إنفوجراف| بورصة الذهب تختتم تعاملاتها على مكاسب أسبوعية 21 دولارا    المدير الرياضي لنادي سالزبورج النمساوي: مونديال الأندية.. بطولة استثنائية    مفاجآت في العيد| مراكز الشباب تفتح أبوابها مجانًا للمواطنين.. وخدمات سوبر ستارز    «الأرصاد» تعلن حالة الطقس غدًا الأحد 8 يونيو | إنفوجراف    بأمر المحكمة.. سفاح المعمورة في مستشفى العباسية للكشف على قواه العقلية    التفاصيل الكاملة لاتهام زوجة المطرب إسماعيل الليثي بالاعتداء عليها وسرقة مجوهراتها    تقديس السينما عند جعفر بناهي.. دروس للأجيال    أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري في ثاني أيام عيد الأضحى    بينهم 4 دول عربية، برقية سرية تكشف خطة واشنطن لتنفيذ حظر السفر على 19 دولة    منير أديب يكتب: إسرائيل وداعش.. توافقات الأهداف أم نتائج الحرب؟    لماذا يجب تناول الخضروات والسلطة مع اللحوم في ثاني أيام عيد الأضحى؟ الصحة توضح    بعد خلافه مع ترامب.. إيلون ماسك يدعو إلى تأسيس حزب سياسي جديد    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 بالجيزة .. رابط وخطوات الاستعلام لجميع الطلاب فور ظهورها    ترامب ردًا على هجوم إيلون ماسك: قد يكون بسبب تعاطيه المخدرات    «لعيبة تستحق تلبس تيشيرت الزمالك».. شيكابالا يزف خبرًا سارًا لجماهير الأبيض بشأن الصفقات الصيفية    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    رئيس الوزراء الهندي: نتطلع لتعميق التعاون مع وسط آسيا في التجارة والطاقة والأمن الغذائي    إيلون ماسك يخسر 35 مليار دولار من ثروته بعد خروجه من الحكومة الأمريكية    ترامب: أوكرانيا منحت روسيا مبررا واضحا لقصفها بشدة    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    هوندا سيفيك تايب آر تُعلن نهاية مبيعاتها في أوروبا    ترامب يكلف بتوسيع إنتاج الطيران الأسرع من الصوت    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    «كذاب وبيشتغل الناس».. خالد الغندور يفتح النار على زيزو    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    مباحثات مصرية كينية لتعزيز التعاون النقابي المشترك    نتيجة وملخص أهداف مباراة المغرب ضد تونس الودية    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    منال سلامة ل"الفجر الفني": لهذا السبب قد أرفض بطولة.. ولا أفكر في الإخراج    دار الإفتاء تكشف آخر موعد لذبح الأضحية    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    أجواء فرحة العيد في حديقة الحرية أول أيام عيد الأضحى| فيديو    سوزوكي توقف إنتاج سيارتها «سويفت» بسبب قيود التصدير الصينية على المعادن النادرة    الشناوي: المشاركة فى مونديال الأندية إنجاز كبير.. وحزين لرحيل معلول    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق نشب في كشك بكرداسة    تفاعل مع فيديو هروب عجل قفزًا في البحر: «رايح يقدم لجوء لأوروبا»    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع في جلسة نهاية الأسبوع    «محدش يروح لجزار».. تحذير من الذبح خارج المجازر الحكومية    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    أخبار × 24 ساعة.. المجازر الحكومية تستقبل أكثر من 9800 أضحية أول أيام العيد    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    صلى العيد ثم فارق الحياة.. تشييع جنازة صيدلي تعرض لأزمة قلبية مفاجئة في الشرقية    لأصحاب الأمراض المزمنة.. استشاري يوضح أفضل طريقة لتناول البروتين في العيد    أستاذ رقابة على اللحوم يحذر من أجزاء في الذبيحة ممنوع تناولها    احذر من الإسراع في تخزين اللحوم النيئة داخل الثلاجة: أسلوب يهدد صحتك ب 5 أمراض    حدث في منتصف ليلًا| أسعار تذاكر الأتوبيس الترددي على الدائري.. وموجة حارة بكافة الأنحاء    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلي طه حسين


أرجو ألا تجد في هذا الحديث ما يغضبك..
