عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    واشنطن بوست: أمريكا دعت قطر إلى طرد حماس حال رفض الصفقة مع إسرائيل    "جمع متعلقاته ورحل".. أفشة يفاجئ كولر بتصرف غريب بسبب مباراة الجونة    كولر يرتدي القناع الفني في استبعاد أفشة (خاص)    الأرصاد الجوية: شبورة مائية صباحًا والقاهرة تُسجل 31 درجة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    حسين هريدى: الهدف الإسرائيلى من حرب غزة السيطرة على الحدود المصرية الفلسطينية    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    رئيس المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات يعلق على أزمة رمضان صبحي    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    التموين تتحفظ على 2 طن أسماك فاسدة    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. السبت 4 مايو 2024    هيثم نبيل يكشف علاقته بالمخرج محمد سامي: أصدقاء منذ الطفولة    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    فوزي لقجع يكشف حقيقة ترشحه لرئاسة الاتحاد الأفريقي    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟ قراءة    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات رمضانية : شمعة جديدة في حياة أنيس منصور
أعترف بكل ما كتبته في مؤلفاتي طول حياتي كل المثل العليا موجودة في الإسلام إذا أردت إصلاح الكون فستجده في هذا الدين الحنيف .. لكن ما أبعد المسلمين اليوم عن الاسلام
نشر في الأخبار يوم 16 - 08 - 2010

الحوار الصحفي مع صحفي مشكلة..! لأن كل واحد من الاثنين يعرف أسرار المهنة، ويجيد فن المناورة، أو فن تحريك الجبال، ويدرك جيدا قواعد اللعبة. علي حد تعبير المحاور الكبير مفيد فوزي.
ولقد تحاورت مع الكاتب الكبير أنيس منصور.. حوارا ليس وليد جلسة، أو مصادفة، أو فرصة لقاء مع كاتب كبير وعلي أن أخذ حصتي منه، انما هذا الحوار ابن شرعي لمعايشة وألفة وصداقة وتلمذة.. وعبير استاذية لسنوات طويلة وعريضة وعميقة.
يُروي عن عمر بن الخطاب انه سأل أحدا من الناس: هل تعرف فلانا، فأجاب: نعم، فعاد فسأله: هل سافرت معه؟ فأجاب: لا.. لم أسافر معه! فكان رد عمر بن الخطاب: اذن انت لاتعرفه! وليس انسب من هذه اللقطة مدخلا الي دنيا أنيس منصور.
لكن هذه الدنيا واسعة.. فيها 250 كتابا.. فيها فلسفة وفكر وأدب وسياسة وصحافة وثقافة وعفاريت وأرواح وأشباح وقصص وحكايات..فيها سبعة عقود من الزمن.. تجارب ومغامرات و خبرات وخيرات وأسرار واعترافات.. فيها قلم.. وألم .. وأمل.. وكفاح.. ونجاح.. وصعود ولاهبوط.. فيها .. وفيها .. وفيها...
لكن الحيرة تتجلي في السؤال : من أين الدخول ؟ من أين يشتعل المصباح.. حتي يتوهج صاحبه الذي تنطبق عليها العبارة الفلسفية الوصفية أنه شخص في غرفة مظلمة يحاول ان يمسك قطة سوداء في ليلة ظلماء، يسمع مواءها ولايراها، فيطاردها دون ان يراها، واذا لمسها لايعرف كيف يسيطر عليها فهي لاتلبث أن تنشب أظفارها فيه، فنحن علي ضوء عود كبريت نحاول ان نعرف ما الذي يوجد في طريق طويل، عود الكبريت.. هذا هو نور العقل، أما الطريق الطويل فهو: المعرفة التي لاحدود لها!.
وعلي ضوء الشمعة الجديدة التي يشعلها الكاتب الكبير أنيس منصور غدا الثامن عشر من أغسطس تتجلي هذه المحاورة في جزئين.
