إبراهيم نافع تلك الأسطورة الصحفية التي انطلقت بالأهرام إلي عنان السماء وخلفت وراءها إنجازات لا تحصي ولا تعد، ولكن فضلا عن الإنجازات الشاهدة علي عطائه وقوة شخصيته وبصيرته، ترك هذا العملاق وراءه علاقات إنسانية من طراز فريد، ومحبة تملأ قلوب محبيه من كل الفئات.. فكل من تعامل مع الكاتب الراحل وجد فيه إنسانا من نوع لم يتكرر ولن يجود الزمان بمثله. رصدت «الأهرام» حكايات عن ابراهيم نافع في عيون محبيه ممن تعاملوا معه عن قرب علي المستوي المهني والشخصي والإنساني، فكانت هذه الكلمات التي خرجت صادقة من القلب تعبر عن عشرة السنين والأيام الطويلة. علي المستوي المهني الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد نعت الفقيد بمنتهي الحزن والأسي قائلة: كان هناك موقف لن أنساه فعندما دبرت مؤامرة ضدي عندما كنت رئيسا لتحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون وهي في قمة نجاحها لمنع قلمي، بهدف إسكاتي عن الكتابة في الوقت الذي حصلت فيه المجلة علي جائزة «التفوق الصحفي».. وقف العديد من «الزملاء» في وجهي، ولكن ابراهيم نافع رحب بي وفتح لي أبواب «قلعة الأهرام»، وأعاد لقلمي الحياة بالكتابة للأهرام بكل ما لهذه الجريدة العظيمة من قيمة وعراقة، ولا أنسي كيف ساند حملاتي الصحفية ووقف بجانبي في مواجهة مسئولين كبار، كان منها حملة من أجل إنقاذ الآثار وعدم الإساءة إليها، ولكن أهمها حملة إنقاذ قلعة صلاح الدين.. ثم حملة القمح والتي اعتبرها أهم حملات الصحافة المصرية.. فقد قدم نافع نموذجا مهنيا لن أنساه أبدا أزعج العديد من المسئولين الكبار وكان لها صدي جماهيري كبير.. فتحية لأسرته والإعلامية الكبيرة علا بركات هذه القيمة المحترمة. من طراز رفيع الكاتبة أمينة شفيق نعت الكاتب الكبير وقالت في البداية كان قربي من نافع عندما كان محررا اقتصاديا رائعا وعظيما تربي علي يديه ثلاثة كتاب كبار هم أسامة سرايا وأسامة غيث وعبد الرحمن عقل، ومن خلال احتكاكي به منذ الأيام الأولي وجدت إنسانا محترما جدا جديرا بكل تقدير، فعندما كان رئيس تحرير «الأهرام» كنت ممنوعة من الكتابة، ذهبت إليه وطلبت منه الكتابة فرحب بي فكتبت وقتها عن «التنمية والطفل» وساعدني نافع علي كسر الحظر المفروض علي، وعلي غيري من الكتاب الصحفيين الذين فتح لهم المجال للكتابة. وعندما دخل النقابة كنت ضده في البداية وتصورت أنه لا يمكن أن يكون نقيبا ناجحا لأن العمل النقابي معقد ولكنني وجدت رجلا نقابيا من الطراز الرفيع يسخر كل إمكانياته من أجل الجميع دون تفريق. تنوع الآراء الكاتب الصحفي محمود مراد قال من خلال كونه رئيس تحرير كان يحترم الصحافة والمهنة يعطي مساحة كبيرة للديمقراطية ولتنوع الآراء رغم الظروف الصعبة التي كنا فيها وكنت ممنوعا أيضا من الكتابة أيام السادات من سنة 76 إلي سنة 79 فأعادني للكتابة من خلال فكرة اقترحتها بإقامة ندوات تحمس لها نافع كثيرا وناقشنا قضايا مهمة مع مسئولين كبار وعلماء بكل موضوعية، ولم يكن