عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الأحد 28 إبريل 2024 بالصاغة    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    فكري صالح: الزمالك قادر على تخطي دريمز والتأهل لنهائي الكونفدرالية    حسام البدري: وصفي ب "الهارب" صدمني ولم أظلم عماد متعب    أمطار رعدية على هذه المناطق.. بيان عاجل من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم (لا تنخدعوا)    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    اضطراب الكبد المرتبط بنمط الحياة.. ونصائحسريعة لتحسين صحة الكبد    موعد مباراة ليفربول المقبلة بعد التعادل مع وست هام في الدوري الإنجليزي    لأول مرة بالمهرجانات المصرية.. "الإسكندرية للفيلم القصير" يعرض أفلام سينما المكفوفين    أهالي الأسرى يُطالبون "نتنياهو" بوقف الحرب على غزة    مصدر أمني إسرائيلي: تأجيل عملية رفح حال إبرام صفقة تبادل    قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعشرات الانفجارات في المنطقة (فيديو)    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى غرب جنين    المجموعة العربية: نعارض اجتياح رفح الفلسطينية ونطالب بوقف فوري لإطلاق النار    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    اجتماع مع تذكرتي والسعة الكاملة.. الأهلي يكشف استعدادات مواجهة الترجي بنهائي أفريقيا    وزير الرياضة يهنئ الخماسي الحديث بالنتائج المتميزة بكأس العالم    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    «مينفعش نكون بنستورد لحوم ونصدر!».. شعبة القصابين تطالب بوقف التصدير للدول العربية    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    أول تعليق من الأزهر على جريمة طفل شبرا    مصدر أمني يكشف تفاصيل مداخلة هاتفية لأحد الأشخاص ادعى العثور على آثار بأحد المنازل    ضبط 7 متهمين بالاتجار فى المخدرات    قطار يدهس شاب أثناء عبوره مزلقان قليوب    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    وفاة الفنان العراقي عامر جهاد    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    العالم الهولندي يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة ويكشف عن مكانه    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السفير الروسي بالقاهرة يشيد بمستوى العلاقة بين مصر وروسيا في عهد الرئيس السيسي    «الأزهر للفتاوى الإلكترونية»: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة حرام    ضبط وتحرير 10 محاضر تموينية خلال حملات مكبرة بالعريش    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    رئيس جامعة أسيوط يشارك اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    "مدبولي" يصل الرياض للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي    شرايين الحياة إلى سيناء    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موظفو مشرحة زينهم: الموتى يتحدثون أحيانا
نشر في الصباح يوم 20 - 01 - 2013

تفحم جثث قتلى قطار العياط أصاب العاملين بعقدة نفسية وعزوف عن تناول اللحم المشوى
عم سيد: أمام الموت لا فرق بين شهيد ثورة ولص.. التشابه سيد الموقف
محمود: حين لا نستدل على شخصية قتيل أشعر بأن الإنسان بلا قيمة
وضع الجثامين فى الثلاجات لمدة 6 أشهر بحد أقصى قبل دفنها


صرخة مدوية تعالت فى قلب شوارع المحروسة، وسرادق عزاء امتد ليشمل كل مدينة وقرية وشارع وزقاق.

حادثة مروعة، ضحاياها تلاميذ أو مجندون فى ريعان الشباب، وفى النهاية، لا شىء إلا الموت واللحم البشرى «المعجون بالتراب»، والدم المراق مجانا على أرصفة جامدة باردة.

كل يوم ثمة فقيد هنا، وقتيل هناك، وسرادق عزاء، وعويل وجرح فى قلب مصر، التى تشيع فلذات كبدها، ممن يداهمهم الموت، مع قطار غاشم، أو يلتقى بهم عند مزلقان لا يعترف بالحدود الدنيا للسلامة.

تقرير هيئة الإسعاف المصرية عن عام 2011، يكشف عن أن عدد الوفيات على مستوى المحافظات، جراء الحوادث المرورية، بلغ 2241 حالة وفاة.. كما كشف أحدث تقرير أصدره قطاع الأمن العام عن أن عدد الوفيات خلال النصف الأول من العام الماضى بلغ 1206 متوفين فى حوادث مرورية، بمعدل أكثر من 6 حالات ونصف حالة يوميا.

