المستشار أحمد بندارى : التصويت فى انتخابات الشيوخ بالتوعية لكن ستطبق الغرامة    جهاز أكتوبر الجديدة يعلن انتهاء تنفيذ أول عمارات سكنية بمشروع ديارنا.. صور    محلل سياسي: ما فعله الإخوان يعترفون خلاله رسميا بأن نتنياهو مرشد الجماعة الأعلى    مسؤول أمريكي: شروط ترامب عدم وجود حماس للاعتراف بالدولة الفلسطينية    في ودية غزل المحلة.. إيشو ودونجا والزنارى فى تشكيل الزمالك    في مباراة يوكوهاما ضد ليفربول .. محمد صلاح يتلقى هدية غير متوقعة    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات "مهرجان الصيف الدولي" في دورته الثانية والعشرين    ترامب يعلن فترة مفاوضات مع المكسيك 90 يوما بشأن الرسوم الجمركية    مصرع شخصين وإصابة آخرين في انقلاب سيارة بترعة في سوهاج (صور)    الداخلية: مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة خلال مداهمة أمنية بالطالبية    القليوبية تحتفي بنُخبَتها التعليمية وتكرّم 44 من المتفوقين (صور)    عودة نوستالجيا 90/80 اليوم وغدا على مسرح محمد عبدالوهاب    محافظ سوهاج يبحث استعدادات انتخابات مجلس الشيوخ ويؤكد ضرورة حسم ملفات التصالح والتقنين    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    توتنهام يسعى لضم بالينيا من بايرن ميونخ    ريبيرو يستقر على مهاجم الأهلي الأساسي.. شوبير يكشف التفاصيل    جدول ولائحة الموسم الجديد لدوري الكرة النسائية    وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يشهد توقيع مذكرة تفاهم لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق (EHVRC)    الصحة العالمية: غزة تشهد أسوأ سيناريو للمجاعة    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    معاقبة شقيق المجني عليه "أدهم الظابط" بالسجن المشدد في واقعة شارع السنترال بالفيوم    وزارة الداخلية تضبط طفلا يقود سيارة ميكروباص فى الشرقية    واشنطن تبلغ مجلس الأمن بتطلع ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا 8 أغسطس    وزير الخارجية اللبناني يبحث مع مسئولة أممية سبل تحقيق التهدئة في المنطقة    وزير الثقافة يشارك باحتفالية سفارة المملكة المغربية بمناسبة عيد العرش    الخميس 7 أغسطس.. مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات "مهرجان الصيف الدولى"    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    وكيل صحة شمال سيناء يبدأ مهامه باجتماع موسع لوضع خطة للنهوض بالخدمات الطبية    طريقة عمل الدونتس في البيت زي الجاهز وبأقل التكاليف    "قريب من الزمالك إزاي؟".. شوبير يفجر مفاجأة حول وجهة عبدالقادر الجديدة    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    17 برنامجًا.. دليل شامل لبرامج وكليات جامعة بني سويف الأهلية -صور    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    المشدد 3 سنوات ل سائق متهم بالاتجار في المواد المخدرة بالقاهرة    تعرف على كليات جامعة المنيا الأهلية ومصروفاتها في العام الدراسي الجديد    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    محافظ المنوفية: تكريم الدفعة الرابعة لمتدربي "المرأة تقود في المحافظات المصرية"    القنوات الناقلة لمباراة برشلونة وسيول الودية استعدادًا للموسم الجديد 2025-2026    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    "يحاول يبقى زيهم".. هشام يكن يعلق على ظهوره في إعلان صفقة الزمالك الجديدة    البورصة: تغطية الطرح العام للشركة الوطنية للطباعة 23.60 مرة    تعليقا على دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية.. رئيس حزب العدل: ليس غريبا على الإخوان التحالف مع الشيطان من أجل مصالحها    محافظ المنيا: تشغيل عدد من المجمعات الحكومية بالقرى يوم السبت 2 أغسطس لصرف المعاشات من خلال مكاتب البريد    4 تحذيرات جديدة من أدوية مغشوشة.. بينها "أوبلكس" و"بيتادين"    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    هل انقطاع الطمث يسبب الكبد الدهني؟    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    بالأسماء إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بصحراوى المنيا    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    البابا تواضروس يشارك في ندوة ملتقى لوجوس الخامس لشباب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    حنان مطاوع تودع لطفي لبيب: مع السلامة يا ألطف خلق الله    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عميد الأدب العربي يعترف: لم أفهم عبقريات العقاد.. ولا أطيق مسرحيات الحكيم


حوارات يقدمها : د. نجم عبد الكريم
للمرة الأولي..
