نظّم «المؤشر العالمي للفتوى»، اليوم، ورشة عمل بعنوان «تحديات إنسانية معاصرة: دور الفتوى في مواجهة السيولة الأخلاقية وتعزيز الأمن الفكري»، ضمن أعمال الندوة الدولية الثانية للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، بهدف بيان دور الفتوى الرشيدة في التعامل مع قضايا الواقع الإنساني ومواجهة التحديات الفكرية المعاصرة. أدارت الورشة الدكتورة عائشة المناعي، مدير مركز محمد بن حمد آل ثاني لإسهامات المسلمين في الحضارة، وقررها الدكتور طارق أبو هشيمة، مدير المؤشر العالمي للفتوى، بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين وباحثي دار الإفتاء المصرية. وأكدت الدكتورة عائشة المناعي أن الجلسة استهدفت التعريف بمفاهيم الأمن الفكري والحصانة الفكرية والسيولة الأخلاقية، وتشخيص التحديات التي تهدد الهوية الإسلامية، مع التأكيد على أهمية مرجعية العلماء الراسخين في ضبط المصطلحات الفكرية. وعرض الدكتور طارق أبو هشيمة دراسة علمية اعتمدت على تحليل 500 فتوى ورأي، موضحًا أن الفتوى المنضبطة تمثل الركيزة الأولى للأمن الفكري والتعايش، وتسهم في حماية الهوية الوطنية ومواجهة الانحرافات الفكرية، مشيرًا إلى أن قضايا التغريب والسيولة الأخلاقية تتصاعد في ظل التحولات الرقمية المتسارعة. ودعا إلى تعزيز دور المؤسسات الدينية في نشر الوعي بالأمن الفكري، وإيلاء القضايا التكنولوجية مزيدًا من الاجتهاد والبحث الفقهي. من جانبه، أكد الدكتور أيمن عبد الوهاب، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن دعم الحوار بين المدارس الفكرية وإعمال العقل النقدي يمثل المدخل الحقيقي لمواجهة الأزمات الفكرية، محذرًا من استيراد مفاهيم ما بعد الحداثة دون مواءمتها مع السياق الديني والثقافي العربي، في ظل تعقيدات فرضتها الثورات التكنولوجية. وأشار الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إلى أن تطور الذكاء الاصطناعي يفرض الحاجة إلى نشأة «علوم الوعي»، معتبرًا أن الأمن الفكري حالة إيجابية من النضج والاستقرار المعرفي، لا مجرد مواجهة للتحديات. وأوضح الدكتور عادل فهمي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن الأمن الفكري يقوم على امتلاك الفرد والمجتمع حصانة فكرية تحمي المنظومة القيمية من الاختراق، مؤكدًا أن دور الفتوى يتمثل في معالجة جذور السيولة الأخلاقية وتحجيم آثارها على الفرد والمجتمع. وفي السياق ذاته، أكدت الدكتورة ناهد عبد الحميد، المنسق الثقافي بوزارة الثقافة، أن مواجهة هيمنة الخوارزميات مسؤولية جماعية، مشددة على أهمية تكامل الأدوار بين المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية لتعزيز الوعي المجتمعي. وفي مداخلة أخرى، أوضح الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أننا في عام 2027 سنكون في عالم آخر مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، والحل هو سُنة توليد العلوم، فنحن نحتاج إلى نشأة علوم بمسمى "علوم الوعي"، ويتفرع منها علم أصول الوعي وعلم أصول الحضارة وغيرها، فالوعي للحياة وليس للثقافة، فهو صناعة ثقيلة، والتساؤل المفترض أن نطرحه هل سنتمكن من مواصلة ومواكبة الحضارة القادمة أم لا؟ فيما أكدت الدكتورة رهام عبد الله سلامة، مدير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن مفهوم السيولة الأخلاقية، رغم أنه غربي في الأصل، موجود أيضًا في المجتمع المصري، مشيرة إلى أن الشائع والترند على المنصات الرقمية أصبح أحد أهم مرتكزات تشكيل الوعي الأخلاقي، حتى لو كان المفهوم مأخوذًا من الخارج. وأوضحت أن التأثير انتقل تدريجيًّا من المؤسسات التقليدية إلى الخوارزميات الرقمية، مستشهدة بدراسة لمركز رصد الأزهر للتطرف، والتي أشارت إلى أن 50٪ من الشباب يستقون معلوماتهم عن القيم والأخلاق من المحتوى الرقمي، ما يفسر جزئيًّا لماذا لا ينمو التطرف في بيئة مستقرة ومحكمة. وأضافت سلامة أن الخطابات غير المنضبطة غالبًا ما تبدأ بتمييع المفاهيم وإعادة تعريف القيم الدينية خارج سياقاتها الأصلية، مشيرًا إلى أن الشباب لا يرفضون القيم بحد ذاتها، بل يرفضون الخطاب غير القادر على مخاطبة عقولهم، وشددت على أن المجتمع المسلم، الذي يزيد عدده عن 2 مليار نسمة، بحاجة إلى تقديم رؤية متكاملة وشاملة للقيم الدينية والأخلاقية، بعيدًا عن أي خطاب قد يكون غير شمولي أو غير قادر على التواصل مع أجيال اليوم. وشاركت الدكتورة سميرة لوقا، مدير أول قطاع الحوار بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية بمداخلة أكدت خلالها أن من يبحث في الذكاء الاصطناعي يبحث في مخزن كبير، وأن الأفكار التي تولدها تلك التقنيات هي نتاج بحثنا، فالنتيجة الصادرة من البحث هو أسهمتُ به في تغذيته، فلا بد أن نذكِّر أنفسنا دومًا بأن ما نخزنه نحن اليوم في تلك التقنيات هو ما سيتولد للأجيال القادمة ويؤثر على قيمهم وأخلاقهم. كما تناول عدد من المشاركين، من بينهم خبراء وباحثون من مرصد الأزهر ومركز الأهرام، دور الفتوى في حماية الهوية، ومواجهة التطرف، والتعامل مع التحديات الرقمية، مؤكدين أن الفتوى ستظل أداة أساسية لإعادة ضبط القيم وتعزيز الأمن الفكري في ظل التحولات الفكرية والتكنولوجية المتسارعة.