الصين تدعو لاتخاذ إجراءات ملموسة لدفع حل الدولتين ووقف إطلاق النار بغزة    من هم «بنو معروف» المؤمنون بعودة «الحاكم بأمر الله»؟!    أول رواية كتبها نجيب محفوظ وعمره 16 سنة!    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    انتخابات مجلس الشيوخ.. الآليات والضوابط المنظمة لتصويت المصريين فى الخارج    "الزراعة" تنفيذ 286 ندوة إرشادية والتعامل مع 5300 شكوى للمزارعين    وزارة التموين تنتهى من صرف مقررات شهر يوليو 2025 للبقالين    ميناء سفاجا ركيزة أساسية في الممر التجاري الإقليمي الجديد    عبدالغفار التحول الرقمي ركيزة أساسية لتطوير المنظومة الصحية    وزير الإسكان يُصدر قرارًا بإزالة 89 حالة تعد ومخالفة بناء بمدينة الشروق    قبول دفعة جديدة من الأطباء البشريين الحاصلين على الماجستير والدكتوراه للعمل كضباط مكلفين بالقوات المسلحة    تنسيق الجامعات.. تفاصيل الدراسة ببرنامج الهندسة الإنشائية ب"هندسة حلوان"    إدارة الطوارئ في ولاية هاواي الأمريكية: إغلاق جميع المواني التجارية بسبب تسونامي    محمد السادس: مستعدون لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    تحليل جديد: رسوم ترامب الجمركية سترفع نفقات المصانع الأمريكية بنسبة 4.5%    الخارجية الأمريكية: قمنا بتقييم عواقب العقوبات الجديدة ضد روسيا علينا    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    لم نؤلف اللائحة.. ثروت سويلم يرد على انتقاد عضو الزمالك    إصابة طفل نتيجة هجوم كلب في مدينة الشيخ زايد    انخفاض تدريجي في الحرارة.. والأرصاد تحذر من شبورة ورياح نشطة    جدول امتحانات الشهادة الإعداية 2025 الدور الثاني في محافظة البحيرة    البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب «جنوب شرق الحمد»    التصريح بدفن جثة طفل لقى مصرعه غرقا بإحدى الترع بمركز سوهاج    حفل جماهيري حاشد بالشرقية لدعم مرشح حزب الجبهة بالشرقية    ليلى علوي تعيد ذكريات «حب البنات» بصور نادرة من الكواليس    فقد الوعي بشكل جزئي، آخر تطورات الحالة الصحية للفنان لطفي لبيب    عزاء شقيق المخرج خالد جلال في الحامدية الشاذلية اليوم    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    قافلة طبية توقع الكشف على 1586 مواطنا في "المستعمرة الشرقية" بالدقهلية (صور)    محافظ الدقهلية:1586 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية المستعمرة الشرقية بلقاس    فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية للقبول بكلية الهندسة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    الخارجية الباكستانية تعلن عن مساعدات إنسانية طارئة لقطاع غزة    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    نبيل الكوكي يقيم مأدبة عشاء للاعبى وأفراد بعثة المصرى بمعسكر تونس    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    التفاصيل الكاملة لسيدة تدعي أنها "ابنة مبارك" واتهمت مشاهير بجرائم خطيرة    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات »الأخبار« الرمضانية
أنيس منصور في عيد ميلاده : البقية في حياتي!
نشر في الأخبار يوم 17 - 08 - 2010

تتواصل حوارات الأخبار الرمضانية مع رموز الفكر والثقافة ونجوم المجتمع في مختلف التخصصات لطرح رؤاهم للقضايا التي تشغل بال المجتمع وتساهم في استنارة الشارع المصري.
ويتحدث الكاتب الكبير أنيس منصور في الحلقة الثالثة والأخيرة بمناسبة يوم ميلاده عن شرائح من حياته وتحولات فكرية وثقافية شكلت مسيرته الأدبية........
حوارات رمضانية
الحلقة الأخيرة
الكاتب الكبير أنيس منصور يبدأ اليوم عاما جديداً ويقول :
البقية في حياتي ..!