حوارات نادرة لعمالقة الفكر والأدب والسياسة والفن علي صفحات «روزاليوسف»
قبل أن تقرأ..
لم تجد «روزاليوسف» من هدية تناسب ولاء قرائها لهذه المطبوعة، سوي نشر سلسلة من اللقاءات والحوارات النادرة التي لم تنشر من قبل مع كبار المفكرين والكتاب والأدباء والفنانين، أجراها الكاتب والإعلامي العراقي الدكتور نجم عبدالكريم في فترات مختلفة علي مدي أربعة عقود.
السلسلة النادرة سجلها الدكتور عبدالكريم في أشرطة إذاعية ضمت قائمة بخمسين مفكرا وأديبا، علي رأسهم طه حسين والعقاد، ولويس عوض ومحمود شاكر، وعزيز أباظة ويحيي حقي ومحمود تيمور، واختارها الدكتور يوسف إدريس لتكون مادة يدرسها لطلاب الأدب العربي بجامعة كاليفورنيا.
في الحلقة الأولي يتحدث عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بصراحة مطلقة عن الأزهر وشيوخه، وعن علاقة الدين بالسياسة، والشعر والأدب والفنون ونصائحه للشباب، كما يتحدث عن العقاد وعبقرياته التي لا يفهمها وعن جان بول سارتر ويوسف إدريس وأم كلثوم وعبدالحليم وغيرهم.. وعن الحرب والسلام وإسرائيل واللوبي الصهيوني المساند بكل قوة للاحتلال الإسرائيلي فإلي نص الحوار النادر:
عميد الأدب العربي يعترف:
لم أفهم عبقريات العقاد.. ولا أطيق مسرحيات الحكيم
كنت أعد برنامج «أديب الأسبوع» من القاهرة لإذاعة الكويت في أواسط الستينيات، حيث أتيحت لي فرص الالتقاء والتحاور مع أعداد كبيرة من رواد الأدب، والفكر والفن والإعلام، وعندما تم ابتعاثي لإتمام الدراسات العليا في أمريكا، كان لابد لي من الاحتفاظ ببعض التسجيلات.
وشاءت المصادفات أن يقوم الأديب الدكتور يوسف إدريس، بزيارة لمدينة لوس أنجلوس كأستاذ زائر لتدريس مادة الأدب العربي الحديث في جامعة كاليفورنيا فكنت ألتقيه بشكل يومي فأخبرني بحاجته لإيجاد صيغة سهلة ويسيرة لإعطاء طلابه جرعات أدبية متنوعة للأدب العربي الحديث، فاقترحت عليه أن يعرض عليهم بعضا من الأشرطة التسجيلية التي جلبتها معي، ثم تمت المناقشة حول ما جاء فيها من آراء فتحمس للفكرة ووجد أنها عملية وفاعلة، ولما طرحها علي طلابه وجد أنهم أكثر حماسة لتقبلها فسلمته جميع الأشرطة، ولم يكن يخطر لي حينذاك القيام بنسخها، والاحتفاظ بأصولها.
وقد وضع الدكتور إدريس قائمة بخمسين أديبا، في مقدمتهم الدكتور طه حسين يليه العقاد ولويس عوض ومحمود شاكر وعزيز أباظة ويحيي حقي ومحمود تيمور وغيرهم.
