فى عام 1996 حضرت ندوة مصاحبة لمعرض فى باريس عن البطاقات البريدية المصرية القديمة والشاهدة على واقع تاريخى عاشته مصر ويرجع تاريخها 1900 – 1915 وهى من مقتنيات اللوفر، وقد قامت اليونسكو والحكومة المصرية بطباعتها على اسطوانة مدمجة CD من خلال مشروع ذاكرة العالم لوصف مصر فى القرن العشرين , وقصة هذة البطاقات البريدية النادرة يرجع الفضل فى جمعها للسيد «دارسى» وعائلته التى عاشت فى مصر فى تلك الفترة، حيث كان يشغل منصب نائب مدير المتحف المصرى وعضوا فى فريق الأثريين للكشف عن آثار الدير البحرى وله مؤلفات مهمة فى مجال الآثار , وكان مفعما بحب مصر متنقلا فى مدنها وقراها وكان مواظبا على ارسال البطاقات البريدية الى عائلتة بشكل منتظم ليسجل كل الأماكن التى يزورها . ووجد احفاد عائلة « دارسى « انهم يملكون ثروة مهمة , فى داخل ال CD فبالاضافة الى البطاقات البريدية , صور نادرة للاحتفالات الشعبية التى تكاد تكون اندثرت، من اهمها المحمل , وزفاف العروس فوق الجمل «الهودج» , والفنادق البسيطة ذات المعمار الفريد فى محافظات مختلفة منها سوهاج و اسيوط و دمنهور . وأوضحت الندوة أن مصر لم تعرف الصناعات الكبرى وانما انتشرت فيها الصناعات الصغرى , هذه الصناعة التى اهتم بها علماء الحملة الفرنسية « كتاب وصف مصر» , كصناعة ملح النشادر المستخرج من وادى النطرون وكان مستخدما لإكساب الملابس والأقمشة اللون الأبيض , وكان يُصنع فى رشيد وأهم انواعه «النشادر السلطانى» والذى كان يتم تصديره بكميات كبيرة الى فرنسا خاصة مارسيليا . « الجلود» التى كتب عنها الوزير الفرنسى بونشرتران عام 1692 ان أجودها وافضلها التى ترد من مصر وقد تكونت شركات لشرائها وعينت غرفة تجارة مارسيليا مراقبا منها ليشترى الجلود لصالح اليهود والبريطانيين . «القمح» والذى كتب عنه «اوليفييه» ان مصر كانت مخزن الحبوب للرومان وكانت تصدره الى صيدا واليونان , والآن هى مخزن الأستانة من القمح الذى يزرع فى رشيد ودمياط . واعتمدت المناقشات على ماتناقله وكتبه الرحالة الفرنسيون فى القرن ال 18 والتى لم تقتصر زيارتهم لمصر كمزارات سياحية بل جابوا مدنا وقرى وتوغلوا فى الصعيد والصحارى ، ولم تكن زياراتهم قصيرة وانما مكث البعض منهم لسنوات فجاءت كتابتهم عن مصر اعمق بكثير عمن سبقوهم , اما رحالة القرن ال 19 امثال «بيير لوتى» أو «سافارى « الذى اجتذبته الأراضى المصرية بحضارتها العريقة , حيث جال ربوع الدلتا حتى وصل الى رشيد وهو ما اعجب وشوق جنود الحملة الفرنسية الى مصر ويقال إن نابليون نفسه كان قد قرأ بإمعان ما كتبة «سافارى « عن الشعب المصرى والحقيقة ان كتاب «وصف مصر» ساعد الأوروبيين على فهم مصر وفض غموضها وغرابتها , فنجد «شمبليون» ابن السابعة عشرة بعبقريته الفذة فى الجغرافيا القبطية لمصر وكيف توصل الى حل رموز حجر رشيد فوضع مصر فى وجدان العالم , مما ساعد على تعيينة رئيسا لبعثة علماء الآثار المتجهة الى مصر وقد تمييزت جهودة فى «كتاب وصف مصر » بأنه اضاف الى علم المصريات أقليما جديدا هو النوبة . ايضا نجد كتابات «جوتيية » كانت مصر مصدرا غزيرا لانتاجه الأدبى سواء لمصر الفرعونية او الإسلامية خاصة قصيدته «حنين بين مسلتين» والتى استوحى مما سجله صديقاه فلوبير ومكسييم دوكان فى كتاب «النيل» عن مسلتى الأقصروباريس . لذلك كان ذكر مصر وقتذاك على كل لسان ولم تكف الصحف عن الحديث عن الحضارة المصرية فضلا عن ظهور «برنس دافن» عن الأثار المصرية 1847 ونجاح مارييت فى اكتشاف حفائر سقارة , لقد تأثر الرحالة الفرنسيون بالثقافة العربية واشادوا بالحضارة الأسلامية , بعد ان اتيح لهم الإطلاع على مكتبة الأزهر فذكر «فورمون» فى كتاباته « ان مصر قد ملأت العالم فخرا ومجدا بحضارتها وآثارها », إلا ان هذة الكتابات مهدت فيما بعد لاحتلال مصر واستنزاف ثرواتها .