ركز الإعلام الغربى جهوده فى الفترة الماضية على التشكيك فى مصر كدولة، مقللا من أهمية بعض القرارات الإيجابية التى تم اتخاذها على الصعيدين السياسى والاقتصادي، ومضخما لكثير من المشكلات والسلبيات التى تواجهها الدولة بما أوتيت من قوة، ونجحت فى التعامل مع بعضها وأخفقت فى التعامل مع بعضها الآخر. فقد ركزت وكالة «رويترز» للأنباء على استعادة ذاكرة «أفلام» الترويج لانتهاكات الشرطة ووصفها بأنها «ممنهجة»، وقالت فى إطار تعليقها على الحكم القضائى الصادر بسجن فرد الشرطة الذى قتل بائعا متجولا فى إحدى المدن الجديدة بالقاهرة، إن الشرطة المصرية مسئولة بشكل واضح عن مقتل وتعذيب الباحث الإيطالى جوليو ريجيني، وذلك فى تقرير بثته بتاريخ 16 نوفمبر، والذى تجاهلت فيه حقيقة أن القضاء المصرى أعاد الحق لأصحابه فى قضية البائع المقتول برصاص فرد الشرطة بسبب «كوب شاي»، وأيضا تعمدت إلصاق تهمة قتل ريجينى بالشرطة المصرية، دون وجود دليل، رغم أن هذا لم يثبت بشكل واضح حتى يومنا هذا، وما زال الموضوع رهن التحقيق. وسقطت الوكالة نفسها فى الفخ نفسه عندما شككت فى تقارير لها حول إمكانية استفادة مصر من قرض صندوق النقد الدولي، وقالت إن مصر ستفشل على الأرجح فى تحقيق أى استفادة من هذا القرض، هكذا، وبدون أى مبررات أو أسانيد قائمة على أسس اقتصادية سليمة، وبالمخالفة لآراء معظم المختصين والخبراء، بمن فيهم مسئولو صندوق النقد الدولى أنفسهم. أما وكالة «أسوشيتد برس» للأنباء، فقد تعمدت التقليل من أهمية قرارات العفو الرئاسى عن بعض الشباب المحبوسين، رغم أن هذا كان أحد أبرز مطالب شباب القوى السياسية والأحزاب منذ فترة طويلة، ولكن يبدو أن العفو الرئاسى لم يعجب محررى الوكالة لأنه لم يتضمن قيادات الإرهاب والفوضى المحبوسين أو الصادر بحقهم أحكام قضائية. وحرصت الوكالة فى تقرير بثته يوم 17 نوفمبر على إبراز مزاعم جماعات حقوقية مشبوهة بشأن ما تسميه «ضخامة أعداد المعتقلين فى مصر» منذ الإطاحة بحكم الإخوان، مع اللبس المتعمد بين المدانين بجرائم إرهاب أو مخالفة القوانين، وبين حرية التعبير وإبداء الرأي. كما اهتمت الوكالة نفسها بطبيعة الحال بقضية وفاة المواطن مجدى مكين فى قسم شرطة الأميرية، وعلى الرغم من أن الواقعة ما زالت قيد التحقيقات، فإنها نصبت من نفسها قاضيا ومحاميا فى آن واحد، وقالت فى تقرير لها يوم 18 نوفمبر إن «بائع السمك هو آخر ضحايا أساليب الشرطة الوحشية فى مصر»، ولم يفت الوكالة أن تنوه إلى معلومة تتحدث عن تزايد حالات وقضايا وحشية الشرطة وحالات الوفاة فى الحجز، و»الاختفاء القسري»، وكأن الوكالة قد سلمت نفسها لمجموعة من نشطاء الإخوان والطابور الخامس والجمعيات الأهلية المشبوهة لتزويدها بمعلومات تعرض وجهة نظر واحدة عن الشأن المصري، أما الحياد والدقة والموضوعية وتوثيق المصادر، فلا محل له من الإعراب فى مثل هذه التقارير!. وكانت هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي.» هى الأكثر «ظرفا» فى هذا الخط، حيث توغلت الشبكة البريطانية على ما يبدو فى قلوب وعقول وضمائر المسئولين عن قيادة البلاد فى الفترة الحالية، ونفت بشدة قدرة السلطات المصرية على تحمل تبعات تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة ضد قيادات جماعة الإخوان الإرهابية، ملمحة إلى تعمد السلطات التدخل فى تلك الأحكام بما يكفل إلغاءها، وإعادة محاكمة هؤلاء المتهمين مجددا، وكأن الشبكة البريطانية لم يعجبها صدور أحكام الإعدام والمؤبد بحق متهمى الإخوان فى بداية الأمر، زاعمة أن القضاء المصرى قمعى ومسيس، وعندما تم قبول بعض الطعون فى قضايا بارزة مثل قضية التخابر مع قطر، أصبح القضاء المصرى من وجهة نظر الشبكة، وبين يوم وليلة، غير قادر على تنفيذ أحكام الإعدام، ويخضع لتأثير السلطة السياسية، على طريقة حكاية «جحا وحماره»!. أما شبكة «سي.إن.إن» الإخبارية الأمريكية، فقد أسهبت فى الفترة الأخيرة فى استعراض تفاصيل التفاصيل عن تدهور الأحوال المعيشية لمحدودى الدخل فى مصر، فى ظل تأثرهم بتداعيات القرارات الاقتصادية الأخيرة، وأبرزت فى هذا الصدد تعليقات الشخصيات المعادية للدولة المصرية، مثل محمد البرادعى وعبد الرحمن القرضاوى والرئيس التركى رجب طيب أردوغان، دون أن تكلف الشبكة الأمريكية نفسها بالإشارة ولو بكلمة مثلا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية فى تركيا فى عهد أردوغان بسبب سياساته القمعية الأخيرة وتراجع حركة السياحة وقدرة بلاده على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، كما لم تكلف الشبكة نفسها الاستماع إلى أى رأى يتحدث فى الشارع المصرى عن أهمية هذه القرارات، وإصرار الجزء الأكبر من المصريين على تحملها وتقبلها رغم صعوبتها، إيمانا منهم بأنه «لا مفر منها» لتحسين أوضاع البلاد الاقتصادية، بدلا من الاكتفاء بالشكوى والصراخ وبث روح الإحباط، وهو ما ظهر واضحا فى صورة «قرار» جماعى اتخذه المصريون بوضوح فى يوم 11 نوفمبر، ولم تستوعبه وسائل الإعلام الغربية حتى الآن!.