وفي المحاضرة الاولي استمع الطلاب إلي شريط لقائي مع الدكتور طه حسين ثم تمت مناقشة العديد من الآراء التي جاءت علي لسان عميد الأدب العربي وهكذا دواليك، قد تمت عملية الاستماع إلي الاشرطة وتعقبها المناقشات.
عاد الدكتور يوسف إدريس الي القاهرة ولم أحصل علي اشرطتي، إذ إنها توزعت بين الطلبة ولما عدت الي الكويت خطرت لي فكرة الحصول علي نسخ منها لتفريغها علي الورق، ونشرها في كتاب، خاصة وأن عددا كبيرا ممن التقيتهم قد انتقلوا إلي رحمة الله، وبكل أسف فقد وجدت أن أشرطة برنامج أديب الاسبوع قد تم الاستيلاء عليها أثناء غزو العراق للكويت، حيث نقلت جميع مقتنيات مكتبة الإذاعة الكويتية الي بغداد.
ولحسن الحظ.. أن بعض الأصدقاء من زملاء الدراسة في لوس أنجلوس قد احتفظوا بنسخ منها، فزودني الدكتور عبدالله العسكر الذي رأس قسم التاريخ في جامعة الملك سعود بعدد منها كما وعدني بأعداد أخري قد احتفظ بها زملاء آخرون، ومن ضمن الأشرطة التي أعطاني إياها الدكتور العسكر، شريط الدكتور طه حسين، الذي تم تفريغه.. وهاهو بين يديكم، كما سجل في أواسط الستينيات.
فلنتصور طه حسين الشيخ الشاب، الثائر علي مناهج الدراسة في الأزهر، قد استمر في دراسته الدينية، فماذا ستكون الحال حينذاك؟
كنت سأكون أزهريا ثائرا! وقد حاولت ما استطعت المحاولة، وتقدمت إلي الامتحان في الأزهر، ولكنني لم انجح لسبب معين، وهو أن شيخ الأزهر - رحمه الله - قد أصر علي ألا أنجح في الامتحان، لأني كنت في تلك الأيام قد قلت شعرا، هجوت فيه شيوخ الأزهر، لأنهم حضروا حفلا أقيم في مدرسة الوعظ والارشاد التي أنشأها رشيد رضا رحمه الله، وقيل إنه في هذه الحفلة دارت كؤوس الشمبانيا علي المحتفلين، فطبعا لم يشرب هؤلاء الشيوخ من الشامبانيا، ولكنهم رأوها، وسكتوا عليها، ولم ينكروا! فقلت في ذلك شعرا، مع الأسف الشديد نشر في جريدة من جرائد الحزب الوطني، كان يرأسها المرحوم الشيخ عبدالعزيز جاويش، ولا أذكر منها الا مطلعها: رعي الله المشايخ إذ توافوا/ إلي سافوي في يوم الخميس، فأصر الشيخ علي ألا أنجح في الامتحان، وتم له ما أراد، بعد أن غير لجنة من لجان الامتحان، أمرها باسقاطي فأبت! فغيرها بلجنة أخري كانت طائعة مذعنة.
علي ذكر الأزهر.. لقد طالبت كثيرا بإصلاح الدراسة فيه، فهل تري أن تلك الإصلاحات التي حدثت في السنوات الأخيرة، قد استجابت إلي المطالب التي كنت تنادي بها؟!
والله، أنا اتمني هذا.. وإن كنت أعتقد أن الإصلاحات التي أجريت، بها بعض العجلة، كنت أتمني أن يبتدئ بإصلاح التعليم الثانوي في الأزهر أولا، حتي تكون شهادة الثانوية الأزهرية معادلة حقا للشهادة الثانوية الحكومية، وكنت أعتقد ومازلت أن هذا توحيد لعقلية المصريين، لا تكون هناك عقلية مدنية صرفة، وعقلية دينية خالصة، إنما تكون هناك عقلية مصرية، مؤمنة بالدين، وبالشريعة، وبالعلم، وبكل ما يقتضيه الإسلام.