فان لم ترض عن بعض هذا الحديث فلست أنا بباع نفسي علي هذا الحديث أسفا، ولي رجاء:
لئن أغضبك بعض هذا الحديث فلتذكر لنا - أنا والذين تسميهم الأدباء الشبان - فلتذكر لنا علي الأقل أننا قدرناك دائما فأوفينا، وأننا لم نقسط في موازيننا أحدا حتي نقسط طه حسين، وقد أشهدنا الناس وأننا لنشهد الناس أن آمالنا ما تعلقت برجل من أساتذتنا المعاصرين في مصر كما تعلقت بطه حسين.. ذلك أنك خير من يبلي فيحسن البلاء في معارك الثقافة والفكر والأدب والتعليم.
وأنا لا أريد أن أقول لك لقد كنت تبلي، فمازلت تستطيع الكثير، ومازالت في الرأس منك أشياء.. أما نحن.. ففي القلب حاجات!
فلئن كنت قد جافيت براعة الاستهلال، فدعني أقل لك أننا ما اتجهنا إليك ألا لانك عزيز لدينا.
وأنك لمن جيل ذهب خيره: فعمر فاخوري يستلقي منذ زمن بعيد في إحدي مدن الموت بالشام، والآخرون قد أدماهم شوك الطريق، وآدتهم المشقة ولم يدركوا أبدا - في لحظات ضعفهم - جمال الرضا الذي يشيعه في النفس اصرارها الرائع علي طلب الحقيقة من خلال كل الضلالات!
وهكذا سكنوا إلي الراحة الرخيصة ليعيشوا في زخرف من قصور يجب أن تعلق علي أسوارها لوحات من رخام شاحب محفور فيها: "هنا يعيش رجل كان حرا.. وهناك تحت رماد المعركة يستلقي ضمير الرجل!".
هكذا خلدوا إلي المتاع يا سيدي الدكتور، وبقيت أنت تمارس تجربة التعبير، وتخوض مغامرة الفكر وتتحدي الخطر، حتي لم يعد في العالم العربي انسان يكتب أو يقرا، إلا وتأثر بك علي نحو ما.
أجل يا سيدي.. بقيت أنت تخرج من كل معركة متوجا بالغار، لتدخل معركة أخري!
غير اننا امتلأنا رعبا حين خيل إلينا أنك تنزع آخر الأمر إلي أن تنفق ما بقي لك من العمر - المديد - سعيدا بين أهلك.. علي الرغم من أن الثقافة في محنة، والفكر تغشاه الغاشية!
وفي الشتاء الماضي يا سيدي ثارت المعركة حول الأدب.. أللحياة هو أم للترويح؟! وقلنا نحن أنه للحياة، ومضينا نكتب الفصول الطوال في هذا السبيل، وخرجت علينا بفصول أخري تلوح لنا فيها بالتشيع لمذهب سياسي بعينه، ثم اتهمتنا بالتعصب ضد الأدب الأمريكي.. وضربت لنا الأمثال عن أعمال بعينها في الأدب الأمريكي.
وقلنا لك يا سيدي أننا لا نتعصب ضد الأدب الأمريكي، ولكننا نتعصب للإنسان، وحياة الإنسان، وأننا لنقدر في الأدب الأمريكي أعمالا ضخمة وكتابا ضخاما، ولكن أمريكا نفسها تطارد الكتاب الذين تضربهم أنت لنا مثلا: فهي قد طاردت ريتشارد رايت بالتهديد والاغراء حتي سقط في الهاوية وهكذا صنعت بشتاينبك وهي تسجن هاورد فاست وتصادر كتبه!
ولانت تزود فتحسن الذود عن الأدب الأمريكي، إذ برجال أمريكا يصادرون الكتب التي تقدرها أنت، ويصادرون معها خير ما في التراث الأمريكي من آثار، فيشعلون النار الكبري، ويلقون إليها بكل هذه الكتاب!
