لا يكاد المصريون، مسلمين وأقباطا، يفيقون من صدمة طائفية حتى يقعوا في أخرى، حتى بدوا وكأنهم نسخة مصرية من أسطورة سيزيف الإغريقية والذي عوقب برفع صخرة من القاع حتى قمة جبل شاهق وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل فيعود ليبدأ من جديد بلا نهاية! وما بين محطة وأخرى من محطات الفتنة يتساءل المواطن البسيط إلى أين تسير بنا الأوضاع وهل من نهاية لهذه الفتن، بغض النظر عن من يقف وراءها. وفي التأريخ لمسار العلاقة بين المسلمين والأقباط، لن يجد القائم على ذلك الأمر صعوبة في التوصل إلى أن السنتين الأخيرتين شهدتا تحولا حادا في مسار هذه العلاقة سواء على صعيد التكرار أو على صعيد المستوى، قبل الثورة أو بعدها، ما يعني ببساطة أن الفتنة تمثل جرحا أساسيا في جسد الوطن يمكن لمن يريد أن ينكأه تحقيق هدفه، بشكل يسهل معه أن يشعل الوطن بعود ثقاب صغير. وجديد أحداث ماسبيرو أنه جرى تقديمها في صياغة جديدة لشكل الفتنة على نحو بدت معه وكأنها مواجهة ليس بين الأقباط والمسلمين أو بين الأقباط والنظام وإنما بين الأقباط والجيش.. وتلك هي الطامة الكبرى. وإذا كان من الصحيح أنه جرى احتواء الموقف بفعل تكشف جانب من أبعاد المؤامرة، إذا صح التعبير، إلا أن دلالة ما حدث تكشف عما يمكن وصفه بهشاشة وطن من السهل أن ينكسر.. فالأمر لم يعد يتعلق بخلاف على مضيفة أو كنيسة في المريناب أو غيرها وإنما أصبح يتعلق بدوره من «العنف المعلب» الذي يندلع ما أن تنطلق شرارة الحدث.. هذه هي الحقيقة التي ينبغي على الجميع أن يدركها .. في ذات الوقت الذي يجب أن يدرك ان الخسائر بالغة وعلى الجميع.. فالأمر لن يعكس في النهاية سوى القضاء على الدولة. والسؤال الذي لا ينبغي ان نمل من البحث عن اجابة له: كيف الخروج من هذا المأزق؟ ورغم ان الحلول تبدو واضحة إلا أنه يبقى التعاطي معها بشكل أكثر صراحة ووضوح وما الموقف من قانون العبادة الموحد سوى مثال على ذلك، الامر الذي يمكن للقارئ أن يتابع تفاصيله في سطور هذا الملف. الفتنة قائمة .. لعن الله من ينكرها .. والمواطنة هى الحل القهر السياسى وراء خطابات التمييز .. والأقباط شريك وطنى أصيل قدم الشهداء والدماء لمصر «يا اتنين عجايز حاج ومقدس، يا صورة طالعة من جواز السفر، يا رسم على وش التابوت مرسوم، فى حفاير الفيوم، جبانة م الزمن العتيق، مشهورة بالصناديق، وعليها بالالوان صور مخاليق، كاهن مراكبى ست بيت تاجر، بنية حلوة عسكرى شاعر، صور بشر ايامهم انحسرت، مداينهم اندثرت، توابيتهم انكسرت، مافضلش منها غير وشوش، بيبصوا نفس البصة، وبيحكوا نفس القصة، مستغرقين فى الموت بلا غصة، وفى الخلود رايحين، زى اللى فى الجورنال فى صفحة الموتى، قلت الشبه من أين يتأتى؟، قالوا عشان الكل مصريين، الكل نفس الهوية، نعى المطارنة جنب نعى الشيوخ». الكلمات لعمنا الرائع صلاح جاهين والمعنى واضح وبسيط هو أننا جميعا متشابهون لأننا مصريون. نفس الوجوه والملامح.. نفس النظرات والهموم... وحتى رقدة الموت واحدة ، فمقابر المسلمين تجاور مقابر المسيحيين منذ عقود طويلة كما يعبر عن ذلك الشاعر احمد شوقى ببيت شعر يقول فيه «متجاورون جماجم وعظاما». أين الاختلاف إذن؟ على الارض نحن متساوون. متشابهون ومتجاورون ويشغلنا هم واحد هو هم الوطن.. ومع ذلك فهناك من ينكرون هذه الحقيقة ويروننا فئتين أو طائفتين أو فريقين.. وهم كثير.. وربما كثير جدا. وإذا كانت أيامنا الخالدة قد شهدت شعارات تقدمية عظيمة مثل قول مكرم عبيد «نحن مسلمون وطنا، ونصارى دينا» وقول القمص سرجيوس «فليمت الاقباط دفاعا عن اخوانهم المسلمين»، ومنها أيضا قول الدكتور انور عبد الملك «إن الإسلام في أوطاننا معين عظيم ومنبع أصيل وإطار حضاري لتعبئة الجماهير الشعبية في معركة التحرر والسيادة»، فإن سنوات ما بعد النفط شهدت انحدارا وتدهورا كبيرا فى الاخوة الوطنية وصل الى مطالب بعض متطرفى الاقباط بدولة قبطية فى صعيد مصر وشط ببعض المتشددين الاسلاميين لاعادة انتاج أحكام الجزية وفتاوى رفض السلام على الاخوة المسيحيين. لم يكن التحول مفاجئا حيث يلحظ كثير من الباحثين أن خروج الاقباط من حلبة السياسة فى ظل النظام الناصرى مع التسليم لفكرة «الكل فى واحد» التى صاغها وطبقها النظام الناصرى كان بداية تلغيم العلاقة بين المسلمين والاقباط. كذلك ساهم التطرف الناتج عن عقود القهر والقمع الطويلة التى عاشها المصريون بعد حركة 23 يوليو فى تحويل روابط المشاركة بين عنصرى الامة الى أسلاك كهربائية عارية. تاريخ من الوطنية فى البدء حارب الاقباط الى جانب المسلمين فى اطار المشروع الوطنى خلال الثورة العرابية وشارك بطريرك الاقباط فى تأييد احمد عرابى فى ثورته ضد الخديو توفيق والتدخل الاجنبى، ثم ثاروا مع المصريين فى ثورتهم المجيدة عام 1919 وسقط عشرات الشهداء الاقباط وحكم على كثيرين منهم بالاعدام لاشتراكهم فى الثورة وعرفت مصر أبطالا فدائيين من أمثال عريان يوسف، وفخرى عبد النور، وويصا واصف وسينوت حنا. وبعد الغاء الاحزاب عام 1953 ثم تكسير القوى السياسية الليبرالية بمحاكم الثورة واعتقالات الساسة، وفرض الرقابة على الصحف، ومع تشديد حملات القمع على التيارات الدينية شهدت مصر ميلاد جماعات سياسية جديدة متطرفة تحمل حقدا وكراهية تجاه