سألت أنيس منصور : لديك لحن واحد تعزف انغامه بطرق مختلفة في مؤلفاتك وكتاباتك.. كان هذا سؤالي الأولي علي سبيل المناوشة؟
قال الذي عنده علم وأدب وفلسفة وفن واشياء اخري: كل كاتب مثل كل طائر مغرد له لحن واحد يميزه عن بقية الطيور الأخري المغردة.فالكاتب صاحب رأي وصاحب الرؤية له رأي واحد، أو نظرية واحدة او صيغة فكرية واحدة يحاول ان يلف حولها ويعرضها بأشكال مختلفة مثلا شاعر مثل شكسبير لديه خمس أو ست أفكار وخمس شخصيات نمطية يعرضها في مسرحياته في درجات حرارة في ظروف مختلفة.. يعرض الحقد والخوف والسلطة والانتقام كل هذه المعاني يلفها في جميع مسرحياته التي تركها فالفنان الحقيقي هو الذي يكرر نفسه فعلا لكن الذي لايكرر نفسه فليس فنانا..
فالفنان صاحب النغمة الواحدة او صاحب اللحن الواحد يتناوله من جوانب أو زوايا شتي وينادي بالفكرة الواحدة او الصيغة الواحدة.. فيأتيها من زاوية فيكبرها ويصغرها ويكونها ويشخصها ليري بوضوح..أنا شخصيا مؤمن بأن أهم مرتكزاتي الفكرية هي العلاقات الانسانية وهي كنز ضخم عليه الآن كل الفكر الانساني.
الزمن النفسي
هل الزمن لايعنيك؟
فقال : ان تقسيم 0102 و1102 هو لدينا فقط ،من فكرنا نحن فقط.. فالزمن لايعرف مثل هذا التصنيف.. فما هو الفرق بين 13 ديسمبر 0102 وواحد يناير 1102 يبدأ في الدقيقة الأولي بعد نصف الليل.. وانما فواصل الأشكال الزمنية لدينا نحن فقط.. ولكنه ليس موجودا في التاريخ فلذلك هناك اكثر من زمن، هناك زمن للساعة وهناك الزمن النفسي، انت عندما تكون منتظرا حبيبتك مثلا تجد ان الزمن يمر ببطء شديد وعندما تأتي يمر بسرعة.. فماذا حدث ، هناك زمن آخر غير الزمن الميكانيكي الزمن النفسي.. التقسيم السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والمساء والظهر والعصر هو تقسيمنا نحن.. فالزمن ليس له علاقة به ابدا. فالزمن نفسي فقط..
تعدد المرايا حول القضايا
قلت له : بعد مشوارك الطويل مع الكتاب.هل استطعت ان تزيل الالتباس والغموض من ذهنك.. تجاه الكثير من مبهمات القضايا التي تحيط بهذا الكون والانسان.. معني الوجود وفلسفة الموت والهدف من الحياة؟
في الفلسفة الوجودية هناك تعريف لمعني الموت، وهو ان الموت فعل يقضي علي كل فاعل، بمعني ان الموت حقيقة تقضي علي بقية الحقائق، والموت عام وشخصي بمعني ان كل الناس سوف تموت وهذه حقيقة عامة، ولكن عندما اموت يموت الشخص في، وعندما يموت الشخص يموت لنفسه، فأموت اذن شخصي في وفي نفس الوقت عام، اما الكمال فلله وحده، وان كان بعض الفلاسفة يري ان الموت هو اكتمال الشيء، مثلما تكون ثمرة علي شجرة فعند نضوجها تسقط، فموتها هو كمالها بمعني انه بعد هذا النضج لاشيء الا ان تسقط، لذلك فالكمال لله وحده.
لكن الكاتب او المفكر او الفنان يظل قلقا لأنه اصغر من الحيز الذي يعيش فيه، فعندما تمسك صندوقا وتضع عليه حبة قمح تفضل تهزها فتتحرك لأنها اصغر من الحيز، لكن عندما يكون مليئا تماما فان شيئا لايحدث، فالانسان بهذا الشكل حبة في صندوق كبير، او علي الأصح رحلة علي شاطيء المحيط فما أصغر الانسان وما اكبر المحيط.فمشكلة الانسان مشكلة معقدة، وأستاذنا العظيم سقراط كان من رأيه ان يبدأ الانسان بأن يعرف نفسه بنفسه، وهناك صعوبة بالغة بأن أعرف نفسي بنفسي. لذلك فهناك لأي شخص اكثر من صورة، انا كما اري نفسي، انا كما يراني الغير، انا كما احب ان اري نفسي، انا كما انا عليه او انا كما يحبني الناس، فصديقي يراني بشكل، وعدوي يراني بشكل، وأنا اري نفسي بشكل، وأتمني ان اكون بشكل ما، والشاعر العربي القديم يقول انت تري وجهك بمرآة وتري وجهك وظهرك بمرآتين.