ولأمر ما.. لم يتح لنا أن نتحدث في هذا، ولأمر ما، لم تثر أنت، وتناثرت الشائعات في مصر تقول أن طه حسين سيدير مشروعات للنشر تموله الشركات الأمريكية.. وتناثرت شائعات أخري تقول أن الجامعات التي تورد كتاكيت النقطة الرابعة قد دعت طه حسين لتمنحه الدكتوراه الفخرية، وربما دعته إحدي الولايات كولاية تكساس - مثلا - لتمنحه لقب مواطن شرف!
وسكتنا نحن، وانتظرنا.. وقلنا لأنفسنا كما يقول صديقك "اراجون" في إحدي قصائده: "من يعش ير!"، لابد أن يغضب طه حسين ويغلو في الغضب، لأن أمريكا تحرق التراث الإنساني، كما ثار وغلا في الثورة، وهو يسترجع ما صنعه التتار بالمكتبات.
واقبل الربيع ثقيلا ممضا، تدفع الخماسين شهوره إلي الصيف..
ودهمنا الصيف ونشرت "روزاليوسف" حديثا فهمنا منه أن طه حسين لم يعرف بعد أن الأساتذة الأمريكان في جامعاتنا يهتمون بالدعاية السياسية، وفهمنا منه أيضا أن طه حسين لا يري بأسا بأن ينهض الأساتذة الأمريكان بالدعاية السياسية ما داموا يهتمون بالعلم.
وأخذتنا الزلزلة مما قرأنا.. وسألناك في "المصري" ان كان هذا حقا؟!
وكتبت أنت في المصري مقالك الكريم "بين بين"، لتنكر علينا أن نظن بك هذا الظن. أو أن نصدق فيك هذه القالة، وطلبت منا أن نثق - فوق ثقة - بأنك مازلت الرجل الذي يحمل راية المقاومة في وجه أعداء الثقافة والتعليم والفكر.. وأعلنتها صريحة: أنك لا تقر سياسة أمريكا، ولا توافق علي مذهبها في الاقتصاد.. وانك عدو الشركات الأمريكية التي ترسل الموت علي كل الحركات الوطنية من شمال أفريقية إلي شرق آسيا إلي أعماق أفريقيا.. فحمدنا لك هذا أطيب الحمد، وطابت به النفوس.
طلبت مني أنا وصحبي أن نطمئن.. وملأتنا الطمأنينة لانك تعلن كراهيتك للسياسة الأمريكية.
ملأتنا الطمأنينة لأن طه حسين لن يكون أبدا مواطنا من تكساس!
بل يظل مواطنا من مصر أمينا علي عهده لشعب مصر.. ويظل من رواد الفكر وأبطال الحرية وحماة الثقافة.
وحين مضينا بمقالك إلي غايته، وجدناك تلوح لي أنا وصحبي بأشياء لم تكن في موضوع المناقشة.. وتهمز بقولك "بلاد أنت تعرفها".
"بلاد أنت تعرفها"..؟! بلاد أنا أعرفها!.. ما هذا يا سيدي الدكتور!
أحدثك عن مصر، فتحدثني عن بلاد "أنا" أعرفها!؟! لقد حاولت أن أرد عليك إذ ذاك، أو حتي أن ألقاك يا سيدي فلم استطع لأسباب أنت تعرفها!
أتذكر يا سيدي؟!
كان الطقس اذا ذاك حارا، وكانت الحرارة لا تحتمل، والخماسين تملأ كل حلق بالتراب، وتخنق الأنفاس في حمامها المتوقد!
كانت الخماسين خانقة كما قلت لك ولقد مسني الضر من هذه الخماسين، فإذا بي لا استطيع أن أكتب، أو ألقي أحدا!!
أتراني استطيع الآن أن أكتب إليك؟!
ما أظن أن في الامكان أن أرد علي مقالك هذا الآن، وأني لأرجو مخلصا عندما تخف حدة الحر في مصر أن أرد علي مقالك ذاك الرائع، من مكاني هذا المتواضع.
