«بحضور المحافظ وأساقفة عموم».. تجليس الأنبا مينا كأول أسقف لإيبارشية برج العرب والعامرية (صور)    الإسعاف الإسرائيلي: 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بالمر يقود تشكيل تشيلسي ضد لوس أنجلوس في كأس العالم للأندية 2025    مدحت شلبي عن أزمة ضربة الجزاء: ما حدث لا يليق    الأرصاد تكشف مفاجآت بشأن حالة الطقس فى الصيف: 3 منخفضات جوية تضرب البلاد    تأجيل محاكمة 11 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية فى الجيزة ل8 سبتمبر    استوديو «نجيب محفوظ» في ماسبيرو.. تكريم جديد لأيقونة الأدب العربي    «الصحة»: ملتزمون بخدمة المواطن وتعزيز الحوكمة لتحقيق نظام صحي عادل وآمن    «سياحة النواب» توصي بوقف تحصيل رسوم من المنشآت الفندقية والسياحية بالأقصر    نراهن على شعبيتنا.. "مستقبل وطن" يكشف عن استعداداته للانتخابات البرلمانية    "الإسعاف الإسرائيلي": 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بدأت بمشاهدة وانتهت بطعنة.. مصرع شاب في مشاجرة بدار السلام    وزير خارجية إيران: مكالمة من ترامب تنهي الحرب    وزير الثقافة: تدشين منصة رقمية للهيئة لتقديم خدمات منها نشر الكتب إلكترونيا    خبير علاقات دولية: التصعيد بين إيران وإسرائيل خارج التوقعات وكلا الطرفين خاسر    وائل جسار يجهز أغاني جديدة تطرح قريبا    "كوميدي".. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم "البوب" ل أحمد العوضي    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    حالة الطقس غدا الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة الفيوم    طبيب يقود قوافل لعلاج الأورام بقرى الشرقية النائية: أمانة بعنقي (صور)    وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    فيفا يشكر كل من شارك في إنجاح مباراة افتتاح كأس العالم للأندية بين الأهلي وإنتر ميامي    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء مجلس مدينة السنبلاوين والممشى الجديد    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    مفوض الأونروا: يجب ألا ينسى الناس المآسي في غزة مع تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    التعليم العالي تعلن حصاد بنك المعرفة المصري للعام المالي 2024/2025    «لترشيد استخدام السيارات».. محافظ قنا يُعّلق على عودته من العمل ب «العجلة» ويدعو للتعميم    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    العربية: إيران تعتقل عشرات الجواسيس المرتبطين بإسرائيل    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    بريطانيا تشهد تعيينًا تاريخيًا في MI6.. بليز مترويلي أول امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    الجالية المصرية فى لندن تحتفل بعيد الأضحى    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل رجل محترم
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 07 - 2012

فقدت الأهرام ومصر والصحافة العربية واحدا من فرسانها المحترمين الذين قلما يجود الزمان بأمثالهم‏,‏ إنه الكاتب والمثقف والمعلم سلامة أحمد سلامة‏,‏ الذي وافته المنية في وقت متأخر من أمس الأول وشيع إلي مثواه الأخير أمس. ولم يكن سلامة أحمد سلامة مثقفا أو مجرد كاتب صحفي عادي بل كان معلما من طراز العظام لا يقل قيمة ولا مقاما عن هؤلاء العظام الذين تركوا تراثا عظيما من المعرفة..وأثروا في المئات من تلاميذهم وملايين من قرائهم.
لسنوات طويلة ظل سلامة أحمد سلامة معلما كبيرا من معالم الأهرام.. منذ انتقل إليها من أخبار اليوم في عام1968, ليس فقط بصوته الجهوري العريض الذي كان يسمعه كل من يعمل في صالة تحرير الأهرام, ولكن بعلمه وثقافته واستنارته منذ أن كان رئيسا لأحد أهم الأقسام الصحفية بالأهرام, وأكثرها تميزا وهو قسم الشئون الخارجية, حتي أصبح مديرا للتحرير لسنوات طويلة شهدت مصر خلالها أحداثا كبري.