حفظي للقرآن الكريم غيّر مجري حياتي
الصراع بين المثل العليا وبين الواقع ..أبدي
جلسة.. جلستان.. ثلاث جلسات.. استحالة أن تكفي أبدا لاستقطار عبير قلم ورحيق فكر الأستاذ أنيس منصور.. كاتبا وصحفيا وأديبا ومفكرا وإنسانا.. إن من حقنا أن نزهو بجواهرنا الفكرية، وقممنا الثقافية، وقيمنا الجميلة، فهم كنوز لا ينال منها الزمن، وهم رصيدنا الذي يرتفع مع الأيام والتحولات. وهم رموزنا المعبرة عن تسلسل الاجيال في روائعهم، الشامخة في هذه الأرض المصرية الطيبة التي لا تقبل أن تنبت إلا طيبا.. في وهج هذه الرؤية.. تواصل(الأخبار) في»حواراتها الرمضانية« احتفاليتها الحوارية الثالثة مع الكاتب الكبير أنيس منصور بتجليات آرائه وأعماله التي تخترق الزمان والمكان، وهي تتزامن مع أول ومضة اليوم في عامه الجديد، أطال الله عمره.
حوار يكتبه :
مجدي العفيفي
❊ قلت للكاتب الكبير أنيس منصور: عمليات التشخيص للامراض الاجتماعية والمجتمعية والثقافية أكثر من أن تحصي لكن العلاج عام وهلامي، التنظيرات كثيرة ووفيرة لكن التطبيقات قليلة وهزيلة، والمسافة بين التصورات والتصديقات هائلة.. وانت واحد من حملة مصابيح التنوير في المجتمع لماذا ندور حول نفس القضايا التي طرحت في بداية القرن الماضي؟ أين تكمن الإشكالية؟ وكيف تتكاثر المؤسسات العلمية والمراكز البحثية ولدينا كل هذا الاختلال في منظومة القيم التي تضبط ايقاع المجتمع؟ هذه المنظومة القيمية كان معك فيها توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف ادريس واحسان عبد القدوس وزكي نجيب محمود ويوسف جوهر وثروت اباظة ومصطفي محمود وغيرهم من العمالقة وأيضا رجالات النقد والادب والفلسفة في الجامعات؟ كيف انفرط العقد القيمي؟ وبهذا الشكل؟
❊❊ قال: الصراع بين المثل العليا وبين الواقع صراع أبدي، فالمثل العليا معناها الصورة المرتفعة السامية التي أتمني ان اصل اليها، والانسان من الصعب اليه ان يصل الي المثل العليا، ولكنه يملك الأمل لكي يبلغها، مشكلة الصراع في نفس كل انسان تدور حول أني اريد الكثير ولا أبلغ الا الي القليل، بمعني أني أريد أن أمشي في هذا المنعطف وأجد مليون جنيه، هذه أمنية غالية ولكن كيف احصل عليها، فكل المشكلة تكمن في بين ما أريد، وبين ما أقدر عليه، فالذي اريده الكثير، والذي اقدر عليه القليل. ليس هذا خاصا لا بالطفل ولا بالانسان العربي، ولكنه خاص بأي شاب في أي بلد، وفي العالم العربي عندنا كل المثل العليا موجودة في الاسلام، فالدين الاسلامي أكمل دين وأكمل نظرية، واذا اردت ان تصلح الكون من اوله الي اخره فكل هذا تجده في هذا الدين الحنيف، ولكن ما أبعد المسلمين عن الاسلام، انا لا أريد ان اعرض شعب دون شعب، ولكننا بعيدون تماما عما دعا إليه الاسلام، وننشد مباديء أخري والمباديء الحقيقية موجودة بين ايدينا.. وقال الشاعر العربي القديم:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمول
فنحن هذه العيس وسط الصحراء، نبحث عن الماء وهو فوق ظهورنا محمول.