فاذا تعددت المرايا تغيرت ألوانها وأحجامها وأشكالها، هذه محدبة وهذه مقعرة وهذه حمراء وهذه سوداء وهذه زرقاء، وكلما تعددت المرايا تقعرت الصور التي أراها بداخلها.من هنا كان من الصعب علي الانسان ان يعرف وجهه الحقيقي، مادامت المرايا هكذا تسير.سقراط أمرنا بأن قال: اعرف نفسك بنفسك.. وهي أصعب أشكال المعرفة ان تعرف نفسك، فأنا أقدر أن أزن هذا الكرسي وأصنعه وألونه وأبيعه وأكسب فيه أو أبيعه وأخسر فيه ليس أسهل من ان اصنع العالم الخارجي.
وليس اصعب من ان استوعب او أعرف عالمي الداخلي، لذلك فمعلومتنا محدودة، وسينطبق علينا طويلا ما قال الله عز وجل وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ولذلك فمعرفتي بنفسي وبغيري وبالحياة وبحكمة الحياة وبالعلاقات الانسانية وبالعلاقات الأخلاقية وبالعلاقات الجمالية وبالعلاقات الاقتصادية كلها صعبة جدا.ولايزال الانسان حتي يموت يحاول أن يعرف فيحاول ان يفهم وقديما وصفوا الفيلسوف بانه عبارة عن شخص في غرفة مظلمة يحاول ان يمسك قطة سوداء في ليلة سوداء، يسمع مواءها ولايراها، فيطاردها دون ان يراها، واذا لمسها لايعرف كيف يسيطر عليها فهي لاتلبث ان تنشب أظفارها فيه، فنحن علي ضوء عود كبريت نحاول ان نعرف ما الذي يوجد في طريق طويل، عود الكبريت.. هذا هو نور العقل، أما الطريق الطويل فهو: المعرفة التي لاحدود لها!
عليّ وعلي الآخرين
سألت صاحب العمود الصحفي الشهير »مواقف« لماذا تكتب كل يوم.. وما مصدر هذه الغزارة في الانتاج؟
فأجاب صاحب المواقف: لا أعرف ما تسميه بالغزارة لكن انا اعتبر نفسي شخصا منضبطا بمعني ان حياتي منتظمة ولا اشكو من ضيق الوقت وغير صحيح ان الوقت ضيق فأي انسان ينظم حياته ويبقي لديه متسع من الوقت كي يقرأ ويكتب ويتفسح ويعيش ويمرض ويموت ايضا فأنا اري ان المسألة تنظيم.. حياتي منظمة جدا لي ساعات عمل محددة هي من الساعة الرابعة صباحا حتي الساعة العاشرة من كل يوم وبعد الساعة العاشرة لا اؤدي اي عمل ثقافي او اي عمل له علاقة بالقراءة والكتابة انما هناك نشاط اجتماعي.. وكلها علاقات اجتماعية.. وأي شخص يقتطع من الأربع وعشرين ساعة أربع ساعات أو خمس ساعات مكثفة من اي يوم سوف تغزر أفكاره ويغزر انتاجه ايضا.. ،ما دمت انا اقرأ كل يوم فأنا اكتب كل يوم.. فماذا نكتب.. فأنت تكتب عن افكارك او تعليق علي افكار الآخرين.. وباستمرار لدي ما أعلق عليه.. وعندي ما أعلق به علي ما يقوله الآخرون..
صاحب الفكر وصاحب القرار
ما شكل العلاقة التي ينبغي أن تكون بين صاحب الفكر وصاحب القرار؟
الأدباء كالطب الوقائي، الاديب لايعالج مشاكل انما يشخصها فقط ، لذلك يوجد عندك صاحب الفكر وصاحب القرار، نحن اصحاب الفكر نعرض الاراء والافكار وصاحب القرار هو الذي يقول هذا صح وهذا غلط ، المفكرون ليسوا أطباء انما كل اصحاب الفكر يتمنون ان يكونوا اصحاب سلطة وصاحب السلطة يتمني ان يكون صاحب فكر ، وبعبارة أخري الفليسوف يريد ان يكون ملكاً ويطبق أفكاره والملك يريد ان تكون قوته رشيدة وحكيمة ينشرها بين الناس ، وكان كثير من أصحاب السلطة والرؤساء يتواجد الي جانبهم فلاسفة فمن أجل ان تكون قوة السلطة حكيمة ورشيدة يوجد بجانبها الفكر ، وكذلك من أجل ان يملك الفكر التطبيق يجب ان يكون بجانبه قوة السلطة ، لكن ليس بالضرورة صاحب الفكر اذا كان صاحب قوة ينجح فالفليسوف اليوناني افلاطون له كتاب اسمه المدينة الفاضلة أو الجمهورية عرضوا عليه استلام احدي الجزر لانشاء هذه الجمهورية الا انه لم يفلح في ذلك.