المجتمع وقد كانت تلك الجماعات سببا مباشرا فى احداث الفتنة الطائفية التى شهدتها مصر بدءا من احداث الخانكة فى السبعينيات وحتى الاعتداء على الكنائس ومحلات الذهب المسيحية خلال الثماثنينيات والتسعينيات من القرن الماضى وهو ما أشعل حرائق من الغضب والتحفز والشكوى الدائمة. ومع تصاعد حوادث الفتنة تغير الخطابان الاسلامى والمسيحى تجاه بعضهما البعض وعلّت فى بعض الاحيان فكرة استبعاد الآخر ووصمه بالمسئولية عن تراجع الوطن مما كان حافزا لاعلان الغضب أكثر من مرة وتعرية كثير من الهموم القبطية التى تؤثر على الشعور بالانتماء للوطن والتى على رأسها بناء الكنائس وحرية ممارسة الشعائر الدينية. مواطنون لا ذميين فى المواجهة ردد بعض الاسلاميين فتاوى واجتهادات مندثرة حول حرمة بناء الكنائس فى بلاد أغلبيتها مسلمون مما ساهم فى ترسيخ عقيدة لدى العامة برفض بناء أى كنيسة جديدة واعتبار ذلك نوعا من الاستفزاز غير المبرر. والحقيقة أن تلك الفتاوى اقتلعت من سياقها واعيد تفعيلها فى بيئة وزمن مغاير لما صدرت فيه وهو ما أثبته بشكل قاطع الكاتب الفذ فهمى هويدى فى كتابه الشهير «مواطنون لا ذميين». كذلك فقد صاغ الشيخ يوسف القرضاوى دراسة فقهية أصيلة فى حق الاقليات غير الاسلامية فى التعبد داخل الدول الاسلامية ، بل أنه أطلق وصف «الاخوة الوطنية» على كل من يعيش داخل الوطن واعتبر لفظ «الذمى» او «اهل الكتاب» لفظا غير مستحب لأنه يسبب شعورا بالتمييز لدى المواطنين الاقباط. والحل هو المواطنة.. والمواطنة فكرة تقرها الشريعة الاسلامية وتقبلها العقلية الاسلامية، فكل من ولد وعاش على ارض مصر وشرب من نيلها وذاب فى عشقها هو مواطن لا يجوز تمييزه او انتقاص حقوقه بسبب الدين او المعتقد او التوجه السياسى. ومادمنا ارتضينا بالمواطنة فإن سيادة القانون يجب أن تجب اى خلافات أو نزاعات بشأن كنيسة او مسجد او تغيير ديانة. فلابد ان يعلم كل مصرى اننا جميعا متساوون امام القانون، ومن يريد ان يعبد الله فى المسجد فليفعل ومن يريد ان يعبده فى الكنيسة فليفعل. ولا حل بدون تدين حقيقى. فالمسلم الحق يعلم ان دينه يأمره بالتسامح والرفق والاحسان الى الجار ايما كان دينه ، والمسيحى الحق يعلم ان عليه ان يحب جميع من حوله ويحسن اليهم حتى لو كانوا يبغضونه . والمتدين فى كلا الفريقين يعلم ان استخدام الدين لتحقيق اغراض سياسية لا يقره الله ولا رسله لأنه أسمى من ذلك. مخططات الفتنة الطائفية من المعلم يعقوب الى الصهيونية العالمية دراسة تكشف موافقة 72 % من الأقباط على تطبيق الشريعة واعتبارها ملاذا آمنا العدل لا يمكن اعتبار الفتنة الطائفية وهما، ولا يمكن تصورها كذبة اعلامية، ولا يجوز اسنادها دائما لمؤامرات الخارج ومخططات الصهيونية . الفتنة الطائفية واقع وحقيقة ومشهد يحتاج الي تصارح وتكاشف ووضوح، لذا لا يمكن أن يمر كتاب الدكتور محمد مورو الاخير عن الاقباط مرور الكرام خاصة فى ظل الأحداث الأخيرة وما تبعها من مظاهرات غضب مسيحية. إن الكتاب ينطلق من خطاب أحادى يقرأ الخريطة من زاوية واحدة ويسوق دلائل من الزاوية الاسلامية وحدها، لذا فإن مغالطات عديدة يحملها الكتاب تصب فى خانة توجيه الآخر وممارسة التمييز تجاهه تحت سقف وطن واحد، وهى مغالطات لا يمكن ان تمر دون مراجعة وتعليق ورد. من عنوان الكتاب يبدأ الخلاف واضحا عندما يوجه «مورو» خطابه الى الاقباط تحت عنوان «أيها الأقباط.. انتبهوا». إن العنوان بلاشك يحقق عنصر التمييز بين المواطنين المصريين عندما تتم مخاطبة الأقباط وحدهم كى ينتبهوا لمخططات الفتنة، وكأن تصرفات الأغلبية المسلمة دائما سليمة فيما يخص المواطنة، ومواجهة الفتنة. يخوض الكتاب فى حقول ألغام، ويتناول قضايا شائكة، ويتحدث فى موضوعات شبه محظورة وهو ما يحسب للكاتب رغم كثير من الآراء والتوجيهات التى تحتاج لمراجعة ! مشكلة التعداد السكاني من البداية يضع لنا الكاتب قنبلة فى بداية طريق العلاقة بين المسلمين والأقباط فى مصر عندما يشير الى قضية التعداد الخاص بالمسيحيين فى مصر. يسوق المؤلف عدة قياسات ليشير الى أن تعداد المسيحيين فى مصر يتم المبالغة فيه من جانب المسيحيين أنفسهم. ويشير إلى ان عام 1897 شهد عمل اول تعداد سكاني فى مصر فى ظل الاحتلال البريطاني وقد بلغ مجموع سكان مصر 9 ملايين و700 ألف نسمة منهم 8 ملايين و900 ألف نسمة من المسلمين أي بنسبة 92.23% والباقي من المسيحيين واليهود، والمسيحيون ينقسمون إلى أقباط مصريين وإلى مسيحيين من أصول غير مصريين، وينقسم الأقباط المصريون إلى أقباط أرثوذكس 592.347 نسمة وأقباط بروتستانت 12.507 نسمة وأقباط كاثوليك 4.620 نسمة، هذه هي سنة الأساس بالنسبة لتطور سكان مصر. ويستمر المؤلف فى الاستعانة بتعدادات السكان المتتالية حتى عام 1976 عندما بلغ عدد السكان نحو 36 مليون نسمة منهم 2.3 مليون من غير المسلمين بنسبة 6.3%. ويرى فى النهاية أن تطبيق تلك النسبة على تعداد السكان يهبط بهم لأقل من 4 ملايين شخص، خاصة أن غير المسلمين يضمون أقباطا أرثوذكس ومسيحيين كاثوليك وبروتستانت وطوائف أخرى. وهذا الكلام لا يصلح كمدخل لمناقشة المشكلة القبطية لأنه يجنح الى فكرة رصد تعداد فصيل من المصريين لمناقشة حقوق مشروعة لهم كالحق فى تولى مناصب أو ممارسة العبادة