هناك تطورات لأى حدث تبدأ كَمية وتنتهى كيفية، وأى حدث لا تظهر نتائجه مباشرة لكنها تتفاعل وتنتهى إلى صور واتجاهات مختلفة، ومبكرا جدا كانت كل الشواهد تشير إلى أن الحرب فى غزة هذه المرة تختلف عما قبلها، وأن تداعيات وتقاطعات يوم 7 أكتوبر 2023، سوف تتجاوز ما سبق، وأن شكل ومضمون الصراع يشير إلى أن تحولات أعمق، كمًّا وكيفًا، وقد امتد إلى لبنان وسوريا وإيران واليمن، وأدخل المنطقة فى فوران ربما يضاعف من تداعيات الأحداث والصراعات التى تدور على مدار سنوات. ولم تتوقف التأثيرات المباشرة على هذه الدول، لكنها امتدت ولا تزال إلى دول الجوار والمنطقة، وكشفت خيارات وخططا لم تكن مطروحة، ومنها التهجير الذى ظهر فى أعقاب 7 أكتوبر، وبدا طوفان الأقصى ذريعة أو مناسبة لبدء طرح مخططات تهجير الفلسطينيين من غزة، بل والاستيلاء على أجزاء من الضفة الغربية، وهى مخططات بدا أنها كانت تنتظر إشارة البدء لتبدأ التنفيذ، ومن الواضح أنها مخططات جاهزة وتحمل أكثر من سيناريو، وكلما بدا أن هناك مواجهة من مخطط تظهر مخططات أخرى بشكل عاجل، ومن الواضح أن الاحتلال استعد لهذا السيناريو، وأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة أو الذريعة. وبالرغم من أن مصر انتبهت منذ البداية لمخططات التهجير وأعلنت رفضها، كانت مواقف وتصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ 13 أكتوبر 2023، بعد أيام من بدء الحرب حاسمة فى مواجهة مخططات التهجير، الذى لم يكن ظاهرا بهذا الشكل لكنه اتخذ عدة أشكال خلال الخمسة عشر شهرا التى شن فيها الاحتلال حرب إبادة على غزة، واتخذ أشكالا مختلفة من حيث التكتيك والمخططات. وخلال شهور خاضت مصر حروبا مختلفة، ضد مخططات الاحتلال وأكاذيبه، وأيضا ضد أطراف إقليمية او دولية أرادت المتاجرة بالحرب ودعم مخططات التهجير مباشرة أو بصور متنوعة أخرى، وخلال سنوات سعت مصر إلى مصالحة فلسطينية تنهى الانقسام، وتفوت الفرصة على من يوظفون الانقسام لأهداف ومخططات التهجير والتصفية، ومصر ترى أنه لا بديل عن حل الدولتين باعتباره الطريق الوحيد لإقرار السلام فى المنطقة، ومن دونه يكون البديل هو العنف واتساع الصراع بشكل قد تصعب السيطرة عليه. وعندما أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب دعم مخططات التهجير، رفضت مصر بحسم، أى مخططات للتهجير، وبالرغم من تراجع مؤقت لترامب، فقد تمسك نتنياهو بالسعى مرة أخرى لطرح المخطط، وبالرغم من أن عدوان الشهور الخمسة عشر، فشل فى إزاحة سكان غزة، فقد ضغط فى تهجيرهم من الشمال للجنوب وبالعكس، لكن سكان غزة لم يغادروها، وهو ما يحاول نتنياهو إحياءه، وهو أمر مستحيل، بجانب أنه بمثل جريمة طبقا للقانون الدولى وقوانين الحرب، وتطهير عرقى، وقد حاول الاحتلال جعل غزة مكانا غير قابل للحياة، ومع هذا فشل فى دفع الغزاوية لمغادرة أرضهم، ولهذا عاد لشن الحرب على غزة من جديد، بمزاعم واهية، فيما يبدو أنه تصدير لأزمات داخلية، أو محاولة لإطالة الحرب بشكل يضاعف من قدرته على البقاء، بجانب أنه يحاول تعويض ما فشل فى تنفيذه طوال 15 شهرا من الحرب. وتزامن عودة الاحتلال إلى الحرب على غزة، مع تعديلات فى سيناريوهات ومخططات التهجير، ومنها إنشاء وكالة لتهجير الفلسطينيين، والإشارة إلى مشروعات وخطط، سبق وتم رفضها، بينما تتخذ أشكالا مختلفة بمزاعم التهجير الطوعى، وكلها مخططات تستلزم المزيد من القصف والقتل الذى يمارسه نتناهو، وأيضا ترديد الأكاذيب ضد مصر، وهو ما تحسمه الدولة سواء فى تصريحات الرئيس، أو بيانات الخارجية وهيئة الاستعلامات تأكيدا لموقف مصر الثابت والمبدئى، بالرفض القاطع والنهائى لأى محاولة لتهجير الأشقاء الفلسطينيين من قطاع غزة، قسرا أو طوعا، لأى مكان خارجها، وجدد الرئيس السيسى فى كلمته باحتفالية ليلة القدر أن مصر، ستظل تبذل كل ما فى وسعها، لدعم القضية الفلسطينية العادلة. ومن هنا فإن مصر بخبراتها وتمسكها بمبادئها، تتصدى لمخططات التهجير أيا كانت صورتها.