أم أنك في مكانك البعيد تستمتع بالجبال والبحار، وبالأنسام تسري لديك طلقة لا يثقلها الغبار، رطبة لا تلهبها الحرارة، أم انك وأنت تذوق برد "نجد" قد نسيت ما تصنع الرمضاء في "تهامة"؟!
وأنا أتحدث في الجغرافيا يا سيدي كما تلاحظ..
وحديث الجغرافيا لا يرضي الناس، ولا يشوق القارئين.
ألست تري أن واجب الذين يكتبون أن يخففوا علي الناس بعض ما يعانون، فيحدثوا الفقراء عن الغني حتي يشوقهم الغني ويخف عليهم الفقر.. وأن يحدثوا الأغنياء عن الفقر حتي لا يثقل عليهم الغني!
لقد قرأنا لك مقالا في الأهرام تدعو فيه إلي هذا.. غير أن الحر في مصر مازال لا يسمح بأن نجادل فنحسن الجدال!
وعلي أية حال فقراء الغد - ومعظمهم من الفقراء - يستطيعون وحدهم أن يقولوا رأيهم.. أما نحن فإننا لنقول لك أن في كلامنا رنينا أجش، هذا صحيح، وما يدوي عنا هذا الرنين لأننا فقدنا الحب، أو الأمل أو الإيمان بالجمال والثقة في الحياة، ولكن لأننا نصطدم بعديد من الأشياء الصماء، في صراعنا اليومي من أجل الحب والأمل والجمال والحياة!
أم أنك يا سيدي لا تري ما في قصص المقاومة والبطولة والحياة من جمال وروعة؟! ما نظن.. فأنت صاحب الأيام و"أديب" و"جنة الحيوان" فلنترك حديث الفقر والغني لبعض الوقت.. فربما كنا نختلف خلافا عريضا حول القيم الجمالية في الفن..
وتستطيع يا سيدي أن تسترجع القصيدة الرائعة التي رد بها صديقك اراجون علي نقاده، ففي كلام "أراجون" ما يعبر عما في صدورنا نحن.
أوجدت في حديثي هذا ما يغضبك؟!
أتري فيه شغبا منا علي كبارنا!؟
ولكن معاذ تقديرنا العميق أن نشغب عليك.. فما توجهنا إليك بحديث إلا لأن آمالنا تتعلق بك.
مع ذلك.. فلأ بادر إلي أرضائك.. ولك العتبي حتي ترضي..
لقد أخذت علي شباب الأدباء أنهم لا يعملون كما يجب أن يعملوا، وأنهم يؤثرون الراحة والعافية، وأنهم لا يجهدون كما جهد شيوخ الأدب.
ونحن نعترف لك بصدق ما تقول.. ولكن!
أشباب الأدباء كلهم كما وصفت؟ ألا تعرف قصصا عن كفاح كثيرين منهم في طلب المعرفة..
أن منهم من يجهد كما جهد أشياخه، ومنهم من عاني في طلب المعرفة، ما لم يعان أشياخه من قبل.
نحن نعترف لك بصدق ما تقول ولكننا لا نحب الاطلاق، يا سيدي الدكتور! وأننا لنصدع لنضحك كأستاذ نقدره، وأننا لنذهب إلي أبعد مما تذهب إليه فنطالب الذين يكتبون أن يستوعبوا كل ألوان الثقافة التي يقاومونها بقدر ما يستوعبون الثقافة التي يعتبرون أنفسهم امتدادا متطورا لها.
يجب أن يكونوا مثقفين أول الأمر.. وليحددوا بعد هذا، معسكرهم الذي يناضلون فيه.
ونحن نطالب الذين يكتبون بالعربية.. أن يكتبوا بالعربية حقا! وعلي الذين يحاولون أن يكونوا أدباء في شرقنا العربي أن يدرسوا تراثهم.
