"الحسد".. كلمة تثير فى نفوس المصريين كل الخوف والقلق، ويُعد الحسد عدوا أساسياً للغالبية العظمى منهم، فهم يحمِّلونه مسئولية كل ما يواجههم من متاعب وأمراض وخسائر مادية وبشرية حتى لو كانت لها أسباب مادية معروفة وواضحة، ودفعهم هذا الخوف إلى استخدام وسائل متعددة للتصدى للحسد: فمنهم من استخدم وسائل شرعية مثل الاستعاذة بالله والأدعية والآيات القرآنية، بينما لجأ آخرون إلى استخدام وسائل بعيدة عن المعتقدات الدينية ، ومن أبرز هذه الوسائل "عروسة الحسد". و"عروسة الحسد" هى عادة شعبية قديمة توارثها المصريون، وهى عبارة عن ورقة يتم قصها على هيئة عروسة بوجه وذراعين وساقين تُتخذ كرمز للحاسد، ويمسك شخص بإبرة خياطة ويأخذ فى تخريم العروسة، ويعتبر أن كل ثقب هو "خزق" لعين الحسود، فيقول مع كل "خرم": من عين فلان ويذكر اسم من يظن أنه الحاسد، وهكذا حتى تمتلئ العروس الورقية تماما بالثقوب، فيختم بالقول: "ومن عين اللى شافوك ولا صلوا على النبي".. ثم يتم حرق العروسة بعد "تخزيق" العيون، لينتهى بذلك –فى ظنه- مفعول الحسد، ويزيد البعض على هذه الأمور وجوب "خضة" المحسود بالنار التى تحترق بها العروسة، ووضع علامة على جبهته ويديه وقدميه باستخدام الرماد المتخلف عن حرق العروسة، والامتناع عن تقبيله لعدة ساعات حتى يتم إنهاء مفعول الحسد تماما. وفى بعد المناطق الشعيبة تكون الطقوس أكثر تعقيدا، فيستخدمون العروسة فى عمل بخور للمحسود مع الملح والفاسوخة، وبعدها يمر عليها المحسود سبع مرات بعدد أيام الأسبوع المحتمل وقوع الحسد فيها، وتقوم الراقية أو أى شخص من أهل المحسود بعد ذلك بجمع قدر من القش من أمام سبعة بيوت تحيط ببيت المحسود قبل غروب الشمس، دون أن تكلم أحدا أثناء ذهابه وعودته، ثم تقوم بحرقه بعدها مع عروسة الحسد. وكعادة مثل هذه الطقوس الشعبية لا يعرف أحد متى ولا كيف بدأت، ولا من الذى وضع لها هذه القواعد الغريبة، ولكنها ارتبطت بعادات المصريين المتوارثة عبر الأجيال، فلا يعرف أحد لماذا يتم قص العروسة بهذا الشكل، وذلك رغم أن العروسة فى الوجدان الشعبى تشير بشكل عام إلى الخير، فهى رمز لاستمرار الحياة، وهى رمز أيضا للإخصاب والإنجاب، ولا أحد يعرف لماذا "الحرق والتبخير والخضة" ، ولكنها فى النهاية أصبحت موروثا شعبيا مصريا يصر الكثيرون على اتباعه باعتباره عادة موروثة من الأجداد. ويقول البعض إن استخدام العروسة بهذا الشكل يرتبط بما يُعرف –شعبيا- ب"السحر الأبيض" حيث يهدف الطقس السحرى هنا إلى إبعاد الضرر الحادث بفعل العين الحاسدة وعروسة الحسد هى العنصر الأساسى فى هذا الطقس، بينما يشير البعض إلى أن أصل هذه الطقوس مأخوذ من عقيدة أفريقية تسمى "فودو" وهو مصطلح يشير إلى طقوس للسحر الأسود فى مذهب دينى تعود أصوله إلى آلاف السنين، ومصطلح "فودو" معناه "الروح"، وقد اعتمد معتنقو هذه العقيدة على استحضار الأرواح لإيذاء أعدائهم، وكانوا يقومون بصنع دمية تجسد الضحية باستخدم الملابس والشعر والمسامير والدبابيس، حيث يعتقدون أن الشخص سيصاب بنفس الإصابة التى يلحقونها بالدمية التى تجسد روحه، فيقومون بانتزاع مكان القلب فى الدميه وإحضار قلب أى حيوان حى واستبداله بالفراغ الذى خصص من أجله، وهكذا تتم الصلة، فتشعر الضحية بوخز فى أنحاء الجسد إثر غرس الدبابيس فى الدمية المربوطة بها، ويبدأ بعدها الإعياء الشديد فى الظهور على الشخص المقصود وقد يؤدى ذلك إلى وفاته. ويبقى ذلك فى النهاية مجرد تكهنات وتخمينات لا يمكن أن يؤكد أحد مدى صحتها. ومهما كانت أصول "عروسة الحسد" فإنها تبقى عادة شعبية مصرية، تضرب بجذورها فى تاريخ المعتقدات الشعبية وتمتد -بهيأتها الحالية- إلى أجيال عديدة سبقت، وقد استمرت "العروسة" وعاشت وصمدت لقرون طويلة رغم ما بها من طقوس هى أبعد ما تكون عن المعتقدات الدينية الصحيحة أو التفكير العلمى الحديث.