ظل عموده من قريب بالأهرام ينير بكلماته الطريق في كل أزمات مصر, عبر عن رأيه في من قريب بشجاعة وأمانة.. ظل فارسا نبيلا للكلمة في وقت كانت الشجاعة فيه رعونة وتهورا.. تعرض لضغوط كثيرة وإغراءات أكثر وحرمته أمانة الكلمة التي أخذها علي عاتقه من مواقع ومناصب كثيرة كان الأجدر والأكفأ علي توليها غير أنه بثباته علي مبادئه وقناعته برسالته السامية في قول كلمته بأمانة لم يكن يرضي من يختارون.. ولم يكن ساخطا بل كان علي اقتناع بأن الفساد لا يمكن أن يستمر وأن مصر سوف يظهر فجرها وأن سنوات الظلام والفساد سوف تنتهي.
رحل سلامة أحمد سلامة في وقت مصر في أشد الاحتياج إلي الرجال المخلصين الوطنيين أمثاله.
رحم الله الفقيد, وألهم أسرته الصبر والسلوان.

هيكل: تمنيت أن تمهله المقاديرحتي نطمئن علي الوطن والمهنة
بعث الأستاذ محمد حسنين هيكل رسالة عزاء إلي السيدة جوليان حرم الراحل الأستاذ سلامة أحمد سلامة هذا نصها:
السيدة الكريمة جوليان سلامة,
اتصلت بك تليفونيا من فرنسا فور سماعي برحيل زميل عمري سلامة أحمد سلامة, وسمعت منك مباشرة تفاصيل تلك الأيام والساعات الأخيرة من حياة ذلك الصديق الحبيب, ومع ذلك فإني حتي هذه اللحظة لا أكاد أصدق أن سلامة, قد رحل عن دنيانا, وفارقنا مسافرا في الغروب, لاحقا بموكب طويل من الرجال الذين عرفتهم مصر في مراحل القوة والعز في تاريخها.
وأعلم يقينا كم أن الأزمة التي يعيشها وطننا وأمتنا في الظروف الراهنة أثرت علي ذلك الرجل المرهف الحس, والصادق مع نفسه ومع قارئه, وأعرف ومنه مباشرة في آخر لقاء بيننا قبل أيام في القاهرة أن أثقال تلك الأزمة كانت من أسباب تدهور صحته, لكني لم أتصور وأنا آراه قبل سفري من مصر منذ أيام أن ذلك كان لقاءنا الأخير, وأنه كان نظرة الوداع لرجل وعصر ومناخ, وكان في منايا لو أن المقادير أمهلته حتي يطمئن, وحتي نطمئن معه جميعا علي وطن وعلي مهنة وعلي أمل في مستقبل حلمنا به ورجوناه. إنني أريد أن أؤكد لك مرة أخري ما قلته لك مباشرة علي التليفون من باريس من أن قلبي معك, وكذلك مشاعري وكل حواسي داعيا وراجيا من أجل صديق عرفته أكثر من خمسين عاما, وأحببته ووثقت فيه زميل عمل ورفيق عمر وحياة.
محمد حسنين هيكل

في محراب الصحافة.. تألق سلامة
الفيلسوف الألماني هيجل له قول مأثور:
الصحافة صلاتي اليومية.
وفي محراب هذه الصحافة الواعية والمستنيرة لمع وتألق الأستاذ سلامة أحمد سلامة مع كوكبة جيله الذين أسهموا إسهاما خلاقا في إبداع صحيفة الأهرام.