ابراهيم نافع يبدي ملحوظات ضدها بل يعطي مساحة كبيرة.. أهم ما يميز هذا الكاتب العملاق أن خصومته مع الآخرين كانت محترمة لأبعد مدي «خصومة الرجال» ولم تصل لحد التنكيل والضرب تحت الحزام بل منتهي الموضوعية حتي في الخلاف.. ونافع كان مؤمنا بأهمية الوقت والعمل فلم تكن «البوستة» تتأخر في مكتبه أكثر من 24 ساعة سواء كان خارج مصر أو داخلها.. ومن أهم قراراته الإنسانية أن كل من يخرج للمعاش من عمال وموظفين ومحررين يأتي لعيادة الأهرام في أي وقت، وإذا احتاج إلي مستشفي أو استشاري أو حتي السفر للخارج لم يكن يتأخر عن أحد. وكان مؤمنا بأن «الأهرام مؤسسة تنويرية حضارية» وليست صحفية فقط وكان هذا امتدادا لفلسفة هيكل رحمه الله.. وكان يصر علي أن الباحثين والطلبة بالجامعات تقدم لهم خدمات مركز أماك مجانا وذلك إسهاما في البحث العلمي. علي المستوي الإنساني الأستاذة نادية جادو مديرة مكتبه والتي عاصرته لسنوات طويلة تحدثت عن الفقيد بصعوبة بالغة لما يعتربها من حزن وألم الفراق قالت: الأستاذ نافع كان شخصية صحفية وإدارية ممتازة وعقلية فذة.. جريئة في قراراتها لأبعد مدي فطالما كان القرار مدروسا جيدا كان يتخذه فورا.. وكان منظما لأقصي حد علمنا ترتيب الأولويات، ولم يكن يسمح بالخلط بين الإدارة والتحرير.. وكان إنسانا رفيع المستوي رحيما بكل من حوله ولم يكن يرفض أي طلب إنساني ولا يتردد في اتخاذ قرار سريع بشأنه.. إنجازاته تتحدث عنه في كل مكان،. أما أيام الحوافز والأرباح فكان يمكث ليل نهار بالمكتب لضمان الصرف لكل الموظفين، وأن الجميع سيأخذ حقه مهما تكن ظروف المؤسسة. نيفين العوضي واحدة من فريق عمل الأستاذ التي عملت معه لأكثر من عشر سنوات تقول: كان رجلا كريما وطيبا لأقصي درجة حتي أنني في بداية تعييني ضاع مني مظروف مهم وعندما سألني عنه ارتبكت وحزنت جدا فما كان من الأستاذ إلا أن جاء لي وربت علي كتفي بمنتهي الحنو الأبوي وقال لا تحزني حصل خير. عم حسين دوش الساعي الخاص للأستاذ ابراهيم نافع يقول خسارتنا في هذا الرجل كبيرة فأنا لم أر في حياتي إنسانا مثله في العطاء والكرم والحنان مع الجميع فقد جدد لي 10 سنوات متتالية لأنني أحببت العمل معه ولم أرد أن أفارقه وقال لي «طول ما أنا موجود فأنا معك».. وكان يتعامل مع الجميع بالحسن واللين ولم يتعال علي أحد منذ أن عرفته وفي عمل الخير كان سباقا خاصة في شهر رمضان الكريم يوزع فلوس وهدايا كثيرة علي الغلابة حتي أنني في أيام رمضان كان يرسلني للكثيرين وأخرج من الأهرام في الثامنة صباحا ولا أعود إلا في الخامسة عصرا بعد توزيع ما أعطاني إياه.. . عم طه سائقه الخاص قال: عاشرت الأستاذ علي مدار عمري سنوات طويلة لم أجد منه سوي التواضع والإنسانية وهو في قمة مجده، ومناصبه العديدة كرئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير ونقيب للصحفيين لم يشعرنا بكل هذه المناصب كان في منتهي الإنسانية لا يجرح أحدا أبدا، متسامح لأقصي درجة وكريم معنا جميعا وودود رحمه الله.