحة مثلا منشارا كهربائيا لا يستطيع أن يتخذ قرارا شرائه, والحل في رأيي أن يعطي كبير الأطباء الشرعيين كل الصلاحيات فيكون بدرجة مساعد وزير أو أن تستقل مصلحة الطب الشرعي عن وزارة العدل. قضايا التزوير في المصلحة إدارة أبحاث التزوير والتزييف هي أيضا تابعة لمصلحة الطب الشرعي مهمتها العمل علي كل الأوراق والمستندات الرسمية والعملات المصرية والأجنبية هناك إدارة في القاهرة وأخري مختصة بثلاث محافظات هي الجيزة والفيوم وبني سويف. مديرة الإدارة تتحدث عن طبيعة هذا العمل ومشاكله تقول: نحقق في قضايا خاصة مستندات رسمية أو تعاملات مادية وعملات ولي36 سنة خبرة في هذا العمل وأنا كيميائية في الأساس والمرتبات ليست مجزية وفي الوقت نفسه ليست ضعيفة بمعني أنها أعلي من مرتبات جهات أخري وأقل من مرتبات شركات البترول مثلا لكن عملنا أهم لأن قراري الذي انتهي إليه في التقرير قد يدخل شخصا السجن أو العكس. ونظرا لخطورة هذا العمل فلابد أن يعمل الخبير في ظل ظروف مريحة ويحصل علي دخل يكفيه وإلا يضطر لعمل إضافي يدر عليه دخلا يساعد في مصاريف بيته وهذا من الناحية العملية غير مطلوب وخطأ لأنه قد يعرضه لابتزاز أو ضغوط, ولذلك الخبير مثل القاضي ليس من المستحب أن يمارس عملا آخر غير عمله ولا أن تكون له علاقات. إذن هي معادلة صعبة كيف يعمل الخبير بضمير القاضي وتتم إهانته بدخول بسيطة تجعل من السهل التأثير عليه أو التعرض لضغوط تجعله يبيع ضميره, وللأسف نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة فالدخول لا تكفي و95% من العاملين في الإدارة عندي يعملون خارج المصلحة في أعمال إضافية. كيف يتم اكتشاف أي تقرير مزور أو حالة رشوة يتقاضاها خبير؟ { طيلة سنوات عملي لم يحدث سوي مرة واحدة في الاسكندرية وتم حبس صاحبها فمن السهل اكتشاف ذلك والعقوبة تكون رادعة والحمد لله لم يحدث ذلك. وعن طبيعة العمل تقول: قد لا تكون الأجهزة المستخدمة في العمل مواكبة لما هو مستخدم في الخارج لكنها تقوم بالمطلوب, ونسبة قضايا التزوير في مصر نفس النسب العالمية وهي تزداد مع الانفتاح الاقتصادي كما تزداد أيضا كلما زادت الأحوال الاقتصادية صعوبة. وكل عامين يتم تنظيم مؤتمر في مصر عن قضايا التزوير والتزييف ولا توجد إمكانات لكي نسافر لحضور مؤتمرات في الخارج لكننا نتابع ونطور أنفسنا بأنفسنا من خلال الإنترنت. وأنهي كلامي بأمنية أن الدولة تنظر للخبير نظرة منصفة ماديا حتي يستطيع أن يعمل وهو مستريح طيلة مشواره العملي منذ أن اقسم اليمين أمام المستشار في دار القضاء العالي طيلة سنوات عمله.