عندما تمردت فاطمة عليك
❊ في هذا السياق اتوقف عند محطة ابداعية في مسيرتك الادبية وبالتحديد عند قصة »عريس فاطمة« والمعني أكثر عمقا من تمرد البطلة عليك كمؤلف لها، فقد قفزت البطلة من روايتك وحاكمتك. وسألتك عن متاعبك . ووجدت انك لا تعرف كيف تحلها ولا كيف تخرج منها. وقالت البطلة لك: »إذا كنت لا تعرف كيف تحل مشاكلك فكيف تحل مشاكلي« .. ولكنك في هذه القصة تصور حيرتك وعذاباتك كانسان عصري وأن المشاكل أصعب مما يبسطها المؤلفون بل ان الحياة نفسها لغز.. أليس كذلك أستاذ أنيس؟
❊❊ اما ان حياتنا لغز. فهذا صحيح، فلا أحد يعرف معني هذه الحياة وما حكمتها، ونحن لا نعرف الله. لأن الله أكبر من أن يعرفه الإنسان. فالعقل صغير. والعمر قصير. والعلم لا حدود له .. فنحن بعقولنا الصغيرة. وبوسائلنا المتواضعة، نريد ان نعرف الحقيقة المطلقة الشاسعة، التي لا أول لها ولا آخر.. كيف؟ لاتوجد حياة.. وإنما حياة لكل واحد.. حياتي غير حياتك، غير حياته، غير حياتها.. تماما كما أن لنا أجساما مختلفة.. لأنني غيرك أبا وأما ودراسة وتجربة وعذابا في هذه الدنيا..ليكن! فما هي الحكمة من كل هذا الذي نحن فيه ونعانيه؟ لا أعرف لحياتنا أية حكمة.. ولاأي هدف. ولاأي معني.. وإنما أنت الذي تجعل لحياتك طعما ولونا ورائحة. تعيش وتموت كما عاش قبلك ومات مئات الملايين.. فلا أنت تعرف ولاأنا لماذا عشنا؟ ولماذا نموت؟.. وماهي هذه اللعبة؟ وكما أن أطفال الفراعنة قد وقفوا أمام الهرم من ألوف السنين لايعرفون لامعناه ولامصيره ومع هذه الأبهة المعمارية كانوا يعبدون العجل؟! فكذلك نحن لانعرف معني النجوم والكواكب والنيازك والثقوب السوداء.. لأننا لم نصل إلي نهاية الطريق.. إنما نحن نقف عند إحدي المحطات في خط طوله ألوف ملايين السنين.. فليست عندنا أية وسيلة للمعرفة. وإذا عرفنا القليل فإننا لانستطيع أن نجزم بشيء.. والذي نجزم به اليوم سوف يتواري غدا عندما تظهر حقائق جديدة.. وهكذا نمضي من شروق إلي غروب إلي شروق.. ولاندري نهاية لأي شيء فينا أو حولنا! فهذا إذن مصدر عذابنا ، عذاب الذين يفكرون ويتعمقون فقط.. فأنت لاتستطيع أن تكتسب عطف من يبيع البصل والفجل إذا حدثته عن أزمة قطع غيار السيارات المرسيدس ونقص الأوكسجين في المدينة المدارية حول الأرض.. ولا أن تهز وجدان رواد الفضاء إذا حدثتهم عن الدروس الخصوصية ومشروع توشكي.. ولاأن تقلقنا الآن إذا قلت لنا إن النيزك إيروس سوف يسحق الأرض بعد مليون سنة! وإذا كانت الرغبة في فهم الحكمة من الحياة هي أهم همومك، فكيف لاتكون متشائما مادمت تعيش في واحد علي ألف مليون من طريق مجهول البداية والنهاية.. إننا مثل قطط وكلاب وفئران المعامل نعيش ونموت بلا حكمة، ونرتدي زيا مهلهلا كل يوم، ونقوم بأدوار هزلية وفي الوقت نفسه مطلوب منا أن نؤمن إيمانا مطلقا بأننا مركز الكون.. لاقبلنا ولابعدنا، وليس لدينا دليل علمي واحد علي صحة مانقول!