وكان الأستاذ سلامة نجما ساطعا عندما شرفت بالانضمام لأسرة تحرير الأهرام وشاءت ظروف العمل الصحفي اليومي أن تتوطد أواصر الصداقة مع الأستاذ سلامة, فقد كان يتسم بسمات انسانية بالغة الروعة والندرة. وكان مثقفا عظيما تعانق أشواقه الفكرية آفاق المستقبل, ويمقت التخلف الفكري. ويضيق ذرعا بالتعصب. ويحتفي بالصحفيين الجدد إيما اختفاء, وخاصة من يفطن إلي تحليهم بالجدية وعشق المهنة في أرقي تجلياتها..
وأحسب أن الأستاذ سلامة قد تمكن باقتدار وامتياز من ايجاد مدرسة للصحافة الجادة والرصينة, التي تحرص كل الحرص علي موضوعية الخبر, ورصانة التحليل السياسي. ولهذا كان من الطبيعي أن يتألق عندما بدأ نشر عموده اليومي المتميز من قريب وكان تألقه وتميزه ينبع من التزامه الموضوعي بصدق رؤيته, وكان هدفه الأسمي أن ينهض الوطن من كبوته ويلحق بركب التقدم. ولذلك كان عموده من قريب يتسم بالنقد الصريح والواضح, دون مراوغة, لكل السلبيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن هنا ذاع وانتشر.. وحقق قول الفيلسوف الألماني هيجل: فقد صار عمود من قريب بمثابة الصلاة الصحفية اليومية لقراء الأهرام. ويكشف ما كتبه الأستاذ سلامة في من قريب عن رؤية ليبرالية متوهجة.. وشوق انساني إلي الفردوس الأرضي والوطن المصري الجميل الآتي.
ولئن كان الأستاذ سلامة قد رحل, فإن تراثه الصحفي المستنير سيبقي نبراسا للأجيال الصحفية الجادة التي تتطلع إلي صحافة الوعي والصدق التي تستشرف دائما وأبدا آفاق المستقبل.
لقد كان يكتب عموده الرائد في ظروف سياسية ضاغطة وصعبة.. لكنه ما وهن ولا ساوم.
إن الأشجار تموت وهي واقفة. وهكذا مات الأستاذ سلامة..كان حتي آخر لحظة كاتبا صحفيا جليلا ونبيلا وشاهرا قلمه في وجه القبح والتعصب والتخلف الفكري.إن الوطني الجميل الذي كان الأستاذ سلامة يكتب عنه هو وطن الجمال والحرية والعدالة الاجتماعية.
محمد عيسي الشرقاوي
..وجاء الجمعة بلا أعز الناس
الأستاذ سلامة أحمد سلامة كان ثاني اثنين اقترحهما رئيس التحرير محمد عبدالهادي ليكونا خير بداية لصفحة' حوار حول المستقبل' في المرحلة الجديدة, التي نحتاج فيها لرؤية صادقة.
وكان الاسم الأول هو الدكتور فاروق الباز, فقلت له أن إجراء الحوارين صعب, فالأول, بعيد جدا في واشنطن لارتباطه بظروف زوجته الصحية. أما الثاني, فالمشكلة أنه قريب جدا.. بل أقرب الناس إلي قلب الأهرام وضمير مصر, وسيستغرب لماذا لم نجر معه حديثا حتي الآن, منذ أن فرقت بينه وبين الأهرام' شقه النوي', فقال لا.. لا.. الأستاذ سلامة متسامح ومتحضر ولا يفكر بهذه الطريقة, وسيكون عودا حميدا بإذن الله.. وبصراحة هدفي أن أعيد للأهرام كل رموزه.. فقد عاش بين جدرانه أطول من أي مكان آخر.. فاتصلت بالأستاذ سلامة, ولم تزد المكالمة عن دقيقة واحدة, قضيتها في الدعاء له بالصحة والعافية.. و'ربنا يخليك لنا ياريس', بعد أن رحب بي وشكرني علي السؤال عنه. وانتهت المكالمة دون أن نحدد موعدا, فاستغرب رئيس التحرير أنني لم أكلمه عن حديث أو حوار.. ولم أشأ أن أشركه فيما شعرت به من يأس صوته وهدة حيله.. وبعد ثلاثة أيام شاهدته في الحوار الأخير بالتليفزيون مع الصحفي المحترم حافظ الميرازي, ووجدتني أنصت باهتمام لإجابات الأستاذ سلامة, واكتب خلفه ما يقول عن الصحافة والحرب الاعلامية والسياسية.. ويأسه التام من تحول الصحافة القومية إلي صحافة حرة دون إعادة النظر في نظام الملكية, وعلاقتها بالسلطة الحاكمة, وأقترح إنشاء صندوق لإعالة الصحف الفقيرة. وبعد البرنامج اتصلت بالأستاذ سلامة للمرة الأخيرة وسألته مداعبا بعد أن شجعني صوته هذه المرة عما إذا كان قد سمع عن حكاية معايير رئيس التحرير؟
فقال بصوته الذي حاول أن يعود لجرأته وقوته: احنا محتاجين معايير للإنسان أولا ومعايير لمن يحدد المعايير.. وسألته عما إذا كان يسمح بدقائق يتحدث فيها للأهرام في' حوارات من أجل المستقبل'.