أو غيرها من الحقوق. فلا علاقة للتعداد فيما يخص مطالب فئة معينة لأن كل المصريين ينبغى ان يتساووا أمام القانون فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن تعدادهم. فضلا عن ذلك فإن القياس المستخدم للقول إن نسبة الاقباط تبلغ 6% يتنافى مع دراسات عديدة حيادية نقل عنها الدكتور سعد الدين ابراهيم فى بحثه الرائع «تأملات فى مسألة الاقليات» تشير الى أن نسبة الاقباط فى مصر تبلغ 8%. النسيج الوطني الواحد لكن ما يستحق الاشادة أن ينقل لنا المؤلف تقريرا للسير الدون جورست المعتمد البريطانى فى مصر عام 1910 حول صعوبة استخدام المسيحيين المصريين للسيطرة على مقاليد الحكم فى مصر. يقول ذلك التقرير « إن المسلمين يؤلفون 92% من مجموع السكان ويمثل الأقباط أكثر قليلا من 6 % (200 ألف) وإن هذه الأقلية القبطية موزعة توزيعا غير متساو بين أنحاء البلاد فهم يمثلون أقل من 2% من السكان في 30 مركزا إداريا بين 40 مركزا بالوجه البحري بينما ترتفع نسبتهم إلى 20% في 9 مراكز فقط من 37 في الصعيد.. لهذا فإن فكرة معاملة قطاع من سكان البلاد كطائفة مستقلة في نظري يمثل سياسة خطأ سوف تكون في النهاية مخربة لمصالح الأقباط.. إن شكوى عدم تطبيق العدالة مثلا في التعيين في الوظائف الحكومية تنقصه الإحصاءات التي تبين أن الأقباط يشغلون نسبة من الوظائف العامة تزيد بكثير علي نسبة قوتهم العددية التي تسمح لهم بذلك. ويكشف الكاتب أن اشعال الفتنة فى مصر كان دائما مخططا اجنبيا للمحتلين باختلاف مراحلهم بدءا من الفرنسيين وحتى الانجليز، فضلا عن المخططات الصهيونية المعلنة للتفريق بين عنصرى الامة فى مصر. ويمضى الكاتب ليؤكد أن الإسلام دين غير طائفى لتأكيد القرآن الكريم على اختلاف الناس ، واقرار حق الإيمان لمن شاء والكفر لمن أراد. وينقل لنا وثائق هامة تؤكد على فكرة المواطنة داخل الاسلام مثل عهد الرسول «صلي الله عليه وسلم» لنصارى نجران، وعهد عمر بن الخطاب لأهل ايلياء. ويحكى لنا كيف كان بنيامين بطريرك الاقباط فى مصر مضطهدا من جانب الدولة البيزنطية وعندما دخل عمرو بن العاص مصر كتب له عهدا بالأمان أينما كان. واذا كان ما ينقله لنا الكاتب من نصوص ووثائق ووقائع للتأكيد على ان الدين الاسلامى دين غير طائفي، فإن ما ينقله من نصوص ومقولات لقادة ورموز الحركة الإسلامية فى مصر فى نفس الصدد تحتاج مراجعة. إن محمد مورو يريد أن يقول لنا ان الحركة الإسلامية فى مصر حركة غير طائفية ويسوق دلائل لذلك ،رغم أن الحديث عن الحركة الإسلامية حديث عن أشخاص لا عن دين ولا يحتاج الأمر لنفى الطائفية أو تجميل المواقف. وينقل المؤلف عن الافغانى، ومصطفى كامل ومحمد فريد وحسن البنا عبارات تدخل فى إطار حماية الوحدة الوطنية . ومن ذلك قول حسن البنا « يخطئ من يتصور أن الاخوان المسلمين دعاة تفريق بين عنصري وطبقات الأمة، فنحن نعلم أن الإسلام عني أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان - كما أنه جاء لخير الناس جميعاً ورحمة من الله للعالمين». الحركة الإسلامية والأقباط لكن يؤخذ على المؤلف أنه قصر خطاب الحركة الإسلامية فى مصر على الافغانى ومصطفى كامل والإخوان المسلمين وتناسى الجماعات الجهادية التي مارست عنفا فكريا وماديا تجاه غير المسلمين طوال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى مثل جماعة الجهاد، والجماعة الاسلامية وغيرها. كما يؤخذ عليه استخدام المنهج الانتقائى فى خطاب جماعة الاخوان المسلمين حيث ان مقولات البنا فى حقوق المواطنة والوحدة الوطنية تقابلها مقولات اخرى لقادة تاريخيين فى الجماعة مثل مصطفى مشهور ترى أن على المسيحيين عدم المشاركة فى التجنيد ودفع الجزية! كذلك فإن البرنامج الخاص بالحزب السياسى لجماعة الاخوان الذى طرح منذ سنوات قليلة حظر على الاقباط والنساء الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وهو ما يمثل تمييزا فى خطاب المواطنة. ويفجر الدكتور محمد مورو مفاجأة من العيار الثقيل عندما يعرض لدراسة اجتماعية قام بإعدادها الدكتور احمد المجدوب عام 1985 تشير الى ان 72% من الاقباط يوافقون على تطبيق الشريعة الاسلامية ويرون فيها ملاذا آمنا لتحقيق العدل وصيانة الحقوق. وينقل المؤلف العديد من المقولات لسياسيين ومفكرين اقباط يؤكدون انتماءهم للحضارة الاسلامية ويدعون كافة المسيحيين المصريين للاندماج فى هذه الحضارة، وربما من اشهر تلك المقولات قول مكرم عبيد باشا «نحن مسلمون وطنا ونصارى دينا .» ومنها قول الدكتور انور عبد الملك «إن الإسلام في أوطاننا معين عظيم ومنبع أصيل وإطار حضاري لتعبئة الجماهير الشعبية في معركة التحرر والسيادة». ومنها عمليا موقف جمال اسعد من جماعة الاخوان المسلمين وترشحه على قوائمها فى انتخابات مجلس الشعب، ثم ترشحه على قوائم حزب العمل ذى التوجهات الاسلامية فيما بعد. ويستعرض المؤلف عشرات المواقف الوطنية للمسيحيين المصريين فى دعم الحركة الوطنية بدءا من الحملة الفرنسية ومرورا بالثورة العرابية والكفاح ضد الاحتلال البريطانى، ولم يشذ فى الموقف الا عدد محدود عملوا جواسيس للمحتل مثل المعلم يعقوب خلال الحملة الفرنسية، واخنوخ خلال الاحتلال البريطانى. ومجمل القول ان الكتاب رغم جهد صاحبه وعمقه وعرضه لوثائق