تعتبر كتابات الرحالة من أهم مصادر تاريخ مصر فى العصر العثمانى، خاصة أنها تقدم الرؤية الأخرى التى يجب أن نهتم بها، فهى تعطينا فكرة واضحة عن رؤية الآخر لنا. وعلينا أن نميز بين نوعين من الرحالة فى تلك الفترة، الأول: هم الرحالة الأجانب وأغلبهم شديدو التعصب ضد الإسلام والمسلمين، خصوصا أن ذكرى حروب الدولة العثمانية فى أوروبا مازالت عالقة فى الأذهان.
النوع الثانى: هم الرحالة المسلمون وتأتى رحلاتهم بشكل أعمق وأكثر فهما ووعيا من الرحالة الأجانب، كما أنهم كانوا أكثر قدرة على الحركة داخل المجتمع المصرى من الأجانب.
وشهد القرن السادس عشر الميلادى بداية الكتابات المهمة عن مصر باللغة الفرنسية، والفرنسيون دائما شديدو الولع بمصر وحضارتها، وكانت الرحلة الأولى هى: رحلة «جان تينو» الذى زار مصر فى مطلع القرن السادس عشر، أى قبيل وقوعها فى يد الدولة العثمانية، ووضع كتابا عن الشرق وخصص الفصول الأخيرة منه عن سيناء والأماكن المقدسة والقاهرة.
وبعد ذلك توالت الرحلات الغربية إلى مصر خصوصا لرحالة فرنسيين ولكننا نجد اختلافا عجيبا بين وجهات نظر الرحالة تجاه مصر، فهناك الرحالة كلود إيتيان سافارىوهو من أهم الرحالة الذين زاروا مصر فى عام 1777، درس فى كلية اراين، مكث فى مصر نحو ثلاث سنوات، درس اللغة العربية وله مؤلفات عن النحو العربى وعن شمائل محمد طبع فى عام 1784. كانت له صلاته بالأكاديمية العلمية فى باريس. كان الغرض من رحلات سافارى هو تدوين ملاحظته عن الإمبراطوريات والديانات وبطولات الشعوب والاتصال بالعرب واليونانيين، وقد سجل سافارى إعجابه بالحضارة الإسلامية إعجابا كبيرا، كما أنه امتدح مصر وحضارتها، وسكانها، بعكس الرحالة الفرنسى «فولنى» الذى زار مصر بعده بفترة قصيرة وفى كتابه الرحلة إلى مصر وسورية 1783 1785م نجد فولنى كره كل شىء فى مصر، ونصح الحكومة الفرنسية باحتلال مصر، لأن من وجهة نظره السلطة العثمانية صاحبة السيادة على مصر أصبحت صورية. ولقد تأثر بونابرت بالمعلومات التى أوردها فولنى.
اتسم حديث فولنى عن مصر بالاحتقار الشديد والكراهية لكل شىء فيها، بل إنه انتقد الرحالة الذين زاروها من قبل وامتدحوها مثل سافارى. تحدث فولنى عن الفلاح المصرى وفقره، وقال إن طعامه الرئيس هو الخبز والبصل وانه لا يذوق اللحم إلا فى الأعياد والمواسم، لذا فسر تخلف الزراعة بأن الفلاح أهملها لأنه لا يستفيد منها فى شىء، ووصف أحوال المصريين بأنها شديدة القسوة «وهم أجدر بالشفقة من الاحتقار» ووصف البدو بأبشع الصفات المقززة، وبذلك كانت صورة مصر عنده سلبية تماما بينما انطباعاته عن الشام جيدة، والمفارقة أنه يصف العائلات الشامية التى استقرت فى مصر بأنهم أسوأ أنواع البشر. وفولنى الذى زار مصر فى ظروف استثنائية وفى ظل وجود طاعون قادم من استنابول وكذلك لم يطوف مصر ولا أجزاء منها ألا القليل جدا فكانت انطباعاته بالسماع من البعض، ولم ينقل مباشرة بالمشاهدة. ورغم كل ذلك فقد أكد أن لمصر سحرا لا يقاوم على الأجانب.
من هنا تأتى خطورة الانسياق إلى النظر إلى فترة تاريخ مصر فى العصر العثمانى من منظور غربى، فقد تأثر عدد كبير من المستشرقين بهذه النظرة.