معظم هذه الحالات، وغيرها من الموتى، فى جرائم القتل، يتم توجيهها إلى مشرحة زينهم، لفحصها من قبل الطب الشرعى، لتحديد سبب الوفاة، ومن ثم استخراج تصاريح الدفن.

مصطلح «الطب الشرعى» فى الأساس كلمة مركبة، الجزء الأول منها «الطب» وهو إشارة لكل ما هو طبى علمى، والجزء الثانى «شرعى» إشارة للشرعية بمفهوم القوانين والأنظمة، حيث يهتم بفحص العلاقة القريبة أو البعيدة التى يمكن أن توجد ما بين الوقائع الطبية والنصوص القانونية، لذلك قررنا العبور إلى قلب هذه البوابة الكبيرة التى تضم العديد من الحكايات والأسرار عنها، وعن المترددين عليها.

وبمجرد دخولك إلى «المشرحة» يقشعر بدنك، مبنى كبير يخيم عليه الصمت، له بابان، أولهما يطل على شارع رئيسى، يعبر منه موظفو الطب الشرعى والعاملون إلى داخل المشرحة، وثانيهما مخصص لدخول وخروج الجثث من وإلى المشرحة، وهذا الباب مفتوح على شارع جانبى ضيق، وبمجرد المرور عبره تجد نفسك إزاء أبواب ذات لون كان أبيض، على ما يبدو، لكن بفعل الزمن أصبح متعدد الألوان.

المشرحة ليست مخصصة لحوادث السيارات فقط، وإنما لكل المتوفين فى شبهة جنائية، وفى ثلاجاتها جثث لأطفال قتلتهم أمهاتهم، وأخرى لمجهول طعنه صديقه ثم هرب، فضلا عن جثث الذين ماتوا محترقين، وكذا لشهداء الثورة.

الموت يجعل الجميع متشابهين، وهنا لا فرق بين شهيد أو بطل وبين لص، فالكل سواء.. كما يقول موظفو المشرحة، الذين يؤكدون أن كل الجثامين تخضع لنفس الإجراءات.. تشريح وغسل وتكفين واستخراج أمر نيابة بالدفن ومن ثم تنتهى رحلة الإنسان على هذه الأرض.

وبمجرد المرور إلى قلب المشرحة ذاتها، تجد حجرتين مفتوحتين بداخل بعضهما البعض، يجتمع فيهما الأحياء بجوار الأموات.. فى الحجرة الأولى ترتص 8 ثلاجات، تحوى الواحدة منها 6 أدراج، بواقع 48 جثة، بالإضافة لغرفتى تجميد، تم تخصيصهما ل«المجاهيل» غير المستدل على هوياتهم، أو الذين لم يأتِ من يتسلمهم من أهلهم للدفن، فيتم وضعهم بإحدى هاتين الغرفتين تجنبا للتعفن، نظرا لأنهم سيمكثون وقتا طويلا داخل المشرحة، الغرفة الثانية يوجد بداخلها دولاب به أكفان، فى مقابله سرير توجد عليه أكفان، وفى المنتصف بينهما توجد منضدة عليها سخان، وأوراق، وشمع أحمر، يتم استخدامه لتشميع أى حرز يتم التحفظ عليه، أو التحفظ على العينات التى تُؤخذ من الجثث بعد تشريحها، بجوارها أدوات إعداد الشاى، التى يستخدمها العاملون هناك ليعدوا بعض الشاى أثناء عملهم.

عم سيد

يعتبر عم سيد كلمة السر داخل مشرحة زينهم، رجل طويل القامة، أحدب نحيف تجاوز عمره الثمانين، تختفى ملامح وجهه تحت لحيته الكثيفة البيضاء، لا ينطق بأى جملة دون أن تسبقها آية قرآنية، أو حديث نبوى شريف، وتنهال بعدها دموعه كسيلٍ.

يبدأ حديثه بجملة واحدة «للدنيا عجائب سبع، ومشرحة زينهم العجيبة الثامنة»، ثم يصمت قليلا، ليستأنف حديثه عن الأهوال والمصاعب التى حفظتها ذاكرته بعد عشرته الطويلة لكل شبر داخل المشرحة، فيقول: «الجثث أنواع وبعض الموتى يتحدثون، ويفصحون عن رغباتهم، وأنا أسمعهم».

ما يُروى من أحاديث عن العفاريت، والأرواح التى تظهر وتختفى ليس كله خرافات، فكثيرا ما أشعر بوجود مثل هذه الأشياء، لكننى لم أرَ أيا منها بعينيى.. إنه مجرد إحساس بقشعريرة تسرى فى جسدى حين تكون الروح حاضرة.