نحن محظوظون
حوار الاجيال .. صراع ام تفاعل وتكامل وتسلسل؟ الظروف خدمت ابناء جيلكم، فما رؤيتك؟
أنا اعتبر نفسي و ابناء جيلي محظوظين، فعندما كنا طلبة كان من السهل علينا ان نلتقي بكبار الادباء والمفكرين والمشهورين أمثال طه حسين، العقاد ، توفيق الحكيم ، ابراهيم المازني ، الرافعي، لطفي السيد، هيكل باشا، الزيات، علي محمود طه، ابراهيم ناجي، صالح جودت، ...الخ . حقيقة عايشنا نماذج رفيعة من شوامخ الفكر والادب والنقد والتاريخ ترددنا واتصالنا بهؤلاء هو اتصال بالقدوة وخلق لنا كثيرا من الأدباء والاستاذة الكبار . أما جيل اليوم فهو أسوأ وأقل حظا. صحيح ان المعرفة والمعلومات تصل اليه بشكل ايسر بفضل وفرة اجهزة الاتصال الحديثة ، فاليوم يستطيع المرء بلمسة أصبعه علي الكمبيوتر ان يصل الي العالم بأسره ، أما بالنسبة لنا فكان الواحد منا يركب الحمار عندما يريد الوصول الي أحد الكتب ليقرأه ، لابل ويقرأه في الطريق قبل الوصول الي البيت، اما الآن فان المكتبات منتشرة والتسجيلات متنوعة ولكن طبعاً انه كلما جاءت المعلومات بسهولة كلما تذهب بسهولة.
اتذكر انه عندما اطلق الروس أول تابع للأرض قبل الولايات المتحدة الامريكية أحسّ الشعب الامريكي الذي يعيش في رفاهية الرأسمالية انه متخلف علميا فترتب علي هذا تشكيل لجنة للتربية والتعليم والثقافة من كبار المفكرين ، وصدر قرار جمهوري بان تظل هذه اللجنة منعقدة الي نهاية القرن العشرين حتي يتم تعديل وتبديل وتصحيح المسار التربوي والتعليمي في أمريكا ، ومع صدور كتاب »أمة في خطر« والذي يبحث في اخطاء التربية والتعليم في امريكا تم اكتشاف اخطاء من ضمنها كما ورد في الكتاب انتشار ظاهرة المقاهي (الكفتيريا) اذ ان الطلبة يتركون المدرجات والمعامل ويجلسون علي المقاهي ليأكلوا الاطعمة الخفيفة (الساندويش) فبالتالي اعتاد الطالب ان يتعلم مثل ما يأكل ، فالمطلوب ان يجلس الطالب علي المائدة يستطعم الطعام فبدل ان يقرأ ملخصاً عن الكتاب عليه ان يقرأ نفس الكتاب . كما وجدت اللجنة ان مستوي المدرسين ليس هو المستوي المطلوب فرأت ان يتم رفع مرتباتهم لرفع كفاءتهم ومستواهم التعليمي. وهكذا تعدلت المسارات المطلوبة بفضل هذه اللجنة وعادت امريكا متفوقة في كل المجالات علي مختلف دول العالم.
فالاساس من هذا الحديث هو كيف نصحح أنفسنا ؟ وعلي الدول المساعدة في ذلك ، واعتقد ان الفرص أمام شبابنا احسن بكثير عن الماضي فنحن في زماننا قد تعبنا جداً ولا أقول اننا أحسن ولا انصح أي طالب ان يكون مثلي، لان الدنيا تغيرت والظروف تغيرت، والمعلومات الوفيرة اليوم في متناول الجميع والمكتبات منتشرة في كل مكان.
