كثيرون يخافون من الحسد وآثار الحسد، ويوقنون أن هناك أشخاصاً «حسوديين» بطبعهم، وأن عيونهم تفلق الحجر والبشر؛ لأنها تمتلك شعاعاً خاصاً، ما إن تسلطه على شىء حتى «تحدفه» براً أو بحراً أو جواً، أو تلقى به فى أسفل سافلين. لذلك يعمد المصرى إلى التقليل من مكتسباته أو تحقيقاته عندما يتحدث عنها أمام الآخرين، وهو يفضل أن تكون الشكوى لسان حاله، مهما بدت نعم الله عليه، فذلك هو الأضمن والأصون له من عيون الحساد. فالماهية قليلة والصحة عليلة.. وتلاقيه مبوز عشان ابنه -أو هو شخصياً- مش عارف يجوز! ويعتمد المصرى على عدة أدوات لدفع الحسد، منها على سبيل المثال قراءة «قل أعوذ برب الفلق»، وإطلاق البخور فى البيوت أيام الجُمع، والتكبيب أو التخميس باليدين فى وجه الآخر، أو تكرار الرقم السرى «خمسة» فى مواجهة أى عين حاسدة. فاليوم هو الخميس الموافق خمسة من شهر خمسة، وخمسة وخميسة فى وجه كل حسود، وهناك من يستخدم «الخرزة الزرقاء»؛ لأنها تقهر أشعة العين فوق البنفسجية! أما «القدام» من المصريين فيعرفون حاجة اسمها «العروسة»، ولو أنك سألت شخصاً طاعناً قليلاً فى السن فسوف يخبرك عنها، وهى عبارة عن ورقة يتم قصها على هيئة عروسة بوجه وذراعين وساقين، ثم يمسك الشخص الذى يريد أن يحمى نفسه من الحسد بإبرة خياطة ويأخذ فى تخريم العروسة، وكل خرم هو خزق لعين حسودة: عين فلان وعين علان وعين ترتان، وهكذا.. ثم يتم حرق العروسة بعد «تخزيق» العيون، لينتهى مفعول الحسد بعد ذلك. عادات مصرية خاصة جداً، ربما عكست نوعاً من الطيبة أو الخوف من الآخر، لكنها فى كل الأحوال تكشف عن حالة مزعجة من حالات الجهل بمعنى الحسد. وللشيخ الإمام محمد عبده تحديد غاية فى الذكاء لمفهوم الحسد فى القرآن، فهو لا يراه مرتبطاً بعين سحرية أو مشعّة قادرة على فلق البشر والحجر، بل يتعلق بسعى شخص واجتهاده فى إيذاء غيره بأعمال دنيوية حتى يفقد نعماً معينة يحسده عليها. ذلك هو معنى الحسد فى القرآن: سعى للنيل من الآخر ليس أكثر. وتشبث بعض المصريين بالمعنى الركيك الذى يسكن أدمغتهم حول الحسد يعكس رغبة أساسية فى البحث عن شماعة يعلق عليها المقصر تقصيره، والمخطىء أخطاءه، والكسلان كسله، والخيبان خيبته القوية، والمخجل أكثر فى هذا الأمر هو محاولة البعض الاحتجاج بأن القرآن الكريم ذكر الحسد، رغم أن الله تعالى يقول «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير».. نعم الحسد مذكور فى القرآن.. بس مش بالمعنى اللى فى دماغك يا صاحبى!