ويضيف «ليس كل إنسان قادرا على هذا الإحساس، فهذا أمر اختص به بعض الناس، والظاهر أن عشرتى الطويلة للموتى، أكسبتنى مهارات خاصة».

ويواصل حديثه عن متاعب موظفى المشرحة قائلا: «البلطجية يتعرضون لنا وبشكل مستمر، وهناك من الأهالى من يرفض تشريح أبنائهم، ولا يوجد من يحمى الأطباء والعاملين داخل المشرحة من التجاوزات».

ويعمل عم سيد منذ أكثر من 50 عاما فى غسل الموتى وتكفينهم داخل مشرحة زينهم، وقد ورث المهنة عن أبيه، وأبوه ورثها عن جده.

ويقول: لست موظفا بالمشرحة، لكنى متعاقد معها، وعندى خمسة مساعدين، يتقاضون رواتبهم منى، وهؤلاء الموظفون هم «سنده وظهره» لأنهم يعملون معا فى دفن الموتى، إذا لم تتمكن الحكومة من الاستدلال على ذويهم.

وبعد حادث احتراق قطار العياط الشهير، الذى تجاوز عدد ضحاياه 360 جثة تم نقلهم إلى المشرحة، جميعهم فى حالة تفحم كامل، وبما أن المشرحة لا تحوى سوى 48 ثلاجة فقط، اضطر عمال المشرحة إلى رص الجثث بجوارهم على الأرض، وبما أن هذا الحادث كان قبل عيد الأضحى بأيام قليلة، فلم تتمكن النيابة من إخراج إذن دفن ل360 جثة، مما جعل عمال المشرحة مضطرين لأن يقيموا ويناموا ليلتين بجوار الجثث المتفحمة الموضوعة على الأرض، مما أصابهم بحالة هلع لا شعورية، تسببت فى إصابتهم بحالة نفسية سلبية، تعد هى الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لهم، جعلتهم يرفضون تماما أكل «اللحمة المشوية» حتى الآن، وتعد هذه الحادثة من أكثر الحوادث المؤثرة فى حياة العاملين بالمشرحة.

محترف تشريح

محمود، شاب فى العقد الثالث، حاصل على مؤهل متوسط، يعمل «حرفى تشريح» داخل مشرحة زينهم «وظيفته الأساسية هى مساعدة الطبيب الشرعى أثناء تشريحه للجثث، واستخراج العينة المطلوبة من الجثة، ما أكسبه خبرة عالية فى التشريح بوجه عام، وأصبح يُعتمد عليه فى التشريح بشكل أساسى».

مرت على محمود حالات كثيرة، وذكريات موجعة، يرويها قائلا: أكثر شىء يؤلمنى أن تأتى جثة مجهولة، أحس عندئذٍ بأن الإنسان لا قيمة له، وفى المشرحة حاليّا جثث مازالت موجودة داخل غرفة التجميد هى آخر ما تبقى من حادث غرق مركب الهجرة غير الشرعية التى راح ضحيتها أكثر من 40 شخصا، على بعد 7 كيلومترات، من الحدود البحرية المصرية، لم تُستدل على هوية ال 5 جثث، ولم يأت أحد ليتسلمها بعد.

جثث المجاهيل

الموتى المجاهيل هم من تم إحضارهم إلى المشرحة فى حالة تشوه تام، بحيث أصبح مستحيلا الاستدلال على هوياتهم أو الموتى الذين لا يوجد من يتعرف عليهم، ومن ثم يتسلمهم، فيتم تغسيل هذه الجثث ووضعها داخل الثلاجة ومعها «بطاقة ورقية» بها بعض البيانات، منها مثلا رقم المحضر والتاريخ ورقم الثلاجة التى دفن فيها، ثم توضع هذه البطاقة داخل زجاجة وترفق مع الجثة، إلى غرفة التجميد، مع التأكيد على وضع «الكارت» داخل الزجاجة، لحمايته من التآكل، حيث ينتظر أن يبقى مع الجثمان أطول فترة ممكنة.

