ويتمرد القلم ويأبى [عفوا لم أزل ممن يتمسكون ويمسكون بالقلم للكتابة] وأنا أيضا أتردد إذ أخشى أن تتبدى كتاباتى وهى تخلط جدا بهزل أو تعبر بالهزل فى موقع الجد. لكن لا حيلة، فالفكرة عندى تأتى صاعقة سواء أتت نعيقا مخيفا منذرا بالشر أو تغريدا لعصفور يستهويك ويستدعيك فإذا حاولت الإمساك به طار. لكن الفكرة قد تطاردك فتطرد راحة بالك هذا إذا كانت راحة البال ممكنة. وأخيراُ ها أنا أخضع وأكتب. والبداية أننى لاحظت وعلى مدى متابعات لقضايا عديدة أن كل شيء يأتى ناقصا قطعة ولو صغيرة لكنها تتبدى وكأنها قد تعرقل سبيل تحقيق المقصود الظاهرى أو اللفظى من المطلوب.. دستورا قانونا قرارا فكرة أو أى شيء لكن نفسى لم تصدق هواجس نفسى، وظننت الأمر كله مصادفة.. وحتى المصادفات إذ تتراكم يتولد منها قانون وتبنى عليها فلسفة. لكننى وقد أمسكت هواجسى بتلابيبى وتراجعت معها الى أزمان قديمة، وحديثة ومعاصرة أكاد أن أكتشف أن ثمة رؤية أو حتى أيديولوجية متمكنة فى أعمق تدابير الأنظمة تراكم هذه ال «حتة» التى تتبدى زائدة صغيرة لكنها حاكمة وكم أفسدت قطرة مريرة كوبا كبيرا عذبا. وإذا بهذه «الحتة» عذابا يكاد وعن عمد متعمد أن يعرقل ما تخيلناه حسنا. وأكاد أوقن أن الفاعل.. المتحكم فى الفعل أو النص يسأل عنها ويتمسك بها قبل أن يبدأ مستعدا كى يحكم قبضته على كل شيء. وتتراكم الأمثلة التى أتمنى ألا يعتبرها البعض حصرية. ولكى لا أعرقل القلم سأسكب للورق دون ترتيب. القانون الخاص بالمجلس القومى لحقوق الإنسان الذى صدر مؤخرا جيد جدا ويستحق الاحترام. فقط طلب المختصون حصانة لأعضائه فى ممارستهم ضد الانتهاكات. وبعد تدبير عميق من أخصائى التدابير أتوا بنص يقول «ويخطر مجلس النواب فى حالة القبض على عضو المجلس (وبس) يعنى ممكن نختلف تخطر رئاسة المجلس أو أمانته أو حتى الاجتماع. ثم بعدها» ننتقل لجدول الأعمال.. وقانون التظاهر ضرورى جدا وكل بلد فى العالم به قانون ينظم حق التظاهر السلمى. والقانون عندنا لا بأس به ولكن به «حتة زائدة» تعمل على نفى التظاهر بعيدا عن أسماع وأنظار الجماهير ويفقد التظاهر قيمته.. ونشكو ونتباكى من المتأسلمين السلفيين ونقول هم مصدر تزييف عقول الشباب ناسفى الكنائس مثلا، ويقرر وزير الأوقاف وأنا معجب بنشاطه وجرأته المحمودة تنظيف المساجد والزوايا من المتأسلمين مروجى الإرهاب المتأسلم ومحرضى الشباب المهووس ضد الأقباط . ويسرى القرار «إلا حتة» فيسمح لشيخ شيوخ التأسلم بخطبة الجمعة فى مسجد بالإسكندرية.. الحكومة هنا تقول هذا الرجل يقول صحيح الإسلام على المنبر فاستمعوا، ثم يظهر الشيخ لينثر سمومه فى فضائيات مأجورة ويصرخ ضد الأقباط «لا تؤاكلوهم ولا تساكنوهم وخذوا الجزية منهم وهم صاغرون» فماذا سيكون موقف المستمع من ذلك، بل ماذا سيكون موقف الأقباط من ذلك؟. وفى المادة 64 من الدستور «حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الديانات السماوية حق ينظمه القانون . ونكتشف أن النص «ناقص حتة» تكررت عشرات بل مئات فى تصريحات المسئولين والثوار. وهى «على قدم المساواة» فليس بالإمكان تجاهل القرارات والوعود «بقانون دور العبادة الموحد» وتلاعب المتلاعب ليأتى النص «ناقصا حتة» تحولت سريعا إلى قيود وشروط ليست فقط على بناء كنائس جديدة بل حتى تحديد وتوصيف وخنق استخدام ما قام منها دون ترخيص. وليس القصد والمغزى هو منع إقامة كنيسة ما أو منع فتحها للعبادة، وإنما يأتى القصد واضحا وصريحا ومتحديا ليؤكد أن ثمة مجموع دينى أفضل من مجموع آخر. والنتيجة لهذا القصد غير العاقل وغير الدستورى بل غير المصرى أن تمتد دعاوى التأسلم لتفسر وتعبئ وترفض بناء كنيسة ثم وتحرق وتدمر والسلطة تخاف من التصادم فيترسخ الإحساس بالتمييز. ويتراكم الألم القبطى فى نفوس يقيدها الأدب الكنسى أو الحكمة الكنسية ولكن العالم المتربص بنا يتابع وينصت إلى تقارير بعض «بويتكات» الدفاع عن حقوق الإنسان وهو فى كثير من الأحيان دفاع متضخم بتمويل بلا حدود ثم يوجه سهامه إلى صدورنا جميعا ليس حبا فى الأقباط وإنما كرها فى مصر وشعبها وجيشها.. والمادة 74 من الدستور تنص فى فقرتها الثانية «ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى أو بناء على التفرقة بين الجنس والأصل أو على أساس طائفى أو جغرافي».. ونصرخ ونقدم الأدلة من أقوالهم وتصرفاتهم وأفعالهم ودون جدوى.. ثم نأتى إلى واقعة يحاول البعض طمسها ولكنها ستبقى معلومة أبدا وسيلقى مرتكبوها الحساب يوما. فمقدمة الدستور التى صاغها شاعرنا العظيم «سيد حجاب» تقول أو بالدقة كانت تقول نحن الآن نكتب دستورا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة «حكمها» «مدني» انتبهوا «حكمها» فإذا بيد ما، وبقرار ما، يغير «حكمها» إلى «حكومتها» والفارق كبير كبير. ويترتب عليه بل قد ترتب عليه ضغط كبير على مجرى الوحدة الوطنية. .أرأيتم؟ لماذا استعصى القلم. وهل تجدون مبررا لمعاندة القلم. ولكن الأمر كله ليس بجديد بل هو مخزون فى العقل العربى والإسلامى ينمى السلبيات ويختار لها «حتة» توقف مسيرة الايجابيات.. وأسمعوا هذه الحكاية «وقف رجل فى سوق بغداد بناقته صائحا» أبيعها فقط بدرهمين فهل من مشتري.. وتراكم المشترون لكنه قال «أقسمت ألا أبيعها إلا ومعها هذه الخرزة المعلقة برقبتها وثمنها مائتي دينار. فصاح إعرابى «والله إنها لمليحة لولا الملعونة فى رقبتها.. فصارت مثلا، فهل صرنا نحن أمثولة؟ ولم تزل بدعة أو خدعة «إلا حتة» تحكمنا وتعرقل مسيرتنا وتعكنن علينا حياتنا.. ولا حل سوى مواصلة التفتيش على كل «إلا حتة» ومواجهتها.. كى تستقيم أمورنا وننهض نحو مستقبل نستكمل به بناء دولة مدنية حقا، حديثة حقا، حكمها» مدنى حقا.. وتحمى وطننا ووحدتنا الوطنية حقا. فماذا رأيكم ؟ لمزيد من مقالات د. رفعت السعيد;