وأننا لنعترف بخجل أن من بينهم كثيرين لم يقرأوا الأغاني، ولم يدرسوا الجاحظ، ولم يعرفوا ابن سينا، ولا أبا العلاء.. وهم مع ذلك يحاولون أن يكونوا كتابا، باللغة العربية.
ولكن أمرجع هذا ياسيدي هو فتور الهمة.
ربما كان هذا بعض السبب.. ولكنني أؤكد لك أن السبب الرئيسي أن الكتب ليست ميسرة لهم، ولئن وجدت، فثمنها فاحش لا يطيقونه!!
والذين قرأوا بعض الآثار القديمة من شباب الأدباء، قرأوها في الغالب من مكتبات الجامعة أو باب الخلق.. ولم يتح لهم أن يقتنوها أبدا.
أليست هذه محنة يا أستاذنا الكبير؟!
أن عشرات الآلاف من الجنيهات قد انفقت علي طبع كتب أحرقها تلاميذ المدارس في دفاعهم عن الثقافة، وكرامة العلم منذ خمسة أعوام.
ومازالت دار الكتب ووزارة المعارف تنفق عشرات الآلاف علي طبع أمثال هذه الكتب.. ومع ذلك فلم تعن الدار أو الوزارة بنشر كتب التراث بأثمان يطيقها الأدباء الشبان أو الذين يريدون أن يكونوا أدباء، والقارئون كافة.
ماذا تقول يا أستاذ هذا الجيل؟
ثم.. ما رأيك في أن آلاف الكتب التي تنشرها المكتبات في كل بلاد العالم لا تصل إلي مصر وأنا بالطبع لا أعني - فحسب - ما ينشر في (بلاد أنا أعرفها)، وانما اعني أيضا الكتب المنشورة في بلاد أنت تعرفها!!
أما عن كتب هذه البلاد التي أعرفها فهلا رأيت معي أن ما ينشر منها عن الحضارة العربية - علي الأقل - جدير بأن يفيد منه الذين يعنون بالثقافة في مصر..
أليس في هذه البلاد علم يحمي الإنسان؟ أليس فيها بحوث تفتح باب الأمل وتصل الماضي بالحاضر؟!
ألا تري أن ثقافتنا ستظل قاصرة عاجزة ما لم تتصل بكل الثقافات؟
حتي التقدم الطبي في هذه البلاد حرام علينا..
وأنك - بين الكبار - لأنت وحدك الذي يستطيع أن يفتح الأبواب أمام الثقافة الإنسانية.. أنت وحدك الذي تتعلق به آمالنا لتطالب معنا بحرية التبادل الثقافي، وبالإفادة من كل ما انتجه العقل البشري في موسكو وبكين كواشنطن ولندن وباريس أنت وحدك الذي نرجوه ليحطم معنا كل القيود التي تغل تراثنا، وتحرم عقولنا من آثار الذين قادوا مواكب التطور.
هكذا هو ما نرجوه منك أنا و"صحبي"..
أما أنا فاعذرني إذا لم استطع أن أرفع صوتي كما ينبغي ليصل إلي سمعك بكل ما أريد، فعندما تتوهج الحرارة، لا تكاد الأنفاس تحمل الأصوات!
أنك لتستطيع أن تعود إلي مصر، لتأخذ مكانك في طليعة معركة الفكر، ومازالت مواقفك الباهرة في حماية حرية القلم تملأ كل نفس بالثقة فيك..
أنك تستطيع أن تعود إلي مصر.. ففي مصر ينتظرك الكثير!
في مصر ينتظرك صحبي الذين لم يعد يرتفع لهم صوت، والذين يجب أن ترتفع أصواتهم لأنهم قلاع منيعة في كل معارك الشعب أمام أعداء الثقافة والحرية والمستقبل.. وقد عرفت بلاءهم في كل معركة خاضتها مصر ضد الاستعمار من أي نوع..
وفي مصر ينتظرك كل الذين لم يفهموا بعد نظريات التعليم ونظم التعليم التي أصبحت - لأمر ما - من بعض أسرار الكهنوت، ما ينبغي للناس أن يخوضوا فيها!