دكتور.. عدت أخيرا من رحلتك السنوية إلي أوروبا، فكيف وجدتها هذه الرحلة؟!
أنا في رحلاتي الآن إلي أوروبا في الصيف، أقصد أماكن بعيدة، لا ألقي فيها أحداً، أو لا أكاد أن ألقي فيها أحدا!
ماذا اسمي هذا؟ هل تريد العزلة عن الآخرين؟!
بل أريد الراحة.. أريد الراحة والاستجمام، ولا أذهب منذ سنين إلي فرنسا، وإنما أذهب إلي إيطاليا، وأقضي الصيف في شمالها، في السهل شيئا، وفي الجبل شيئا، وعلي البحر شيئا، ولا أكاد ألقي أحدا من الأدباء أو المثقفين، وإن كانت بيني وبين كثير من أدباء إيطاليا علاقات صداقة ومودة متينة جدا.
كنت سأتوجه إلي الدكتور بسؤال يتعلق بعلاقاته، ولقاءاته بالمثقفين في أوروبا، وما هي نظرتهم إلي قضايانا العربية!
أنا لا ألقاهم، ولكني أقرأ الصحف، والذي فهمته من قراءة الصحف الفرنسية والإيطالية، أن الحكومة الفرنسية معنا، لأن الجنرال ديجول معنا، ولكن الشعب الفرنسي متأثر باليهود إلي حد بعيد، فاليهود يسيطرون علي كثير من مصالح فرنسا، وكثير جدا من المثقفين في فرنسا يميلون إلي اليهود، وإلي إسرائيل، بحكم الدعاية، وبحكم المصالح المالية.
وقد عجبت عندما رأيت مثلا جون بول ساتر الذي زار مصر، وأكرم فيها اكراما شديدا، ولقي جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية، ومكث معه أكثر من ثلاث ساعات، ولم تكد تعلن الحرب في العام الماضي، حتي أعلن تأييده لإسرائيل.
ما تفسير الدكتور طه حسين لهذه الظاهرة؟!
- تفسيري أنها مصلحة؟!.. إنها المصالح المادية!
يعني رجل كجون بول سارتر بلغ من الثقافة والفكر مرحلة ما يكفي أن تحول بين مادياته.. وإيمانه الفكري والثقافي.. هل من الممكن أن يصل إلي هذا المستوي؟!
- والله كل شيء ممكن في هذه الدنيا، ففي الشعب الفرنسي ميل أيضا إلي إسرائيل! ولكن هناك بعض الصحف الفرنسية المعتدلة والمستقلة، تناصرنا بقوة، كصحيفة اللوموند مثلا، وهي من أكبر الصحف الفرنسية، هي معنا بكل قوة، وتنشر مقالات تأييد لنا بكل سرور.
دكتور.. تفشت في أوروبا ظاهرة الشباب الذين يطلقون الذقون، ويمشون حفاة في الطرقات، ويطيلون شعور رءوسهم، وصارت لهم طقوس مفزعة، ألم يبحث الدكتور طه حسين في هذه الظاهرة؟!
- نعم.. هو الإسراف في الحرية من جهة، ثم ثورة الشباب علي بعض القيم والأعراف القائمة، ومحاولة تغييرها.. وللشباب أطوار! يتطرف أحيانا، ثم يسير إلي الاعتدال شيئا فشيئا، وهذا الأمر لم يقف عند الشباب في فرنسا وأوروبا، لكنه تجاوزها إلي بلدان أخري، إلي أمريكا الشمالية، والي كثير من بلاد أمريكا الجنوبية أيضا.
دكتور.. من الناس من يذهب إلي أن الشعر العربي الحديث قد انتهي بعد أعلامه الكبار أمثال شوقي، وحافظ والزهاوي، والرصافي، وغيرهم.. فما رأي أستاذنا فيمن يقول بذلك؟!