هي التوازن و الانسجام
❊ إذن كيف توزع السعادة - والتفاؤل ولو كان نسبيا - علي جماهير القراء لكتبك أو مقالاتك هنا وهناك.. ما رؤيتك لقيمة السعادة بعد طول تجربتك وكثافة خبرتك.؟ هكذا سألت الكاتب الكبير.
❊❊ أجاب أنيس منصور الذي يقف علي مشارف عام جديد: السعادة نسبية من شخص الي شخص ومن جيل الي جيل ومن مجتمع الي مجتمع، فالسعادة عند الرجل الريفي او الفلاح، هو انه بعد ان يفرغ من عمله ينام، والسعادة عند الرجل الطيار انه بعد تحليقه ان يستقر علي الأرض، والسعادة عند البحار ان يستريح من موج البحر ويستقر علي الأرض، والسعادة عند الذين ضاقوا بأرض ان يطيروا أو ان يبحروا فهي نسبية.
وفي سؤال وجه للكاتب الايرلندي الساخر برنارد.. قيل له: يا مستر شو انت دائما تتحدث عن المال بينما صديقك ويلس الكاتب المعروف يتكلم عن الأخلاق فقال لهم: كل واحد يتحدث عن الذي ينقصه فكذلك السعادة كل واحد ينشد فيها مالايجده فهي نسبية من شخص الي شخص ومن عمل الي عمل، والذي يتعب جسمانيا يريد ان يرتاح نفسيا، نجد في الصين مثلا يحكمون علي المثقفين في شهر من كل سنة، بأن يفلحوا الأرض، يعني يستريح من العمل الفكري بالعمل اليدوي والعكس كالعكس.فالسعادة هي نوع من التوازن أو الانسجام أو التناسق بين قوي الجسم الانساني، أو بين نفسه وعقله وجسمه، فاذا استطاع الانسان ان يحقق قدرا من التوازن بين متطلباته هذا التوازن هو السعادة، والسعادة تتكون من عناصر كثيرة، مثل اللون الأبيض، فأنت عندما تحضر ألوان الطيف وتدورها بسرعة فانك تراها بيضاء لكنها في الأصل مجموعة ألوان، فالسعادة مجموعة من الصفات إذا أديرت معا تحققت. وقديما قال جاينمي نوس وقال سقراط: ان جسم الانسان ليس الا حوضا من السوائل، عندما تتوازن طعم ونكهة هذه السوائل تتحقق السعادة فهي نسبية.بعض الناس يري السعادة في الخلو من الألم، بمعني ان السعيد هو الشخص الذي لايشعر بألم، فهذا غير صحيح هناك بعض الآلام ممتعة، فأنت عندما تلعب الرياضة بعنف وتتوجع ولكنك مبسوط، وهناك من يأكل الي ان يتألم من شدة الأكل ولكنه يبقي مبسوطا، فبعض الألم يحقق السعادة.ومفهوم السعادة الأبدية التي بشرتها الأديان يدلك علي ان حياتنا في الدنيا كلها تعاسة، فالله. عز وجل حينما وصف الجنة قال: (لايسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، إلا قيلا سلاما سلاما) فمفهوم الجنة في القرآن، انك لاتسمع فيها كلاما فارغا، وكل واحد فيها مكتف بما عنده، ومن هنا كانت السعادة هي الاكتفاء بما عندي، ومن هنا كانت القناعة سعادة، لذلك عكس السعادة في الحياة بمفهوم السعادة الأبدية هي اللغو والتأثيم والجشع والطمع.
