يقوم الحسد في مفهوم العامة علي الاعتقاد بامتلاك البعض قدرة خارقة علي إيذاء الناس، وإزالة النعم عنهم ومن حياتهم. وهذه المفاهيم شائعة بكل تداعياتها في الخيال واللغة الشعبيين، لدي الأميين وكثرة من المتعلمين، ويلعب المستوي الاجتماعي والثقافى والديني دورا في انتشار أو انحسار هذه الظاهرة بتجلياتها المختلفة في كافة المجتمعات. والحسد متغلغل فى الثقافة الشعبية، فكما تردد فى الأمثال الشعبية والحكايات التراثية التى تؤكد أن «العين فلقت الحجر»، تخطى المستويات الشعبية إلى الغناء التقليدى أو النخبوي، كما سمعنا أغنية فريد الأطرش »عين الحسود فيها عود«، ومحمد عبد المطلب » يا حاسدين الناس مالكم ومال الناس«، وفايزة أحمد فى إحدى أغنياتها »إلهى يحرسك م العين«، و«يا صغيرة يا أحلى بنات الحارة .. خوفى عليكى م الحسد والجارة« وغيرها الكثير، ما يعنى أن الاعتقاد بالحسد لا يقتصر على الأميين. والملايين الذين يعتقدون به يميلون عادة لتفسير مصائبهم بفعل الحسود والعين الصفراء، كما يتطيرون من رؤية بعض الناس فى الصباح مثلا (إصطبحت بوش مين النهاردة؟)، ولا يختلف أبناء المدن عن الريفيين فى هذا، فالبقال فى الحضر يُبخِّر دكانه ليقيه شر العين، مثل الفلاح الذى يفسر«زرعته الخايبة« أو جفاف «ضرع بقرته» بفعل العين. وأشارت «موسوعة العادات والتقاليد والتعابير المصرية للأديب «أحمد أمين» فى رؤيته للحسد حيث يري: « أن التراث الشعبى يفسح مكانًا كبيرًا للاعتقاد فى الحسد، ولا يقتصر ذلك على بلد عربى دون آخر، فهو تراث عربى مشترك، وخلاصته أن بعض الناس عنده خاصية فى عينه إذا نظر إلى شىء أماته أو أتلفه. ومن غريب الأمر أن رجلا عظيمًا كابن خلدون يحكى مثل هذا ويقول إنه شاهد بعض الناس إذا نظر إلى خروف أو نعجة نظرة خاصة أماتها.. ثم إذا شرحت وجد قلبها قد تحتت .. وقال إنه رأى فى بلاد المغرب جماعة من هذا القبيل يسمون «البعاجين». ويعتقد أن الحسد يكون على أتمه إذا نظر الحاسد وشفع نظرته بالشهيق، وكان من الشائع عند النساء أنه إذا نظر رجل تلك النظرة أسرعت المرأة وقالت له »وراك تعبان أو عقربة أو نار« فيلتفت وراءه لينظر إليه وبذلك يذهب سحر عينه، ويداوون ذلك بأن يأخذوا قطعة من طرف ثوب الحاسد ويبخروا بها المحسود سواء كان إنسانًا أو حيوانًا أو أى شىء آخر«. ويستند العامة عادة فى اعتقادهم بالحسد إلى ذكره فى القرآن ويرددون قوله تعالى : » قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق«، »ومن شر حاسد إذا حسد«، والحقيقة أن آيات الحسد فى القرآن يختلف معناها وتفسيرها حسب موقعها وسبب نزولها، فمثلا الآية (54) من سورة النساء تقول : »أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً«، والمقصود هنا الحديث عن حقد المنافقين لاختيار الله تعالى رسوله الكريم نبيا ورسولا للعالمين فحقدوا عليه وقالوا« لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم«، فرد عليهم جل شأنه »أهم يقسمون رحمة ربك، نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا«. ما يعنى أنه :«لو اجتمع الإنس والجن على أن ينفعوك بشىء لم ينفعوك إلا بما كتبه الله لك، ولو إجتمعوا على أن يضروك بشىء لم يضروك إلا بما كتب الله لك». وعليه فليس منطقيا أن يُظلم أى شخص لفقره، أو شكله، أو لعاهة لا ذنب له فيها، أو مرض ألم به ليتهم بأنه حاسد وتشوهه تهمة قاسية، تلاحقه فى حياته وبعد مماته بسبب جهل ونظرات متخلفة معادية للعقل وصحيح الدين. والمعتقد الشعبى توصل إلى عدة حيل لمنع الحسد والعين ببعض الأشياء مثل : الخمسة وخميسة: وهى كف بخمسه أصابع من العاج أو الفضة أو النحاس المطلى، يُعتقد أنها تجذب عين الحسود بعيدا عن الشىء المستهدف حمايته، وللخمسة وخميسة بديل لدى البعض بقراءة خمس آيات من سورة الفلق . مسك الخشب : أو« نمسك الخشب«، جملة مستعملة لدى معظم الشعوب بالمعنى والغرض نفسه للحماية من ضربة عين أو حسد، وتقال عند ذكر شىء إيجابى لمنع الأرواح الشريرة من إفساد الخير الذى يتمتع به الشخص. الخرزة الزرقاء : فالأزرق له قدرة على جذب الأنظار، ويعتقد أن ارتداء اللون الأزرق يضلل نظر الحاسد ويشتت تركيزه. العروسة الورقية : عادة شعبية مصرية قديمة حيث تصنع عروسة من الورق ويتم تخريمها بالإبرة مرات عديدة، وتذكر الراقية بذكر أسماء الحُسَّاد، باعتبارها تغرس الإبرة فى عيونهم. دماء الكبش : يوم عيد الأضحى لحظة ذبح الأُضحية يغمس البعض أياديهم فى دمائها، ثم يطبعونها على الجدران، ويشربها البعض ظناً بأن الدماء تمنع الحسد. حدوة الحصان : قطعة حديدية تثبت بحافر الحصان، توضع على جدران المحال التجارية لمنع الحسد ونيل البركة. البخور: يبخر البعض أماكنهم اتقاء للحسد ظنا أن دخان البخور يبارك الجسد، ويقال أن الشياطين لا تحب رائحة البخور.