كنت أعد لحوار كبير يجمع خمسة من رؤساء مجلس إدارة الأهرام السابقين.. ووضعت الخطة فعلا وزاد من أهميته أنني اكتشفت أن الأهرام هي الصحيفة المصرية الوحيدة الآن التي لها خمس رؤساء' سابقين' أمد الله في أعمارهم بقدر ما أضافوا في عمر الأهرام . وهم الأساتذة: محمد حسنين هيكل والدكتور محمد عبدالقادر حاتم وإبراهيم نافع وصلاح الغمري ومرسي عطاالله. كان هدفي أن تلتئم أسرة الأهرام علي صفحاته في يوم الأهرام آملا أن يتمكن الدكتور عبدالمنعم سعيد كما وعدني والاستاذ أسامة سرايا بتحقيق أملي بجمع شملهم ولو مرة واحدة في العيد135 لقيام المؤسسة.. وبدأت فعلا.. واتصلت بالدكتور عبدالقادر حاتم.. مساء الخير يا أستاذنا.. مساء الخير يافندم.. معاك أنور من الأهرام.. يافندم.. مين.. الأهرام.. فتواصل معي بجملة واحدة عندما طلبت منه موعدا أو كلمة بمناسبة' يوم الأهرام'27 أغسطس, قال كل عام وأنتم بخير.. وأنه مسافر إلي لندن في زيارة صحية.. وأمام الأستاذ هيكل احترت, من أين أبدأ؟.. وقفزت إلي ذهني آخر عبارة سمعتها منه عبر التليفون حين اتصلت به ملحا علي موافقته علي نشر حديث انساني وعلمي في مهنة الصحافة كنت قد' أجريته' معه علي جلستين في برقاش وفي شقته بالجيزة علي هامش اخراج رسالته الشهيرة التي نشرها الأهرام' استئذن في الانصراف'. قال لي كيف أستأذن في الخروج من الباب و'أنط' علي الناس مرة أخري من الشباك في صورة حديث أو تصريح.. وتوسط لي دون جدوي الأستاذ سلامة أحمد سلامة والأستاذ لبيب السباعي ومرت سنة واتصلت.. ورد في اعتذار جديد قائلا.. لقد جئتني في مهمة إخراجية للاتفاق علي شكل رسالة' استئذن في الانصراف' فكيف' تخرج' بحوار'.. رغم أنه في ثنايا الحوار الانساني و'المهني'- الذي لن أيأس في الاستئذان بالنشر لأهميته المهنية تحدث الأستاذ إلي عن صحفي المستقبل بمفهوم الصحفي الشامل, الذي يتعامل مع تكنولوجيا العصر ومع أكثر من وسيلة إعلامية وبأكثر من لغة.. في عالم أصبح بالفعل يملك أدوات تختصر المسافة والزمن والتحفظ للوصول الي الحقيقة. الصحفي الشامل ويشاء' السميع العليم' أن يعطلني عن إتمام حلمي وحواري مع باقي أساتذتي من رؤساء الأهرام حالة ولادة أول إصدار في مصر والوطن العربي يقوم علي تحقيق فكرة' الصحفي الشامل' لم يستخدم فيه الصحفيون أي ورقة في مراحل إعداده للنشر من داخل صالة تحريرالأهرام.. وهو الملحق الذي صدر الخميس الماضي باسم' الناس' والذي أصدره كتيبة من المحررين والمخرجين الشباب في الأهرام متسلحين بما نصحني به الأستاذ هيكل قبل سنوات بأدوات' الصحفي الشامل', الذي يأخذ بأساليب الأتمته'automation' أو أسلوب الآلية التلقائية, كما سماه المرحوم الأستاذ هشام توفيق بحري; عندما لخص تجربة تحديث الأهرام وقتها في كتابه' صحافة الغد', الذي أصدره منذ42 سنة, وكتب الأستاذ هيكل في مقدمته' فرصة الأهرام في اللحاق بالعصر هي أن' نبدأ بالأكثر تقدما', وحينها أجاب الأستاذ علي السؤال الذي يتردد الآن بقوة.. هل تختفي الصحافة الورقية أمام التكنولوجيا الحديثة الممثلة وقتها في التليفزيون؟ وقال أن الصحافة العربية تنفرد بأنها تصدر عن مجتمع قام علي أكتاف الكلمة المكتوبة وظلت وعاء حضارته لأكثر من1000 عام لا الموسيقي والفنون التشكيلية, كما المجتمع الغربي, وأن الصحافة العربية صحافة منطقة تتكلم العربية من المحيط إلي الخليج, وليست صحافة حدود وطنية مثل الصحافة البريطانية أو حدود إقليمية مثل الصحافة الأمريكية. وأن مشروعات مكافحة الأمية العربية تعني زيادة عدد القراء ومشروعات رفع مستوي المعيشة تعني تقليل عدد قراء النسخة الواحدة! باقة ورد وعشمي أن إهداء تجربة ناجحة إلي كل قاريء مصري ورئيس للأهرام تعادل باقة ورد لدخول المستقبل بخطي واثقة كان الأهرام دائما سباقا إليها.. فقد كان من المعتاد في الماضي أن تمر العملية الصحفية بمراحل عديدة منذ وقوع الحدث حتي طبع الجريدة.. المصور الصحفي يأتي بالصور إلي قسم التصوير لطبعها والمحرر يكتب القصة الصحفية بالقلم فيعتمدها رئيس القسم ثم الدسك المركزي لكتابة العناوين ثم يجتمع الصور و'الورق' عند المخرج الصحفي الذي يصمم تصور' ماكيت ورقي' ويرسل الصور إلي' الاسكنر' لمسحها ضوئيا ويرسل الأوراق إلي قسم الجمع لصف الكلمات والماكيت إلي قسم التنفيذ لتحويله إلي تصميم علي الكومبيوتر ثم يطبع بروفة ورقية أيضا إلي قسم التصحيح مرتين مرة لمراجعة الموضوعات كل علي حده وبروفة ورقية أخري علي الصفحة بالكامل لمراجعتها ولاعتماد الدسك النهائي ثم تصور الصفحة بعد ذلك علي أفلام بعدد ألوانها الأربعة وتحول الأفلام بعملية المونتاج إلي' بليت' معدني زنك بحجم الصفحة يوضع علي اسطوانة الطبع.. كل هذه المراحل قبل دوران المطبعة, كانت تستغرق أكثر من خمس ساعات تحت المتابعة الدقيقة من المدير العام لسرعة الدوران, واللحاق بالطائرات ومواعيد استقبال القمر الصناعي وبقطار التوزيع! حدث في ملحق' الناس' لكن غير المعتاد هو' الجرأة' و'التجربة' و'الانطلاق' في الشكل والمضمون, الذي تقدمه الأهرام لأول مرة في عالم الصحافة عبر إصداره ملحق' الناس', إذ ألغيت الأوراق نهائيا في جميع مراحل إعداد المادة للنشر, الصور أعدت الكترونيا' ديجتال', والموضوعات; صفها المحررون بأنفسهم, فاختصرت مرحلة الجمع, وتم تصميم الصفحات علي جهاز الكمبيوتر برؤية المخرج الصحفي ببرنامج' أدوبي إن دزايت', ثم أجري التصحيح اليكترونيا, والاعتماد النهائي من الدسك المركزي أيضا الكترونيا دون أي بروفات ورقية, وبدعم من المهندس تيمور عبدالحسيب, المشرف العام علي مطابع الأهرام والمهندسين' محمد إبراهيم وتامر السيد' بقسم الاسكنر, ثم إرسال الصفحات بأحدث تقنيات العصر في الطباعة'C.T.P' من الكومبيوتر إلي' البليت' مباشرة بصيغةP.D.F مختصرا مرحلة طباعة الأفلام والمونتاج, ولولا التعثر' المحسوب' الذي يعتري بدايات أي تطور ناجح لما استغرق إعداد الصفحة الواحدة ذ من الحدث إلي المطبعة- أكثر من30 دقيقة! وأعتقد أن هذه المرحلة تسبق ثورة ربما تتحقق خلال العقد القادم, بأن يتم إرسال المواد الصحفية من كمبيوتر ليتم الطباعة باستخدام كمبيوتر والاستغناء عن المطبعة بشكلها التقليدي, وكل