في قلب الصحراء الممتدة بين مصر وليبيا والسودان، يكشف المثلث الحدودي عن وجهه الجديد.. من حلمٍ تكاملي تبنّاه العقيد معمر القذافي مطلع الألفية، إلى ساحة صراع تتنازعها الميليشيات والمحاور الإقليمية، يرصد هذا المقال تحوّلات هذه الرقعة التي شهدت ولادة فكرة المثلث الذهبي، وكيف تحوّلت إلى بؤرة اشتباك جيوسياسي معقّد يهدد الأمن القومي المصري ويعيد تشكيل موازين القوة في شمال إفريقيا. المثلث الحدودي على صفيح ملتهب في تطور ميداني ينذر بتحولات بالغة التأثير، أعلنت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) سيطرتها على المثلث الحدودي الذي يربط السودان بليبيا ومصر، عقب انسحاب مفاجئ للجيش السوداني.
لم يكن هذا التقدّم معزولًا عن السياق الإقليمي، بل جاء بدعم مباشر أو غير مباشر من قوات اللواء خليفة حفتر، وسط تقارير عن دور إماراتي نشط في تمويل وتسليح هذه العمليات. وعلى الرغم من أن المشهد يبدو امتدادًا للحرب السودانية، إلا أن آثاره تتجاوز الخرطوم، وتهدد أمن دول الجوار، من القاهرة إلى نواكشوط، مرورًا بطرابلس والنيجر.
خاصرة رخوة في جسد الأمن الإقليمي يشكّل هذا المثلث نقطة التقاء حساسة بين ثلاث دول تعاني جميعها من أزمات داخلية واضطرابات أمنية متصاعدة. لسنوات طويلة، ظلت هذه الرقعة خارج نطاق السيطرة الفعلية للدول المعنية، ما جعلها ممرًا مفتوحًا لتهريب السلاح والبشر والمخدرات، وملاذًا للجماعات المتطرفة العابر للحدود. من يفرض نفوذه على هذه المنطقة، لا يمتلك فقط ميزة جغرافية، بل يحوز أيضًا ورقة ضغط قادرة على زعزعة الاستقرار في قلب شمال إفريقيا، وخلط أوراق القوى الفاعلة في الإقليم. اختلال موازين السلطة ما يحدث في المثلث الحدودي هو نموذج مصغّر لانهيار النموذج التقليدي للدولة الوطنية. فقوات الدعم السريع، التي لا تستند إلى شرعية انتخابية أو دستورية، باتت تفرض أمرًا واقعًا يتجاوز الإطار السوداني. وتحالفها الميداني مع قوات حفتر، وارتباطها اللوجستي بالإمارات، يعكس ميلاد محور عسكري سياسي موازٍ، يسعى لإعادة تشكيل مناطق النفوذ عبر أدوات غير تقليدية. هذا التمدد المسلح يشكل تحديًا مباشرًا لفكرة الدولة المركزية، ويعقّد آفاق التسوية في السودان، ويهدد استقرار الجوار بأكمله. اختبار للجاهزية الاستراتيجية بالنسبة لمصر، فإن ما يجري عند حدودها الغربية لا يقتصر على البعد السوداني أو الليبي، بل يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. فوجود ميليشيا مسلحة مدعومة من أطراف إقليمية، على مقربة من عمقها الاستراتيجي، يفتح الباب لاحتمالات خطيرة، تبدأ بتسلل الجماعات المسلحة، ولا تنتهي بابتزاز سياسي. منذ سقوط الدولة الليبية عام 2011، والحدود الغربية لمصر تمثّل مصدر قلق دائم، لكن الوضع الراهن ينذر بتعقيد غير مسبوق، في ظل تنامي نفوذ الميليشيات وتقلص حضور الدولة في كل من طرابلسوالخرطوم. الإمارات وحفتر على خط التمدد تشير المعطيات إلى دور إماراتي فاعل في دعم قوات الدعم السريع، عبر شبكة لوجستية تمرّ بشرق ليبيا وصولًا إلى دارفور. ويبدو أن خليفة حفتر، الحليف التقليدي لأبو ظبي، يلعب دور الوسيط الميداني في هذا المشروع العسكري الجديد، الذي يتجاوز أهدافه المعلنة. التحالف غير الرسمي بين حميدتي وحفتر، والمدعوم من محور إقليمي، يُعيد إنتاج نمط من المحاور الموازية للدول، يعتمد على وكلاء مسلحين عابرين للحدود، ويسعى لفرض وقائع جديدة دون الالتفات إلى الشرعية أو الاستقرار. والسؤال الذي يُطرح بقوة: ما حدود الصمت المصري أمام هذا التمدد، وما هي الأدوات الممكنة للرد عليه؟ حين كان المثلث الذهبي حلمًا للتكامل في أبريل 2001، وبينما كان القذافي عائدًا برًّا من قمة عمان، توقّف لبضع ساعات عند المثلث الحدودي بين ليبيا ومصر والسودان، حيث راودته فكرة مشروع تنموي مشترك أطلق عليه اسم المثلث الذهبي. رأى القذافي في هذه المنطقة فرصة لتحويلها إلى واحة زراعية ضخمة تموّل احتياجات الدول الثلاث من الغذاء، فكلف أحمد قذاف الدم بتمثيل ليبيا، مع تخصيص 500 مليون جنيه إسترليني لتمويل المشروع. وقد كلفت مصر الدكتور يوسف والي، وكلفت السودان وزير زراعتها، على أن تتولى مصر والسودان توفير الخبراء والكوادر، مقابل تحمّل ليبيا لكلفة التنفيذ.