وقلوبنا شتي
سألت : الانسان العربي في مطالع هذا القرن ، أين هو؟ وأين يقف؟
فقال : اعترض علي كلمة الانسان العربي، فليس هناك ما يسمي بالانسان العربي.. هناك انسان فقط.. ومسألة ان هذا انسان مصري.. وذاك سوداني.. وهذا خليجي.. انما هي اسماء جغرافية.
من الممكن ان أغير جنسيتي وأصبح المانيا او انجليزيا لكن استخدام كلمة الانسان استخدام غير لائق لأنه لاجدال انني انسان وانت انسان بغض النظر عن صفاتنا الجغرافية او الفئوية او الطبقية او العنصرية نحن لنا موقع جغرافي واحد ونتكلم لغة واحدة وأغلبيتنا مسلمون ولكن قلوبنا شتي.. فنحن مختلفون كأشد الشعوب تنافرا.. فعلي الرغم من ان اللغة واحدة والأرض واحدة والتاريخ واحد والدين واحد والهموم واحدة لكننا مختلفون اشد انواع الاختلاف.. ومن ضمن التعبيرات الخاطئة لدينا يقولون تطابق وجهات النظر فليس هناك ما يسمي تطابق وجهات النظر فلو صح انا وانت متطابقان فان كل واحد منا ليس له لزوم فليس من الضروري ان نتفق فيمكن ان نكون اصدقاء وأشقاء وتوأمين مختلفين فلماذا الاختلاف تنظر اليه علي انه كارثة.. من الطبيعي ان نختلف حتي في جسم الانسان الواحد فاليد اليمني غير اليد اليسري والعين اليمني غير العين اليسري والرجل ايضا هذا في الجسم الواحد فليس من ناحية الشكل ولا التحمل ولا العضلة.. فلماذا ننزعج بمجرد الاختلاف فلو صح ان كل الحروف الهجائية متطابقة فلا يمكن ان تكون هناك لغة.. فليس الألف مثل الباء او التاء او الجيم.. بدون النغمات الموسيقية لا يمكن ان يكون هناك لحن.. فاختلاف الخلاف هو اساس السياسة.. فما هي السياسة؟ السياسة هي علم التوفيق بين وجهات النظر.. لكن لماذا تتطابق فيقولون وجهات النظر متطابقة ليس هناك تطابق فنحن نريد أن نعمل تطابقا لنعمل وحدة عربية فالدول الأوروبية صنعت وحدة اوروبية وهي تتكلم تسع لغات مختلفة في نظم الحكم والمذاهب الدينية والمذاهب السياسية لكن جمعتها المصالح فخرجت السوق الأوروبية المشتركة اذن وحدة الهدف وليس وحدة الصف.. ونحن مصرون علي وحدة الصف فمثلا عندما تذهب لتصلي في الكعبة تجد ان الناس تقف في صفوف ضد بعض وهذه ليست وحدة صف وانما وحدة الهدف ووحدة الهدف هي التي تجمع!
في بطن الحوت
أشرت كثيرا الي اعتزازك بكتابك »البقية في حياتي« وهو لوحات تذكارية علي جدران الطفولة.. فما سبب هذا الاعتزاز؟
قال أنيس منصور : انه جزء من سيرتي الذاتية التي بدأتها في كتب عديدة مثل »في صالون العقاد كانت لنا أيام« و»عاشوا في حياتي« و»الا قليلا«.
ان مستقبل كل انسان في ماضيه ففي الطفولة كل الودائع.. وفي الشباب كل القروض.. وفي الرجولة فوائد الودائع والديون.وميلاد طفل واحد خائف هو موت للحب والعدل.. وفي الطفولة نحن مثل »يونس« عليه السلام الذي ابتلعه الحوت.. ليس معجزة للحوت ولكن المعجزة ان نبقي احياء في بطن الحوت.. وان نخرج منه ونحاول العمر كله ان نبتلع الحوت، والحوت هو القدر.. الناس.. أوجاع الطفولة تحديات الشباب.. حكمة الرجولة وعندما نتغلب علي الطفولة ونحاول تحجيمها وتخطيطها وتعليقها لوحات تذكارية علي جدران الطريق فهذه هي بداية الحرية والحكمة.
