مع حلول عيد الأضحي, وبدء زيارات الأسر إلي ذويهم بالأقاليم كالعادة كل عام, وفي نفس التوقيت تبدأ رحلة البحث عن مكان داخل وسيلة مواصلات آدمية لنقل المسافرين من القاهرة إلي المحافظات المختلفة وسط غياب واضح للمسئولين لحماية الركاب من جشع السائقين. المشهد يتكرر بتفاصيله في ميدان رمسيس الذي يمتلئ بالعشوائية الخلاقة لسيارات الأجرة والميكروباص في جميع أركانه وسط هرولة الركاب ذهابا وإيابا بين الميكروباصات, حيث يتألمون لعدم تشغيل خطوط القطارات علي الوجهين البحري القبلي لدواع أمنية.. تحقيقات الأهرام رصدت معاناة الركاب مع وسائل المواصلات خلال أيام العيد, وجشع السائقين في مواقف الأقاليم. البداية مع ياسين أحمد- طالب بكلية الطب من محافظة الغربية يروي مأساته خلال السفر خاصة مع توقف القطارات في منطقة وسط الدلتا قائلا:السفر رحلة من العذاب إلا أنني اعتبره فن تعذيب الركاب, خاصة مع توقف حركة القطارات تماما, الأمر الذي أدي إلي زيادة جشع السائقين للمواطنين. ويضيف- وهو يترقب وصول ميكروباص يقله إلي مدينته أن المسئولية تقع علي عاتق الحكومة والأجهزة الأمنية التي فشلت في السيطرة علي أمن المواطن داخل القطارات, ولجأت إلي الحل الأصعب وهو حرمانه من وسيلة نقل عامة لها احترامها بين وسائل المواصلات. ويؤكد أن السائقين لا يحترمون المواطن, وينهشون ما تبقي من راتبه, من خلال الأجرة التي تتضاعف يوميا, خاصة في المناسبات والأعياد. وبلهجة غاضبة تقول سامية السعيد- في العقد الرابع من عمرها- إن الأزمة التي نعيشها داخل المواصلات يتحملها المواطن بمفرده, أما الحكومة فتعيش في واد آخر, ولا يشغلها الأعباء التي يتحملها الراكب والمعاناة الشديدةالتي يتكبدها للوصول إلي أهله. وتتساءل من المسئول عن ارتفاع الأجرة في وسائل النقل البديلة خلال العيد ؟خاصة أن أجرة الميكروباص القادم من القاهرة المتجه إلي الاسكندرية تتجاوز35 جنيها, في حين تصل إلي30 جنيها في أتوبيس الرحلات المتجهة أيضا إليالاسكندرية, كما أن الأجرة تصل إلي40 جنيها عندما تركب سيارة أجرة. وعلي مقهي مجاور لموقف سيارات أجرة في رمسيس جلس محمد بكر ليسانس آداب ينتظر وصول ميكروباص ينقله إلي مدينة بنها, ويقول إن أصحاب سيارات الأجرة انتهزوا فترة توقف القطارات, وأعلنوا عن تسعيرةجديدة للأجرة, ولا مفر من الالتزام بها, وإلا لن أصل إلي أهلي خلال فترةالعيد. ويروي محمد معاناته مع المواصلات خاصة في العيد قائلا: إن سائقي الميكروباصات يقفون في أماكن بعيدة عن الموقف, حتي يمتلئ المكان بالركاب, ثم يأتي سائق الميكروباص ويحدد الأجرة التي يريدها, ويشترط زيادة عددالركاب مبررا ذلك بأنه سيعود مرة أخري بدون ركاب. ويعلق أحمد محمد راشد مهندس مدني علي زيادة أجرة المواصلات بين المحافظات في العيد قائلا: إن غياب الرقابة علي أصحاب السيارات( الأجرة الميكروباص) جعلهم يفترسون الركاب, ويستغلون حاجتهم في الوصول إلي أسرهم ويرفعون الأجرة لأنهم يعلمون أن الراكب سيضطر إلي دفعها في ظل غياب القطارات وتوقفها عن العمل. وعلي أحد الأرصفة بميدان رمسيس جلس3 طلاب من المنصورة في انتظار ميكروباص ينقلهم إلي مدينتهم, فاقتربت منهم لمعرفة