استغفرت كثيرا، استعاذت بالله من الشيطان الرجيم، بعدما فشلت فى التملص من إلحاح ولهفة ابنتى آية أن تحكى لها حدوتة طفولتى الوحيدة، تلملم تفاصيل تاهت منها، أنصت بكل حواسى لهمس شفتيها، استرجع معها سحر شخصيات شاركتنى أحلام نومى، مترددة تبسمل، تدعو بكل خشوع : يارب سامحنى واكفينا شر سيرة الناس. نفد صبرنا انتظارا للحدوتة، خجلة قالت : كان ياما كان يا سعد يا إكرام ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام، كان فيه زمان أخ وأخت، شمنتر والشاطر حسن يتامى، بس عاشوا فى خير أبوهم والرزق عال، وكبروا بالرضا والحنان. بقلق تفرك أصابعها تعيد عصبة طرحتها السوداء، تخفى بياض شعرها، استرجع صورتها تكمل الحكاية، موردة الخدين تتسلل ضفائرها بنعومة تحت قمطتها المزركشة بكل ألوان الطيف، تداعب وجهى حين كانت تضمنى فى حضنها الواسع. وفى يوم قالت شمنتر لأخيها : آن الأوان تتجوز وتملى البيت عيال، ضحك وقال: ما أتجوز إلا اللى تكون خدامة ليكى وتشرب من مية غسيل رجليكى. تغمض عينيها متهدلة الجفون، وكأنها تخشى مواجهتنا، افتقد تلصص نظراتها تتأكد من نومنا ، لتكمل ليلتها مطمئنة أن خدر الحدوتة تكفل بنومنا حتى الصباح ، تمصمص شفتيها : بس الكلام ده حرام وكدب فى كدب ، طفرت دموع آية : علشان خاطرى والنبى يا تيتة كملى الحدوتة ! وكمن يبحث عن مهرب : حرام عليكى يا بنتى ليه تركبينى ذنوب على آخر الزمن !! مضطرة جبرا لخاطرها تكمل : وكل صباح تشوف شمنتر البنات الملاح ، تسألهم مين تتجوز أخويا وتشرب من مية غسيل رجليا. تضحك البنات وتقول : أحنا البنات البكارة مهرنا الدلع والإمارة ، ولا نشرب مية العكارة . تزعل شمنتر وتترجى أخوها يتنازل عن شرطه ، لكن دماغه تقولش حجارة ، لحد ما قابلت بنت غلبانة طبطبت عليها وشربت من مية غسيل رجليها، وتفوت الأيام والغلبانة تكبر جواها الإهانة ، وهى قاعدة تفكر فى طريقة تنتقم بيها ، سمعت صوت ينادى : أبيع البيض الحكر للبنات البكر، تنده عليه وتشترى سبع بيضات تأكلهم لشمنتر، وبعد أسابيع وشهور راحت تقول لجوزها الغفلان : أختك لبستك العار ، روح اقعد على رجلها تسمع فضيحة بطنها . استغفر الله العظيم من الظلم والغدر، نهايته مكدبش خبر وقال لها : وحشنى يا أختى أنام فى حضنك زى زمان ، وحط ودنه فوق بطنها سمع زقزقة، ومن غير عتاب ولا كلام أخدها وهو غضبان، وفى مركب وسط البحر سابها حيرانة وفى دموعها غرقانة ، والظلم مر ولا العلقم، بس ربك رب قلوب ، قادر فى سمواته حاضر، وفرحت مراته الحرباية، تمرح لوحدها فى البيت وتنهب خير البيت. وفى يوم وهى بتنشر الغلة فوق السطوح حام حواليها الحمام ، قامت تهشه: حم، حم يا حمام، رد عليها الحمام : لا حم ولا بم ولا وشك الغتم ده القمح قمح شمنتر، شمنتر أخت الغالى فى القصر العالى ، وتعالى يا خال كلم أمى، جريت قالت لجوزها : ألحقنى ، وسمع بنفسه اللى قاله الحمام فمشى وراه يعرف إيه الحكاية ، لحد ما وصل وسط البحر ، نفس المكان اللى ساب فيه أخته لقى قصر كبير ... فجأة صمتت ، انتفضت مذعورة تهرول : فاتتنى صلاة العشا ، حرام عليكم ، شيلتونى ذنوب وضيعتوا صلاتى. نامت ابنتى بعدما كرهت الحدوتة، ولم تعد تسألها أبدا أن تحكيها ، خاصة حينما وبختها أمى صباحا قائلة : زارتنى شمنتر فى الحلم تعتب على مسك سيرتها والله لا يرضيه الخوض فى عرضها ، واعتبرت هذا ذنبا مازالت تستغفر منه حتى الآن.