الاعتراف
أستاذ أنيس : لو جلست علي كرسي الاعتراف فبماذا تعترف؟
اعترف بما كتبت في جميع مؤلفاتي طوال حياتي.
قلت : العالم المتقدم يصنع كل دقيقة قنبلة ذرية كتلك التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية علي هيروشيما، هذا غير تساقط الغبار الذري وابادة الاشعاع والصقيع النووي، ونظريات الردع الشامل والتدمير المتبادل، والصواريخ العابرة للقارات، الا تري ان هذا يؤكد كل المخاوف التي تناولتها في كتابك »الذين هبطوا من السماء«.. ويشير الي ان الكرة الأرضية في طريقها الي الدمار.. ما لم تسارع الي نزع السلاح؟
أجاب أنيس منصور : هناك ثلاثة اشكال لنهاية الكرة الأرضية، اما ان تقترب كثيرا من الشمس، وفي هذه الحالة تجف المياه وتموت الحياة، واما ان تبتعد كثيرا عن الشمس، وتنخفض درجة الحرارة، وتغطي الأرض بالجليد، وتنعدم الحياة، واما ان نقوم بعمل تفجير ذاتي وتنفجر بنا الأرض بشكل من الأشكال اي بمعني ان انفجارات نووية هنا وهناك مما يؤدي الي احاطة الأرض بسحب من التلوث النووي، تقضي علي الحياة، اذن بهذا الشكل عندما اراد الانسان ان يعيش فانه لم يفعل اكثر من ان أقام قنبلة موقوتة أنيقة، فأصبحت الكرة الأرضية بما فيها ومن فيها ليست الا قنبلة موقوتة نحاول ان نجعلها أنيقة ومريحة، بمعني ان نموت في غاية الراحة، وكأن الانسان وهو في حرصه علي الحياة يحرص بنفس الدرجة علي ان يموت.
والقنبلة الذرية عندما قام الانسان بشطر النواة في عام 9391م في ذلك الوقت أدرك خطورة هذا الجزء او الجزيء الصغير، وعرف ان النواة سيد قاس وخادم مجنون فظل الانسان يتحكم في الطاقة النووية، من اجل تطويعها لخدمته وكلما اكتشف الانسان شيئا جديدا فانه يسرف في استخدامه وفي تعاطيه، وكذلك نحن دخلنا العصر النووي منذ لاأربعينات الي اليوم، ونحن نطور صناعة ادوات الدمار وفي نفس الوقت صناعة ادوات السيطرة علي الدمار ايضا فبين ابتداع الموت والسيطرة علي وقف هذا الابتداع يتمزق الانسان.
فالدول الكبري التي تنادي بالسلام، هي الدول التي تبيع الأسلحة والقنابل لتقضي علي الحياة وعلي السلام، وكل الدول التي ترفع شعار الحياة، هي الدول نفسها التي تعاني من الموت، خذ مثلا دولة عظمي كأمريكا، المواطن الأمريكي مجرد جلوسه علي التليفزيون ممزقا تماما، بين الاعلانات التي تدعوه أن يأكل والي ان يشرب والي ان يستمتع والي ان يسافر بين الكواكب، والي الاعلانات الأخري التي تدعوه الي تعاطي المهدئات والمخدرات، هذا التناسق بين دعوة الحياة ودعوة الخوف من الحياة، ودعوة الموت والخوف من الموت ودعوة السلام وبناء ترسانات الأسلحة كل هذا يجعل المواطن الأمريكي ممزقا ومشتت التفكير.
والانسان أفلح تماما في ان يلوث بيئته وان يلوث كل مصادر الحياة، بأن ملأ كل شيء بالمواد الكيماوية السامة، فالمبيدات الحشرية نقلت سمومها الي النبات والي الخضراوات والي الفواكه والي اللحوم والي الألبان والي الماء والي الهواء اذن الانسان الآن مثل الذي يدخل الي البار بكامل قواه العقلية لكي يفقد عقله، بمعني يذهب بعقله ليفقد كل قواه العقلية، فالانسان بعلمه يقضي علي علمه والانسان بحياته يقضي علي حياته، فنحن الآن في مرحلة الانتحار الكوني، وما تبقي للانسان من حياته السوية السليمة قليل، لأنه من النادر ان تجد احدا سويا وسليما فالأمراض كثرت وابتلعت بأشكال مختلفة، وربما كان البحث عن الكواكب الأخري هو بداية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.