- أرجو ألا ينتهي الشعر العربي! لأني أعتقد أن اللغة العربية أشد قوة، وحياة، وخصبا من أن ينتهي الشعر فيها! وكل ما ألاحظه هو أننا نعيش فترة انحط فيها الأدب، أو الإنتاج الأدبي، انحطاطا ظاهرا.. وأرجو ألا تطول هذه الفترة.
دكتور.. كذلك يلاحظ المتابعون لحركة النقد الأدبي أن صوتها قد خفت هو الآخر!
- لا غرابة في هذا، مادام الأدب نفسه قد انحط، فماذا تريد أن ينقد الناقدون؟!
وأين هم؟!
كان هناك الدكتور محمد مندور رحمه الله، وقد سبقنا إلي الدار الآخرة.
هل معني ذلك أن ميدان النقد خال الآن، بعد رحيل الدكتور مندور؟!
- هو يوشك أن يكون خاليا.
هذا اتهام خطير علي لسان الدكتور طه حسين لحركة النقد المعاصرة؟!
- إنه حقيقة، وليس اتهامًا.
يستأثر المسرح بمكان الصدارة في الإنتاج الأدبي المعاصر، وقد كان لكم فضل التبشير بميلاد الأدب المسرحي علي يد توفيق الحكيم.. فما رأيك في الإنتاج المسرحي الحديث للحكيم؟!
- نظرا لأن أكثر هذا الإنتاج باللغة العامية، فأنا لا أحبه.. ولا أطيقه، ولا أشهد منه شيئا.
لكن توفيق الحكيم يعتبر من المجددين في مسرحية (يا طالع الشجرة)، ومسرحية (شمس النار)، و(الورطة)؟!
- هذه مسرحيات أراد الحكيم أن يذهب فيها مذهب التمثيل اللا معقول في أوروبا، وما أحسبه وفق كل التوفيق.
إذا هل يتابع الدكتور إنتاج كتاب المسرح الجدد؟!
- لا أقرؤهم، لأنهم يكتبون بالعامية!
ولكن ألفريد فرج، وعبدالرحمن الشرقاوي، يكتبان بالفصحي!
- لا أقرأ لهما للأسف، لأنهما لا يرسلان لي مسرحياتهما.
ماذا لو سألتك عن كتاب مسرح جدد مثل نعمان عاشور، سعد الدين وهبة، يوسف إدريس، رشاد رشدي!
- ماذا تريد أن أقول، وأنا لا أقرأ إنتاجهم المسرحي، مع أنهم يستأثرون بالإنتاج المسرحي في حياتنا المعاصرة، ولكن للأسف كما قلت: إنهم يكتبون بالعامية.
دكتور.. في حديث لك بالتليفزيون قلت: إنك لا تستطيع أن تفهم عبقريات العقاد.. هل لك من التفصيل قليلا لتوضيح هذا الرأي؟!
- لا.. هو العقاد له في عبقرياته أنواع من الفلسفة غريبة!، فهو عندما يكتب عن عمر بن الخطاب، لا يعرض تاريخه، وإنما يحاول أن يحلل شخصيته تحليلا فلسفيا، وفي مذهبه الفلسفي كثير من الغموض، فهذا هو السبب في أني لا أكاد أفهم هذه العبقريات، لما فيها من هذه الفلسفة التي تحتاج إلي ايضاح.
دكتور.. أريد رأيك الصريح بإنتاج العقاد، وما أهم ما اضافه إلي تراثنا الفكري والثقافي في رأيك؟
- أضاف أشياء كثيرة.. أضاف دواوين شعر حسنة، جيدة، وأضاف كتبًا في النثر وفي النقد، وأضاف هذه المقالات الأدبية الكثيرة التي نُشرت في الصحف وجُمعت في بعض المجلدات، ثم له أبحاث لا بأس بها.
