عقارب الساعة تعطى زمنا آخر لعادات اندثرت وبعضها ينتظر الصباح.. لديها الإحساس العميق بالتراث.. لوحاتها لا تخلو من عنصر الروح المصرية الصميمة.. بإيقاع فى الخطوط و انسجام فى الألوان، نجحت الفنانة المتميزة «ريهام الشامى» أن ترسم بريشتها أعمالا تشعر معها بالمتعة البصرية تجاه الحياة الشعبية فى مصر. الزار والدفوف، صباحية العروس، قارئة الفنجان، المباخر وعروسة الحسد، وغيرها من الرموز التى تعبر عن جذور حياة المجتمع المصرى بكل تفاصيله الإيجابية والسلبية، وقد جاءت الوانه متناسبة مع ما يرمز إلى طبيعته من سيكولوجية الناس العامة. على درب الرواد راغب عياد ومحمود سعيد، تعيد ريهام الشامى اكتشاف الهوية وإبراز عادات وتقاليد راسخة فى ثقافتنا المحلية.. بعضها توارى وبعضها لازال سائدا بيننا. ...................................................................... من التقاليد الشعبية التى نقلتها الفنانة لنا والتى توارثها المصريون جيلا بعد جيل هى «عروسة الحسد». مصنوعة من الورق، تجسد الحاسد، وتغرز فيها الإبرة مرات عديدة حيث تبدأ الراقية فى ترديد عبارات مثل: “من عين اللى شافوك ولا صلوا على النبى.. من عين فلانة ومن عين فلان..”. ثم تقوم الراقية بذكر أسماء الأشخاص الذين تظن أنهم قاموا بالحسد، وتبخر المحسود بهذه الورقة مع الملح والفسوخة، وبعدها يطلب من المحسود أن يمر من فوقها سبع مرات بعدد أيام الأسبوع المحتمل وقوع الحسد فيها. وتقوم الراقية أو أي شخص من أهل المحسود بعد ذلك بجمع قدر من القش من أمام سبعة بيوت تحيط ببيت المحسود قبل غروب الشمس، دون أن تكلم أحدا أثناء ذهابه وعودته، ثم تقوم بحرقه بعدها مع عروسة الحسد. يعد طقس عروسة الحسد من العادات المصرية القديمة، فقد كانوا يمارسونه فى مواسم الحصاد والفيضان، أو فى المناسبات والأعياد الدينية، أو عند الزواج والولادة والسبوع. كذلك، حال تعرض المرء للسحر. الزار «الزار» طقس شعبى مصرى، جاء إلى مصر فى مطلع القرن ال 91 من بلاد الحبشة، وهو يستخدم فى النواحى العلاجية والروحانيات. غير أنه يعد من الأشياء المحرمة، لأنه يتنافى مع معتقدات الدين الأسلامى، الذى يؤكد أن علاج الجن والسحر بالقرآن فقط، و أى شىء دون ذلك فهو محرم. تختلف طقوس الزار من منطقة إلى أخرى. فى الغالب، تقود حفلات الزار سيدة تدعى «الكودية» أو الشيخة، عادة تكون امرأة سوداء تلعب دور الوسيط بين الملبوسين والأسياد. وتضع هذه السيدة كرسياً فى وسط المجلس لتجلس عليه صاحبة المنزل ثم تذبح على رأسها ذبائح تكون قد أحضرتها بناءً على طلب الكودية. تتلو الشيخة نصوصاً معهودة وتنشد بعض الأناشيد، منها: «كان يا ما كان فى زمان ومكان.. كانوا تلاته من التلاتين.. جمع شين على زين الدين عملة.. مأمرة على الباقين.. أصل الشلو بيشبه للوة حتى حمار الزبالين.. بعد ما شالوا حطو وغطوا ناموا وغطوا ومش خايفين.. قامة قومة فى عز النومة لا خلى كاف.. ولا شين ولا زين.. توته توته دي الحدوته وادي التوته والسامعين». تشتعل البخور بكثافة، ثم تنطلق الكودية ومساعدوها من الرجال والنساء فى الضرب على الدفوف والطبول بنغمات وإيقاعات مختلفة، وترافق ذلك حركات الأجسام واهتزازها فى الأجواء المفعمة بالضجيج والحركة. وتستمر هذه الطقوس حتى تسقط المريضة على الأرض، وحالما تسقط تقوم الكودية بالصراخ بصوت عالٍ على الجن والشياطين والعفاريت، وتطلب منها الخروج.. الصباحية أوغلت كثيرا ريهام الشامي فى بحر الحياة الشعبية وتطرقت إلى حياة الريف، ونقل الكثير عن عاداته و دور المرأة فيه.. بدءا من تصويرها لتفاصيل جلباب الفلاحة المزركش بألوان زاهية والحلىّ الذى ترتديه وهو غالبا يكون على شكل هلال.. وصولاً إلى الأم الفلاحة التى ترضع صغيرها وسط باقى أولادها.. وأخرى تجلس على ماكينة الخياطة تحيك ملابس أهل بيتها.. وثالثة تنتظر عودة زوجها بصبر فى شباك إلى جواره قلة فخاريّة. وللمرأة فى الريف قلب عاشق ينبض بالحب. فهناك صور تجمعها بحبيبها والحمام يرفرف من حولهما، وأخرى تكشف عن اغراقها فى التفكير فيه والقلق يعصف بها أمام قصة حب قد لا تكتمل. ولم تغفل الفنانة نقل عادات الريف فى اليوم التالى للزواج «الصباحية «حيث تحضر أم العروسة واقاربها إلى منزل الزوجية حاملين الكعك، والفطير المشلتت والعسل. لوحات فنية حافلة بثقافة شعب وموروثاته الشعبية، سواء كنا نطرق أبوابه سرّاً أو علانية، فإنها تجسد فى مضمونها ذاكرة وطن.