عديدة ومتنوعة لم يتعمق بشكل مباشر فى مشكلة الاقباط المصريين وقضية المواطنة واكتفى بتوجيه خطاب أحادى لهم ، وكان الاولى أن تطرح المشكلة بجانبيها ويتم وضع حلول ومقترحات تؤكد فكرة المواطنة وتشطب مخططات الخارج لاشعال الانقسام والفتنة بين المصريين تحت مظلات دينية. الفضائيات الدينية ودورها في إشعال الوطن لكل دولة كيان وأسس تقوم عليها تحاول وتسعي من خلالها الحفاظ علي تواجدها ومكانتها بين الدول وتحقيق التنمية الشاملة وتوفير الأمن والأمان والشعور بالاستقرار إلي جانب كل ما يتمناه أي مواطن يعيش علي أرض وطنه. وتعتبر الفتة الطائفية من أهم عوامل تفكيك الدولة لكونها تولد الصراع بين أبناء الوطن الواحد دون النظر في سعيهم ومشاركتهم في بناء الوطن من ناحية ومن ناحية أخري انشغال الدولة بوأد الفتنة ممت ينتج عنه الوقوف لفترة معينة في طريق الإصلاح ومن ثم التأثير علي الأمن القومي والاقتصاد الوطني وما يتبع ذلك من خسائر. ونتحدث عن كل ماسبق في إطار ما شهدته مصر مؤخرا بعد أحداث ماسبيرو والتي نتج عنها مقتل وإصابة العشرات في اشتباكات بين متظاهرين أقباط وقوات الجيش في الوقت الذي أعلن فيه عن وجود أياد خفية كانت ضمن المظاهرات سعت لإحداث الفتنة والوقيعة. سموم الفضائيات وللحقيقة فإن كل مايحدث بين الحين والآخر في هذه القضية الشائكة ناتج عن عدة أسباب يأتي في مقدمتها ماتبثه القنوات الدينية من سموم في نفوس أبناء المجتمع سواء كانوا من المسلمين أو المسيحيين أو طائفة أو مذهب آخر. وقد شهدت الفترة الماضية صراعا بين القنوات الدينية مابين قنوات دينية إسلامية وسلفية ومسيحية وماشابه ذلك، وللأسف يوجد بهذه القنوات من يحرض علي الفتنة الطائفية بل يفرضون أرائهم ويتمسك كل طرف بما يقتنع ولايقبل كل منهما الآخر ليكون المشاهد في نهاية مجرد ضحية لهذه القنوات وأبطالها المزيفين المصنوعين من ورق ومن ثم يتولد الحقد والكراهية والعداء لأي دين غير الذي يحمله. ويري علماء النفس والاجتماع والمتخصصون في هذا الشأن أن القنوات الدينية المتشددة والمنحازة لديانتها ورسالتها تسبب بصورة كبيرة جدا في خلق شعور عدائي ضد الديانات الأخري نتيجة تحقيق أهداف شخصية ربما تكون ممولة خارجيا لإرباك الوطن وتفكيك قواه في ظل الغياب الواضح لدور الدولة والرقابة علي ذلك المنتجات المسمومة. وقد ازداد الأمر في تلك القضية خاصة العام الماضي حيث قررت الشركة المصرية للاقمار الصناعية «نايل سات» وقف بث أكثر من12 قناة بشكل مؤقت وتوجيه الإنذار ل20 منها بعد تجاوز هذه القنوات للخطوط الحمراء ووقوعها في فخ الفتنة والتحريض الديني وهو ماوصفه البعض بأنها منابر الفتنة. الحض على الكراهية ونتساءل هنا عن انتشار هذه الفضائيات الدينية غير الملتزمة والتي تحض علي كراهية ورفض الآخر وباتت تنتشر بشكل يوحي بالخطر قد يسخر بعضها لخدمة أهداف هادمة للوطن ووحدته ،إلي جانب حالة الفوضي الناتجة عن صدور الفتاوي الدينية في معظم القنوات وعلي اختلاف الأديان من اشخاص غير مسئولين ولا يوجد ضمانة حقيقية لما يقولوه ولايمثلون أي مؤسسة دينية حتي تكون هناك مصداقية لما يقال ومحاسبة لكل مخطئ. وللحقيقة فإن الامر لايتعلق بالقنوات الدينية الإسلامية أو المسيحية فقط أو القنوات الشيعية أو السنية أو عن الدعاة الذين هبطوا إليها بالباراشوت لإصدار فتاوي وتكفير الآخر فحسب، بل إن الأمر اصبح يتعلق بالظاهرة الجديدة والخطيرة وهي مهاجمة بعض القنوات المسيحية للإسلام ومهاجمة بعض القنوات الإسلامية للمسيحية بل وصل الأمر لمهاجمة القنوات الشيعية للسنة والعكس وأصبح الأمر لايخدم الترويج للديانة التي تتبناها بقدر ما تهاجم الدين الآخر. ويؤكد بعض العلماء أن تلك الفضائيات وراء فوضي الفتاوي والمعرفة الدينية والفهم الصحيح لقواعد الدين والتشجيع علي التشدد والتزمت وتسعي لتسطيح الفكر سواء الإسلامي أو المسيحي الصحيح لمصلحة أهداف مذهبية أو فكر معين . وتكمن المشكلة الأخطر في استعانة هذه الفضائيات التحريضية بغير المتخصصين سواء في العلوم الإسلامية أو المسيحية، الأمر الذي ينتشر من خلاله الأفكار المثيرة للجدل بين الناس. ومن المعروف أن المصريين عاشوا جميعا في وطن واحد تذوقوا علي أرضه طعم الهزيمة والنصر وشاركوا في التضحية بدمائهم في سبيل رفعته وانتزاع كرامته دون التفرقة بين مسلم ومسيحي،ولكن استجابة القلة لمخططات خارجية من خلال إنشاء بعض القنوات المتطرفة دينيا كان من ضمن عوامل نبذ الخلاف والصراع الذي سرعان ما ينتهي لكون المصريين مسلمين ومسيحيين يعرفون مدي الحبة والتسامح بينهم. ونؤكد أنه آن الأوان ليكون هناك ضوابط لذلك المنبع المسموم الذي يهدد أمن وسلامة الوطن وذلك يتمثل في عدة خطوات أهمها وضع ميثاق شرف إعلامي تتوافق عليه الفضائيات يعمل علي تنظيم محتواها دون أن يحد من حريتها في الوقت الذي لايجب أن تكون فيه نافذة للحروب الدينية ونبذ التعصب الديني. كما أن غياب دور الأزهر الشريف والكنيسة في الرقابة علي تلك القنوات كان عاملا أساسيا في تماديها فيما تبثه من حقد وكراهية وتعصب وبالتالي يجب من الآن وضع القنوات الإسلامية تحت إشراف الأزهر الشريف لضمان نشر روح وتعاليم الإسلام السمحة التي كانت سببا في انتشاره منذ خلقه ومنع الأفكار الشاذة