بصفتك رئيسًا لمجمع اللغة العربية، هل أنت راضٍ عن نشاطه؟!.. وما الصورة المثلي التي تري أن يسير عليها المجمع؟
- أما أنا فمعتقد أن المجمع يبذل ما يستطيع بذله من الجهد، وكل ما يُطلب من المجمع هو أن يحافظ علي سلامة اللغة العربية الفصحي، وأن ينقل إليها مصطلحات العلوم الحديثة علي اختلافها، لنتمكن أخيرًا من تعليم هذه العلوم في الجامعة باللغة الأجنبية، وبالإنجليزية خاصة، وهذا نقص لابد من إكماله، وأؤكد لك أن المجمع يبذل أقصي جهد في تعريب هذه المصطلحات، ويكفي أن تنظر لما نشره المجمع من هذه المصطلحات التي عُربّت.
دكتور.. بمناسبة الحديث عن المجمع، هل العضوية فيه مقتصرة علي المصريين؟
- إطلاقًا، فمحمد الفاسي مدير جامعة الرباط في المغرب، وكذلك هناك عبد الله كانون مغربي أيضًا، وحسن حسني عبد الوهاب من تونس ، وكذلك فاضل عاشور، والأمير مصطفي الشهابي من سوريا، وللعراق والسعودية أعضاء في المجمع.
دكتور.. ما الشرط الذي يجب أن يتوافر في عضو مجمع اللغة العربية؟
- هو أن يكون من العلماء الذين يحسنون اللغة العربية، ويتم الوصول إلي معرفة ذلك من خلال انتاجهم.
دكتور.. أنت في حوارك هذا أنحيت باللائمة كثيرًا علي اللجهات العامية، وتطالب الناس بأن تتحدث وتكتب باللغة العربية الفصحي، مع أن واقع الحال المعاش يسير بعكس ما تطلبه.. فالعامية أصبحت مهيمنة علي معظم ما يقدم في الإذاعة والتليفزيون والمسرح، والقصص بل الصحف، ألا تعتبر كل ذلك أدبًا؟!
- كلا .. لا أعتبره أدبًا.. وإنما اعتبره انحطاطًا للأدب!!
لنضرب لك مثلاً في أزجال بيرم التونسي، وصلاح جاهين، والأبنودي، وهي جميعًا بالعامية؟
- للعامية أزجالها وأشعارها.. ولكن هذا شيء، وأن تتغلب العامية علي الفصحي، وتصبح لغة الأدب!! فهذا شيء لا يحتمل.
إلي أي حد استطاعت الحركة الأدبية أن تنهض بتوثيق عُري الأخوة بين أبناء الوطن العربي؟
- إلي الآن لم تنجح كل النجاح، لسبب بسيط، وهو أن كثيرًا من الشباب يكتبون بالعامية، وفي بعض البلاد العربية، أُهمل الأدب إهمالاً يوشك أن يكون تامًا.. فمع.. الأسف الشديد الأدب ضعف في هذه الأيام.. وأرجو إن شاء الله أن تعود له قوته.. وإذا عادت له قوته، فلاشك أنه سيحقق أحسن شكل من أشكال روابط الأخوة العربية.
ألاحظ من خلال هذا الحديث أن الدكتور طه حسين متشائم جدًا لمكانة الأدب العربي، ووصفه بالانحطاط أكثر من مرة..
- في مصر الآن.. لا أشك في هذا .
ما السبب المباشر الذي أدي إلي هذا الانحطاط في رأيك؟! وكيف يمكن أن نتصدي له؟!
- بحسن تعليم العربية في المدارس والجامعات، لو تعلم شبابنا اللغة العربية تعليمًا جيدًا في مدارسهم الابتدائية والثانوية، وفي الجامعة، لم يهملوا الأدب العربي، ولم يتحولوا عنه إلي اللهجات العامية.
يريد الدكتور أن يقول إن سبب انحطاط الأدب في عالمنا العربي، هو انتشار العامية!!
- قطعاً.!