فقال: اتفضل أي وقت. وأضاف أنا اتفرج الآن علي العبث والفوضي التي يتعامل بها الناس' الكبير والصغير' والضباب الذي لا يسمح لأي بصيص من نور, لدرجة أننا لا نستطيع أن' نخطي خطوتين صح علي بعض'.. أو نبدأ حوارا ناجحا ونستمر فيه للآخر!
قلت له: متي يسمح وقتكم للقاء يا أستاذ.
قال: الجمعة إن شاء الله.. يمكن تحصل حاجة تفتح النفس للكلام!
ولم يأتي الجمعة والأستاذ سلامة بيننا.. ومات معه حلم رئيس التحرير أن يرجع للأهرام أعز ناسه!
أنور عبداللطيف
سلامة.. الكفاءة والنقاء
لم تجمع المهنة فقط بيني وبين الصديق والزميل النادر سلامة أحمد سلامة, بل جمعت بيننا عوامل كثيرة, منها أننا من أبناء محافظة الشرقية, وأننا درسنا في ألمانيا وعملنا بها لسنوات, واختار كل منا شريكة حياته وأم أولاده من هناك.
والطريف أننا بدأنا العمل بدار أخبار اليوم, ثم انتقلنا للعمل بمؤسسة الأهرام, وقد كان وجوده بالأخبار سابقا علي بدء مشواري الصحفي بها, فسلامة من مواليد1932, في حين أنني ولدت عام.1937
وبعد نحو عامين من انتظامه في دار أخبار اليوم, تلقي منحة لدراسة اللغة الألمانية, ولم يتردد مصطفي أمين في الموافقة علي سفره, بل ووافق علي الاستمرار في صرف راتبه داخل مصر.
وطلب العمل مراسلا للأخبار في ألمانيا, ولم توافق الأخبار علي طلبه فقط, بل شجعته علي ذلك, واستمر يمارس عمله لمدة13 عاما تحول خلالها من صحفي ومراسل إلي مفكر وخبير بالقضايا الألمانية والأوروبية.
ومن احتكاكه المباشر بالسياسيين والمثقفين والنخبة بصفة عامة, انفتحت أمامه أبواب المعلومات والأسرار, واكتسب القدرة علي أن يكون محللا سياسيا بارزا.
وعندما عاد من ألمانيا, لم يستقر في الأخبار طويلا, وكانت الظروف قد تغيرت, خاصة بعد تأميم الصحافة عام.1960
وتفتق ذهن أصحاب القرار عن إنشاء مؤسسة للصحافة العربية تجمع بين الأهرام والأخبار ووكالة أنباء الشرق الأوسط ودار المعارف, وأصبح الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رئيسا لهذه المؤسسة.