سبب جلوسهم, فقال أحدهم إن انتظاروسيلة مواصلات أمر بسيط يمكن تحمله, إلا أن أجرة المواصلات التهمت ما تبقي لنا من نقود فالأسعار ترتفع بدون مبرر سوي بعض الكلام الفارغ من السائقين, فأجرةالمنصورة تضاعفت وأصبحت20 وأحيانا تصل إلي25 جنيها في الوقت الذي كنا نستخدم القطارات بدون دفع أي نقود لأن الاشتراك يعفينا من دفع الأجرة. تركت الشباب واتجهت إلي سيدة ترك الزمن خطوطه علي وجهها الواهن وتجلس أمام أمتعتها في انتظار سيارة تنقلها إلي مدينة كوم حمادة بمحافظة البحيرة, وقالت بصوت ضعيف: الحياة أصبحت صعبة والمواصلات أصعب, ولكن أصحاب الميكروباصات لا يهمهم سوي زيادة الأجرة.. وتضيف: زمان كنت أركب القطار القشاش, ولا أدفع سوي جنيهين ونصف جنيه وهي قيمة الأجرة إلي كوم حمادة أما الآن فأدفع حوالي20 جنيها لأصل إلي مدينتي. وفي موقف عبود المشهد يتشابه كثيرا والوجوه التي تبحث عن وسيلة نقل كثيرة, لكن الجميع يستنكر غياب دور الحكومة وتسببها في صناعة أزمة لنقل المواطنين بين المحافظات. وتقول نورا المرسي كلية تجارة إن سائقي الميكروباص يواصلون جشعهم تجاه الركاب, بدون مبرر مستغلين حاجة المواطنين إلي الوصول إلي أسرهم في المحافظات ورفعواالأجرة وسط سخط ورفض الركاب الأمر الذي أدي إلي حدوث مشادات كلامية بين الركاب. وتطالب نورا بإنشاء مركز قومي لحماية حقوق الركاب, من جشع السائقين, ويتم تفعيله وفرض غرامات مالية علي المخالفين من السائقين, كما يتم تحديد أجرة موحدة طبقا للمحافظة التي يتوجه إليها الركاب. ويشير محمد عبد اللطيف بالمعاش- إلي ضرورة تشغيل خطوط تابعة لهيئة النقل البري لخدمة المسافرين بين المحافظات, وللحد من أزمة المواصلات وارتفاع الأجرة وتقليل المشادات بين الركاب والسائقين. وبصوت منفعل تقول هند فوزي كلية الدراسات الإسلامية بالمنصورة إن وسائل المواصلات بين المحافظات خاصة في العيد بدون رقابة, مما يؤثر علي حركة النقل أثناءالسفر, ويشجع سائقي الميكروباص علي رفع الأجرة, واحتكار قيمة التعريفة بين المحافظات وسط استياء شديد بين الركاب. وترفض هند فوضي الأجرة التي يفرضها السائقون علي الركاب, وتطالب بتفعيل الرقابة الشعبية علي أصحاب سيارات الأجرة والميكروباص, حتي نصل إلي أجرة معتدلة تناسب الموظف والعامل والطالب والمسافرين بشكل عام. أزمة المواصلات لم ترحم الباعة الجائلين في منطقة رمسيس, ويقول عمرو- بائع متجول- إن ما يحصل عليه يوميا مقابل بيعه لبعض الملابس بالميدان, يدفعه في أجرة الميكروباص الذي ينقله إلي مدينة بنها بمحافظة القليوبية. الأزمة تتفاقم ولم تنته فتوقف القطارات كان سببا أساسيا في نقل الأكشاك من داخل محطة القطارات إلي مكان آخر, كما توقفت حركة البيع داخل المحطة, واتجه أصحاب الأكشاك إلي منطقة رمسيس لاستئناف عملهم وسط عشوائية مفرطة ومتواصلة من الباعة الجائلين. وفي النهاية.. السائقون يرفعون راية التحدي في وجه الركاب خلال أيام العيد, ويحددون أجرة مرتفعة, والمواطنون يواصلون رحلتهم نحو حياة مليئة بالألم والفوضي وعدم الأمان, في ظل غياب الرقابة وهروب متخذي القرار من مواجهة الواقع..ويبقي السؤال: من يحمي الناس من عفاريت الاسفلت؟.