ورغم التفاهمات الأولية والطموح الواسع، تعثر المشروع قبل أن يبدأ، لأسباب سياسية وإدارية. لكنه بقي شاهدًا على إمكانية واقعية للتكامل الثلاثي. ولو تحقق، لكان ربط الدول الثلاث بمصالح تنموية متجذرة، وأعاد إحياء ميثاق طرابلس التاريخي الموقع أواخر 1969 بين عبد الناصر والقذافي والنميري. اليوم، وعلى ذات الأرض التي طُرحتد فيها فكرة المثلث الذهبي، تُرسم خرائط الدم والنفوذ، بدل خرائط التنمية والتكامل. من عسكرة الحدود إلى إعادة التموضع السيطرة الحالية لقوات الدعم السريع على المثلث الحدودي مرشحة لتثبيت نفوذ جديد، تتجاوز تداعياته الجغرافيا السودانية. فمن جهة، قد تتحوّل المنطقة إلى مركز عبور إقليمي للمرتزقة والأسلحة، بما يعقّد أي جهود لحل سياسي في السودان. ومن جهة أخرى، قد تجد مصر نفسها أمام ضرورة إعادة التموضع الأمني على جبهتي الغرب والجنوب، وربما الانخراط في تنسيق أمني موسّع مع دول الساحل والصحراء، كجزء من استراتيجية استباقية لاحتواء التهديدات المتنامية. مصر في قلب العاصفة الإقليمية ما يزيد من خطورة الوضع أن المثلث الحدودي يشتعل في توقيت بالغ الحساسية لمصر، وسط تقاطع ضغوط من أربع جهات: من الشرق: تتواصل حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما تحمله من خطر التهجير القسري نحو سيناء، بما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري. من الغرب: تعيش ليبيا فوضى مستمرة بفعل الصراعات المسلحة والانقسام المؤسساتي، ما يجعل حدودها منصة مفتوحة للتهريب والتسلل. من الجنوب: تستعر الحرب الأهلية في السودان، دون أفق لحل قريب، ما ينذر بمزيد من الاختراقات الأمنية العابرة للحدود. ومن الجنوب الشرقي: لا يزال سد النهضة يمثل تهديدًا استراتيجيًا للأمن المائي المصري، في ظل تعنّت إثيوبي متواصل. هذه التحديات المتزامنة تتطلب من مصر تجاوز منطق ردود الأفعال، وصياغة مقاربة شاملة تعيد ترتيب أولويات الأمن القومي، وفق فهم متكامل لمخاطر المرحلة. بين الردع وبناء البدائل لا يمكن النظر إلى سيطرة الميليشيات على المثلث الحدودي كحدث محلي معزول، بل كعلامة على ولادة نظام موازٍ يقوض الدولة الوطنية ويتشكل بدعم إقليمي. ومصر، بما تملكه من ثقل سياسي وجغرافي، مطالبة بتجاوز الحذر التقليدي، والانخراط في استراتيجية متكاملة تجمع بين الردع العسكري، والتحرك الدبلوماسي، وبناء تحالفات فاعلة تحفظ الأمن وتعيد رسم المشهد لصالح الاستقرار.
في هذا السياق، لا بد من استعادة الروح القومية التي عبّر عنها عبد الناصر بقوله: "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة"، والقوة ليست السلاح فقط، بل الإرادة والوحدة والوعي. فالتحديات الراهنة تتطلب إرادة قادرة على الدفاع عن الحدود، وفي الوقت ذاته، إحياء مشاريع التكامل الاقتصادي والسياسي التي تشكّل الرد الحقيقي على مشاريع التفتيت والتفجير. الإيجارات القديمة بين عدالة مغشوشة وذاكرة منهوبة جمال حمدان.. نبوءات الجغرافيا ورجل سبق زمنه وقد لا يكون مشروع المثلث الذهبي قابلًا للإحياء بصيغته القديمة، لكن استدعاءه الآن يفتح أفقًا لتصور جديد للتعاون الثلاثي، يعيد للمنطقة معناها التنموي بعد أن تحوّلت إلى ساحة صراع. فإما أن يُستعاد الحلم في شكل آخر، أو يُترك المثلث فريسة للميليشيات ومحاور التمدد على حساب الدولة والاستقرار. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا