واشنطن أبلغت «القاهرة – أبوظبي» برفض أى تمدد ل «حفتر» باتجاه طرابلس.. والتدخل الإيطالي أعاد الأزمة للمربع صفر كثّفت الدبلوماسية المصرية من جهودها خلال الفترة الأخيرة؛ للتوصل لتسوية سياسية في ليبيا تفضي إلى تقاسم السلطة بين رئيس حكومة "الوفاق الوطني" فايز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، بالتنسيق مع التسوية التي قادها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، والداعية إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال عام وتشكيل حكومة مدنية، تقود البلد الذي تعصف به الاضطرابات إلى الاستقرار، عبر شراكة وطنية بين مختلف ألوان الطيف الليبي. غير أن الجهود المصرية تواجه بصعوبات واختلافات في وجهات النظر مع دول ذات الصلة بالملف الليبي، ومنها إيطالياوالجزائر والسودان والمتحفظة بشدة على تنامي نفوذ الجنرال المتقاعد خليفة حفتر؛ وتدعم حكومة فايز السراج المُعترف بها دوليًّا، وحلفاءها من القوى المحسوبة على ثورة 17فبراير، وفي القلب منها القوى الإسلامية. وأخفقت زيارة وزير الخارجية الجزائري عبدالقادر مساهل إلى القاهرة في الأسبوع الماضي في تضييق الفجوة بين البلدين؛ إذ مازالت الجزائر تراهن على دعم اتفاق الصخيرات وحكومة الوفاق، وتطالب بتشكيل حكومة مدنية يسيطر فيها السياسيون على القرار، ويكون فيها الجيش الليبي تحت إمرة الساسة، وفق انتخابات حرة، تجرى بإشراف دولي، خلافًا لوجهة النظر المصرية الداعمة لحفتر. وتواجه مساعي القاهرة لانتزاع دعم دولي لما تطلق عليه "الجيش الوطني الليبي"، صعوبات شديدة؛ في ظل نظرة عواصم عدة إليه بوصفه إحدى الكتائب التابعة لجيش القذافي، والراغب بقوة في تفريغ ثورة 17 فبراير من مضمونها، وإعادة الوضع في ليبيا إلى ما قبل اندلاع الثورة، فضلاً عن رفض القوى المحسوبة عليها لهذه التسمية. وظهر ذلك في بيان لما تسمى ب "سرايا الدفاع عن بنغازي"، والذي اتهم القاهرةوأبوظبي بشن حملات إعلامية "حوّلت مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق والمرتزقة إلى الجيش الوطني الليبي"، مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بالتدخل لوقف تجاوزات القاهرة في المشهد الليبي. في نفس السياق، لم تنجح مباحثات وزير الخارجية سامح شكري في الخرطوم مع نظيره السوداني إبراهيم غندور في حلحلة العديد من المشكلات بين البلدين، في مقدمتها الأزمة الليبية. وترفض الخرطوم الدعم المصري لحفتر، الذي تتهمه بدعم المتمردين في دارفور، والسعي لإسقاط نظام عمر البشير، وهو ما ردت عليه الخرطوم باستمرار دعم حكومة فايز السراج، وتعمل بكل السبل على تحجيم نفوذ حفتر في الأراضي الليبية. في غضون ذلك، أرسلت إيطاليا سفن حربية إلى الساحل الليبي؛ للعمل على تأهيل البحرية الليبية، وهو ما اعتبرته مصر تدخلاً إيطاليًا داعمًا لحكومة السراج، والسعي للتصدي لنفوذ "عملية الكرامة"، بقيادة حفتر. وقال الدكتور عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إن "مصر تنظر إلى الخطوة الإيطالية باعتبارها تدخلاً في الصراع الدائر في ليبيا، قد تكون لها تداعيات سلبية على طموحات الجنرال خليفة حفتر، ومحاولة لتفريغ اتفاق باريس من مضمونه ووضع نتائجه على المحك، لاسيما أن اعتراض حفتر على طلب حكومة السراج دعمًا إيطاليًّا يمثل مخالفة لاتفاق باريس، وهو ما يعد ضربةً لكلٍ من القاهرة وأبو ظبي الداعمتين للاتفاق". وأضاف: "خطورة التدخل الإيطالي تُفسّر رد فعل حفتر، الذي أصدر تعليمات لقواته بالتعامل مع أي سفن تقترب من السواحل الليبية، لما يمثله التواجد الإيطالي من تهديد لتنامي نفوذه ودعم لخصومه، فضلاً عن مخالفة الرؤية الإيطالية للتصور المصري - الإماراتي لمستقبل ليبيا". وأوضح الأشعل أن "القاهرةوأبوظبي أبلغتا من الولاياتالمتحدة بوجود "فيتو" على اقتراب قوات حفتر من العاصمة الليبية طرابلس، بشكل يقطع الطريق على مساعيه للوصول لمناطق الغرب، لاستكمال ما بدأه بعد السيطرة على بنغازي، ما دفع العاصمتين العربيتين للبحث عن بدائل لهذا الأمر، والرهان على دور فرنسي لقيادة تسوية بين السراج وحفتر والعمل على الانفتاح على مختلف ألوان الطيف الليبي". وأشار إلى أن "مصر والإمارات سعتا لرعاية ما يمكن أن يطلق عليه مصالحة ليبية بين قبائل مصراتة وقبائل الشرق الليبية، كخطوة لتهيئة المناخ لتنفيذ الاتفاق الذي تم برعاية فرنسية بين حفتر والسراج لعقد انتخابات برلمانية ورئاسية، متجاهلتين أن حفتر قد نفض يديه من اتفاق باريس في وقت لم يجف فيه بعد مداد توقيعه، وهو نهج يضع كثيرًا من علامات الاستفهام حول تصور الإمارات ومصر للمشهد الليبي". من جهته، قال الدكتور عاطف السعداوي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ب "الأهرام"، إن "النجاحات التي حققتها قوات حفتر في الشرق الليبي على الرغم من أهميتها، إلا أنها لم تمكنه من إحكام قبضته على الساحة الليبية بشكل عام". وأضاف: "هناك ساحة نفوذ دولي في ليبيا وصراع للمصالح لن يترك فرصة لجهة معينة في ليبيا لتحكم سيطرتها، بل تسعى لإيجاد شراكة وطنية تضم جميع ألوان الطيف الليبي، وهو أمر شديد الصعوبة في ظل الخلافات الشديدة التي تحكم علاقة الفرقاء الليبيين، والتي تجعل معه تشكيل حكومة وفاق ليبية حقيقية شبه مستحيل في التوقيت الحالي على الأقل". وأشار إلى أن "الأزمة الليبية ستراوح مكانها لمدة طويلة في ظل غياب الإجماع الدولي، وحتى الأوروبي حيال الوضع الليبي، فضلاً عن التباينات الإقليمية، وهو ما ظهر جليًّا في رفض إيطاليا، التدخل الفرنسي ورعاية باريس لاتفاق بين السراج وحفتر، وقيامها بإرسال قطع بحرية وكأنها توصل رسالة بأنها حاضرة في المشهد الليبي بقوة، وهو أمر يؤكد أن التسوية في هذه الأجواء لا يمكن أن تكون قريبة".