الأيديولوجيا والتكنولوجيا
❊ في الآونة الأخيرة ظهرت مقولة تقهقر الايديولوجيا وتقدم التكنولوجيا، لاسيما بعد سقوط أكثر من مذهب كالشيوعية والمادية الجدلية وقبله مذاهب اخري فما رؤيتك؟
❊❊ طبعا التكنولوجيا في خدمة الايديولوجيا.. فمثلا امريكا لديها قنابل ذرية وكلمة التكنولوجيا استخدمتها في ضرب اليابان واستخدمتها في تخويف روسيا حتي لايدخل الاثنان حربا عالمية.. اي قبل فترة قلت هناك توازن في قوي الرعب، فالتكنولوجيا في خدمة الايديولوجيا لأن الدولة صاحبة النظرية السياسية هي التي تصرف..لكن سقوط الشيوعية ليس معناه اختفاء المذهب وانما اتفاذ سلطة فرض المذهب بالقوة لان الذي حدث في الاتحاد السوفييتي ان الحكومة الشيوعية فرضتها بالقوة فلما اعطي الشعب فرصة التحرر رفضها وتفككت الامبراطورية الشيوعية.. لكن لايستبعد مستقبلا ان تظهر الشيوعية بشكل آخر.. وأكثر اعتدالا..!
القرآن ...وأنا
❊ ينعطف الاتجاه لأسأله - وانا أنصت له وهو يرتل بعفوية بعض آيات الذكر الحكيم، بعد استدعائه مقطوعة شعرية للمتنبي - عن علاقته بالقرآن الكريم، وتوقفه عند تجليات بعينها؟
❊❊ منذ سن الطفولة تحتم أن تكون لي علاقة بصناعة الكلام ، إذ انني - مثل أغلب أبناء الريف - حفظت القرآن الكريم وعمري بين (5-7) سنوات وأنا لاأعي شيئاً مما أقول ، انما طفل يتمتع بذاكرة قوية، وأتذكر انني تعرضت للضرب كثيراً من قبل المعلم (سيدنا) الذي كان يجلسنا بغرفة من الطين علي الأرض المفروشة (بالقش) وهو يجلس علي المصطبة وبيده عصا طويلة تطال أي واحد منا دون تفريق نظراً لان أغلب هؤلاء عميان ، وكان المعلم يوزع علينا المهام البيتية أيضاً وقد تعبت كثيراً في نطق الكلمات اثناء حفظي القران الكريم مثل (كهيعص) في مثل هذه السن المبكرة ، إلا ان أبي كان شاعراً فحفظت منه الشعر الكثير.
اذن حفظي للقرآن وسماعي الشعر وحفظي له وضعني علي الدرب الصحيح كواحد تدرب علي أجمل الكلام وأبلغه ولا أدعي انني في هذه السن المبكرة قد تصورت ان أكون كاتباً وانما انغمست في الدراسة وليس لي هدف أو اتجاه معين ولا أي شيء سوي ان اكون تلميذا مجتهداً انجح وأوفق في الدراسة.ان حفظي للقرآن الكريم غَّير مجري حياتي، فعندما كنت اتعرض للضرب الكثير من قبل أمي بسبب الشقاوة اصبحت لا أضرب، اذ ليس من المعقول ان يضرب من يحفظ القرآن الكريم بل انه عندما كان الاطفال يضرب بعضهم بعضاً أسأل عن المعتدي منهم فيؤخذ بكلامي حتي إن كان خاطئاً اذ لايعقل ان من يحفظ القرآن الكريم يكذب، كنت تلميذاً مجتهداً، هذا الاجتهاد، حتم عليَّ ان انطوي وأنزوي في الفصل ومن ثم اتجهت الي دراسة الفلسفة وهي اكثر الافكار انطواء وانزواء فبدل ان اشارك المجتمع بقيت متفرجاً عليه وتأمله فتفوقت في الفلسفة ودرستها في الجامعة لمدة (71) سنة.
لحظة بين عامين
❊ ماذا يشغلك في هذه اللحظة بين عامين؟
❊❊ يشغلني وضع اللمسات الأخيرة علي أربعة كتب جديدة، الي جانب هذه الحقيبة الممتلئة بالاوراق والمسودات التي تراها لمشاريع ثقافية قادمة، كما انتهيت من من طباعة دائرة معارف عن المرأة في 10مجلدات (المرأة العربية - المرأة الاوربية - المرأة المصرية..الخ) لأنه في الموسوعات الاوربية عندما يأتي ذكر المرأة العربية يذكرون (نفرتيتي ، نفرتاري ، كليوباترا فقط) وعندما يضيفون اسما جديداً يذكرون ام كلثوم أو هدي شعراوي ، وكل تأثير المرأة العربية لاوجود له ولاحتي المرأة نفسها، فصححنا هذا من خلال هذه الدائرة .