التي تسعي لهدم المجتمع والإساءة لهذا الدين، كذلك حتمية وضع القنوات المسيحية تحت إشراف الكنيسة للتحقق مما تبثه. محاسبة المخطئ ومن هنا سنكون أمام مؤسسات دينية بغض النظر عن ما تتبناه حتي تكون هناك محاسبة لكل مخطيء ورقيب لكل مايقال بعد أن أصبحنا أمام أشخاص تحركهم الأهداف الشخصية والنزعة الدينية دون معرفة الطريق الذي اتخذوه للوصول عبر هذه الشاشة ومن وراء تمويل ذلك خاصة أننا لا نري حجم إعلانات قد يغطي تكلفة ماينفق علي هذه القنوات. ولعل مايحدث حاليا لهو خير دليل علي مدي الفوضي التي نعيشها ،لكننا لانلوم هذه الفضائيات وحدها بل هناك دور فعال للمشاهد الذي عليه التفرقة بين المنتج الجيد والرديء وعدم انسياقه وراء هذا المخطط خاصة بعد عصر الانفتاح والمعرفة وسهولة الحصول علي المعلومة في أي وقت وفي كل مكان،وبالتالي فالمواطن السوي عليه ألا يكون مجرد دمية تحركها شاشة صغيرة داخل منزله عبر اشخاص ربما غير متخصصين. إن ماتفعله بعض الفضائيات لن يغير من طبيعة الشعب المصري التي صنعت من دماء المسلمين والمسيحيين وامتزجت معا علي أرض سيناء مهما حاول الحاقدون علي استقرار هذا الوطن أن يعبثوا به ويهدروا إمكانياته ويفرقوا وحدته لنبقي جميعا في كل وقت نهتف «عاش الهلال مع الصليب» ولو كرهت هذه الفضائيات هذا الهتاف. قانون العبادة الموحد ليس الحل النهائي للمشكلة الطائفية في مصر ألغام عديدة تفرض نفسها بشأن سبل وتداعيات تقنين القضية ما إن يندلع حدث من أحداث الفتنة الطائفية في مصر التي تكررت فيما بعد ثورة يناير حتى يصيح الكثيرون مطالبين بقانون العبادة الموحد باعتباره الحل السحري لمشكلة بناء الكنائس والتي لا يمكن الاختلاف حول أنها تعتبر السبب الرئيسي للتوتر الطائفي في مصر السنوات الأخيرة. وما أن تتصاعد الأحداث حتى تخرج الحكومة علينا بالتأكيد على قرب صدور القانون وأنه أصبح قاب قوسين أو أدنى.. غير أنه ما إن تهدأ الأحداث حتى يتم طي موضوع القانون في الكتمان وكأن شيئا لم يكن. حدث ذلك في ظل النظام السابق ويتكرر اليوم.. فبعد أحداث كنيسة القديسين وفي ظل وجود النظام السابق خرج علينا الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون البرلمانية والمجالس النيابية آنذاك ليؤكد أن هناك لجنة داخل الحزب الوطني تدرس فكرة قانون دور العبادة الموحد، وأن مشروع القانون فكرة مازالت محل دراسة، لافتاً إلي أن اللجنة تدرس الاختيار والأسلوب الأمثل لتنظيم عملية بناء دور العبادة سواء الكنيسة أو المسجد، وتبحث القواعد الموضوعية لهذا الأمر. وتكرر التصريح ذاته على لسان العديد من المسئولين في حكومة الدكتور شرف بل وعلى لسان الدكتور شرف نفسه.. بعد حادثة إطفيح وبعد حادثة إمبابة وأخيرا بعد أحداث ماسبيرو التي اندلعت بسبب الخلاف بشأن المريناب. وفي هذا الخصوص حملت الينا الأنباء خبرا حول استعراض الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء خلال لقائه منذ يومين مع فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بمقر مشيخة الأزهر قرارات مجلس الوزراء الأخيرة والخاصة بسرعة إنهاء قانون دور العبادة الموحد. لماذا تأخر القانون؟ على هذا الأساس تبدو لنا أهمية الدعاوى التي تزايدت بشكل كبير، لإنجاز قانون موحد لبناء دور العبادة، وهو القانون الذي يتوافر شبه إجماع بين كثيرين على أنه سيكون كافيا لحل مختلف المشاكل، إن لم يكن إغلاق الشق الأكبر من ملف الخلاف بين المسلمين والاقباط. غير أن جولة سريعة لمحاولة الإلمام بما جرى بشأن قانون دور العبادة تفرض التساؤل بشان أبعاد تأخر صدور القانون حتى الآن؟ خاصة في ضوء ما تشير إليه بعض المعلومات بأنه دخل مجلس الشعب منذ 38 عاماً ولم يخرج ولم يناقش فى أى لجنة رغم أنه قدم من أربعة نواب. وينطلق أنصار تشريع هذا القانون من حجة وجيهة تقوم على اساس أنه ليس من المنطقي أن يظل العمل ساريا بقرار وزارة الداخلية عام 1934, والذي أصدره وكيل وزارة الداخلية حينذاك ووضع شروطا عشرة يجب استيفاؤها قبل التصريح ببناء الكنائس! ورغم محورية الحديث عن القانون إلا أنه لم يتعرض للمناقشة التفصيلية حتى اليوم وما إذا كان يمثل حلا أم لا. ففي مجال الإشارة إلى مزايا الأخذ بمثل هذا القانون يشير البعض إلى أنه فى حالة إقرار القانون فإنه من المنتظر وضع حد للنزاعات التي تنشأ بين مختلف فئات المجتمع فى كل أنحاء مصر من خلال وجود قانون موحد يحكم الجميع، وهو ما سيسهم فى ترسيخ ثقافة ومبادئ المواطنة داخل وجدان المصريين على اختلاف انتماءاتهم الدينية، مما يدعم روح التسامح والمحبة فى المجتمع وهو ما يؤكد أن المشاكل والأحداث الطائفية التى وقعت خلال السنوات الأخيرة قد يتم تجاوزها من خلال إقرار قانون العبادة الموحد والذي سيكون ملزماً لجميع الفئات والقيادات فى المجتمع. كما أنه يأتى تطبيقاً للدستور الذي ينص على مبدأ المواطنة والمساواة. هذا في حين أن البعض يشير إلى أن هناك ألغاما عديدة قد تفجرها محاولات إصدار قانون موحد لدور العبادة ومن ذلك أنه ينبغي ان يعتمد على مفهوم المواطنة وهو ما يعني ضرورة الإعلان عن تعداد المسلمين والمسيحيين في مصر وتوحيد الأوقاف المسيحية والمسلمة في إطار مفهوم مدنية الدولة وغير ذلك من الجوانب التي قد لا يقبلها