لم يعد هناك شك فى أن الموقف المصرى تجاه الحرب على غزة، وخطوط مصر أمام التهجير أو محاولات التصفية، كانت حائط سد كبير فى مواجهة مخططات، اتخذت من عملية 7 أكتوبر ذريعة لتطبيق أكثر سيناريوهات التحطيم خطرا، وبعد أن ظلت مخططات التهجير فى الأدراج، وخطط مثل «حقل الأشواك» توجد فى السر ويتم تداولها بحذر، أصبحت تطرح علنا، بل وخرج من يتحدث عن نقل الفلسطينيين إلى سيناء أو الأردن، وهو مخطط يمثل فى حد ذاته جريمة، تصدت لها مصر منذ الأيام الأولى للحرب. ومن يتابع ملف الحرب الخطر، يعرف كيف واجهت مصر كل المخططات، حيث المعارك العسكرية وسيلة من وسائل الحرب، وليست غاية، وأن طوفان 7 أكتوبر فتح مجالا لمواجهة هى الأخطر والأكثر تعقيدا فى أكثر من 70 عاما هى عمر الصراع المعلن، وبعد عامين من حرب إبادة لم تنجح إسرائيل فى دفع الشعب الفلسطينى فى غزة للمغادرة، بل وتحدث بنيامين نتنياهو ومجلس الحرب المصغر عن إعادة احتلال غزة، بعد حرب إبادة ضخمة غير مسبوقة، بدت مخططة ومتعمدة لجعل الحياة فى غزة مستحيلة، مع تضمين خطة الاحتلال عملية تهجير من الشمال للجنوب، مع مزاعم بالسعى للقضاء على حماس، وهو أمر تحقق جزئيا فى اغتيالات وضربات، لكن لا توجد نتيجة على الأرض، بينما الظاهر هو قتل الأطفال والنساء. ولهذا وبينما كانت هناك بعض الأصوات تتحدث عن حرب، وهؤلاء لا يعرفون أن الحرب قائمة منذ اللحظات الأولى للطوفان، فى 7 أكتوبر، وتحديدا خاضت الدولة المصرية بمؤسساتها، حروبا داخل هذه الحرب، أولها رفض مخططات التهجير، حتى قبل إعلانها، بل وواجهت مصر أكاذيب وحروبا وصلت إلى تحالف نتنياهو وتنظيم الإخوان لشن حرب على مصر، التى أفسدت طبخات متنوعة، ووصلت الصرخات الإسرائيلية، وانعكست فى تسريبات أو بيانات أو ادعاءات عن اختراقات للمعاهدة، أو مساعدة المقاومة، وكلها ادعاءات لم تنجح صحف ودعاية الاحتلال فى تقديم أى أدلة عليها. الشاهد أن الحرب لم تتوقف، لكنها حرب سياسية دبلوماسية معلوماتية، واجهت بها مصر المخططات ونجحت فى أن تغير وجهات نظر دول كثيرة، تبنت فى بدايات الحرب الرواية الإسرائيلية، التى وظفت 7 أكتوبر بشكل دعائى، ومن هنا فإن الدور المصرى لم يتوقف طوال عامين عن السعى فى كل الدوائر السياسية بالعالم، بدءا من مؤتمر القاهرة فى نوفمبر 2023، وصولا إلى قمة القاهرة الطارئة، ثم القمم العربية، واتصالات واستقبال لرؤساء ورؤساء وزراء، وتواصل مع كل حلقات العالم، وصولا إلى هذا الاعتراف الواسع بالدولة الفلسطينية والذى بلغ 157 دولة، وهو ما يعد نتاج جهد مصر طوال هذه الشهور، وهو ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال زيارته للأكاديمية العسكرية والتى جاءت فى توقيت دقيق، حاملة رسائل واضحة للداخل المصرى والخارج الإقليمى والدولى. وبجانب الرسالة الإنسانية وحرص الرئيس على لقاء شباب الأكاديمية الذين يمثلون المستقبل، يوجه الرئيس رسائل للداخل والخارج، يطمئن المصريين، ويتحاور مع الشباب، ويجيب عن تساؤلاتهم حول الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية. توقيت الزيارة مرتبط بالتطورات الإقليمية، خصوصًا القضية الفلسطينية والاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى التحديات المحيطة، وفى حديثه أعاد الرئيس التأكيد على دور مصر كدولة سلام تمتلك القوة والقدرة على حماية أمنها القومى والدفاع عن مصالحها، وقادرة على مواجهة أى تهديدات والتعامل مع التحديات الاقتصادية والإقليمية بكفاءة. زيارة الرئيس وحديثه لهم دلالة سياسية، أبرزها أن الدولة متيقظة للتحولات والتحديات الإقليمية والدولية وان التعامل مع هذه التحولات يتطلب حسابات ودقة، لأن الأمر لا يحتمل مغامرات، بل عمل دقيق، لمواجهة تحديات كبرى، كلمات الرئيس تعلن عن مصر القوية والواعية بما يجرى فى العالم، ولا ينسى أن يوجه التحية للشعب المصرى على وعيه بما يجرى طوال سنوات، والذى أطاح بدول وأدخل أخرى فى فوضى، بينما تظل مصر قادرة على مواجهة التحديات باحترافية. كل هذا وغيره أعلنه الرئيس السيسى، فى كلمات واضحة بالأكاديمية، ليطمئن الداخل، ويشرح للخارج، كيف أن مصر ذات القوة والقدرة، لديها التصور الأهم للسلام، القائم على العدل، من دون تنازلات، وبندية، تختار حروبها ومواقفها، بدقة وفى توقيت دقيق.