❊ المرأة في حياة أنيس منصور؟
❊❊ هي... الحياة!
❊ لو اقترب منك شاب وسألك بضع قطرات من رحيق تجاربك.. فماذا أنت قائل؟
❊❊ عادة الاجيال الصغيرة من الشباب لاتقبل النصائح فكما يقال ان اثنين ليس لهما شعبية عند الاطفال هما المعلم والطبيب، فأنا لاأحب ان اكون احدهما. ولكن اذا كان لابد ان اقول شيئاً في هذا المقام أقول لهؤلاء الشباب انه لاتوجد وصفة سحرية للنجاح وانما الوصفة الممكنة التحقيق هي الجدية، فعليهم ان ياخذوا العلم والأدب بجدية وتضحية وصبر عندها يمكن لهم ان ينالوا مايريدون تحقيقه ، فالذين صعدوا الي القمة لم يصلوا اليها الا بالصبر والاستمرار والاصرار.
عتبات أنيس منصور
❊ المناهج النقدية الحديثة صارت تولي العتبات النصية أهمية غير مسبوقة كمواقع استراتيجية في نصوص المبدعين والمفكرين ، وهي عتبات العناوين والمقدمات والنهايات والهوامش، والاهداءات والتواريخ وزمن النص وزمن النشر.. فهل نتوقف مع عتبات بعض مؤلفاتك لاسيما العناوين وهي وقفة تعد عتبة في حد ذاتها؟.
❊❊ في كتاب » يسقط الحائط الرابع« فسرت الحائط الرابع بلغة المسرح هو الحائط الوهمي الذي يفصل بين الممثلين والمتفرجين، فالممثلون يتحركون علي المسرح في حياتهم الخاصة وكأن أحدا من الناس لا يتفرج عليهم فهذا الحائط أكذوبة اتفق عليها المؤلف والممثل والمخرج والمشاهد.. هذه الأكذوبة قد ارتضيناها جميعا. وعندما أصدرت كتابي »الحائط والدموع« عن اليهود واسرائيل والصهيونية كنت أقصد بالحائط حائط المبكي وبالدموع دموع اليهود عند هذا الحائط، ورأيت أن اليهود كان لهم حائط واغتصبوه أما العرب فلهم في كل بيت حائط للدموع فهم يبكون الهزيمة والعار الذي أصاب الامة العربية في نكسة 7691 .وعندما أصدرت كتابي» نحن أولاد الغجر« كان هذا عنوان المقال الأخير من هذا الكتاب، وهو مشروع كتاب عن أعماقي، فمنذ وقت طويل وأنا حائر بين اختيارات كثيرة وبين جهات عديدة وبين ألوان ولغات وديانات وعناصر، ووجدت في حياة الغجر النموذج الذي يناسبني تماما انهم وحدهم هناك يتحركون بعيدا عن الناس بحرية. وفي نهاية كتابي»وداعا أيها الملل« جاءت بعض المقالات من الممكن أن تكون نظرة فلسفية في الحياة أي أن تكون مذهبا فلسفيا وكلمة »نظرة« هي أكثر تواضعا من كلمة »مذهب« لأن المذهب أعمق.
دائرة وزائرة ولاجئة
❊ في 81 أغسطس (ماضٍ ....) كتبت عتبة نصية واصفا فيها نفسك »كأنني حجر متحرك، يتشكل ويتلون لأنه يتحرك، ولأنه يتحرك فلا ينبت عليه العشب، عشب الأمان، وزهور المودة، وثمرات الحب، والناس أنواع : أناس يمكن تحريكهم، وأناس يستحيل تحريكهم، وأناس ولدوا متحركين، كأنني ولدت علي ظهر سفينة.. كأنني سحابة صغيرة جاءت من بعيد لتسقط أمطارا في أماكن مختلفة لا تعرفها، كأنني بطاقة شخصية سطرها: فلان، موطنه: مجهول، نهاره: قلق، ليله أرق« وفي 81 اغسطس هذا العام.. ماذا تقول؟.