المسيحيون قبل المسلمين على نحو ما أشار إليه بشكل او بآخر الدكتور إبراهيم البيومي غانم في مقالة له حول هذا الموضوع. القشة التي قسمت ظهر البعير مؤدي ذلك أن أزمة المارينات والخلاف بشأن تحويل مضيفتها إلى كنيسة والتى ترتب على أثرها أحداث موقعة ماسبيرو وراح ضحيتها قتلى من الاقباط والجنود المصريين هى القشة التى قسمت ظهر البعير لإخراج قانون دور العبادة من ادراج الحكومة.. فهناك العديد والعديد من المطالبات بتنظيم بناء دور العبادة فى مصر. ما أشبه الليلة بالبارحة فكل الاجتماعات والمبادرات التى دعا اليها الازهر الشريف وممثلو الكنائس المصرية طوال السنوات الماضية لإعداد قانون موحد لدور العباده لم تات بجديد.. وربما يرجع ذلك الى عدم جدية المسئولين فى مصر لإصداره.. الامر الذى استغله البعض من الأقباط المتشددين في الخارج بفكرة الاستقواء بالخارج فضلا عن تكوين ائتلافات للدفاع عن الأقباط فى مصر وكأننا أصبحنا دوله داخل دولة! ورغم ان الاعتراف بالفشل هو الطريق لحل كثير من الازمات.. إلا أن الحكومات فى مصر قبل وبعد الثورة كما هى لا ترى ولا تسمع شيئا.. دلالة ذلك أنه يتم التعامل مع إدارة الازمة لتجميلها وليس لحلها ومنع تكرارها.. فضلا عن ذلك فمن الواضح غياب فعالية المؤسسات الدينية في إدارة الأزمة والتي كان يمكن أن يعول عليها في هذا الصدد. صحيح ان مجلس الوزراء خرج علينا منذ أيام بعد موقعة ماسبيرو بملامح مشروع قانون دور العبادة والذي يتضمن إلغاء شرط وجود مسافة 1000 متر بين دار عبادة وأخرى، وتكون المسافة تخضع للتخطيط والتنظيم العمرانى بما يتناسب مع سكان المنطقة، كما تم إلغاء شرط إقامة دور العبادة بعدد السكان، ووضع بند بأن تكون دور العبادة تناسب المصلين، طبقا للطلب المقدم من جهة الاختصاص ,فضلا عن تخصيص مساحات مناسبة من الأراضى بالمجتمعات العمرانية الجديدة لأماكن دور العبادة، ووضعها ضمن التنظيم والتخطيط، وإعطاء الحق للجهات المتقدمة بطلبات بناء الكنائس للتقدم بطعون امام القضاء الإدارى لنظر الطعون المقدمة فى حالة رفض الجهات المختصة طلبات إقامة دور العبادة.. حيث لم يقابل المشروع بالرفض المعتاد مثلما كان يحدث فى الماضى, خاصة بعد الغاء بعض البنود التى كان يراها الاقباط قيودا تعرقل بناء الكنائس. تعريف دور العبادة غير ان المقترح الجديد يفتح العديد والعديد من الأسئلة ابرزها ماهو التعريف الحقيقى لدور العبادة وماهو الشكل المعماري الذى يجب انشاء المبنى الدينى عليه..وإلا تحولت كل مضيفة لدير او كنيسة وكل زاوية الى جامع.. ولماذا ظلت الحكومة تتمسك سنوات طويلة بضرورة إقامة الكنيسة على مساحة الف متر.. فى الوقت الذى تكفل فيه المواثيق الدولية وميثاق الأممالمتحدة الأحقية فى بناء أماكن لإقامة الشعائر الدينية على مساحة 100 متر. هذا من ناحية فإن هناك بعض الجوانب التي ينبغي أن تطرح نفسها في هذا المجال وتدور حول فكرة التسابق إلى بناء دور العبادة مساجد كانت أم كنائس وهو ما يطرح التساؤل حول عدد الكنائس الموجود حاليا في مصر وما إذا كان غير كاف؟ واذا تم فتح الباب على مصراعيه لبناء الكنائس ماهى الجهة التى ستمول عمليات البناء؟ والأهم من هذا وذاك ايهما اولى ان نبنى كنيسة أو مسجدا داخل شارع بجهود ذاتيةام نبنى مشروعا تستفيد منه كل يد عاطلة فى مصر؟ أخشى ما نخشاه ان تواجه مصر طيفا جديدا من التعصب الدينى ,.السكوت طوال السنوات عن صدور قانون دور العباده امر خطير.. لكن إصدار القانون الآن قد لا يكون هو الحل! الماريناب .. كلمة السر في أحداث ماسبيرو فتش عن أذرع الفتنة الممتدة من أسوان إلى القاهرة، الممهورة بخاتم أزمة «الماريناب»، تلك القرية الكائنة بمركز إدفو، محافظة أسوان، مستسلمة لمخاصمة الأضواء الإعلامية لمدة قرن من الزمان، وغابت عن سمائها سحب الفتنة، مثلما هو الحال مع محافظة لم تعرف الطائفية التسلل إلى عتباتها، رغم تلبد الأجواء بين أقباط مصر ومسلميها على فترات متباعدة في محافظات مختلفة. على سطح الأحداث ظهر اسم «القرية» التي رغم انزوائها إقليميا، جاورت شهرتها أماكن الصراعات العالمية، عقب امتداد الأزمة التي نشأت إزاء احتدام الجدل حول مبنى بمنطقة «ماريناب» يحسبه الأقباط «كنيسة»، وفقا لتصريحات القيادة الكنسية، بينما تراه المحافظة «مضيفة»، طبقا لأوراق في حوزتها تدعم قناعتها ليبقى القانون «حكما» بين الفريقين، قبل أن تمارس «خفافيش الظلام» هواية النفخ في نار «الطائفية» إبان كل حادثة أحد أطرافها قبطي، وتجري الدماء بالقاهرة في مشهد لم يتكرر في أحلك المواجهات إبان أيام ثورة الغضب. القوى الظلامية في المشهد، تتسلل من وراء جدر، بقايا أقباط المهجر، موريس صادق, عصمت زقلمة – ممثلي الدولة القبطية المزعومة، مارسوا هوايتهم في سكب الزيت على النار، وطالبوا السفير الإثيوبي بالعاصمة واشنطن، بإرسال قوة شرطة عاجلة من الجيش الإثيوبي وقوات الاتحاد الإفريقي إلى محافظة أسوان لاحتلالها بدعوى حماية الأقليات المسيحية في مصر عقب أحداث «ماريناب». من قرية الماريناب بإدفو التي تقع شمال محافظة أسوان، انطلقت ثالث شرارات الفتنة الحارقة الجمعة الماضية بين مسلمين ومسيحيين، وكأنها نسخة مكررة من حادثي «صول»، و«إمبابة» منذ غروب شمس النظام البائد بسبب بناء