أزمة تاريخية اسمها بناء الكنائس فى مصر، خلقت صراعا بلا لزوم بين قوات الأمن والأقباط بشكل مباشر، بل فجرت أحيانا خلافات طائفية بين المسيحيين والمسلمين لا معنى لها، كنيسة العمرانية كانت آخرها. بينما مادة واحدة من قانون قديم جدا، يحمل اسم الخط الهمايونى صدر قبل 154 عاما، تبدو وكأنها نص مقدس لا يمكن المساس به، رغم كل المحاولات الرسمية والقانونية لتنظيم بناء الكنائس، وتجنب حدوث الأزمات. وكالمعتاد ستهدأ أزمة العمرانية بحل توافقى بين أطرافها، كما حدث فى أزمة مطرانية المنيا وعين شمس وغيرهما، ولكن تبقى أزمة بناء الكنائس قابلة للانفجار بين شقى رحى القانون، الذى لا يتغير والتحايل الذى يبدو وكأنه الحل الوحيد. إسحاق حنا المفكر القبطى، وأحد رموز الاعتدال المسيحى يرى أن الحل فى وجود قانون دور العبادة الموحد، الذى اصبح صدوره أمرا لا بديل عنه لإنهاء جزء مهم من حالة الاحتقان الموجودة حاليا، مبررا ذلك بأن :"الدستور المصرى وحتى أحكام القضاء التى تعاملت مع هذا الملف أنصفت الأقباط، وأعطتهم حق إقامة دور العبادة باعتبارها جزءا أساسيا من ممارسة العقيدة التى يحترمها الدستور ويسمح بتعددها، بينما هناك حالة من التعنت غير المبررة إزاء إصدار القانون والتخلص من تلك المادة الغريبة، التى جاءت بالخط الهمايونى والخاصة بضرورة أن يؤخذ إذن السلطان شخصيا والذى يمثله رئيس الجمهورية الآن فى شأن إنشاء كنيسة. لا أعرف حكمة أن يكون هذا قرارا رئاسيا فقط بينما على الطرف الآخر تبدو الكنيسة والشعب فى حالة شبيهة من التعنت، سواء فى ممارسة السلطة أو مواجهة القانون، فالكنيسة ورجال الدين يقومون بكل الأدوار حتى العمل المدنى التنظيمى الذى ليس من مهام عملهم الكنسى، ويجدون أنفسهم فجأة فى مواجهة إجراءات رسمية معقدة قد تؤدى لأزمات، كما حدث فى أزمة العمرانية والتى أكد لى القساوسة بها أنهم أخذوا ضوءا أخضر ببناء الكنيسة من جهات عليا، بينما الأوراق الرسمية تشير إلى أن البناء، هو دار خدمات كنسية وحدثت الأزمة التى تحولت لفتنة بين الشعب من جهة، ورجال المحافظة والشرطة من جهة أخرى، لتنفجر حالة الاحتقان الموجودة أصلا لدى الأقباط المقهورين، كبقية الشعب المصرى والذين يتخذون الدين والدفاع عنه وسيلة للتعبير عن كبتهم ". إصدار القانون وسريانه على الجميع مسلمين واقباطا، هو فى نظر إسحاق حنا أداة النجاة الوحيدة حتى يشعر الأقباط -كما يقول- "بأن دور العبادة وممارسة الشعائر لا تفرق بين المسجد والكنيسة". الخط الهاميونى الذى يطل من قلب الأزمة الآن، أصدره السلطان العثمانى عبد المجيد الأول فى فبراير عام 1856، لتنظيم بناء دور العبادة لغير المسلمين ولتنظيم أحوالهم، حوى الخط أكثر من سبعة بنود ستة منها تعطى حقوقا كاملة للاقباط فى كل مناحى الحياة، ولكن مادة واحدة فقط أثارت الأزمات منذ صدورها وحتى الآن وهى ضرورة موافقة السلطان على إنشاء أو تجديد أو إصلاح دور العبادة للأقباط وهى المادة التى فقدت بعض قوتها بقانون رئاسى، حمل رقم 291 لعام 2005، والذى أعطى للمحافظين والحكم المحلى حق إعطاء تصاريح التجديد والترميم للكنائس الموجودة بالفعل، بينما ظل بناء الكنائس الجديدة على نفس نهج الخط الهمايونى. "لم يعد أمام الناس سوى التحايل للتعامل مع القوانين، التى لا تعجبهم وما حدث فى كنيسة العمرانية، يتكرر يوميا فى جميع نواحى حياتنا"، هى كلمات حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أعتبرها هى التفسير الوحيد لأزمة العمرانية بينما يرى أن ردة الفعل كانت أقوى مما يجب وجرس إنذار على خطورة الملف الطائفى فى مصر ويشرح: "المناخ الذى نعيشه الآن يشجع تماما على العنف والتحايل أيضا، ففى البداية يتحايل المواطن على القانون ليفعل ما يريد، ثم يمارس عنفا ليقر هذا الوضع أو ليواجه محاولة السلطة إنفاذ القانون وبالتالى فالجميع لابد أن ينظر للقانون أولا لأنه هو السبب فما حدث من تحايل لتحويل دار خدمات لكنيسة، ما كان ليحدث لو كان هناك قانون واضح ومرن وله قواعد محددة لإنشاء دور العبادة، وفى كل أزمة حدثت حول الكنائس فى مصر كان السبب نفسه وهو التحايل لبناء كنيسة، أو استخدام منازل ككنائس بالمخالفة للقانون، ورغم ذلك مازلنا نصر على استمرار نفس القانون التاريخى بينما نحن لسنا عاجزين عن وضع قانون جديد بضوابط محددة وواضحة وواقعية، لأن العنف أصبح غير طبيعى، ويجب أن نسأل أنفسنا: لماذا لم تلجأ الكنيسة للقضاء الإدارى لتطعن على القرار وربما تحصل على حكم بحقها؟، بينما لجأت للعنف ببساطة لأن المناخ الذى نعيشه أصبح مشبعا ومشجعا على العنف، وهو أمر خطير. كما يجب أن ننظر لأمر آخر، وهو سرعة تواتر أحداث التوترات الطائفية فى الفترة الأخيرة، لأنها ربما تنذر بما هو قادم".