❊❊ البقية لا تزال في حياتي...! فلا أحصي عدد الأفكار التي جاءت وهبطت واستقرت، الافكار الدائرة، والأفكار الزائرة، والأفكار اللاجئة، الأفكار التي تنفر منها الأفكار، والأفكار التي هي أذرع ممدودة ترحب بالشاب والجديد، ولا أعرف كم مرة انعقد الزواج بين وبين أحلامي ، ولا أعرف كم مرة خرجت الطرق ممدودة واسعة من رأسي لأسير عليها، ولا أعرف كم مرة نسجت أحلامي كما ينسج العنكبوت بيته ودودة القز تابوتها الحريري، ولا كم مرة رأيت تبادل المواقع بين عقلي وقلبي ، فمرة أجد قلبي علي كتفي، ومرة أجد عقلي بين ضلوعي، ولكن في كل الأحيان كنت أحس قلبي يدق في رأسي.
وأنا عندي إحساس دائم بأن الذي كتبته من الممكن ان يكون أفضل وأطول، فالمعاني مثل ينبوع واحد، أو نهر واحد، تتفرع منه عشرات القنوات والفنان مثل البلبل : له أنشودة واحدة، ولما تعمقت في دراسة الفلسفة الوجودية وجدتها تتحدث عن الانسان نفسه فتصفه بأنه »مشروع« أي بأنه فكرة تنمو وتكبر يوما بعد يوم. أنت تساوي بالضبط ما تكتبه، انت تساوي عملك، ولما كنت أنت ناقصا فعملك كذلك، وما دمت حيا فالكلمة الأخيرة لم تقلها بعد.. فكل شيء »ليس بعد«..أي لم يكمل بعد..الموتي هم الذين اكتملوا قالوا ما عندهم، آخر ما عندهم ولذلك يمكن الحكم علي الموتي لأنهم قد فرغوا من الكلام، أما الحياة فهي» الليس بعد« أي الاضطراب والقلق والطموح والخوف والحرية والثورة والغضب والانتهازية والجشع، فالكل يجري من أجل صورة أخري، من اجل إكمال الذي لم يكمل، وأنا وكل كاتب يشبه الذي يقف أمام القاضي ويقسم :أن أقول الحق ، ولا شيء إلا الحق .. وكل الحق! أما أنه يقول الحق فصحيح ولا شيء إلا الحق فصحيح أيضا، أما »كل الحق« فليس صحيحا، فلا أحد يعرف »كل « ولا أحد قال »كل« شيء ، وإنما بعض الشيء، بعض الوقت، أي الحقيقة.. إلا قليلا!.
ليست موضوعة مسبقا
❊ ..................................؟
❊❊ هذه دعوي ضخمة معناها انني أعرف حياتي من أولها إلي آخرها.. وانني رسمتها.. ووفقا لهذه الخطة الموضوعة مسبقا تنقلت من واحدة الي اخري.. لا أدعي ذلك ولكن من المؤكد ان اشياء كبيرة تهمني، هذه الأشياء لاتفارقني ولذلك سوف أكتب عنها مدي الحياة ولكن بصورة مختلفة فالذي كتبته عن هذه القضايا منذ أعوام بعيدة، هو نفسه الذي اتناوله الآن ولكن بأسلوب مختلف فقد تجمعت خلال هذه السنوات الطويلة نظرات أعمق ومعلومات أكثر.
❊❊❊
و... سلام علي الأستاذ أنيس منصور..
ودعاء لك بطول العمر، وتوهج الفكر، واتساع القلم، وعام جديد، وسعيد، و.. جميل، إن شاء الله تعالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.