كنيسة. الخسائر في تلك الحادث احتفظت بندرتها، إلا فيما يزعمه البعض من هدم وإحراق أجزاء من مبنى اعتبره الأقباط «كنيسة»، بحسب تراخيص يملكونها، وأوراق أرسلها المقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية اليوم، وفقا لمصدر مطلع – رفض ذكر اسمه – إلى المجلس العسكري، ثم حرائق طفيفة شملت ثلاثة منازل، بينما غاب وصف «القتلى». وجهة نظر الكنيسة أن محافظ أسوان، مصطفى السيد، أخطأ حين قال إن المبنى غير مرخص على أنه «كنيسة»، في حين أن البابا شنودة الثالث، رأس الكنيسة، تلقى ملفا كاملا يتضمن ما يسمى وفقا للقيادات الكنسية «تراخيص الكنيسة»،ويتضح عند الاطلاع عليه أن تصريح «الهدم» صادر بشأن كنيسة، وليس مبنى «مضيفة»، والتي يصلي فيها قرابة 45 أسرة منذ سنة 1940، وقدم الطلب وفقا للأوراق للإدارة الهندسية لترميمها فيما بعد، لكن لجنة استشارية هندسية تابعة للمحافظة قضت بعدم صلاحيتها للترميم ولا للصلاة فيها، داعية إلى الإحلال والتجديد. وفي ذلك أرسل محافظ أسوان طالبًا رأى مفوضى هيئة الدولة فى التقرير، فصدر قرار من مفوضى الدولة بأنه لا مانع من إحلال وتجديد الكنيسة وبناء عليه صممت رسومات هندسية للكنيسة وقدمت للإدارة الهندسية، التى وافقت عليها وأعطتهم رخصة رقم 42 فى مايو لسنة 2011 باسم كنيسة مارجرجس وليس بدار ضيافة . خارج إطار الكنيسة أمهلت الحركات القبطية المتمثلة في «اتحاد شباب ماسبيرو، وأقباط من أجل مصر، وأقباط بلا قيود»، الحكومة والمجلس العسكري 48 ساعة لوضع حل جذري للأزمة الراهنة، بعيدا عن جلسات الصلح العرفية وتنفيذ المطالب التي يعتلي قمتها إقالة محافظ أسوان، وإعادة بناء الكنيسة في موضعها الحالي بالمساحة ذاتها، والقبض على الجناة. وهدد شباب الأقباط برعاية القمص متياس نصر منقريوس كاهن كنيسة عزبة النخل بالدخول في اعتصام مفتوح أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون «ماسبيرو»، وهو المكان المفضل بالنسبة لهم منذ أحداث «أطفيح»، في حال استمرار الوضع على ما هو عليه. قطع الطريق أمام المارة والسيارات اعتبره - منقريوس- ومن معه من شباب الأقباط «إنذارا» للحكومة والمجلس العسكري، ورسالة مفادها «اختشوا وخلوا عندكم دم» - على حد تعبيره - محذرا من تحول غضب الشباب «النبيل» إلى غضب «مدمر»، مختتما بعبارة «الأقباط لن يتحملوا كثيرا». قبيل العد التنازلي للمهلة المحددة من جانب الأقباط بالقاهرة، كان القمص مكاريوس، كاهن كنيسة مارجرجس ب«ماريناب» على موعد مع لجنة معاينة من الإدارة الهندسية بمجلس المدينة، يتلخص عملها في مطابقة أوصاف المبنى على ما جاء في ترخيصه، وبعدها يقول «مكاريوس»، شباب الأقباط ب«أسوان» يعتزمون تنظيم مظاهرة غدا أمام مبنى المحافظة للتنديد بالموقف الحالي، انطلاقا من قناعتهم الكاملة بمهلة 48 ساعة التي أعلنها القادة بالقاهرة . على الجانب الآخر، شرح مصطفى السيد محافظ أسوان في بيان له تداولته كافة وسائل الإعلام، ملابسات الموقف، مشفوعا برفض قاطع لما أسماه «ادعاءات بعض المنظمات القبطية» بتعرض بعض الأقباط للحرق والسلب والنهب، لافتا إلى أن أحد الأقباط في قرية المريناب بإدفو، خالف قرارا صدر في 2010 بإعادة بناء «مضيفة «على مساحة 280 مترا، وكانت في الأصل عبارة عن منزل قديم لشخص يدعى «معوض يوسف» وحولها إلى كنيسة مما تسبب في احتقان وإثارة أهالي القرية. وأرجع البيان الذي أقر اعتراف القيادة الكنسية بالخطأ، والاعتذار عنه، سبب الاحتقان إلى تباطؤ أحد المقاولين الأقباط، كانت قد وكلت إليه عملية إزالة المخالفات. وأشار إلى أن المخالفة تتلخص في أن موافقة المحافظ على إعادة بناء مضيفة تستخدم كدار مناسبات بارتفاع 9 أمتار، قوبل ببناء ارتفاع 13 مترا، وبناء عدد من القباب أعلاها لتأخذ شكل كنيسة دون وجود تراخيص. بين الجانبين تفصل لجنة تقصي حقائق أرسلها مجلس الوزراء اليوم لبحث ملابسات الموقف، أعضاءها الأربعة وهم «محمود العلايلي، وبيشوي تمري، وأحمد عادل، وانطوان عادل»، ومهمتها تسليم تقريرها لمجلس الوزراء. على مسافة واحدة من كافة الأطراف، وفقا لتصريحات محمد حسن – مدير إدارة الإعلام بالمحافظة ل«الوفد» يقف القانون، الذي يحتكم إليه الجميع، وقال إن لجنة تقصي الحقائق، إذا التقت محافظ أسوان، فلن يقال لها أكثر مما جاء في البيان سالف الذكر. انتقال الغضب إلى القاهرة بهذا الشكل المتصاعد ،ربما دعا إليه تكرار حوادث الإعتداء على الكنائس ،عقب ثورة يناير ،قيادة الكهنة لمظاهرات الغضب عزز من تحول حماس شباب الأقباط إلى غضب مدمر ،وفقا لتصريحات كمال زاخر منسق جبهة العلمانيين الأقباط ،والذي حذر من صبغة المسيرات «الطائفية» ،التي قد تخلق عنفا،وهو ما أكده فيما بعد سير الأحداث أمام ماسبيرو ،منذ مسيرة 5 أكتوبر ،التي دعا إليها اتحاد شباب ماسبيرو، واتجهت إلى ماسبيرو ،لكن إصرار القيادات على الإعتصام، إزاء محاولات التفاهم التي قام بها قيادات الشرطة العسكرية وقتئذ ،دفعت إلى فض الإعتصام بالقوة ،لتتحول مسيرة الأحد 9 أكتوبر إلى مظاهرة ل«أخذ الثأر»، انتهت ب«جريان الدماء» على كورنيش ماسبيرو، لتزداد ضبابية المشهد المصري، فوق ضبابيته. فالخطر أصبح محدقا بالجميع وخاصة بالثورة المصرية التى يراد لها من الكثيرين من منتفعى النظام