ومن خلال إشرافه علي صحف دار أخبار اليوم أتيحت لسلامة فرصة التعرف علي الأستاذ هيكل, ومنذ تلك اللحظة أصبح قريبا منه وجمعت الظروف بينهما عندما كان سلامة يسافر لتغطية زيارات الرئيس عبدالناصر الإفريقية.
وفي بداية عام1968 طلب سلامة من الأستاذ هيكل الانتقال ل الأهرام بعد أن تم تفكيك مؤسسة الصحافة العربية عقب هزيمة يونيو1967, ووافق الرجل, وانضم سلامة لأسرة الأهرام وأصبحت أنا محررا عسكريا فيها.
ومنذ ذلك الوقت لم يتغير الصديق سلامة أحمد سلامة, هو الرجل نفسه.. نقي القلب.. رفيع الخلق الذي يتسلح بالكفاءة والمعرفة, والذي يتجنب الصراعات والمناورات, وبمثل هذه الصفات التي جعلت منه قدوة في الوسط الصحفي, التي يندر وجودها, شق طريقه باقتدار حتي أصبح مديرا لتحرير الأهرام, وسرعان ما أصبح كاتب عمود اختار له من قريب عنوانا.
وحافظ منذ العمود الأول علي الاستمرار, وفيا لمبادئه وقيمه الليبرالية, ولإيمانه العميق بالديمقراطية, والدولة المدنية, ولقيم الحرية والشفافية والصدق.
ولم يخذل قارئه يوما, فقد بقيت القيم المنارة التي يهتدي بها.
عبده مباشر
هو.. وزيارة الأحد
لقد رافقته عدة مرات منذ أكثر من10 سنوات في رحلات أسبوعية, ولكن هذه الرحلات من نوع خاص, فلم تكن للنزهة والفرجة, وإنما كانت لزيارة قبره بعد أن انتهي من بنائه.
فقد حرص علي أن يقوم بهذه الزيارات يوم راحته الأسبوعية الأحد الذي كان حريصا علي الحصول عليها من العمل وأن رحلته تكتمل بتفقد قبره تحت الأرض, وسألته عن تكرار هذه الزيارات المتعددة, فأجابني علي الفور ودون تفكير أن الموت حالة خاصة ولا يوجد من ينكر هذه الحقيقة وحتي الذين يشككون في وجود الله لا ينكرون الموت.
عبدالهادي تمامعملاق الصحافة المصرية
رحل عن عالم الصحافة الأستاذ الكاتب والمفكر الصحفي سلامة أحمد سلامة. بعد حياة حافلة بالعطاء لمهنة الصحافة والفكر.. عمل خلالها بأخبار اليوم بعد تخرجه في الجامعة مديرا لمكتبها بألمانيا.
ثم التحق بالأهرام في بداية عهد الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيسا للقسم الخارجي ثم مديرا للتحرير. ثم رئيسا لتحرير مجلة وجهات نظر أعرق المجلات السياسية والثقافية. ثم رئيسا لمجلس إدارة جريدة الشروق اليومية.
وسلامة أحمد سلامة للأسف الشديد لم يأخذ حقه في شبابه كرئيس للتحرير, لأن رؤساء التحرير في عهده كانوا أيام الرئيس السادات والرئيس مبارك لا يغادرون مناصبهم إلا بالوفاة, دون أي اعتبار لأي سن.
كان الراحل الكريم من أشرف وأنظف وأنزه الصحفيين, كان مثالا في خلقه وعمله, أعطي حياته للصحافة بدرجة امتياز.
كان قلمه صادقا ومعبرا وأمينا وشجاعا لا يخشي في الحق لومة لائم. كان وطنيا حتي النخاع كلماته صادقة ومعبرة ومؤثرة. وتفوق عموده الصحفي من قريب الذي كان يكتبه في الأهرام يوميا ثم في صحيفة الشروق علي كل الأعمدة الصحفية في الجرأة والصراحة والوضوح والفكر الصائب.
