أنيس منصور, الكاتب الموسوعي الثقافة, السهل العبارة, الفنان في عباءة فيلسوف, النافر من المرأة الي حد العشق والذوبان, الناقد بأمانة قاضي الكلمة, المبحر في الحياة بعقل وميزان المفكر. في عمودك اليومي مرآة هذا الزمان, كتبت مشيدا بتحقيق تليفزيوني راق لك والتفت إليه لأنه كان عن الأستاذ عباس محمود العقاد الذي كان لك في صالونه الثري بالفكر, أيام وليال, كتبت كلاما طيبا قد فاق تصوري ومس جهازي العصبي وكان لابد من الامتنان لاستاذ في قامتك مازال معطاء بحبر العقل يثري وجدان أمته. ربما أردت برسالتي هذه أن أعيد زمن الرسائل المنشورة حين كان يتبادل محمود أمين العالم مع مصطفي محمود رسائل حول الحب, ويتبادل أحمد بهاء الدين مع فتحي غانم رسائل حول أهمية السير الذاتية, كنت وأنا شاب في فجر اشتغالي بالصحافة أطل علي بحور من الثقافة وأنهل منها قطرات, ولست أرقي الي عقلك الذي يزن ألف عقل ولكني( متسائل) دائما كما عرفتني وتزاملنا سويا في رحلات كنا فيها نقطع شوارعها واقتطف من ثمرات مكتبة آدمية متنقلة, أردت أيضا أن أقدم لشباب هذا الجيل قيمة الصفات التي وصفتني بها وهي بمثابة أحكام أصدرتها بعقلك الذي لا يعرف الهوي, أحكام ليست من فراغ ولكن من متابعة قريبة لمشواري المزين بالأحجار والعثرات والمطبات حتي أنك قلت إن طريقي كان صعبا, نعم عرفت الفصل مثلك في الزمن الشمولي لمقال كتبته, عرفت التشريد يوم رفضوا سفري الي بيروت لأعمل في صحافتها, عرفت التنكيل بي يوم تعرضت لسيدة الغناء أم كلثوم بأسئلة برنامج إذاعي كانت كمية البوح فيه أكبر مما تحتمله العظيمة ثومة, عرفت الإيقاف عن الكتابة يوم أجريت حوارا مع كوليت خوري في دمشق وحرضها زملاء المهنة من المصريين علي مقاضاتي لأن الحوار أبرز الأنثي أكثر من الكاتبة, عرفت وقف برامجي في الراديو والتليفزيون عقابا علي انحيازي للمدرسين واتهمت بالتآمر علي سلامة وطن, عرفت العذاب والمرارة والسهام الطائشة وكنت صلبا ولم أفقد إيماني بالله أو أكفر بالبلد, قفزت فوق المتاريس وسرت علي الشوك الذي أدمي قدمي, وكنت كما وصفتني نموذجا للإصرار, عشت التجربة المهنية في الصحافة من محرر صغير حتي صرت رئيسا للتحرير وان كان رأيك دائما كان اني( التحرير كله) وليس رئيسا لمجموعة موهوبين مروا علي غرفتي يحملون أفكارهم مثل عمرو أديب ولميس الحديدي ومحمود سعد ومعتزة مهابة وعرفتهم الشاشات نجوما, ويوم قدمت الصحافة التليفزيونية في تحقيق عن أم كلثوم راق للنقاد ومنهم صلاح منتصر, هاجمتني المذيعات في عريضة مطولة لوزير الإعلام صفوت الشريف الذي يعرف حقا أقدار الناس وانصفني, وتوجت مشواري علي شاشة بلدي بأربعة حوارات مع رئيس مصر مبارك يحسدني عليها بحب د. عبدالمنعم سعيد كما كتب في مقالته الرئيس والتاريخ. عانيت من الحقد المهني يوم ظهر علي النت اني اهاجم الداعية الفاضل عمرو خالد وأوسعتني كرابيج الأقلام وأوجدت حالة من النفور مني, حتي عرف الداعية الحقيقة ولكن بعد أن تجرعت كئوس المرارة والاحباط. عانيت من ضيق أفق البعض يوم هاجموني بضراوة لاني سمحت لصاحب عبارة السلام الغارقة أن يعبر عن نفسه وكيف أن هناك عوامل أخري وراء الغرق الفاجعة يعلمها كل رجال جهاز الانقاذ, وجاء مقال إبراهيم سعدة منصفا حين قال( حاسبوا مفيد فوزي علي اسئلته فقط). كل هذه الصدمات والكدمات لم تقعدني بل كانت( مثابرتي) كما قلت في عمودك ولم أعط فرصة لتكون هناك( عقبة) تئد أحلامي وطموحاتي.. واذا كنت يا عزيزي أنيس صاحب( عبارة أنيقة) كما ذكرت, فأنا بالفعل( علمت نفسي بنفسي) وحاولت أن أشرب من نهر الفكر. .. أنا لست حديث المدينة, بقدر ما افتش فيما تتحدث المدينة لأقدمه لمشاهد جاد برصانة قاريء الأهرام لا يلهث وراء شاشات ملهلبة بقضايا مفتعلة فيها يغلب الصراخ علي المنطق الهاديء. ان التفاتتك يا أستاذ أنيس تسعدني لأنها التفاتة من مثقف بحجمك يصحو لحظة الفجر والناس نيام ليقرأ أو يكتب أو يبحث أو يدفع بأوراق كتاب للمطبعة, أنت مولود للفكر والفكر سباحتك الذهنية ومكافأتك الوحيدة أن( تضحك) في زمان عابس مزقته الغربة وانهكه الاغتراب, واذا كنت تري اني( عصامي) كما قلت في عمودك, فأنت أبوالعصامية, بدأت دارسا للفلسفة واقتربت من العمالقة وشهد لك طه حسين انك قاريء وجعلت من عقلك جسرا لكل المواقع التي تبوأتها في الصحافة وعرف قدرك الرؤساء كمثقف من طراز نادر, انها رحلة بناء, عقل ببصيرة, وأظن أنك( ونس) للمثقفين, وفي حدود عصاميتي, مازلت أخط حرفا لقاريء ومشهدا من الشارع لمشاهد وأحلم إن طال عمري أن تشد كلماتي عيون حفيدي وتخطفه من الكرة والإنترنت!