السابق والأيدى السوداء داخليا وخارجيا ان تخنق وتنتكس وبالتالى تشيع الى مثواها الاخير، فدائما ما كان مدخل الفتن هو الوتر الذى تعزف عليه سيمفونية الفرقة، وهى النار التى ان اشعلت فإنها ستأكل الجميع دون تفرقة بين مسلم ومسيحى. كل هذا لم يأت بين ليلة وضحاها فنافخو الكير من النظام السابق ابقوا على باب الفتنة والوقيعة بين المصريين مسلمين ومسيحين مواربا لكى يستتب لهم الأمر والتحكم والتدخل فى الوقت المناسب، وبالتالى الظهور فى مشهد الضامن والحامى لأمن البلاد. المتابع للمشهد المصرى الآن يجده يقبع على صفيح ساخن، الأمر يحتاج لحلول جذرية ومرضية للجميع، لا مجرد مسكنات ومطببات والجرح لازال عميقا وينزف. الخط الهمايوني .. القانون المفترى عليه قد لا يوجد بيننا من لا يعرف كلمة «همايوني» غير أن من المؤكد أن الكثيرين منا لا يعرفون على نحو دقيق ماهية الكلمة وتفاصيل ما تشير إليه، وحتى من يعرف فإنه ليس لديه الرؤية المتكاملة رغم أنه يمكن بكبسة زر بسيطة على شبكة الإنترنت الوصول إلى مئات الوثائق تفصل لنا ما نريد. ومن أصل الكلمة نشير إلى أن (همايون) كلمة فارسية معناها طائر وصل إلى أعلى المراتب لذا أطلقوه على السلطان العثماني وأطلقوا كلمة «باب همايوني» علي باب السلطان وخط همايوني أي خط أو طريق أو مرسوم إمبراطوري وكانت تطلق المراسيم أو القرارات التي يصدرها السلطان العثماني ومن هنا أطلقت على المرسوم الذي أصدره السلطان العثماني بشأن بناء الكنائس في مصر. صدر «الخط الهمايوني» في أوائل جمادي الآخرة 1272 ه - 18 من فبراير 1856 فبعد أن ساعدت إنجلترا وفرنسا السلطان عبد المجيد سلطان الدولة العثمانية في حربه على روسيا قرر إصدار مجموعة إصلاحات سميت بالخط الهمايونى. ورغم ذلك فإن قانون الخط الهمايوني يناله القدر الأكبر من الهجوم على خلفية بناء الكنائس في مصر بدعوى أنه يقف حائلا وراء ذلك رغم أن الحقيقة التي يقر بها الجميع تختلف عن ذلك بكثير. وفي أحدث دراسة حول هذا الموضوع للباحث القبطي سمير مرقص نشرها في مجلة المصور العدد الأخير – 12 يناير 2011 – فإن الخط الهمايوني وفقا له يعتبر مظلوما في نسب اضطهاد المسيحيين له، بل إن الأمر على العكس حيث إن ما كسبه الاقباط بعد الخط الهمايونى كان أكبر من قبله. ولكن ما يؤخذ على الخط الهمايونى فقط ان بناء وترميم الكنائس يحق فقط ترخيصه من قبل السلطان ذاته وهذا شيء ما كان بسيطا ابدا وقتها ناهيك عن الوقت الممكن استغراقه لترخيص أو لترميم كنيسة ايلة للسقوط مثلا. ليس ذلك فقط بل إن مرقص يشير إلى أن الخط الهمايوني ليس جزءا من البناء القانوني المصري، وأن دستور 1971 الغي أي أثر له فعليا حيث نص في المادة 46 على أن تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية بالمطلق. كما أنه لا يوجد تاريخيا أي قوانين تفصيلية تتعلق ببناء الكنائس سوى الإجراءات الإدارية المعروفة بشروط العزبي باشا سنة 1934 وهي إجراءات إدارية لا ترقى إلى مرتبة القانون. فيما يذهب رأي آخر إلى أن القانون الهمايوني يعتبر «فزاعة» يرفعها البعض تغييبا للحقائق والتي مفادها وفق رؤية هذا الفريق أن القانون كان مطلبا قبطيا وقت صدوره وتمسك به بطريرك الاقباط الأرثوذكس لإنقاذ كنيسته من «طوفان» الإرساليات الإنجيلية، والكاثوليكية أيضا. ثم إنه هو نفسه الذي استندت إليه الكنيسة الأرثوذكسية في دعواها ضد كنيسة الأنبا «مكسيموس»، ما يفرض التساؤل حول ما إذا كان قانون عثماني بال تطالب الكنيسة بالخلاص منه، أم هو قانون تعترف به وتستند إليه؟ إذا كان الأمر كذلك فما هي مشكلة بناء الكنائس في مصر؟ تقتضي الحقيقة التأكيد على أن هناك مشكلة ومزمنة في هذا الخصوص، الأمر الذي أكده تقرير التحقيق في الفتنة الطائفية عقب أحداث الخانكة عام 1972 للدكتور العطيفي حيث اشار إلى أن بناء الكنائس من أهم اسباب الفتنة الطائفية وكذا عدم وضع نظام ميسر لتنظيم هذه التراخيص دون تطلب صدور قرار جمهوري في كل حالة. تقتضي الإجابة قدرا من الغوص غير البعيد في التاريخ المصري فقد تمتع خلاله الأقباط بالمساواة مع المسلمين فترة من الزمن فى بناء أماكن الصلاة فلم يكن أحد يطالبهم بترخيص أو خلافه فكانوا يقومون ببناء الكنائس بدون أى اعتراض من جهةالإدارة أو باقى أجهزة الدولة كما لم توجد شكاوى من المواطنين المسلمين. وحسب مرقص في دراسته المشار إليها فإن بناء الكنائس خلال القرن التاسع عشر لم يكن يواجه بأي قيود، وحتى ما بعد منتصف القرن العشرين، وهو ما أكد حقيقة أن بناء الكنائس في مصر لم يكن يخضع لنص مكتوب وإنما لواقع اجتماعي ولحاجة دينية على مر العصور. وفي محاولة لتحديث التشريعات المتعلقة ببناء الكنائس اصدر الرئيس حسنى مبارك القرار الجمهورى رقم 13 لسنة 1998 بنقل اختصاص ترميم الكنائس للمحافظين ولكنه احتفظ لرئيس الجمهورية بقرار بناء الكنائس. وبهذا القرار تساوى المسيحيون والمسلمون تحت قانون واحد لترميم دور العبادة وهو قانون الادارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 وحسب قانون اعمال البناء الصادر في 1976. غير أن هذا القرار لم يحل المشكلة ما يؤكد أن هناك حاجة إلى قانون منظم لبناء دور العبادة في ضوء المادة 46 من الدستور بتوافق وطني عام على قاعدة المواطنة.