فجذب إليه القراء من كل الاتجاهات في مصر والوطن العربي والعالم. وأصبح الجميع يتابع آراءه وأفكاره ويعمل له ألف حساب, وينتظر عموده ليوضح له الطريق السليم الصادق والمعبر.
كان سلامة أحمد سلامة ابن البلاشون شرقية سليل عائلة عريقة, يعتز بنفسه وبقلمه وبرأيه, لا يكتب كلمة فيها رياء أو تمجيد أو تبجيل للرئيس أو الحاكم. كانت كتاباته وآراؤه من أجل الوطن والشعب ومعبرة أصدق تعبير دون خوف من حاكم أو مسئول, لذلك كانت كلماته تدخل العقول والقلوب وتكتسب ثقة القراء.
رحل أصدق رجال الصحافة المصرية, بعد حياة صحفية قضاها بالطول والعرض في العمل الدائم والشاق دون كلل أو ملل. صديقا عزيزا لكل زملائه وأخا كريما لكل من عملوا حوله.. صادقا أمينا واثقا من نفسه ومعتزا بكرامته وقلمه.
رحل سلامة بعد ظروف مرضية صعبة اعترضت حياته لكن إرادته كانت أقوي من المرض فظل صامدا كالجبل إلي أن انتهي عمره المديد وخطفه ملك الموت.
ويشاء الله العزيز القدير أن تفقد الأهرام في وقت واحد اثنين من أعز أبنائها وأكثرهم عطاء سلامة أحمد سلامة مدير تحرير الأهرام السابق, وأنطون ألبير كبير مصوري الأهرام وأعز أبنائها المصورين. رحم الله الفقيدين الكريمين وألهم أسرتيهما وأصدقاءهما الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا اليه راجعون. (الاهرام)

سامي متولي
عندما يرحل الاحترام
رحل الأستاذ سلامة.. رحل التواضع الإنساني ورحل الالتزام المهني والأخلاقي ورحل الإنسان المحترم والصحفي المحترم هكذا كنا نراه كإنسان وهكذا كنا نراه كصحفي وكاتب وهكذا كان يراه القراء
المحترم.. إنها الكلمة التي تختصر حياه انسان ومهنة صحفي أجمع الناس والزملاء علي احترامه, كان الاستاذ سلامة يجسد أمامي دائما هذا المعني الفلسفي الذي يقول:كلما علت قيمة وهامة الناس وكلما حقق النجاح فإنه ينحني تواضعا للناس ولحب الناس ولتقدير الناس..
برحيل الاستاذ سلامة تفقد الصحافة المصرية والعربية ويفقد الوطن واحدا من جيل الرواد الذين تسلحوا بالثقافة والعلم والضمير الوطني والأخلاقي في ممارسة المهنة..جيل رائد عاش زمن السطر بالقلم ولحق بزمن الصياغة الإلكترونية وظل أمينا للقلم يراه سلاحا قاذفا في وجه الظلم والاستبداد وسلاحا يكافح به بالنيابة عن مجتمعه وعن القراء من أجل حريتهم ومن أجل حريته الاستاذ سلامة من جيل مارس الصحافة كرسالة من أجل الوطن والمجتمع وقد كان شجاعا بذكاء حين كانت الشجاعة شجاعة, كان الاستاذ سلامة حريصا علي إرسال رسالته وممارسة دوره واستخدم في تفسير ذلك جملة شديدة البلاغةالصحفي الشاطر يمكنه تجاوز الخطوط الحمراء بمنتهي الذكاء إذا أحسن الصياغةوفي حدود الصياغة كان الاستاذ سلامة متمكنا من لغته العربية ومن مفرداتها ومن تركيب الجمل وكان مجددا دائما ويستمد هذا التجديد من إتقان اللغات الأجنبية التي وسعت في مداركه الثقافية ومن قاعدة كلماته المهنية دائما شجاعا وجريئا في نقد النظام وسلبيات المجتمع ويمرر هذا النقد بموضوعية وبدقة اختيار الكلمة المناسبة التي تبدو في بعض الأحيان مثل حد السيف وليس سن قلم..