نحن نعرف رأي الدكتور طه حسين في مكانة الأدب العربي القديم، ومكانته في الآداب العالمية، فأين يضع الأدب العربي المعاصر بين الآداب العالمية؟!
- أنا أعتقد أن الأدب العربي القديم، كان أدبًا عالميًا بأدق معاني هذه الكلمة بين الأدبين اليوناني واللاتيني، بل إنه انتشر أكثر من انتشار الأدب اليوناني واللاتيني، فهو قد ظهر في جزيرة العرب، وانتشر في الشرق إلي الهند تقريبًا، ثم في الغرب إلي الأندلس، وهكذا سيطر علي العالم القديم كله.
أما الأدب المعاصر، ففي عصر من عصوره الأخيرة، بدأ يصبح أدبًا عالميًا، وتُرجمت كتبٌ لبعض الأدباء إلي اللغات الأوروبية ، وعُني بها النقاد، وقرأها القراء، وتُرجم بعض هذه الكتب إلي كل اللغات الكبري في أوروبا، ولكن الآن قد ضعف الأدب العربي في مصر، ويوشك أن يكون قد ضعف في غيرها من البلاد أيضًا.
.. فإني أخشي أن تكون عالميته قد تأخرت شيئًا، وأرجو أن يسترد الأدب العربي المعاصر عالميته وقوته، وأن يصبح أدبًا عالميًا بالمعني الدقيق الواسع لهذه الكلمة.
دكتور.. كيف تقضي أوقات فراغك؟!
- ليس عندي أوقات فراغ يا سيدي!!
إذًا كيف تقضي أوقات انشغالك؟!
- أقرأ.. مع الأسف الشديد، صحتي لا تسمح لي الآن بالكتابة، ولذلك أنا أنفق وقتي في القراءة، قراءة في الآداب العربية، وقراءة في الآداب الأجنبية، ما استطعت إلي ذلك سبيلاً في أكثر النهار، وشطرًا من الليل.
أليست هناك من هوايات معينة تمارسها إلي جانب القراءة؟!
- أسمع الموسيقي القديمة.. الموسيقي الأوروبية.
فقط؟!!
- فقط!!
يعني لو سألتك رأيك في بعض موسيقانا العربية، ومطربينا العرب، هل هناك مجال للحديث في هذا الأمر؟
- لا..
في حديث لك أشرت في التليفزيون إلي أنك تستمع إلي محطة القرآن الكريم؟
- نعم.. إني استمع إلي ترتيل القرآن.
الدكتور طه حسين رفض الحديث عن الطرب والمطربين العرب، مع أن ظاهرة الإقبال علي الأغاني صارت منقطعة النظير، فما تفسيرك لهذا؟!
- تفسيري .. أن الحياة الآن توشك أن تدع الجد إلي الهزل، والجهد إلي الدعة، والعمل إلي البطالة، فالشباب يسمعون الغناء في الراديو، ويشاهدون التليفزيون، ويذهبون إلي المسارح، ويستمعون إلي المغنين علي اختلافهم.. وبخاصة للسيدة أم كلثوم، وهذا كله هو الذي يصرفهم عن القراءة، وعن تعمق القراءة، وهو الذي يصرفهم عن الأدب الجدي. .... وإذا كان لابد لي من نصيحة، وما أكثر ما وجهتها حتي أصبحت حديثًا معادًا، هي أن يُعني الشباب العرب بقراءة الأدب العربي القديم، ما استطاع إلي ذلك سبيلاً.. وأن يقرأ الآداب الحديثة إذا كان يعرف لغة أجنبية، فليس هناك من سبيل إلي الرقي، إلا هذا.. قراءة التراث القديم للمحافظة علي شخصيتنا العربية، وقراءة الإنتاج الأدبي الحديث في العالم لنعرف العصر الذي نعيش فيه، وليكن أدبنا ملائمًا للبيئة العالمية التي نعيش فيها.
شكرًا دكتور...
- عفوًا.
هذه الحلقة تم تسجيلها في عام 1968


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.