ويعلق عماد عبدالله الديب، نائب كبير الأطباء الشرعيين ومدير إدارة التشريح فيما يتعلق بالمجاهيل، قائلا: لا يجوز دفن جثمان مجهول إلا بعد قرار النيابة العامة ويتم الدفن بمقابر الصدقة، وإذا زادت المدة عن 6 شهور، أو كان هناك تكدس زائد فى الثلاجات، يتم تقديم طلب إلى المحامى العام أن يصدر تصريحا بالدفن، وذلك بعد أخذ البصمة الجنائية للجثة، وحفظها، بحيث إذا حضر أحد من أهالى المتوفى فيما بعد، يطابقون البصمة الوراثية للجثة التى تم حفظها من قبل، ببصمة أحد أقاربه، وإذا تبين وجود علاقة أو تطابق بين البصمة الوراثية للقتيل وبين أهله، يصبح الخيار متروكا لهم، إما أن يوافقوا على إبقائه بمقابر الصدقة، أو أن ينقلوا الرفات إلى مقابرهم الخاصة، فهم أصحاب القرار فى هذا.

عدد مصالح الطب الشرعى

ويبلغ عدد مصالح الطب الشرعى فى جمهورية مصر العربية أقل من نصف عدد محافظات مصر، ومن أشهرها، مصلحة الطب الشرعى بالقاهرة، والإسكندرية، ودمنهور، أما باقى المحافظات فالطبيب الشرعى هو الذى ينتقل إلى مشرحة المستشفى، كما كان يحدث منذ وقت قريب بالنسبة لضواحى منطقة الجيزة، حيث كان ينتقل أحد أطباء مشرحة زينهم إلى المستشفى القائم به المجنى عليه أو القتيل، ولكن تعدل هذا بشكل قانونى منذ أقل من عام ونصف العام تقريبا، وأصبحت تنتقل جثامين الحوادث التى تتم فى هذه المناطق إلى مشرحة زينهم للتعامل معها داخل المشرحة نفسها.

ويرجع الديب النقص فى عدد مصالح الطب الشرعى فى مصر إلى قلة عدد الأطباء الشرعيين، والذى يرجع بدوره إلى نقص مرتباتهم مقارنة بالخارج، هذا المرتب يتراوح فى مصر بين أربعة وخمسة آلاف جنيه شهريا، بينما فى الخارج فمرتب الطبيب الشرعى أضعاف مضاعفة بالنسبة لهذا الراتب المصرى الزهيد، موضحا أن عملهم ليس بالعمل العادى، بل هو عملية صعبة وشاقة للغاية، تضطرهم أحيانا إلى استخدام كل حواسهم للوصول إلى الحقيقة.

ويقول: فى بعض الأحيان يضطر الطبيب الشرعى إلى لمس جثمان القتيل ومكان الإصابة بيديه دون حتى استخدام جوارب اليدين، للتأكد من بعض المعلومات بشكل مهنى، فمثلا فى حالات الأعيرة النارية، لابد من خلع «الجوانتى» ولمس مكان دخول الرصاصة باليدين، لأنه إذا كان هذا الطلق عن قرب، فيكون هناك احتراق حول فتحة دخول الرصاصة لا يمكن أن يميزها، أو يشعر بها إلا إذا لمسها بيديه، وإن كان الطلق النارى من مسافة بعيدة فلا يحس هذا الاحتراق بنسبة كبيرة.

ويضيف أن مهنة الطبيب الشرعى تتبع وبشكل مباشر وزارة العدل، ولا يوجد أى جهة رقابية أخرى عليها.

الأمن والمشرحة

وتخلو المشرحة من أى مظهر أمنى، مع الأخذ فى الاعتبار أن العاملين بها والأطباء تعرضوا كثيرا للتعدى من قبل مواطنين، أثناء قيامهم بتشريح بعض الجثث، حيث إن بعض الأهالى يرفضون عملية التشريح تماما.

ويعلق الديب على غياب الأمن، فى مشرحة زينهم قائلا: إن المشرحة خاطبت وزارة الداخلية أكثر من مرة، لتأمين الأبواب والمداخل والمخارج، للحد من اعتداءات أهالى القتلى على الموظفين، ومحاولات منعهم من أداء واجباتهم، إلا أنه «لا حياة لمن تنادى»، فوزارة الداخلية لم تتحرك خطوة واحدة لحماية المشرحة، ما جعل العاملين بالمشرحة مضطرين للجوء إلى حمايتها، بشكل فردى، وبمجهوداتهم الذاتية، عبر إغلاق جميع نوافذ وأبواب التشريح، المؤدية إلى الشارع، لوقف عمليات دخول البلطجية والمسجلين خطر إلى داخل المشرحة، والتعدى على الأطباء، ومن ثم منعهم من تأدية عملهم.