أفتقد الأستاذ الذي علمني دون أن يعلمني.. فقد كان الاستاذ سلامة قدوة لجيلنا من الصحفيين الذين كان حظهم طيبا بالعمل معه وفي حضرة جيله الرائد بالأهرام المؤسسة العريقة التي تظل بيتنا الكبير الذي تربينا فيه وتعلمنا في أروقته.. وكنت أكثر حظا حين عملت بجوار الأستاذ سلامة بالشروق التي كانت تجربة جديدة وثرية بالنسبة لنا وله ولأجيال شابه تحلم بالمستقبل وتتسلح بالأمل.. وفي الشروق اقتربت من الأستاذ سلامة كثيرا وكنت أراه رمزا لجيل رائد وعملاق. صورة الأب بما في النظرة من حنان وتري في عينه صورة قائد العمل بما في النظرة من صرامة وتري في عينه صورة التواضع بما في النظرة من صدق وعدم ادعاء وتري في عينه صورة المهنة بما في النظرة من رسالة..
في حياتنا شخصيات ترحل ويصدمنا رحيلها مع أن الموت هو الحقيقة الوحيدة في الحياة. هو نهاية الرحلة إلا أنك تظل واهما بأن الاساتذة والعمالقة والرواد يبقون معك وحولك يمارسون دورهم ويضيئون شعلة التنوير, لكنهم في النيابة يتركونك ويرحلون ويتركون لك ذكريات جميلة ترسم في عقلك ابتسامة الرضا والمحبة لأنك عشت زمن هؤلاء الرواد.. وداعا أيها الأستاذ.. شكرا لك علي ما وهبتنا وما أعطيتنا وما علمتنا..
حسن المستكاوي
النبيل
فقدنا أستاذا وكاتبا مرموقا. حافظ علي استقلال قلمه, ولم ينحرف عن مسار مهنته لهذا الطرف أو ذاك.
رحم الله أستاذنا سلامة أحمد سلامة, الذي تعلمنا من مواقفه ووطنيته, كيف تساند الحق ولا تلوي عنق الكلمات لمصلحة أو هوي في النفس. كان الراحل يسأل ويتابع ويناقش ويحلل ولا يترك الأمور علي عواهنها وهي من كلماته المشهورة, لم يكن راغبا في سلطة أو منصب, ولم يتنازل عن كرامته ومهنته, مقابل التراجع عن مواقفه في مواجهة النظام السابق. افتقدناه في وقت كانت تحتاجه مصر, لكننا ندعو الله أن يتقبله مع الصديقين ويرفعه لأعلي الدرجات ويرحمه برحمته وعفوه.
أحمد موسي
الفارس يترجل
سلامة أحمد سلامة فارس الصحافة الخلوق النبيل الذي لم يختلف اثنان علي خلقه أو أدائه المهني.. عرفته منذ يوم دخول الأهرام, وكان قد عاد من ألمانيا حيث كان يعمل مراسلا لجريدة الأخبار, ورشحه الأستاذ محمد حقي رئيس القسم الخارجي بالأهرام, في ذلك الوقت للأستاذ محمدحسنين هيكل فأسرع بضمه إلي أسرة تحرير الأهرام ليصبح سكرتيرا للتحرير المركزي( الدسك) ثم مديرا للتحرير فيما بعد.