وفي مصر ينتظرك الذين يحمون استقلال الجامعة، وأمانة العلم.
وفي مصر ينتظرك كل الذين تهدد ثقافتهم دور النشر (المتأمركة)، وكل الذين هزهم بحثك في "الفتنة الكبري"، وعلمهم كيف يحبون تاريخهم، وكيف يندفعون إلي الأمام.
في مصر ينتظرك كل هؤلاء........ وينتظر الصغار الذين يحلمون بأن يصلوا إلي المدارس الثانوية وإلي الجامعة.
في مصر ينتظرك الملايين، وينتظرك تاريخك المجيد نفسه.. في مصر ينتظرك المستقبل وينتظرك قومك، فما أعجلك عن قومك يا طه؟!
لقد ذهبت إلي مؤتمر السلام المسيحي، فهل شغلك عن كل هذا؟!
أنك لم تذهب إلي مؤتمر للسلام من قبل، وقد دعيت إلي كل مؤتمرات السلام، وأنا أعني مؤتمرات السلام الإنسانية التي تشترك فيها المسيحية واليهودية والإسلام والبوذية، والذين لا يؤمنون!
مهما يكن من شيء - علي حد تعبيرك يا سيدي - فهذا أمر ليس علينا بيانه.. والإنسانية التي تقدرك في مصر وباريس وروما والبلاد العربية و"البلاد التي أعرفها"، هذه الإنسانية تنتظر منك أن تعجل إلي كل مؤتمر يدعو إلي السلام والحرية، ويرمي إلي توسيع التبادل الثقافي بين الشعوب، ويقيم دعائم العلاقات الدولية علي الحب والثقة والتعاون.
أن الإنسانية لتنتظر منك هذا.. وتنتظر منك أن تعلن عداءك الدائم للسياسة التي تهدد حياة الأطفال ومستقبل الثقافة.
أن ما تعلق عليك من أمل لعظيم جدا يا سيدي..
والذين ناضلت من أجلهم أربعين عاما ينتظرون مقدمك، ونضالك.. الأمهات في البيوت يمسكن القلوب من قلق علي مستقبل الأبناء، والآباء يتحسسون الجيوب، وشبابنا ينتظرون شبابنا الذين يترنحون علي أبواب المعاهد والجامعات، والآخرون الذين سكتوا - لوقت ما - في أماكن ما من أرض مصر!
عندما كنا نحن تلاميذا صغارا، في السن التي تجعلنا نفخر بعجزنا عن حل تمرينات الهندسة ونزهو بمقدرتنا علي انشاء الموضوعات الخيالية - كوصف القاهرة في يوم مطير - في تلك الأيام يا سيدي لم تكن ننتظرك.. فقد كنت أنت تعجل إلينا، لتنشر آية من نور الحيرة في وجه سلاطين الظلام من بقايا "دنلوب".
كان الأصدقاء إذ ذاك يجتمعون.. وكانت النفوس إذ ذاك أكثر انطلاقا مع الحياة..
وكانت أصواتنا الجديدة الخشونة تهز ركود المجتمع المصري بالهتاف والحرية والاستقلال وحقنا في العلم.. وكانت دماؤنا المتموجة السخونة تمنح الحياة المصرية نبضها، ودفئها.. والشهداء!
فباسم الثقافة التي تحب لها أن تزدهر، وباسم الأدب الذي انفقت في سبيله أجمل سنوات العمر، وباسم حرية الفكر التي تكبدت في سبيلها عذاب السجن.. وباسم الكلمة التي جاهدت لتحمي لها قداستها وحقها في أن تنطلق.. باسم الآباء الذين ملأتهم أملا في مستقبل أبنائك.
باسم تاريخك كله، ومستقبلك.
وباسم أشياء أنت تعرفها. ندعوك يا سيدي أن تعود لتأخذ مكانك من الصفوف!
قد عدوناك فهل لم تسمع!
هل عدت إلي دورك ومسئولياتك
هل عجلت إلي مصر.. لترضي!؟
عبدالرحمن الشرقاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.