وفى حال حدوث التعديات، يكون أمام الموظفين حل من اثنين، إما اللجوء لحلول دبلوماسية، وإقناع أهل القتيل بأن التشريح عمل طبيعى وإجراء قانونى لأى قتيل فى شبهة جنائية، وأنه يفيد فى استكمال خط سير القضية، وإذا لم تنجح الحلول الدبلوماسية، فيلجأون إلى الاتصال بقسم شرطة السيدة زينب وهو التابع لدائرة تواجدهم، لتأتى قوة أمنية تتعامل مع الأهالى.

أما فيما يتعلق بزيادة عدد الجثامين فى بعض الحالات أو فى حالة الحوادث الجماعية، التى تحصد أرواح الكثيرين مرة واحدة، فتسعى المشرحة إلى تعجيل إجراءات تشريحهم، واستخراج أمر النيابة بالدفن بأقصى سرعة.

ويقول الديب: فى حال تأخر استخراج التصريح لأى سبب ننضطر، آسفين، إلى وضع أكثر من جثمان داخل ثلاجة واحدة، لإنقاذ الموقف، مشيرا إلى أن المشرحة ستشهد خلال الفترة القادمة تجديدا شاملا سيشمل المشرحة بأكملها، بداية من مضاعفة عدد الثلاجات، وتجديد غرفتى التجميد، وإصلاحات بالمبنى كله، وتجديد بالمكاتب، والغرف، وكل شىء داخل المشرحة.

تقرير الطب الشرعى

هو تقرير يوضح التصور الجنائى للقضية، فهو يحدد هل الإصابة هى سبب الوفاة، أم ساهمت فى إحداث الوفاة، أم ليست لها علاقة على الإطلاق بالوفاة؟

ويقول الدكتور الديب: قد تزيد صفحات التقرير على 50 صفحة، تضم كل المعلومات الدقيقة حول حالة الجثمان، بما تشمله من معلومات حول موعد الجريمة، والمسافة التى فصلت الجانى عن المجنى عليه، كما فى جرائم إطلاق الأعيرة النارية، ونوع الطلق النارى نفسه، أو نوع الأداة الحادة إذا كانت الوفاة ناتجة عنها، وهل هناك مرض ساعد على الوفاة، وكذا جميع الظروف البيولوجية، والفسيولوجية للجثة، وكل ما يساهم من قريب، أو من بعيد فى موت القتيل، مع الأخذ فى الاعتبار أن الطبيب الشرعى لا يحدد الجانى، وإنما هو فقط، يساعد فى تحديد مواصفاته والوصول إليه.

ويضيف أنه على سبيل المثال إذا صدر تقرير ينص على أن وفاة القتيل كانت بسبب طلق نارى من مسافة 10 مترات، فيساعد هذا فى تطابق هذه الأقوال مع أقوال الشهود، ومع الأفراد المتواجدين وقت الجريمة، ومع فحص المبانى والمنشآت الموجودة على نفس المسافة، وإذا طبقنا نفس هذا الكلام على قضايا قتلة الثوار لثورة 25 يناير، سيتضح أن الحكم فى قضية قتل الثوار ليس له علاقة بالطب الشرعى، فالجناة أخذوا براءة لما يسمى بشيوع الجريمة، فلا يوجد شخص معين بالتحديد هو القاتل، ولكننا وضعنا فقط المواصفات، والتى لم تتمكن من إثبات أن شخصا بعينه هو المرتكب الفعلى للقتل، وفقا للأدلة المادية الملموسة داخل القضية.

ويستطرد الديب فى حديثه قائلا: «إن تقرير الطب الشرعى بالرغم من أنه يخرج بإمضاء طبيب شرعى واحد، إلا أنه يكون بمساعدة طبيبين أو ثلاثة من أطباء شرعيين آخرين، بالإضافة إلى حرفى التشريح، فالمجموعة تجتمع سويا، تفحص الحالة، ثم تكتب التقرير سويا، ثم تتم مراجعته من خلال رئيس مصلحة الطب الشرعى، الذى لابد أن يرى أكثر من 99% من الحالات الواردة للمشرحة، وبعد كل هذا الفحص فمن الطبيعى أن يكون تقرير الطبيب الشرعى صادقا بنسبة 100%».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.