في بداية تحول الصحافة إلي الطباعة الإلكترونية كنا مجموعة من صحفيي الأهرام والأخبار والجمهورية ضمن الدفعة الأولي المسافرة إلي بريطانيا للتعرف علي ذلك الشكل الجديد من الطباعة وكانت صحبته أجمل ما في هذه الرحلة, فوجئت ذات ليلة كنا في مدينة شلتنهام نتلقي دروسا في الطباعة الجديدة بتليفون في غرفتي من الزميل الراحل محمود عطا الله وكان عضوا بالدسك المركزي يدعوني للنزول إلي غرفة الأستاذ سلامة حيث كانا في انتظاري, دخلت. قال الأستاذ محمود عطا الله يسأل الأستاذ سلامة ترضي شهادة سامي فريد ورد الأستاذ سلامة: طبعا. ثم أضاف موجها لي الكلام: بس تقول بدون أي احراج وما تعملش حساب حاجة, قال الأستاذ محمود عطاالله إن الأستاذ سلامة مرشح ليكون مديرا لتحرير الأهرام وأنه يعلم هذا ومتأكد منه وهو لأنه يحبه لابد أن يحذره من بعض الشخصيات التي كانت تنتظر المنصب فسيسببون له المشكلات ثم ذكر بعض الأسماء وسألني: تحتلف معايا أنهم بيعملوا مشكلات؟ نظر إلي سلامة ينتظر الجواب. ترددت قليلا فاستحثني فقلت: الأستاذ محمود معاه حق. وكان رد سلامة: وأنا مش عايز المنصب ومش عايز حد يزعل مني ولا عايز أدخل في صراعات مع حد. ثم عدنا وأصبح الأستاذ سلامة أحمد سلامة مديرا لتحرير الأهرام ويشهد الله أن معاملته للجميع كانت بكل العدل والنزاهة والشفافية برغم كل ما علمه عن بعض المتربصين به.
حكاية أخري كان طرفها الراحل عبدالوهاب مطاوع وكان أستاذا أيضا في مهنته قال لي: كنت تسألني عن رصانة وسلامة لغة الأستاذ سلامة حتي إنك كنت تشك في أنه يحمل عالمية الأزهر أو خريج دار العلوم رغم أنكم كنتم تسمونه الهر سلامة لزواجه من ألمانية وقضائه سنين من عمره في ألمانيا, أذهب إليه فجأة وادخل مكتبه واخترع أي حكاية ثم عد وقل لي ماذا رأيت, وقد حدث وعدت لأقول إنني وجدته يقرأ القرأن ويجوده فقال لي: الذي لا تعرفه أنه يرحمه الله كان يحفظ القرآن برغم كل هذه السنين التي قضاها في الخارج.
عوضنا الله فيه خيرا وفي كل أساتذة المهنة وبارك لنا في تلاميذه الذين يسيرون علي طريقه في هذه المهنة الشاقة والخطرة.
سامي فريد
الهادئ
سلامة أحمد سلامة طراز متفرد من الصحفيين الأفذاذ غير هؤلاء الذين يملأون الدنيا ضجيجا وصخبا وهم أقزام.
اقتربت منه أثناء عمله كمدير تحريرللأهرام, وشرفت أنني كنت أحد الذين نالهم قدر من اهتمامه في كتاباته حينما كان يقوم بالتعليق علي بعض ما أكتبه في أعمدته.. وكان الزملاء يعتبرون ذلك وساما رفيع المستوي من كاتب عملاق مهتما بالشباب من أبناء مهنته.
في نهاية حكم الرئيس السابق مبارك صدرت تعليمات شفهية بالتضييق علي بعض رموز الكتاب والصحفيين ومنهم الأستاذ سلامة أحمد سلامة, وقمت بدور كبير مع الزملاء لحل تلك الأزمة, إلا أن كبرياء الأستاذ سلامة منعته من قبول الوساطة وأصر علي الرحيل من الأهرام.
كان قرار رحيل الأستاذ سلامة صادما لي ولغيري من الزملاء إلا أنه أصر رغم قبول الإدارة لكل طلباته, وتنصل المسئولون آنذاك من التعليمات الشفهية التي اعتبرها مساسا بكرامته المهنية.
رحم الله الأستاذ العظيم سلامة أحمد سلامة خليفة أحمد بهاء الدين وأدعو كل الزملاء لإعادة قراءة كل كتاباته لعل وعسي نعرف إلي أين تذهب مهنة الصحافة؟!
عبد المحسن سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.