هذه التطورات من أجل اللحاق بالحدث وتحسين الخدمة الصحفية تصب في مصلحة قارئ الأهرام وتؤكد له كل يوم من خلال إصدارتها ومستوي أدائها أن المؤسسات العملاقة بها آليات التجديد والتطوير وأنها لا تهدأ ولا تتثاءب ولا تشيخ. وملحق' الناس' كان يمكن أن يكون مجرد إصدار بسيط من عشرات الملاحق التحريرية والإعلانية التي يصدرها الأهرام في مناسبات عديدة, لولا إلحاح الأستاذ أسامة سرايا رئيس التحرير بأن' نغزل ولو برجل حمار', ولولا شجاعة الصحفيين: شريف طه وهاني عسل وعمرو الصاوي ومحمد حجاب وفتوح سلمان ومروة طه ودينا عمارة وسارة رمضان ومحمد فتحي ومحمد حمدي غانم ونجوي عبدالله ونيفين شحاته وهشام الزيني ومحمود مكاوي ومحمود صبري وعاصم عبدالخالق وزينب عبدالرازق ورانيا رفاعي وهالة السيد وإيناس نور وقبلهم جميعا محمد صابرين.. أجيال مختلفة بينهم حديثو العهد بالمهنة وبينهم ذوو الخبرة كلهم ارتدوا ثوب' الصحفي الشامل' لا فرق بين' مصحح ومخرج ومغني وكاتب ومحرر فني' شباب وشيوخ.. تعمدت ألا أرتب أسماءهم بالأقدمية أو الوظيفة حيث نسي كل منهم نفسه وحارب من أجل إنجاح تجربة خلق صحافة منطلقة جديدة من صالة التحرير نفسها, التي يبدأ منها يوميا إصدار الأهرام المحافظ الوقور العتيد! مجرد بداية ورغم التقنيات والأساليب الحديثة في انتاج الصحف التي استخدمت لأول مرة في الصحافة المصرية والعربية من خلال ملحق' الناس' إلا أنه مازال مجرد بداية لولوج عصر' المالتي ميديا' أو الوسائط المتعددة التي يبدأ اليوم موقع الأهرام الالكتروني الذي يشرف عليه الزميل سامح عبدالله الخطوة الأولي من عملية تطوير شاملة تنتهي خلال شهور وصولا إلي المستويات العالمية.. نعم, في القريب العاجل عزيزي القارئ بمجرد الضغط علي أي' لينك' عبر صفحات' ملحق الناس' مثلا سوف تشاهد الجلال والاحترام الذي شعر بهما أوباما, شخصية غلاف' الناس', وهو في مسجد السلطان حسن, قبل أن يوجه خطابه للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة, وتستطيع أن تتفاعل مع الوزير فاروق حسني, وتتابع صراع العمالقة مع هشام الزيني في سباق السيارات, وتتلقي نصائح الأمهات عن تربية الأطفال, وتستمع إلي تجارب ومغامرات رجال الأعمال, وتشاهد أحدث خطوط الأزياء لشباب2010 وتناقش الفنانة زينة عن رغبتها في الترشيح لمجلس الشعب.. وتحلم مع أحدث قصائد' نديم البسطاء' فاروق جويدة.. أن' معايشة العصر' في المضمون, والعائد الإعلاني الضخم, والمتعة البصرية في الإخراج هو أفضل هدية يقدمها الأحفاد لرؤساء الأهرام ابتداء من' الخواجة' سليم أفندي تقلا' المؤسس', الذي أرسي قواعد المؤسسة في' مطبعة حروف معدنية' بجهة المنشية بمدينة الإسكندرية في27 ديسمبر سنة1875, ثم أكمل أخوه بشارة تقلا المسيرة في14 أغسطس1982, كما أنها أفضل هدية أيضا للرؤساء الأحياء منهم الذين مازلت أحلم أن يضمهم مكان واحد, ولو منتدي أو' حالة حوار' علي الورق.. من أجل هذه الأجيال والأجيال القادمة في رصد للنجاحات والإخفاقات خاصة مع غياب مذكرات عن السير الصحفية التي تفتقدها المكتبة العربية.